- المندوب زوّر «كروت» باسم شركة كبرى للنصب على أشهر المستشفيات ومنها «نور العيون» و»الحياة» - أخصائى عيون: وزارة الصحة مقصرة فى الرقابة.. والمستشفيات هى المسئولة وليس الطبيب - بلاغات لمباحث التموين بعد فشل عمليات «الليزك» تكشف حقيقة العصابة المتورطة فى القضية - أستاذ بجامعة المنوفية: التلاعب فى المحاليل المستخدمة فى «المياه البيضاء» يؤدى لمضاعفات فى القرنية والشبكية مسلسل «التجارة الحرام» فى المنتجات والأدوات غير الصالحة للاستخدام الآدمى فى مصر لا ينتهى، وحلقاته كارثية، وآخر هذه الحلقات هو تسبب مندوب مبيعات مفصول من عمله فى إصابة العشرات من المواطنين فى «الجيزة» بالعمى بعد إجرائهم عمليات جراحية فى عيونهم داخل مستشفيات شهيرة، أرادوا بها أن ينظروا إلى الدنيا مثل كل الناس على شكلها الطبيعى، من خلال عمليات «الليزك» وإزالة المياه البيضاء من العين، لكنهم لم يكونوا يعلمون أن الإهمال وضعف الرقابة الحكومية والجشع وانعدام الضمير سيجعلهم «عميان» مدى الحياة! وعلى الرغم من تسببه فى إصابة عدد كبير من المواطنين بالعمى إلا أن ضمير «سامح شوقى» الشاب الحاصل على دبلوم تجارة لم يصح يوما، حيث زاده الربح الحرام والطمع فى جنى الأموال الكثيرة جشعا وتجبرا. عمل «سامح» كمندوب للمبيعات بإحدى الشركات الكبرى التى تقوم بتوريد المستلزمات الطبية لكبار مستشفيات العيون، ونظرا لسوء سلوكه واستخدامه أساليب فى النصب على العملاء واختلاسه مبلغا ماليا كبيرا فصلته إدارة الشركة من عمله، إلا أنه كان قد تعلم المهنة على أصولها، وبدأ فى التخطيط لاستيراد مستلزمات طبية مغشوشة من الصين بسعر بخس ليقوم بتوريدها لمستشفيات العيون من خلال انتحال صفة مندوب مبيعات عن نفس الشركة التى كان يعمل بها وسبق فصله منها. بدأت تفاصيل الواقعة عندما وردت للعميد رأفت حمدان، مدير مباحث تموين الجيزة، العديد من الشكاوى، تم تحرير محاضر رسمية بها من عدد من أطباء مستشفى «نور العيون» و «الحياه للعيون» تفيد بأن المشارط الطبية والخيوط الجراحية اللازمة لعمليات «الليزك» التى تم توريدها للمستشفيين من شركة «ميت لوجيك انش» للمستلزمات الطبية بمدينة 6 أكتوبر، مقلدة ومغشوشة وغير صالحة للاستخدام الآدمى فى العمليات الجراحية، وأنها قد تسببت فى فشل عدد من العمليات أثناء استخدامها، حيث كانت نتائجها سلبية جدا فى العديد من الحالات، وتسببت فى إصابة بعض المرضى بالعمى. وتم على الفور تشكيل فريق على أعلى مستوى من رجال مباحث تموين الجيزة، وبعد إجراء التحريات وجمع المعلومات تبين أن الشركة التى اتهمها الأطباء فى بلاغات رسمية هى الوحيدة المعتمدة لاستيراد هذه النوعية المشارط والخيوط الجراحية من الولاياتالمتحدة، وهى الموزع الوحيد لكبرى مستشفيات جراحة العيون فى مصر. كما تبين أن شخصا يدعى سامح محمد شوقى حاصل على دبلوم تجارة، مقيم فى 4 ميدان جامع عبد الرحمن الكوكبى دائرة قسم العجوزة، كان يعمل مندوب مبيعات بشركة مستلزمات طبية، قام بسرقه بعض المستلزمات واختلاس مبلغ مالى من عهدته فى العمل، فتم فصله من الشركة. وبعد فصله اتفق «سامح» مع أربعة من أصدقائه الذين قاموا بتمويله للاتجار غير المشروع فى المستلزمات، وتم تحديد هويتهم، اتقفوا على استيراد المشارط الطبية والخيوط الجراحية المقلدة والمغشوشة من الصين، وطباعة كروت باسم الشركة التى كان يعمل بها «سامح» وتوزيعها بالسيارة ملك المندوب على المستشفيات، بدعوى أنه مازال مندوب مبيعات لهذه الشركة. وعقب تقنين الإجراءات، استهدفت حملة تموينية منزل المتهم «سامح»، وأسفرت الحملة عن ضبط 20 مشرطا جراحيا لعمليات الليزر مدون عليها اسم شركة «ميت لوجيك انش» وهى مقلدة فى الصين ومغشوشة، و10 مشارط مقلدة كذلك لعمليات الليزك غير مدون عليها أى بيانات و180 غيار شاش طبى منتهى الصلاحية وغير صالح للاستخدام الآدمى، و40 بكرة شاش مقاسات مختلفة منتهية الصلاحية أيضا وغير صالحة للاستخدام الآدمى، و30 كيس قطن جراحى مجهول المصدر. وبعد عرض هذه المضبوطات على مسئولى الشركة أفادوا بأنها ليست تابعة للشركة، وأنها مقلدة ومغشوشة وغير صالحة للاستخدام الآدمى، وبمواجهة المتهم الأول «سامح» أمام اللواء محمود فاروق مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة اعترف بارتكابه تفصيليا لوقائع الغش التجارى التى تسبب فى فقدان بعض المرضى لأبصارهم. وبدأ المتهم فى سرد اعترافاته قائلا إنه من أسرة بسيطة، وعمل كمندوب للمبيعات بالشركة، ولكن نظرا لظروفة المادية السيئة، كان يقوم بسرقة بعض المستلزمات الطبية وبيعها لحسابة الخاص، لكى يجنى دخلا يفوق راتبه الشهرى من الشركة. وأضاف «سامح» أنه بعد أن كشف مسئولو الشركة أمره وتم فصله من الشركة، حاول أن يجد فرصة عمل أخرى إلا أنه فشل فى ذلك نظرا لسمعته السيئة فى السوق، ووقتها كانت حالته النفسية سيئة جدا، والتقى أحد الأثرياء من أصدقائه والذى عرض عليه أن يقوم هو وآخرون بتمويل استيراد أدوية مستلزمات طبية مغشوشة من الصين. وتابع المتهم اعترافاته قائلا: إنه اتفق مع صديقه الثرى على تزوير «كروت» له عن طريق الشركة التى كان يعمل بها سابقا، وبالفعل بدأ فى العمل منذ عام، وبدأت الأموال تجرى فى يدهم، والربح يزداد أكثر كل يوم يمر عليهم، فقام بتوريد المستلزمات الطبية لأشهر مستشفيات العيون ومنها «نور العيون» و»الحياة للعيون». وبعد صمت قصير، أضاف المتهم: كانت خطوة كبيرة فى حياتى، فلم أكن أعلم أن الثراء جاء لى بهذه السهولة، وبعدها علمت أن المستشفيات التى أقوم بالتعامل معها فشلت عندها العديد من العمليات، فأخبرت شركائى لنوقف النشاط فترة لكنهم رفضوا وقالوا لى «هما اشتكوا منك»؟ وبالفعل استكملنا العمل، حيث كنت أستورد المستلزمات لحسابى وأخبئها داخل شقة قمنا باستئجارها فى العجوزة، وفى اليوم التى ألقت فيه المباحث القبض على كنت أستعد لتوزيع بعض المستلزمات على المستشفيات التى أتعامل معها، خاصة بعد الثقة التى اكتسبتها لدى هذه المستشفيات بسبب اسم الشركة التى كنت أعمل بها، والتى اخترتها لأعمل تحت اسمها لكى انتقم منها، بعد أن تم فصلى من عملى. وأكد «سامح» أنه ليس المتهم الوحيد فى القضية، وأن فيها أطرافا أخرى هم أصدقاؤه الذين كانوا يقومون بتمويله ويقتسمون الربح معه، والذي اعترف عليهم وأرشد عن محل سكنهم. ونفى المتهم أنه يعمل لحساب أحد بالشركة المشار إليها، مؤكدا أن مسئولى الشركة لا يعلمون عن نشاطه شيئا بعد فصله، فتحرر عن ذلك المحضر اللازم تحت رقم 12647/2014 جنح قسم العجوزة، وأحال اللواء كمال الدالى، مساعد وزير الداخلية مدير أمن الجيزة، المتهم إلى النيابة العامة التى تولت التحقيق. ومن جانبه، قال الدكتور محمود خطاب، أخصائى جراحة العيون بمستشفى عين شمس ل «الصباح»: إن المشارط المستخدمة فى عمليات جراحة العيون فى الأغلب تصيب العين بميكروبات خطيرة بعد العمليات إذا لم يتم تعقيمها جيدًا، حيث إن العين والمخ هما العضوان الوحيدان فى جسم الإنسان اللذان لا يجوز أن يلمسهما أى مكروب؛ لأنه يصيبهم بمضاعفات خطيرة. وأوضح د. خطاب أنه منذ ما يقرب من 10 سنوات وقعت حادثة شهيرة فى مستشفى «المغربى للعيون»، بعدما استوردت المستشفى شحنة أدوات طبية، واتضح أنها غير صالحة للاستخدام الآدمى، وأنها تسببت فى فشل عمليات جراحية ومضاعفات مرضية للمصابين. وأضاف خطاب أن هذه الأدوات الطبية تأتى من الخارج معقمة بشكل كامل وجاهزة للاستخدام ويتم فتحها مباشرة للتعامل بها وإجراء العملية، مع العلم أن استخدام أدوات غير صالحة ليس مسئولية الطبيب أو الجراح، لأن المستشفى هو المسئول عن صلاحية تلك الأدوات وليس الأطباء، كما أن الطبيب غير مسئول عن فحصها، مؤكدًا أن وزارة الصحة هى المسئولة عن الموافقة على دخول الأدوات الطبية وفقًا لبنود تضعها منظمة الصحة العالمية، ولكنها تدخل مهربة إلى البلاد. أما بدر إبراهيم، مدير مركز بدر للعيون، فيقول: إن الأدوات اللازمة للعمليات الدقيقة فى العيون يتم تهريبها بسهولة إلى مصر عبر شحنات النظارات ولعب الأطفال، كما يتم التلاعب فى أوامر إدخال هذه الأدوات من خلال الشاحنات والواردات، موضحا أن هناك بعض المندوبين يعقدون اتفاقات سرية مع بعض الأطباء العاملين فى المستشفيات الحكومية والخاصة لشراء المعدات غير الصالحة للاستخدام مقابل نسب كبيرة بالاتفاق بينهم، ولمواجهة هذه الجريمة فإن على كل المستشفيات التأكد من أن الشركات الموردة لتلك الأدوات معتمدة وتتمتع بسمعة حسنة فى السوق، وأن تتأكد أيضا من الفواتير التى تحصل عليها من المندوبين عن هذه الشركات. وأضاف بدر ل «الصباح» أن مشارط عمليات العيون لا يوجد منها أى نوع صناعة مصرية، ويتم استيرادها من الخارج، لافتا إلى أن الماركات الأفضل تكون مستوردة من ألمانيا ثم أمريكا ثم فرنسا. وأكد بدر أنه كان فى سفرية عمل للصين منذ فترة وجيزة وتأكد أن الصين ترسل «أسوأ منتجاتها» لمصر بحجة رخص ثمنها، وهذه الأدوات الرخيصة لها ضرر خطير إذا أجريت بها العمليات، منوهًا إلى أن المشارط ليس هى الأداة الأساسية المستخدمة فى إجراء عمليات العيون، فهناك سوائل يتم تنظيف العيون بها مثل «سيتون» وتكون مدة صلاحيتها 5 سنوات، وبعد ذلك تتحول لسموم تدمر العين إذا انتهت الصلاحية، خاصة خلال إجراء العمليات الأشهر فى مصر وهى «الليزك» و»المياه البيضاء» على العين. ويحذر الدكتور محمد سامى، أستاذ طب العيون بجامعة المنوفية، من أن مندوبى شركات الأدوية الطبية يبدلون «الاستيكر» الموجود على الأدوات ويضعون «بادجات» حديثه باسم شركات كبرى، ثم يبيعونها على أنها الأنواع الأفضل، ومن إنتاج شركات أمريكية وألمانية، ويؤدى استخدامها إلى مضاعفات فى القرنية والشبكية تظهر بعد إجراء العملية بأيام على شكل التهابات فى العين. ويوضح د. سامى أن المسئولية هنا تتحملها شركات توريد المستلزمات الطبية، وأنه حسب نص القانون رقم 10 لسنة 1966، فإن عقوبة الغش التجارى هى السجن لمدة عام إلى عامين، ومضاعفة الغرامة لتصل إلى 20 ألف جنيه، بعد أن كانت 10 آلاف.