- إبراهيم العجمى: المناوشات لا تنتهى بين الهلايلة والنوبة.. ومنطقة «السيل الريفى» محرمة على الأمن الصراع القبلى العنوان الأبرز فى مدينة أسوان هذه الأيام، غير الصورة النمطية فى أذهان أبناء المحروسة للمدينة المعروفة بهدوئها الجذاب وأبنائها الطيبيين، وسحرها المعروف وآثارها الغنية عن التعريف، لكن الأحداث الأخيرة كشفت المستور، وعرت الوجه الآخر للمدينة التى تتألم فى صمت وسط ضغط العشوائيات وصراع العائلات والقبائل، «الصباح» تكشف الوجه الآخر لمدينة الهدوء والسحر. الناشط الأسوانى، إبراهيم العجمى، قال ل«الصباح»: إن ما حل بأسوان من أحداث عنف نتيجة طبيعية لتقصير الأمن منذ سنوات طويلة، بعدما تمركزت عدة قبائل عربية ونوبية فى منطقة السيل الريفى، فى منطقة غاب عنها الأمن والتنمية فحضرت البلطجة وتجارة الممنوعات، حتى إن أفراد الشرطة يخشون الدخول إلى هذه المنطقة الآن، حتى عندما تسرق سيارة شخص ما، تقوم الشرطة بالاتصال بأحد أبناء قبيلة الهلايلة لإعادة السيارة بشكل ودى، وهو ما ظهر جلياً عندما جاء رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بصحبة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، ومعهم القيادات الأمنية اكتفوا بزيارة المستشفى ولم يذهبوا إلى منطقة الأحداث. وأضاف العجمى، أن ما يقارب 300 ألف نسمة يسكن فى الخط الشرقى لمدينة أسوان، والقبائل يمتلكون هناك بيوتا بقرب مخرات السيول، وأغلب سكان هذه المناطق الشرقية عاصر السيول سنة 1994، والتى أثرت سلباً على منطقة عزبة النهضة وأغرقتها بالكامل، وهو ما تكرر مع سيول 2010، لذلك ابتعدت معظم القبائل عن تلك المناطق، إلا أن قلة منها تمسكت بالبقاء، وهى المنطقة العشوائية التى يتم فيها بيع الأسلحة بأنواعها المختلفة. وأشار العجمى إلى أن العشوائيات تكونت نتيجة هجرة القبائل، ولم تكن الأعداد كبيرة فى البداية لكنها بدأت فى التزايد مع مرور الوقت، حتى تجمعت العديد من القبائل وبأعداد كبيرة للعمل فى بناء السد العالى، ثم بعد الانتهاء منه؛ لتظهر المشاكل، ما دفع القبائل إلى التكتل فيما بينها من أجل مواجهة ظروف الحياة، فدخلوا فى صراعات مع أبناء الأقصر، وقاموا بعمل مدراس خاصة بهم ومراكز صحية خاصة بهم، قبل أن يصبح لهم أعضاء بالحزب الوطنى ثم أعضاء فى جماعة «الإخوان»، ودخلوا البرلمان فى العهدين. وتابع العجمى: قبيلة بنى هلال تعد أحد أشهر القبائل بجنوب جمهورية مصر العربية حيث يتمركز أبناء بنى هلال فى ثلاث مناطق بمحافظة أسوان، فأكبر تجمعاتهم بشرق مدينة أسوان فى مناطق «الحكروب والناصرية وخور عواضة والسيل والشيخ هارون»، وفى أجزاء متفرقة من مدينة كوم أمبو وقرية العتمور بكوم أمبو، وفى مركز إدفو، حيث تتمركز الهلايلة بحاجر أبو خليفة وحاجر إدفو ونجع هلال وبجوار عمارات الأمن بمدينة إدفو، ويعمل نسبة كبيرة من السكان فى الحرف اليدوية والتجارة والحنطور وبيع منتجات الألبان والرعى والخردة. وأشار الناشط الأسوانى إلى أنه تنشب بين الهلايلة وبقية عائلات وقبائل أسوان مناوشات لا تنتهى ويستخدم فيها السلاح الآلى أحيانا وخاصة بمنطقة شرق مدينة أسوان، غير أن معظم الاحتكاكات تكون مع النوبيين وأبناء قوص، كما تنشب مناوشات بين الهلايلة وبين قبيلة العبابدة بمركز إدفو بسبب الأراضى، ما أعطى انطباعا عاما لدى البعض بأنهم حادّو المزاج، وما حدا بأصحاب الأعمال عدم إلحاق أي من أبنائهم فى وظائف لديهم، تجنبا لأى احتكاكات، ما جعلهم شبه معزولين، على الرغم من أن قبيلة بنى هلال قبيلة عربية ولها أصولها التاريخية وصاحبة أسطورة أبى زيد الهلالى، كل ذلك يجعل المواطن الهلالى بأسوان حريصا على الظهور فى كل الأوساط، وكان لهذا الدافع جوانب إيجابية حيث نبغ الكثير من أبناء الهلايلة ومنهم قيادات وحاصلون على مؤهلات عليا وأطباء وضباط، ولذلك فتشير الإحصائيات إلى أن أحد أسباب المشاجرات التى نشبت وكان طرف فيها الهلايلة بسبب أولوية الحصول على البوتاجاز كما حدث أكثر من مرة بمنطقة السيل وبسبب العيش بمنطقة الجزيرة بمدخل مدينة أسوان، واشتهر الهلايلة بتجارتهم بالمخدرات وتحويل المنطقة الشرقية إلى مناطق أكشاك المخدرات وبيع الأسلحة عند شرائها من السودان. من جهته، قال المؤرخ النوبى، وحيد وجدى: إن أبناء قبيلة بنى هلال جاءت إلى الصعيد منذ أيام الفاطميين، فى الحدث المعروف بتغريبة بنى هلال، بينما جاء أبناء الدابودية أثناء بناء السد العالى، ما استتبع تهجير أبناء قرية دابودية إلى مدينة أسوان، فى مساكن قريبة من الهلايلة، الذين استوطنوا أسوان بعد دخولهم فى صراع مع قبائل قنا وسوهاج الموجودة بمنطقة شرق المدينة، فقامت حينها قبيلة بنى هلال بتحسين وضعها بالانخراط فى تجارتى المخدرات والأسلحة القادمة من الحدود السودانية، مضيفاً أن إجرام بنى هلال دفع بقية القبائل فى أسوان لشراء السلاح وتخزينه فى منازلهم تحسباً لأى مواجهة مع الهلالية. وأكد وجدى على أن مدينة أسوان شهدت أكثر من 60 عملا إرهابياً لإسقاط العديد من أبناء قبائل قنا، مثلما حدث مع أبناء العجايزة الذين قتل منهم أربعة أفراد، ناهيك عن مشاجرات الهلايلة مع أبناء بروجوش وغيرها من القبائل، حيث يفرض الهلايلة الإتاوة على بعض القبائل حتى لا يقتلون عددا من أبنائهم، ونتيجة تقاعس الشرطة عن السيطرة على شغب الهلايلة، اضطر أبناء النوبة إلى التصدى بكل حزم للهلايلة، خاصة فى منطقة السيل الريفى التى تضم كل القبائل المغتربة، وهى منطقة عشوائية بامتياز. ويروى المؤرخ النوبى كيفية تشكل التركيبة السكانية فى مدينة أسوان قائلاً: المدينة قديمة منذ أيام الفراعنة، وكانت عاصمة محافظة النوبة حتى بناء سد أسوان فى سنة 1898، عندها أصبحت تعرف بمحافظة أسوان، حيث إن بناء السد المعروف أكثر بخزان أسوان ساعد فى تزايد الحركة العمرانية فى المدينة لتصبح كبرى مدن النوبة، خاصة مع مد خط السكة الحديد، لكن العمل فى السد جلب معه عمالة من محافظات الصعيد لتنزح بعدها قبائل من قنا وسوهاج سكنت حولت خزان أسوان فى منطقة عزبة العسكر من ناحية الشرقية وعزبة عثمان من الناحية الغربية. ويتابع وجدى: عند بناء السد العالى بداية من 1958 حتى سنة 1971، استقبلت أسوان أبناء العديد من قبائل أسبوط وقنا وسوهاج، وبذلك أصبحت التركيبة السكانية الأسوانية تعج بالقبائل النازحة، بالإضافة إلى القبائل الموجودة منذ الفتح العربى لمصر، مثل قبائل الأنصار والجعافرة والعبابدة، والقبائل النوبية، ومنذ ذلك الوقت تحولت أسوان من قرية زراعية إلى مدينة تشهد العديد من الأنشطة، لكن بعد الانتهاء من بناء السد وتسريح العمالة وعدم وجود مشروعات تستوعب العمال، أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة بصورة قياسية فى المدينة، ما أدى إلى انتشار الأزمات الاجتماعية، وبدأت الصراعات بين القبائل المغتربة مع بعضها البعض، ونتيجة وجود مناطق مهمشة مثل تكفيل والحكروب والناصرية وعزب تيمة والنهضة والفرن، لم تستفد من النشاط السياحى، ما أدى إلى انخراط شبابها فى تجارة المخدرات.
بدوره أكد الرئيس السابق لمجلس محلى مدينة أسوان، حسن محمد شلالى، أنه بعد السيول صدر قرار بعدم البناء فى مناطق مخرات السيول، منها السيل الريفى، لكن مع مرور الزمان تم بناء مساكن عشوائية وصل عددها إلى آلاف المنازل وأصبحت المساكن على منطقة مخرات السيول والمحظور البناء فيها أمرا واقعا، وأصبحت هذة الكتل التصويتية الضخمة فى تلك المناطق تساوم المرشحين للمجالس النيابية والمحليات على توصيل المرافق مقابل أصوات هذه الكتل التصويتية عن طريق الجمعيات الأهلية القبلية لأبناء الصعيد مقابل ترك مناطق سكنهم مستقلة يفعلون بها ما يشاءون من بيع المخدرات والأسلحة وفرض الإتاوات على بائعى الخضراوات والفواكه وأصحاب المحلات التجارية، ولذلك تحولت محافظة أسوان إلى عزبة على أيديهم.