*وزيرة الخارجية الأمريكية: الجماعة استعدت جيدا للسلطة وأزمة المتظاهرين أنهم «بلا قيادة » ..وتوقعنا اضطراباً فى مصر لسنوات عديدة لم تكن الولاياتالمتحدة بعيدة عن ثورة 25 يناير.. فالبيت الأبيض عاش ساعات القلق التى عاشها مبارك الرئيس الأسبق وحاشيته طوال 18 يومًا.. وحاول التدخل مرارًا وتكرارًا من خلال أكثر من جهة.. وحتى تنحى مبارك عن الحكم كانت الولاياتالمتحدة ممثلة فى مستشارى أوباما ووزيرة خارجيته وقتها هيلارى كلينتون فى اجتماع دائم لرسم الواقع المصرى، وتحديد شكله فى الفترة التى تلى سقوط مبارك ونظامه. هيلارى كلينتون دونت ما حدث فى مصر من وجهة نظر البيت الأبيض وحاولت فى مذكراتها «خيارات صعبة» أن تنقل شهادتها حول ما جرى على أرض مصر فى فترة توليها وزارة الخارجية.. «هيلارى» كانت شاهدة على ثورة يناير، وعلى سقوط حكم مبارك، وعلى ارتباك وتخبط شباب الثورة، ودقة تخطيط صعود الإخوان للحكم.. تقول «هيلارى» إنها كانت شاهدة، بينما يقول البعض إن أمريكا كلها كانت «شريكًا» فيما يحدث فى مصر، وهى التهمة التى تنفيها «هيلارى» مرارًا وتكرارًا فى كتابها « Hard choices»، تمامًا كما تنفى أى صلة لها لاحقًا بصعود جماعة الإخوان. تقول هيلارى كلينتون فى مذكراتها عن بداية ثورة يناير: «بدأت الاحتجاجات فى ميدان التحرير تتزايد وصارت تركز على هدف واحد: إزاحة مبارك من الحكم». وتستطرد هيلارى عن علاقتها بعائلة مبارك: «لقد عرفت مبارك وزوجته سوزان لما يقرب من 20 عامًا، كان ضابطًا بالقوات الجوية المصرية، تدرج فى المناصب العسكرية حتى وصل إلى منصب نائب الرئيس تحت حكم السادات، وتعرض للإصابة يوم اغتيال الرئيس الذى قاد الحرب ضد إسرائيل ووقع معاهدة السلام معها.. نجا مبارك من حادث اغتيال السادات وأصبح رئيسًا بعدها، ليشن حملة عنيفة على الإسلاميين.. والواقع أن حسنى مبارك قد حكم مصر كفرعون صاحب سلطات مطلقة لما يقرب من ثلاثين عامًا. وعن الفترة التى سبقت اندلاع الثورة فى مصر تقولى هيلارى: «فى مايو 2009، توفى حفيد مبارك الأكبر عن عمر لا يزيد على 12 عامًا، توفى فجأة بسبب مشكلة صحية.. وبدا أن تلك الصدمة قد حطمت الرئيس المسن.. وعندما اتصلت بسوزان مبارك لأقدم لها تعازىّ، قالت لى: «هذا الصبى كان أفضل صديق للرئيس». أما الثورة فسجلتها مذكرات هيلارى بقولها: بالنسبة لإدارة أوباما، كانت الاحتجاجات التى اندلعت فى يناير 2011 تمثل موقفًا حساسًا.. لقد كان مبارك حليفًا استراتيجيًا لواشنطن لعقود، فى الوقت الذى كانت فيه القيم الأمريكية تقف فى الجانب نفسه الذى تقف فيه مطالب الشباب الذين يطالبون بالعيش والحرية والكرامة، وعندما سألنى أحد الصحفيين عن الاحتجاجات فى أول يوم من اندلاعها، فكرت أن أقدم له إجابة محسوبة تعكس مصالحنا وقيمنا، وتعكس فى الوقت نفسه عدم وضوح الموقف بالنسبة لنا، حتى لا نصب مزيدًا من الزيت على النار.. قلت: «إننا نؤيد الحريات الأساسية فى التعبير عن الرأى للجميع، ونطالب كل الأطراف بأن تتحلى بضبط النفس وتمتنع عن اللجوء للعنف. لكن تقديرنا أن الحكومة المصرية مستقرة، وتبحث عن طرق للاستجابة للطلبات المشروعة ومصالح الشعب المصرى، لكن تبين لنا فيما بعد أن هذا النظام لم يكن مستقرًا بالتأكيد، وإن كان قليل من المراقبين هم الذين يمكنهم حقًا أن يتخيلوا حجم الضعف والهشاشة التى كان يعانى فعليًا منها. وتابعت: يوم 28 يونيو، انضم الرئيس أوباما لاجتماع للأمن القومى فى غرفة العمليات فى البيت الأبيض، وسألنا عن توصياتنا حول كيفية إدارة الأحداث فى مصر، وظل الجدل دائرًا حول المائدة الطويلة، وغرقنا من جديد فى تساؤلات حيّرت صانعى السياسة الأمريكية لأجيال: «كيف يمكننا الموازنة بين مصالحنا الاستراتيجية وقيمنا الأساسية؟ هل يمكننا التأثير فى مجرى السياسات الداخلية لدولة أخرى وأن نرعى الديمقراطية فى بلد لم تزدهر فيه أبدًا من قبل دون أن نعانى من آثار سلبية غير مقصودة؟ كيف نكون فعلاً على الجانب الصحيح من التاريخ؟ كانت تلك هى التساؤلات التى فجرها ما أطلق عليه فيما بعد «الربيع العربى». وتضيف: مثل العديد من الشباب حول العالم، كان بعض مساعدى أوباما من الشباب فى البيت الأبيض، قد انجرفوا وراء موجة الدراما والمثالية التى فجرتها اللحظة، وهم يتابعون مشاهد من ميدان التحرير على شاشات التليفزيون، وشعروا بتوحدهم مع المطالب الديمقراطية وسهولة التواصل الاجتماعى والتكنولوجى الذى أظهره المتظاهرون الشباب فى مصر، والواقع أنه بالفعل شعر الكثير من الأمريكان بالتأثر لمشهد شعب طال قمعه، ينتفض ليطالب أخيرًا بحقوقه، رافضًا القوة المفرطة التى استخدمتها ضده السلطات فى المقابل.. أنا نفسى شعرت بذلك.. كانت لحظة مؤثرة. وتواصل «كلينتون»: لكننى أيضًا، أنا ونائب الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع روبرت جيتس ومستشار الأمن القومى توم دونيلون، كنا قلقين من أن يُنظَر إلينا على أننا نلقى بحليف عتيد لنا خارجًا، تاركين مصر وإسرائيل والأردن والمنطقة كلها لمستقبل خطر وغير معلوم. وتابعت: وعلى الرغم من حجم الاحتجاجات فى التحرير، فإنها ظلت فى النهاية مظاهرات بلا قائد، تحركها دعوات وسائل التواصل الاجتماعى والدعوات الشفهية، وليس حركة معارضة منظمة متماسكة، فالواقع أن سنوات طويلة من حكم الحزب الواحد فى مصر، تركت المتظاهرين غير مجهزين تجهيزًا جيدًا لخوض انتخابات مفتوحة، أو بناء مؤسسات ديمقراطية راسخة. وتقول هيلارى: على العكس منهم، كانت جماعة الإخوان قد وضعت نفسها فى المكان الصحيح لسد الفجوة التى قد تنتج عن سقوط النظام، كان مبارك قد حاول دفع الإخوان تحت الأرض، لكنهم ظلوا يملكون أتباعًا فى طول مصر وعرضها، إضافة إلى بناء تنظيمى محكم.. قالت الجماعة إنها نبذت العنف، وبذلت بعض الجهد حتى تظهر فى صورة أكثر اعتدالاً، لكن كان من المستحيل التنبؤ بالطريقة التى يمكن أن تتصرف بها الجماعة إذا وصلت للحكم.. كل ذلك دفعنى مع نائب الرئيس ووزير الدفاع، إلى أن ننصح بتوخى الحذر.. قلت للرئيس إنه لو سقط مبارك، فأعتقد أن كل شىء يمكن أن يسير على ما يرام خلال 25 عامًا، لكننى أعتقد أن الفترة من اليوم وحتى نهاية هذه الأعوام، ستكون شديدة الاضطراب بالنسبة للشعب المصرى، وللمنطقة، ولنا. وتواصل هيلارى: وعندما تحدثت مع وزير الخارجية المصرى وقتها «أحمد أبوالغيط»، طالبت الحكومة المصرية بإظهار ضبط النفس واستجابتها لمطالب الشعب.. وأضفت: «سيكون من الصعب على الرئيس مبارك أن يثبت أنه قد استمع للشعب بعد ثلاثين عامًا، إلا إذا أجرى انتخابات حرة ونزيهة ولم يحاول التخطيط لتحديد من الذى سيخلفه».. ورد «أبو الغيط»: «هذا أمر ليس مطلوبًا غدًا.. ما علينا غدًا هو تهدئة الشعب»، إلا أنه وافق على نقل مخاوفى.
وتتابع هيلارى : فى 4 فبراير، تحدثت مجددًا مع وزير الخارجية «أحمد أبوالغيط» فى مناقشاتنا السابقة، كان يبدو واثقًا ومتفائلاً، لكنه الآن لم يعد قادرًا على إخفاء توتره، بل وحتى يأسه.. واشتكى من أن الولاياتالمتحدة تزيح مبارك من الطريق بلا هوادة دون النظر للعواقب، وحذرنى قائلاً: «انظروا إلى ما يقوله الإيرانيون الآن»، فى إشارة إلى أن الإيرانيين يتوقون لاستغلال أى سقوط أو انهيار محتمل لمصر.. وكان خوف «أبوالغيط» من استيلاء الإسلاميين على السلطة واضحًا للغاية، وقال لى: «عندى حفيدتان، واحدة عمرها ست سنوات، والأخرى فى الثامنة من عمرها، أريد لكل واحدة منهما أن تكبر لتصبح مثل جدتها، ولتصبح مثلك، لا أن ترتدى النقاب، تلك هى معركة حياتى». وتنازل مبارك أخيرًا عن الحكم، مفوِّضًا سلطاته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى تعهد بإجراء انتخابات نزيهة وحرة، بينما انسحب مبارك إلى شرم الشيخ.