من بين أهم ما كشفته هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية فى مذكراتها «خيارات صعبة» كان الانقسام داخل الإدارة الأمريكية حول ما حدث فى 25 يناير 2011، كان البيت الأبيض مشتعلا بالخلافات، وأمام شاشة التليفزيون الكبيرة التى كانت تنقل الأحداث المصرية كانت هناك حالة انقسام شديدة بين أعضاء إدارة أوباما. كان مستشارو الرئيس الشباب مثل دنيس ماكدونيه مستشار الأمن القومى أو بن رودس الذى كتب خطاب أوباما فى جامعة القاهرة، يشعرون بحماس كبير، على الناحية الأخرى كانت وزيرة الخارجية هيلارى كلنتون وفريق الحرس القديم أكثر تحفظا فى التعامل مع الثورة المصرية، وكانت أذهانهم معلقة بثورة أخرى كانت تحمل آمالا كبرى قبل أن تنتهى بشكل مخيب للآمال، فقد كان التيار المحافظ فى الإدارة الأمريكية يخشى من تكرار تجربة الثورة الإيرانية عام 1979، كما كان هذا التيار يخشى من التأثير التدميرى للمرحلة الانتقالية فى مصر على المصالح الأمريكية فى المنطقة. هيلارى كانت ترى أن الأسلوب الأمثل لمعالجة الأحداث فى مصر هو الضغط على مبارك من أجل التغيير دون التخلى عنه، فمن وجهة نظرها الأمر لم يكن يتعلق بمبارك فقط ولكن أيضا بالرسالة التى سوف تبعثها الولاياتالمتحدةالأمريكية لبقية حلفائها. على ناحية فإن الثوار الذين تدفقوا إلى ميدان التحرير كانوا يفتقرون للقيادة ولا يمثلون حركة معارضة متماسكة. كل هذا يعنى أن فى حالة انهيار نظام مبارك قد تصل جماعة الإخوان للحكم، وعبرت كلينتون عن مخاوفها من طبيعة الفصيل الإخوانى الذى سينتهى به الأمر بحكم مصر. خلال متابعتها للاحداث فى مصر تقاطعت هيلارى كلينتون مع العديد من الشخصيات الفاعلة... نقلت ما دار بينها وبينهم وأبدت رأيها فيهم بصراحة. 1- مرسى همّش معارضيه واضطهد الأقباط.. لكنه أبقى على السلام مع إسرائيل
فى كتابها تعرضت هيلارى كلينتون للرئيس المصرى المعزول محمد مرسى أكثر من مرة.
المرة الأولى كانت فى إطار حديثها عن الربيع العربى حيث تطرقت لحكم مرسى لمصر مشيرة إلى أنه أساء إدارة البلاد سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، حيث دخل فى مواجهات مع القضاء، ولجأ لتهميش معارضيه بدلا من بناء وحدة وطنية، ولم يفعل الكثير من أجل تحسين الاقتصاد والأخطر أنه سمح باضطهاد المسيحيين. ولكن على الناحية الأخرى وبشكل مفاجئ للجميع أبقى على السلام مع إسرئيل. وكانت سياسته سببا فى خروج الملايين فى الشوارع اعتراضا على حكم الإخوان المسلمين.
المرة الثانية كانت فى إطار حديثها عن الصراع العربى الإسرائيلى، وتطرقت هيلارى لأكثر من موقف جمعها بمحمد مرسى، أحد هذه المواقف كان عندما التقت به لأول مرة كرئيس لمصر وسألته «ماذا ستفعل لمنع القاعدة أو أى تنظيم إرهابى آخر من تهديد استقرار مصر، وبالتحديد فى سيناء؟» وكان رده: لماذا يقومون بهذا وهناك حكومة إسلامية تدير شئون البلاد.
اعتبرت هيلارى هذا الرد أنه يعنى أن مرسى إما ساذج جدا أو شرير للغاية، وعندما أكدت له هيلارى أنه بصرف النظر عن موقفك فإنهم من الممكن أن يهاجموك وفى تلك الحالة سيكون عليك حماية وطنك وحكومتك، فاكتفى مرسى بالصمت.
تطرقت هيلارى للدور الذى لعبه محمد مرسى كوسيط فى المفاوضات بين إسرائيل وحماس من أجل وقف إطلاق النار بعد الاشتباكات التى حدثت بين الطرفين فى نهاية 2012، وتصفه بأنه سياسى من طراز غير معتاد، فالتاريخ ألقى به من غرفة خلفية إلى الكرسى الكبير، وفى كثير من الأحيان كان يبدو أنه غارق فى محاولة الحكم من لاشىء وفى موقف شديد الصعوبة، ولكنه فى النهاية عشق السلطة التى تمتع بها بفضل منصبه وأصبح مستمتعا برقصة السياسة إلى أن سيطرت عليه.
كان من الطبيعى أن تتطرق هيلارى كلينتون إلى عملية التفاوض التى حدثت بين إسرائيل وحماس ولعبت فيها حكومة الإخوان دور الوسيط، مشيرة إلى أن التفاوض لم يكن يتم مع حماس فقط ولكن أيضا مع بعض الجماعات المتطرفة الأخرى فى قطاع عزة، وبحسب شهادتها كان هناك بعض ممثلى هذه الجماعات يجلسون فى مكاتب المخابرات المصرية، ومن جانبه كان مرسى حريصاً على مراجعة كل نصوص الاتفاق الأخير ويتأكد من ترجمة النصوص بشكل دقيق، والغريب أنه اعترض على إحدى النقاط وعندما أكدت له هيلارى أن هذه النقطة كانت من اقتراح الجانب المصرى، وافق عليها.
2- طنطاوى كان مرهقا بشدة.. ولم يكن قادراً على رفع رأسه
تحدثت هيلارى كلينتون عن زيارتها لمصر فى أعقاب ثورة 2011، وتكشف تفاصيل لقائها بالمشير طنطاوى، وتصفه بأنه كان يبدو عليه الإرهاق الشديد لدرجة أنه كان بالكاد قادرا على رفع رأسه، وكانت الظلال تحت عينيه تمتد عمليا إلى فمه، وتضيف أنه كان ضابطا محترفا بمعنى الكلمة وكان يذكرها بوزير الدفاع الباكستانى فى ذلك الوقت اشفاق برويز كيانى، فكلاهما ،على حد وصف هيلارى، يتمتع بشخصية وطنية وإخلاص شديد للثقافة العسكرية.
كما أن كليهما لم يكن يشعر بالارتياح إزاء اعتماد بلديهما على المعونة الأمريكية أو التهديدات السياسية أو الاقتصادية للسلطة العسكرية.
تؤكد هيلارى كلينتون أن المشير طنطاوى كان يختار كلماته بدقة، مضيفة أنه كان فى موقف صعب حيث كان عليه حماية المؤسسة العسكرية من الانهيار بعد سقوط نظام مبارك، وحماية الشعب كما وعد الجيش، وفى نفس الوقت عدم الإساءة لقائده السابق، وترى هيلارى أن المشير طنطاوى نفذ كل ما وعد به.
3 - أوباما وبخنى بسبب محاولات إنقاذ مبارك
أحمد أبوالغيط انهار بعد موقعة الجمل وفقد الثقة بكل شىء
فى خضم ثورة 25 يناير تحدثت هيلارى كلينتون مع وزير الخارجية المصرية آنذاك أحمد أبوالغيط، وطلبت منه أن تبدى الحكومة المصرية استعدادها للاستجابة لمطالب المتظاهرين، وقالت كلينتون لأبوالغيط إن مبارك عليه أن يثبت للشعب أنه استمع إليه بعد ثلاثين عاما وذلك بإجراء انتخابات حرة ويتخلى عن مشروع التوريث. وكان رد أبوالغيط أنه سوف يوصل مخاوفه لمبارك ولكنه أكد لها أيضا أن الأهم فى تلك اللحظة هو تهدئة الناس.
لكن مبارك لم يكن يستمع لأحد حتى مع تصاعد المظاهرات ضده، مما دفع هيلارى لنصيحة أوباما بإرسال مبعوث خاص لمبارك ووقع الاختيار على الدبلوماسى المتقاعد فرانك ويزنر الذى عمل كسفير للولايات المتحدة فى القاهرة من 1986 إلى 1991 وتجمعه بمبارك علاقة صداقة قوية، وكان الهدف الرئيسى من هذه الزيارة إقناع مبارك بالإعلان عن حزمة من الإصلاحات ومنها إنهاء قانون الطوارئ، التعهد بعدم الترشح لمرة ثانية وأخيرا التخلى عن مشروع التوريث. أوصل ويزنر الرسالة لمبارك الذى لم يكن مستعداً للتراجع عن موقفه، وبدا وكأنه مرهق مما يحدث حوله ولكنه فى نفس الوقت غير مستعد للتخلى عن السلطة، مثل أى ديكتاتور أصبح مبارك يرى نفسه وكأنه هو الدولة.
وتضيف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أنه فى أعقاب إرسال الدبلوماسى المتقاعد فرانك ويزنر لإجراء محادثات مع مبارك، تعرضت للتوبيخ من قبل أوباما بعد أن قدم ويزنر رؤية للأوضاع المصرية تختلف مع وجهة نظر إدارة أوباما. وكتبت كلينتون أن أوباما استدعاها للتعبير عن استيائه من الإشارات المتضاربة التى تم إرسالها، وكان ويزنر قد تحدث فى مؤتمر أمنى فى أوربا لصالح مبارك وضرورة أن يلعب دورا فى رسم ملامح المستقبل المصرى.
كما تضيف أنه على الناحية الأخرى لم يكن أوباما مرتاحا لمستوى العنف الذى استخدمه النظام المصرى ضد الثوار، وأن عددا من مستشاريه لم يشعروا بالرضا عندما تحدثت عن ضرورة انتقال منظم للسلطة بدلا من التغيير الفورى. حتى عندما عرض مبارك فى خطابه الثانى تنفيذ بعض التنازلات استجابة لمطالب الثوار، كان رد أوباما، بأن هذه التنازلات لن تنهى الثورة.
وبعد موقعة الجمل وتصاعد العنف فى أعقاب خطاب مبارك الثانى، تحدثت هيلارى مع عمر سليمان وأبلغته أن هذه الدرجة من العنف غير مقبولة، وفى 4 فبراير تحدثت مرة ثانية مع أحمد أبوالغيط وزير الخارجية، وعلى العكس من المكالمة الأولى حيث كان أبوالغيط أكثر ثقة وتفاؤلا هذه المرة، وعلى حد وصف كلينتون، لم يستطع إخفاء الإحباط واليأس. وأكد لها أن أمريكا تتخلى عن مبارك دون أن تأخذ فى الاعتبار العواقب، وحذرها من الإيرانيين المتشوقين لاستغلال الموقف لصالحهم، وحدثها عن حفيداته وخوفه من أن ينشأوا فى مجتمع مغلق مثل إيران.
وتصف كلينتون إصرار مبارك على البقاء فى مصر بعد تخليه عن السلطة بأنه الشكل الأخير من أشكال عناد الرئيس المصرى الأسبق الذى جعله يبقى فى مصر ليكون عرضة للملاحقة القضائية.
4 - الإرهابيون الليبيون قصفوا قنصلية بنغازى بأسلحة أمريكية كانت فى طريقها إلى سوريا
لم يكن من الممكن ألا تتضمن مذكرات هيلارى كلينتون فصلا عن بنغازى وتفجير القنصلية الأمريكية هناك، خاصة فى ظل التقارير الصحفية التى أشارت إلى أن التفجيرات تمت باستخدام أسلحة كانت تسعى هيلارى كلينتون إلى نقلها من ليبيا إلى الثوار فى سوريا، ولكن الأسلحة وقعت فى يد المتطرفين الذين استخدموها من أجل ضرب القنصلية الأمريكية.
تحت عنوان (بنغازى تحت الهجوم) تقدم وزيرة الخارجية الأمريكية وصفا تفصيليا للهجوم على السفارة الأمريكية فى بنغازى وتهاجم بشدة الحزب الجمهورى الذى استغل هذه الحادثة من أجل شن هجوم عليها.
كتبت هيلارى أن هؤلاء الذين يستغلون هذه المأساة مرارا وتكرار كأداة سياسية يقللون من تضحيات أولئك الذين خدموا بلادنا، وتشكك كلينتون فى دوافع أعضاء الكونجرس الأمريكى من الجمهوريين الذين استمروا فى التحقيق بالحادثة وتعيين لجنة مختارة لمباشرة التحقيقات، وكتبت أنها لن تكون جزءاً من عراك سياسى يحدث على أشلاء القتلى الأمريكان.
5 - حاولت إقناع الرئيس بتسليح المعارضة السورية لكنى خسرت الرهان
تصف هيلارى كلينتون سوريا بمشكلة الأشرار.. وتعد القضية السورية إحدى القضايا الأخرى التى شهدت خلافاً بين كلينتون وأوباما. تعترف كلينتون بأنها كانت تؤيد تسليح وتدريب المعارضة السورية، ولكن خلافاً كبيراً نشأ فى الإدارة الأمريكية بشأن هذه القضية ولكن فى النهاية كان القرار فى يد أوباما الذى رفض اقتراحها. وتؤكد كلينتون أنها كانت تؤمن بأن دعم المعارضة السورية سوف يوفر الفرصة للولايات المتحدةالأمريكية من أجل التنسيق الفعال مع شركائها الإقليميين. وكتبت هيلارى أن لكلا الخيارين مخاطره الكبيرة سواء تسليح أو عدم تسليح المعارضة السورية، وكلاهما يترتب عليه عواقب غير متوقعة. وتضيف هيلارى كلينتون أنها خسرت فى هذا النقاش ولم يستمع الرئيس لها لكنها احترمت قراره.
6 - قاتلة بن لادن
دعمت هيلارى كيلنتون قرار القيام بغارة من أجل اغتيال أسامة بن لادن، بينما شعر آخرون فى إدارة أوباما من ضمنهم نائب الرئيس بايدن بالشك. كتبت كلينتون أنها كانت تحترم مثل تلك المخاوف ولكنها اقتنعت بتقارير المخابرات الأمريكية بأن المخاطر كانت أقل بكثير من الفوائد التى يمكن حصادها فى حالة نجاح الغارة.
تتذكر كلينتون أنها أثناء حملتها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى للانتخابات الرئاسية فى عام 2008، انتقدت مع أوباما تركيز إدارة جورج بوش على الحرب فى أفغانستان وفقدان التركيز على مطاردة بن لادن.
وبعد فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية، اتفقت معه على أن القضاء على تنظيم القاعدة يعد بمثابة أمر حاسم لأمن أمريكا القومى، مع ضرورة بذل جهد مستمر من أجل العثور على بن لادن وتقديمه للمحاكمة، وأضافت كلينتون أن كل هذه الذكريات كانت فى ذهنها عندما كانت القوات الأمريكية تهاجم مقر أسامة بن لادن، وأشارت إلى أنها عادت بذاكرتها إلى كل العائلات التى عرفتها وعملت معها من الذين فقدوا ذويهم فى هجمات 11 سبتمبر، وكتبت كلينتون أن هؤلاء حرموا من العدالة التى أصبحت اليوم فى متناول أيديهم.
وتؤكد كلينتون أنها لم تشعر بالفخر لخدمتها مع أوباما بقدر ما شعرت فى هذا اليوم عندما كانت تقف بجواره فى انتظار معرفة آخر تطورات الهجوم على مقر أسامة بن لادن. وكتبت هيلارى أنه بعد فترة مرت كأنها دهر من الزمن، تلقى البيت الأبيض الخبر من الأدميرال ويليام ماكريفين بالعثور على بن لادن وقتله فى أرض المعركة.