*موقع «ذا أونيون » بدأ الموضة فى عام 1996 وينشرأخباراً مزيفة متخصصة فى كل مجال *«تونس نيوز» ادعى أن الملك سلمان بن عبدالعزيز اعتذر عن مساعدة السعودية لمصر.. ومن فرحوا بالخبر قال لهم الموقع «عليكم واحد» *الإيرانيون صدقوا أن الأمريكان يحبون نجاد أكثر من أوباما.. وموقع أبوالهول أقنع العالم أن الشرطة السويدية تفض المظاهرات بغاز الضحك *«يا خبر» يعد المصريين بخروف على بطاقة التموين.. وإعلان أمريكى ساخر يشجع الناس على ترك التدخين لأن السجائر تسبب الشذوذ الجنسى *حفاوة استقبال الملك سلمان للرئيس السيسى ترد على شائعات مواقع الإخبار المزيفة ليس كل ما يلمع ذهبًا، حكمة قديمة تنطبق على الكثير من الأشياء فى الحياة، أحدها بالتأكيد هو المواقع الإخبارية. فليس هدف كل المصادر الإعلامية نقل الحقيقة بشكل مهنى دقيق، أحيانًا يكون الهدف هو تسلية الجمهور فقط، ولهذا ينشط على شبكة الإنترنت عدد كبير من المواقع الساخرة التى تنشر أخبارًا «مضروبة» غير حقيقة، بعضها يهدف إلى توعية القارئ إلى قضايا مهمة يثيرها فى ذهنه هذا الخبر الكاذب، وبعضها لمجرد زيادة الزيارات وتحقيق دخل مادى كبير. أحد هذه المواقع والذى أثار جدلًا كبيرًا مؤخرًا هو موقع تونسى - لم يعد مغمورًا - يحمل اسم «تونس نيوز»، وهو متخصص فى نشر الأخبار المختلقة أو الساخرة، وقد تداول مستخدمو الإنترنت بكثافة خبرًا نشره الموقع بعنوان «الملك سلمان: السعودية لعبت دورًا فى مصر لم أكن راضيًا عنه وحان وقت الاعتذار». الخبر المنشور يوم 4 فبراير أدهش الكثير من المراقبين، وبدأ الكل يحلل الخبر لما فيه مصلحته السياسية أو وجهة نظره الخاصة، فلم تتوقف الفرحة بالتصريحات «المفبركة» عند أعضاء جماعة الإخوان فى مصر، بل سارعت «شبكة شامل الإخبارية» السورية لنشرها، كما نشر الإعلامى الإخوانى، حمزة زوبع الخبر، فى برنامجه «مع زوبع»، الذى يذاع على قناة «مكملين». مشاركات الخبر عبر الموقع على مواقع التواصل الاجتماعى بلغت أكثر من 15 ألف مشاركة، وللأسف لم ينتبه أى من هؤلاء ال 15 ألفًا الذين تحمسوا للخبر أو خافوا منه إلى أن الموقع التونسي لا ينشر أى أخبار حقيقية على الإطلاق، ولم يلتفتوا إلى ما كتب بخط صغير فى السطر الأخير من واجهة الموقع: «هذا الموقع هزلى ولا يمت للواقع بصلة، جميع الحقوق غير محفوظة وكأنه يقول للقراء «عليكم واحد»! أما صفحة الموقع التونسى على فيسبوك فالتفاعل معها ضعيف للغاية، لا يتعدى 5 لايك على كل خبر، لأن رواد الفيسبوك يعرفون أن كل الأخبار الصادرة عنده كاذبة لا تحتاج للمجهود. للأسف الموقع التونسى لا يتسم بالمهنية.. لا نقصد بذلك بالتأكيد «المهنية الصحفية» التقليدية، لأن أخباره كاذبة بالأساس، فلا توجد ذرة من المهنية لدى كل المواقع الكوميدية، لأن هدفها المتعة وليس الحقيقة، لكننا نقصد «المهنية الساخرة».. فالخبر الساخر «الصحيح» يجب أن يحتوى بداخله على عوامل تكذيبه، أى أن القارئ يجب أن يشعر أن هناك «نكتة» فى الخبر أو «اشتغالة»، كما سنرى فى الأمثلة التالية.. أما الجدية الكاملة والوقار التى ينشر بها الموقع التونسى أخباره فتخلط بين «السخرية» وبين «الكذب».. لأن هدف الخبر الساخر هو تسليط الضوء على ظاهرة ما بشكل يفضح سلبياتها، وليس مجرد نقل معلومات زائفة من المستحيل كشف كذبها.
موضة قديمة مواقع الأخبار المزيفة منتشرة فى العالم منذ زمن طويل، ربما منذ بداية شبكة الإنترنت نفسها، ويعتبر موقع «ذا أونيون» الأمريكى الساخر هو عمدة هذه المواقع، وهو ينشر الأخبار المتختلقة منذ عام 1996، بل إن بعضها يكون متخصصًا فى قسم صحفى معين، فموقع «هوليوود لييك» متخصص فى الشائعات عن المشاهير والأخبار الفنية. ولأن هذا النوع من الأخبار المختلقة يكون فى العادة مثيرًا جدًا وكاسرًا لما هو تقليدى، فإنها تنتشر بسرعة مذهلة عبر مواقع التواصل الاجتماعى والإيميلات وغيرها، فتتضخم القصة وتصل إلى مواقع الأخبار الحقيقة التى تعرضها أحيانًا على أنها أخبار فعلية دون الانتباه إلى مصدرها الأساسى، أيضًا ما يسبب بعض المشاكل أن موقع جوجل يضع هذه الأخبار الزائفة ضمن تصنيف «أخبار»، بمعنى أنك لو حاولت أن تبحث عن كلمة معينة ضمن نطاق الأخبار فستأتى لك الأخبار الزائفة دائمًا فى النتائج. ولهذا السبب فإنك إذا دخلت على موقع «ذا أونيون» ستجد أن الموقع يفتخر بقائمة طويلة جدًا من تقاريره التى أخذها الرأى العام بجدية شديدة، رغم أنها مجرد نسج خيال، ومنها خبر أن وزير التعليم البريطانى ينصح الأطفال بتعلم فنون السحر الأسود تشبهًا بهارى بوتر، أو إعلان ساخر يشجع الناس على ترك التدخين لأن السجائر تسبب الشذوذ الجنسى!
شوية اشتغالات على سبيل المثال نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية بكل فخر فى عام 2012 استطلاعًا للرأى حول آراء الأمريكيين فى الرئيس الأمريكى باراك أوباما والرئيس الإيرانى (وقتها) محمود أحمدى نجاد. وتفاخرت الوكالة الإيرانية بأن 77 فى المائة من الأمريكيين يعتقدون أن الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد رجل لطيف من الممكن أن تخرج معه فى نزهة، بينما أوباما إنسان معقد وثقيل الظل، وطبقًا للاستطلاع أيضًا فإن 77 فى المائة من الأمريكيين سيختارون الذهاب لمباراة رياضية أو تناول شراب مع أحمدى نجاد بدلا من أوباما. ولم تنتبه الوكالة الإيرانية المقربة من الحرس الثورى إلى أن الاستطلاع نشر على موقع «ذا أونيون» الساخر، الذى لا ينشر حقائق أبدًا. بدورها نشرت جريدة الشعب الصادرة عن الحزب الشيوعى فى الصين تقريرًا يقول إن «الأمريكيين انتخبوا كيم جونغ كأكثر الرجال جاذبية جنسية حول العالم لعام 2012». وطعمت الجريدة الصينية التقرير بصور كثيرة للرجل فى أوضاع مختلفة محاولة إظهاره كشاب ذى جسم رياضى ووجه وسيم، مما آثار سخرية الكثر من المعلقين على التقرير، خاصة بالنظر لصور كيم ببدانته وقصره وما كتب فى التقرير حول كونه أصبح حلم الفتيات حول العالم، لتكتشف الجريدة متأخرة جدًا أن الخبر الذى نقلته كان قد نشر بالفعل فى جريدة أمريكية ساخرة. العرب يضحكون أيضًا المواقع «المفبركة» لا تقتصر على وسائل الإعلام الغربية، فهناك الكثير من المواقع العربية التى تقدم أخبارًا زائفة إلى القارئ، فعلى سبيل المثال نشر موقع «أبو الهول» المصرى الساخر خبرًا فى يناير 2014 يقول إن الشرطة السويدية بدأت تستخدم أسلوبًا جديدًا فى مكافحة الشغب، وهو فض المظاهرات باستخدام غاز الضحك بدلا من الغاز المسيل للدموع. وقال أبو الهول فى تقريره الزائف إن «شرطة السويد فضت مظاهرة نسائية تطالب بتعديل قوانين المساواة بين الجنسين بغازات مثيرة للضحك، بعد أن ابتكر أحد ضباط قوات مكافحة الشغب هذه الطريقة الجديدة، لفضّ المظاهرات المخالفة أو التى تعطل المرور لتفادى الخسائر المادية والبشرية المحتملة فى مثل هذا العمليات». الخبر تناقلته أغلب وسائل الإعلام العربية بحفاوة شديدة، ومع انتشار الخبر اضطرت الحكومة السويدية على حسابها الرسمى على «تويتر إلى نفيه»، مشيرة إلى أن استخدام الشرطة لغاز الضحك فى فض المظاهرات خبر عارٍ تمامًا من الصحة. وقتها فقط انتبه كل من احتفى بالخبر إلى أن موقع أبو الهول كتب بوضوح شديد تحت لوجو أبو الهول الذى يميز الموقع هذا السلوجان: «دليلك الأول للأخبار غير الحقيقية». أيضًا موقع «يا خبر» المصرى الساخر خصص قسمًا خاصًا للأخبار المختلقة تحت اسم «فشر نيوز».. يحمل أخبارًا من نوعية: «حمامات سباحة وجاكوزى وملاعب بيسبول بجميع مدارس الجمهورية بداية من العام الدراسى الجديد» أو «توزيع خرفان على بطاقة التموين».. أو أن «اليابان تستغيث بالخبرة المصرية فى مجال المرور وتخطيط الشوارع».. وغيرها من الأخبار التى يصعب على القارئ تصديقها، حتى لو تمنى ذلك. أيضًا من ضمن المواقع المصرية الساخرة موقع «الكشرى اليوم» والذى ينشر أخباره باللغة الإنجليزية منذ عام 2008، والذى ستجد بعض أسماء الصحفيين فيه غريبة نسبيًا مثل «مكرونة» و«تقلية» و«ورد زيادة» و«كمالة»! أما موقع «بان أريبيا إنكوايرر» فقد حقق نجاحًا كبيرًا عندما فبرك خبرًا طريفًا أثار الجدل، عن نية حكومة دبى فرض رسوم على ممارسى «الجرى»، ونشر الموقع خبرًا هزليًا يفيد بأن هيئة الطرق والمواصلات فى دبى تنوى وضع بوابات رسوم على مضمار الجرى حول حديقة الصفا بدبى. الخبر ادعى أن هذه البوابات ستقوم باحتساب الرسوم اعتمادًا على سرعة الشخص، فإن كانت سرعته فى الجرى تصل إلى 10 كم فى الساعة فإن المبلغ المحتسب سيكون درهمان، أما المشى بسرعة أقل فسيتطلب على الأشخاص دفع 4 دراهم عن كل دورة، ولهذا على المواطن الإماراتى أن يجرى أسرع كى يدفع نقودًا أقل! فى النهاية لا يتبقى لنا إلا أن ننصح القارئ الذى يتلقى مئات ومئات من المؤثرات الإعلامية يوميًا، أن يتبع نصيحة قديمة ابن خلدون التى وضعها فى «المقدمة» منذ 6 قرون ورغم ذلك لا يعمل بها أحد، ألا وهى «إعمال العقل فى الخبر»، لأن أخبارًا كثيرة إذا أعملت فيها عقلك ستجد أنها تتلاشى ذاتيًا، مثل أسطوانة حلقات مسلسل «مهمة مستحيلة»!