-يعقوب دعا السلفيين إلى ترك السياسة والعودة إلى طريق الدعوة وبعدها بأيام انتشرت لافتات «الصلاة على النبى » -شباب الإخوان أطلقوا الدعوة على «الفيس بوك » بعد قرار إزالتها من الشوارع «صل على النبى».. الجملة القصيرة الموجزة التى تحمل فى مصر دلالات مختلفة، هى الآن ساحة معركة كبيرة. فجأة، انتشرت بكثافة ملصقات دينية تحض على الالتزام بالذكر والتسبيح والصلاة على النبى، على جدران البيوت، وعلى الزجاج الخلفى للميكروباصات وسيارات الأجرة، وداخل مترو الأنفاق ومع الباعة الجائلين وفى المقاهى والأندية ومراكز الشباب وصالات الأفراح وسرادقات العزاء. انتشار دفع البعض للاعتقاد بأنها قد تكون حملة تقوم بها جهة تربوية أو دينية ما لحث الناس على تذكر دينها ورسولها، أو اعتبارها واحدة من مظاهر التدين الشكلى أو الشعبى فى أوساط شعب مهتم بمظاهر التدين والدعاء ويرى أن الدين النصيحة، ولكنَّ يومًا بعد يوم ومع انتشار هذه الورقة والتى لا تحمل اسم أو توقيع أى جهة صار الأمر مُثيرًا للاهتمام، حتى بات اللغز المحير هو حديث الجميع: من وراء هذه الحملة؟ عزاها آخرون إلى قرب حلول شهر رمضان، فيما تحفز فريق ثالث ورأى أنها عودة واضحة من جانب تيارات الإسلام السياسى إلى خانة الدعوة عقب خسارة مشروعهم فى الوصول إلى مراكز الحكم وصنع القرار فى مفاصل الدولة. والحقيقة أن أعظم الخلق محمد ليس بحاجة لورقة تُذكِّر المصريين به، لأنه فى الحقيقة فى قلوب وعقول المؤمنين به فى كل بقاع الأرض، والحقيقة أن الرسول الكريم ليس فى حاجة أن يُذكر به بورقة صفراء يكتب عليها «هل صليت عليه اليوم؟»! إن المصريين هم أصحاب التركيبة العبقرية القادرة على اختزال آلامهم وأحزانهم وأفراحهم وأتراحهم ولحظاتهم الجميلة فى جملة واحدة «صل على النبى». تحيط الصلاة على النبى بكثير من تصرفات المصريين وسلوكياتهم وحتى كتاباتهم على واجهات المحال التجارية وجدران البيوت وزجاج السيارات. أليس هذا هو «هتاف الصامتين» الذى تحدث عنه عالم الاجتماع الكبير سيد عويس فى مؤلفٍ شهير يحمل هذا الاسم؟ حتى عندما يريد المواطن فى مصر أن يتذكر ما نسيه أو يريد استدعاءه من الذاكرة تجده يقول «اللهم صل على النبى»، وإن رأى طفلاً جميل الطلعة أو امرأة ذات ملامح جذابة أو قوام ممشوق نراه يقول: اللهم صل على النبى، عندما يحمل المصرى طفلاً ويدلله يقولها، وقبل أن يبدأ حكاية يقولها، وعندما يرى رجلاً عصبى المزاج على وشك الاقتتال مع آخر تجده يمسك به ويهدئ من روعه بهذه العبارة: «صل على النبى»، يقولها وسيط الصلح بين رجلين أو امرأتين أو حتى بين امرأة ورجلها؛ إذ يستهل مبادرة الصلح بالعبارة الجميلة: «صل على النبى». انتشرت الظاهرة فى الشارع، ولكن بدلاً من أن تكلف الدولة لجنة من الباحثين النفسيين وعلماء الاجتماع فى مختلف الأكاديميات أو مركز البحوث الجنائية لدراستها والوقوف على أسبابها، وإجراء دراسة موسعة للتعرف على طبيعة واتجاهات الشعب الحالية من خلال مؤشرات واقعية منها هذه العبارات وغيرها وتفسير السلوكيات العامة، راحت الأجهزة المختلفة تصدر أوامر بإزالتها، دون أن تراعى التركيبة النفسية للمواطن المصرى، الذى يميل بطبعه إلى العناد وخرق التعليمات، فكان أن بقيت الملصقات على انتشارها. استبعد العقلاء أن تكون جماعة الإخوان وراء هذه الحملة، فهى لا تخدم مشروعهم السياسى فى شىء، ولو كان الإخوان المسلمون وراء نشر هذه الملصقات لكانوا ختموها بأحد الشعارات والرموز الدالة على الجماعة كعادتهم. هناك من اتهم السلفيين بشكل محدد بمحاولة نشر هذه العبارة، قائلين إن أتباع برهامى والحوينى ويعقوب وحسان هم الذين يقفون وراء هذا الملصق الغامض فى القاهرة وضواحيها. الشيخ محمد حسين يعقوب، عضو مجلس شورى العلماء، أحد كبار مشايخ السلفية، دعا أبناء التيار الإسلامى للعودة للدعوة إلى الله وترك الحياة السياسية، وقال يعقوب لأبناء التيار الإسلامى، فى تسجيل له: ضاعت الدعوة فى غمار السياسة، وعلينا تربية القلوب والعودة للدعوة الإسلامية. وأضاف فى أحد دروسه فى شهر يونيه الجارى، إن الإسلاميين وقعوا فى أخطاء بدءًا من قضية التوحيد ذاتها وموالاة الكفار، كذلك الجلوس مع المذيعات المتبرجات، والجلوس على فيسبوك وتويتر، فضاعت الدعوة فى غمار هذا، ونريد العودة للدعوة مرة أخرى ونبدأ من «ألف باء»، بعد أن انشغل الدعاة بالشئون الحزبية. وربما كانت الصلاة على النبى هى «ألف باء» المقصودة فى حديث يعقوب. الأرجح إذن هو قيام شباب الدعوة السلفية بطبع المطبوعات وتوزيعها، خاصة على واجهات المحال والميادين العامة وأبواب المساجد وعلى أسوار المنشآت الحكومية والسيارات. ولا يمكن تجاهل وجود نشاط مكثف للجناح الدعوى فى صفوف السلفيين خلال الشهور الأخيرة، لإبعاد شبهات تغليب السياسة والحزبية على الجوانب الإيمانية والروحية. لقد أدت الأحداث الأخيرة وتداعياتها إلى تقوية الآراء الموجودة منذ البداية لدى تيارات إسلامية بالتركيز فى العمل الدعوى بديلاً عن المشاركة السياسية، والتى خفتت نتيجة اللحظة التاريخية التى أعقبت 25 يناير 2011 خاصة لدى التيارات السلفية فى المقام الأول، ثم لدى جماعة الإخوان. وليس مستبعدًا أن يكون الجزء الأكبر من هذه الحملة يتم بصورة ذاتية من خلال تجاوب أشخاص عاديين أعجبتهم الفكرة فقرروا نشرها. القانون يُجرم استخدام أو تعليق أى ملصقات أو علامات على السيارات بجميع أشكالها- عدا رقم السيارة ونوعها وإدارة المرور التابعة لها والحمولة فى سيارات النقل- وقد سبق أن انتشرت مثل هذه الشعارات الدينية التى تشير لتوجه ما فى سنواتٍ مضت، فتوجهت حملة لإنهائها؛ لأنها تشير إلى مقدمات ربما تحمل بين طياتها توجهًا طائفيًا، وهناك قانونٌ مُحدد لوضع الملصقات على السيارات. التعليمات الصادرة لرجال الأمن فى كل الحملات شددت على تطبيق القانون والتصدى الحازم لأى مخالفات، مهما كان مرتكبوها، وإزالة كل الملصقات من السيارات، وعدم السماح بأى ملصقات غير اللوحات المعدنية. محمد إبراهيم، وزير الداخلية، قال إن الوزارة بدأت شن حملات مكثفة لإزالة ملصقات تحمل عبارة «هل صليت على النبى اليوم؟»، التى انتشرت فى الفترة الأخيرة على السيارات والحوائط فى عدة مناطق بالقاهرة والمحافظات. وأضاف الوزير أن الهدف هو «إزالة جميع الملصقات التى لا تتسق مع القيم والأخلاق، أو التى تحمل تجاوزات، وسيتم القضاء على هذه الملصقات قريبًا دون استثناء، أو مراعاة لأى عوامل أخرى بهدف تحقيق الانضباط». كان اللواء عبدالفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية لشئون الإعلام، قد علق على انتشار الملصقات، قائلاً: «سيتم القضاء عليها فى وقت قريب». «كل المرفوض مفروض» لدى المصريين، فما أن أعلنت وزارة الداخلية محاربتها ملصق «هل صليت على النبى اليوم؟» فى شوارع مصر، حتى ظهرت المبادرات الداعية لتكثيف نشر العبارة مع التحايل على الأمن بطرق مختلفة، مرة بطباعة مليون ملصق لتوزيعه على المواطنين فى منازلهم بمناطق المهندسين وإمبابة وبولاق الدكرور وأرض اللواء وناهيا مع حلول أول أيام شهر رمضان، وأخرى بطباعة العبارة على «تى شيرت» شبابى أنيق. من جانبهم، وجدنا شباب الإخوان المسلمين وأعضاء «التحالف الوطنى لدعم الشرعية» يطلقون حملة على موقعىّ فيسبوك وتويتر تحمل شعار «هل صليت على النبى اليوم؟» ردًا على إزالة الشعار من الشوارع والسيارات. وأعلن الشباب أن مظاهرات الجمعة ستشهد حملة لتعليق ملصقات تحمل نفس الشعار. حملة ناجحة، أو محاولة فاشلة.. هذا ليس مهمًا الآن. دعونا نتأمل ما سيجرى و«صلوا بنا على النبى»!