9 ملايين مصرى مصاب بأمراض صدرية.. والمستشفيات المسئولة عن علاجهم فى أسوأ حال المخلفات الطبية تملأ الطرقات والحيوانات الضالة تعلو أسرة الفحص.. والباعة الجائلون يمرون على المرضى أكثر من الأطباء دورات المياه تتهاوى فوق رءوس المرضى.. وبيع المخلفات الطبية لمصانع «بير السلم» لإعادة تدويرها ربما تكون هذه المستشفيات الحكومية الثلاثة هى أهم المنشآت الطبية فى مصر فى الفترة الحالية. والسبب أن مستشفيات الصدر فى العباسية وإمبابة والعمرانية هى الأماكن الوحيدة باعتراف وزارة الصحة القادر على تشخيص وعلاج إصابات فيروس كورونا الذى يخشى العالم من تحوله إلى وباء. لكن حالة المستشفيات الثلاثة التى قد تصبح قبلة المصريين فى حال انتشر المرض لا يبشر بقدرتها على منح الراحة للمرضى، ونتائج هذا التحقيق ستؤكد لكم هذه الحقيقة. «الصباح» قامت بزيارة مستشفيات الصدر الكبرى فى القاهرة، لترصد عن قرب حالها وآخر من وصلت إليه حالة هذه المستشفيات، والمعاملة التى يجدها المواطن حال زيارته لها. المستشفيات الثلاثة اقتسمت الخصائص والكوارث، المبانى المتهالكة والسلالم منتهية الصلاحية، المخلفات الطبية التى تملأ الطرقات، الحيوانات الضالة التى تعلو أسرة المرضى لتطردهم وتحتل مكانهم، أما الباعة الجائلون فهم يعرفون المرضى جيدًا ويمرون عليهم أكثر من مرور الأطباء المعالجين أنفسهم. تعد المستشفيات الثلاثة الأكبر فى مصر وربما فى الشرق الأوسط لعلاج مرضى الصدر، حيث تخدم أهالى القاهرة والجيزة وضواحيها والفيوم والقليوبية، ويتوافد عليهم أيضا عدد من سكان محافظة المنوفية، ووفقًا لآخر إحصاء رسمى تبين أن عدد المصابين بالأمراض الصدرية فى مصر بلغ 9 ملايين مريض، بما يشكل أكثر من 10% من إجمالى عدد المصريين، فى حين تزداد النسبة بين الأطفال لتصل إلى 13%. مبانٍ آيلة للسقوط صرخات متقطعة تخرج من فتاة فى العقد الثانى من عمرها، وقفت فى ممر مستشفى صدر العمرانية تلملم نفسها بصعوبة، وتتفقد والدها بعد أن علمت أن سقف دورة المياه سقط عليه ليلًا وتسبب له فى إصابة بالرأس، لكن العناية الإلهية أنقذته من موت محقق، بعد أن تدخل عدد من المرضى المقيمين معه لانتشاله من داخل دورة المياه المنهارة وإسعافه. وبعد شجار ونزاع طويل مع طاقم التمريض والأمن المتواجد، تبين أنها لم تكن المرة الأولى من نوعها التى يسقط فيها هذا السقف، وأنه فى حالة ذوبان شبه كامل والمستشفى بأكمله يعانى من تصدع فى المبانى، قد يودى بحياة من فيه بين لحظة وأخرى. ما تراه عينك من التهالك والذوبان فى الجدران، يجعلك تكاد تهرب خارج المستشفى، ففى صدر العمرانية يوجد ثلاثة مبانٍ، الأول خاص بمدير المستشفى والعيادات الخارجية، وهو مجهز ومُعد على أعلى مستوى، تكسوه أرضية من السيراميك الجيد، وهو أيضًا خاص لاستقبال الزوار من وزارة الصحة، الذين يأتون بين الحين والآخر فى حملات تفتيشية على المستشفى، لكنهم يرونها من خلال هذا المبنى فقط، بينما المبنيان الآخران، فتخشى أن تسند يديك على جدرانهما، خوفًا أن يسقط فوق رأسك، حيث تسقط منه الماء من جميع جوانبه ليترك المبنى فى بركة مستمرة من الماء، ومن يريد أن يدخل إلى المبنى عليه أن يعبر هذه البركة أولًا، ومن وقت لآخر تسقط أجزاء من جدرانه على فترات متقطعة من شدة ذوبانه، وقد اشتكى المقيمون بالمستشفى أكثر من مرة، لكن أحدًا من إدارة المستشفى لم يحرك ساكنًا، حتى سلالم المستشفى فالأتربة والأوساخ المتراكمة عليها لا تكون بسبب المستخدمين لها، بل هى بسبب ما يسقط عليها من الحوائط من بقايا «البياض والخراسانة» وغيرهما من مكونات الجدران، كذلك هو الوضع بالنسبة لصدر العباسية وإمبابة، فالإهمال فيهم سواء، وسقوط مبانيهم آتٍ لا محالة! الأمن والتسعيرة اقتربت «الصباح» من بوابات ضخمة تفصل المستشفى تمامًا عما حولها، انتظرنا من أفراد الأمن طلب تحقيق الشخصية، لكننا فوجئنا أنهم لا يهتمون من ذلك، لا تشغلهم هوية المترددين على المكان، فكل ما يهمهم ثمن تذكرة الدخول، ويشيرون بأيديهم «عدى» بعد قطع التذكرة، وهى تأشيرة دخول غير عادية تتيح لأى فرد من الشارع أن يتخلى عن أسفلت الرصيف ويعبر إلى ممر غُرف المرضى وأسرتهم. من العجيب جدًا واللافت للنظر أن لكل مستشفى منها تسعيرة خاصة للدخول، فصدر العباسية تسعيرتها جنيه واحد، بينما صدر العمرانية جنيهان، فى حين قررت صدر إمبابة أن يكون ثمن دخولها 5 جنيهات - على اعتبار أنها الأرقى -، ولا يعلم أحد سر هذه الفروق فى التسعيرة. مخلفات طبية فى الطريق عادة لا يكون الزائر أثناء سيره بممرات وطرقات المستشفى وحيدًا، فهناك عدد ضخم من القطط تملأ المكان، وتتحرك فيه بحرية تامة، والمرضى اعتادوا على وجود القطط حولهم ومن كل اتجاه، لكن يبدو أن المسئولين أنفسهم قرروا بقاء هذه القطط لتسلية المرضى بعد انتهاء مواعيد الزيارة المحددة. ولا ينافس وجود القطط سوى المخلفات الطبية، فأينما كنت داخل مستشفى صدر العباسية على وجه الخصوص، تجد المخلفات الطبية وبقايا الأدوية والعلب والزجاجات الفارغة، وبالسؤال عن خطورة هذه المخلفات على صحة المرضى، علمنا أن عاملى النظافة يجمعونها فى نهاية اليوم لإعدامها كما هو متعارف عليه، لكننا اكتشفنا أنهم يجمعونها ليلقوا بها فى مكان آخر داخل المستشفى نفسه، بجوار مبنى ( 9 ) رجال على وجه التحديد، لتتراكم وتتجمع يومًا بعد يوم، ثم يتم بيعها لمن يطلبها، أو إلقاؤها خارج المستشفى بشكل اضطرارى، ليخلو المكان ليسع تخزين مخلفات جديدة. ( م. ج ) عامل نظافة بالمستشفى أكد أن هناك بعض الأفراد يأتون لشراء هذه المخلفات لإعادة تدويرها من جديد، خاصة الزجاجية منها، حيث يتم التعامل معها وتنظيفها وإعادة بيعها لشركات الأدوية، ومصانع بير السلم من جديد، رغم أن وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة الصحة خصصت أماكن محددة وطرقًا صحية وقانونية للتخلص من تلك النفايات. مصاعد منتهية الصلاحية فى مستشفى صدر إمبابة، تستمع إلى صراخ المريض (ن، م)،الذى يصيح بأعلى صوته من الدور الرابع ليصل إلى الدور الأرضى، ليبحث عن أى شخص يساعده على النزول، بسبب تعطل المصعد، وضرورة ذهابه إلى قسم الأشعة الكائن فى الدور الأرضى، حسب تعليمات الطبيب، وهو لا يستطيع السير أو النزول على قدميه لوجود «قسطرة» متصلة بجسمه، وملازمة له يصطحبها أينما يذهب، الأمر الذى أثار غضبه، والتلفظ ببعض الكلمات النابية، والشجار مع العاملين بالمستشفى، حيث إن هذه الواقعة لم تكن الأولى، فالمصعد دائمًا «عطلان»، وهدد بكسر زجاج المستشفى بأكمله إذا تكرر هذا الأمر معه مرة أخرى، وبمنتهى الهدوء رد عليه أحد العمال قائلًا: «مش عجبك تقدر تروح تتعالج بفلوس فى أى مكان تانى، أنت هنا فى أبو بلاش»، سمعها المريض وسرح قليلًا ولم ينطق بأى كلمة بعدها سوى «حسبى الله ونعم الوكيل». أما المصاعد فى صدر العمرانية والعباسية فالوضع مختلف تمامًا، فالمصاعد تعمل بالفعل، لكن لا يستخدمها سوى المضطر فقط، فالجميع بما فيهم العاملون يفضلون استخدام السلالم، فى الصعود والهبوط، نظرًا لتهالك المصاعد بصورة واضحة، ومنهم من يقرأ الشهادتين عند استخدام المصعد، تحسبًا لسقوطه فى أى لحظة. باعة جائلون بالممرات قبل صلاة العصر يهرول إلى المستشفيات الثلاثة عدد من الباعة الجائلين،خاصة مستشفى العمرانية، فهى الأكثر إهمالًا، فتجدهم ينتشرون يمينًا ويسارًا، الأول ينادى على جوارب للقدم، وآخر للجرائد، والثالث لحافظات النقود، وغيرها من المنتجات التى قد يحتاجها المريض وزواره إن لزم الأمر، يقول ( أ. خ ) مريض مُقيم بمستشفى صدر العمرانية، أن الباعة الجائلين يملئون المكان، وهو سعيد بذلك لأنهم يوفرون له كل ما ينقصه من جوارب ومتعلقات شخصية، ولا يواجهون أى مشكلة فى دخولهم وخروجهم من وإلى المستشفى، فهم على علاقة جيدة بطاقم التمريض، الذين يسمحون لهم بالدخول للمرضى بعد انتهاء مواعيد عمل الأطباء ورؤساء الأقسام الرسمية، وعلى هذا الأساس فهم يتقاضون منهم نسبة من الإيراد اليومى، مقابل أن تركهم ينطلقون بالمستشفى بأكمله، فلا يوجد مكان محظور عليهم. غسيل المرضى فى المهملات أثناء تجولنا بالمستشفى وجدنا مفارش أسرة المرضى ولوازمها، مُلقاة على الأرض داخل إحدى الغرف، ظننا للوهلة الأولى أن هذه المفروشات تنتظر دورها فى التنظيف، الأتربة تعلوها وبعض الحشرات تسير عليها، الغرفة بالضبط عبارة عن مخزن لتجميع المفروشات المستخدمة لحين تنظيفها وتعقيمها، لكن الصدمة وقعت لنا، حين رأينا إحدى الممرضات تدخل إلى الغرفة، وتمسك بمفرش ووسادة،وتقوم «بتنفيضهم» لتعطيهم لأهل مريض جديد فى عنبر الرجال، فالغرفة بالفعل مخزن للمفروشات،لا يهم أن كانت نظيفة أم لا، وللأسف أخذها أهل المريض دون إبداء أى اعتراض ! مستودع خشب بالعباسية يتميز مستشفى صدر العباسية بمساحتها الكبيرة والشاسعة، وتختفى من داخلها أى علامات استرشادية سواء للمرضى أو للزوار، وهو ما يسهل للزائر أن «يتوه» بداخلها، ويظل يبحث عن أحد العاملين ليسأله عن المكان المراد، وأثناء تجول «الصباح» بداخل المستشفى وجدنا أنفسنا أمام كومة ضخمة من الأخشاب والحديد، بجوار مبانى المستشفى، وبالسؤال عنها علمنا أنها موجودة منذ فترة طويلة، ولا أحد يعلم أسباب تواجدها. مقلب قمامة بالعمرانية فى مستشفى صدر العمرانية يوجد خلف كل مبنى «مقلب قمامة» يحتل مساحة واسعة، بحيث يتم تجميع مخلفات المستشفى فيه بشكل يومى، الغريب أن عاملى النظافة المسئولين عن تنظيف الدور الأخير من المستشفى، يلقون بأكياس القمامة من الدور الأخير، بدلًا من النزول على السلم أربعة أو خمسة أدوار، «يطوحون» أكياس القمامة من أعلى لتتبعثر فى كل مكان وتلتف حولها القطط فى محاولة لالتقاط الطعام! من أكثر المشاهد التى تثير حفيظة أى زائر لمستشفى صدر العمرانية امتلائها بأقفاص الخضار والطماطم الفارغة فى كل ممراتها وطرقاتها، الأمر الذى لم يجد له زوار المكان مُبررًا أو سببًا فيقول ( م. ن ) أحد الزائرين: «ظننا للوهلة الأولى أن المسئولين عن المستشفى يقومون بحملة تنظيف للمطبخ فيخرجون محتوياته إلى قلب المستشفى، لكننا وجدنا بعد ذلك أن هذه الأقفاص لا تتحرك من مكانها، فهى دائمًا ملقاة على الأرض ولا تتغير أماكنها».
انتهت زيارة «الصباح» السريعة،لكن لم تنته مشاكل المستشفيات الثلاثة، فلا تزال الشكوى دائمة من المترددين عليها،سواء من سوء المعاملة، مرورًا بالرعاية والاهتمام بالمريض،انتهاءً بسلامة المنشآت.