الرغبة فى الثراء السريع هاجس يسيطر على الكثيرين.. ومن أجل تحقيق ذلك فإن البعض مستعد للموت فى سبيل الوصول للكنز! لذا قرر عدد كبير من المصريين أن يخاطروا بحياتهم بعد إصابتهم بهوس البحث عن الآثار المدفونة أسفل منازلهم، وبدأوا عمليات التنقيب، أملًا فى العثور على تحف قديمة يمكنهم بيعها والتربح من ثمنها، وبهذا فالخطر أصبح اثنين، إما تعريض حياتهم للخطر موتًا تحت منزل منهار، أو الوقوع تحت طائلة جريمة الاتجار فى الآثار وتهريبها. لم تكن الحوادث المتكررة لإخفاء الآثار بمركز «أبوالنمرس» التابع لمحافظة الجيزة، هى الأولى من نوعها ولكنها ناقوس خطر لعودة هذا النوع من الجرائم، حيث تمكنت قوات الأمن من ضبط 1524 قطعة أثرية داخل منزل أحد المواطنين، وأوضحت قوات الأمن أن تنوع الآثار المضبوطة يشير إلى أنها ناتج أعمال حفر مستمرة قامت بها عصابات مسلحة، يعزز ذلك ضبط طلقات لمدفع متنوع «جرينوف» مع المتهم، مما يدلل على خطورة تلك العصبات المنظمة التى تقوم بأعمال الحفر خلسة من أجل الإتجار غير الشرعى فى الآثار المصرية. الصباح فتحت هذا الملف الخطير بعد تكرر هذه الحوادث فى عدة مناطق ومحافظات منها «المنيا، أسوان، الوادى الجديد، الشرقيةوالمنوفية»، والتى تعد أكثر المحافظات شهرة بتجارة الآثار. وصف مصر تهريب الآثار ليس تجارة جديدة، بل إن لها تاريخًا قديمًا فى مصر بدأ منذ عهد الحملة الفرنسية التى نقلت العديد من الآثار الفرنسية إلى فرنسا، ومن ضمنهم حجر رشيد الشهير، الذى يسمونه حجر روزيتا، ومن بعده قام الاحتلال البريطانى بعد عام 1882 بعمليات تهريب من خلال الأمين العام للمتحف البريطانى الجنسية، وبدأ نشاط سرقة الآثار يزداد ويصبح هدفًا عالميًا يلتف حوله اللصوص حول العالم بعد أن صدر كتاب وصف مصر، والذى ضم 24 جزءًا، منهم جزء تم تخصيصه للآثار، وقام به رسامون فرنسيون متخصصون، مما جعل العالم يلتفت للآثار فى مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر، إلى أن صدر عام 1912 قانون نص على منع الاشخاص من التنقيب على الآثار إلا بموافقة من الجهات المختصة، ولم يصبح من حق الحفارين الحصول على ما يعثرون عليه.
الجن والسحر الأسود إحدى طرق الشعبية التى اقتنع بها بعض المصريين للوصول إلى الآثار هو تسخير الجن والاستعانة بالسحر فى الوصول للكنوز، ربما لأن كهنة الفراعنة كانوا مشهورين بالقدرات السحرية، والتى ربما استعملوها فى حماية كنوزهم من العابثين. هذا الهوس دفع الأهالى لإعطاء كل ما لديهم لأى دجال أو نصاب عليه أن يدلهم ما إذا كان هناك مومياء أسفل المنزل أم لا، وبالتأكيد يستغل الدجال حالة الطمع واللهفة التى يكون عليها الباحث عن الآثار فى أن يستنزفه ماليًا إلى آخر قرش فى جيبه. وبجانب السحر والشعوذة وتسخير الجن ستندهش إذا عرفت أن بعض الشيوخ يقومون بدور مماثل فى تسهيل الوصول للآثار المدفونة، ويقال إن هناك 3 مدارس للتنقيب عنها هم المدرسة المصرية، المدرسة المغربية، المدرسة الإفريقية، وأعلاهم خبرة فى هذا المجال هم رواد المدرسة المصرية، وأغلبهم من شيوخ فى صعيد مصر، وأهم مؤهلات هؤلاء الشيوخ هى معرفتهم ودرايتهم بالخلفية التاريخية حول المكان، وتاريخ الأسر التى عاشت فيه، والأسماء التى من المحتمل أن تكون دفنت فيه وما إلى ذلك كى يبدى علمًا أمام الضحية. الأساليب التى يستعين بها هؤلاء الشيوخ تدخل فى نطاق السحر الأسود وفك الطلاسم والتصدى للعنة الفراعنة وغيرها، وهم يدعون الاستعانة بخدام المقبرة من الجن للوصول الى كنوزها، ويبقى تصديق هذه الخرافات على مسئولية صاحبها الذى يعميه الطمع عادة عن رؤية الخداع. مصدر مسئول بوزارة الآثار استنكر كم التعديات التى يقوم بها الأهالى على الأماكن الأثرية والممياوات فى ظل غياب دور الدولة تمامًا، وأكد أن السرقات تتم بمعرفة بعض المسئولين بمنظومة صنع القرار، لأنه من الصعب جدًا أن يستطيع أى مواطن عادى التصرف فى القطع الأثرية دون مساعدة رأس كبير تسهل له عملية الخروج بالآثار، مما دعا بعض المحافظات لتنظيم حملات حماية شعبية لآثار تلك المناطق، على رأسها محافظة المنوفية.
ومن الآثار ما قتل
فى بولاق الدكرور بالجيزة، وفى وقت معاصر لجرائم أبو النمرس قام ثلاثة رجال وسيدة بالاستعانة بأحد الدجالين الذى أخبرهم بوجود كنز أثرى أسفل منزلهم، وأعدوا العدة لحفر حفرة بعمق 16 مترًا، لكن الحفرة انهارت فوق رأس صاحب المنزل وأحد أعوانه الذى تخصص فى الحفر. وكشفت تحقيقات مباحث بولاق الدكرور أن المجنى عليه قام بمساعدة زوجته وعاملين بالحفر بحثًا عن كنز أثرى أسفل منزله، بعدما أخبرهم أحد الدجالين بذلك، وأوهمهم أن الكنز عبارة عن مقبرة فرعونية تحوى العشرات من القطع الأثرية التى لا تقدر بثمن. وفى حى الهرم، وبالتحديد فى منطقة نزلة السمان استعان صاحب بزار يدعى عماد بستة أشخاص للقيام بالحفر أسفل منزله بهدف البحث عن آثار على عمق 20 مترًا، وبالفعل جهز العدة لذلك وبدأت عملية الحفر، لكن ما أن وصل عمق الحفر إلى 12 مترًا حتى انهار النفق فوق رءوس معاونى الحفر ليلقوا مصرعهم فى الحال، بعدها تم إلقاء القبض على عماد ومصادرة أدوات الحفر. فى التحقيقات تبين قيام هذا الرجل بمساعدة اثنين من القتلى بالعثور على بعض الآثار فى بداية الحفر، لكنه أخفاها فوق سطح العقار لحين التصرف فيها بالبيع واستكمل عمليات الحفر طمعًا فى الوصول للمزيد. النيابة باشرت التحقيقات وقررت حبسه والتحفظ على المضبوطات والتصريح بدفن القتلى. أيضا قرية «أرض العزيزية» والتى ينسب اسمها إلى سيدنا يوسف عليه السلام، بها العديد من الآثار، ففى كل شبر فى أرض هذه القرية توجد آثار وبها بقايا مخازن الخلال الخاصة بسيدنا يوسف، ولذلك سعر الأراضى هناك مرتفع جدًا رغم أنها قرية بلا أى خدمات وتغرقها المجارى، مما جعل الإدارة العامة لمباحث الآثار تشدد الرقابة على «أرض العزيزية»، وتقرر مداهمتها لتفتيش العديد من المنازل، بعد أن أثبتت التحريات قيام العديد من الأهالى هناك للبحث والتقيب أسفل منازلهم للبحث عن الآثار. وفى قرية بهنسا، مركز بنى مزار، محافظة المنيا، تحولت حفرة عمقها 12 مترًا تحت سطح الأرض، وعرضها 2 متر فقط، إلى مقبرة ل 6 أشخاص حاولوا الحفر فيها للبحث عن الكنوز، وتحقيق حلم الثراء السهل، وتبين أن هذه الأرض لم تكن ملكية خاصة من البداية، بل كانت تابعة لمشروع استصلاح الأراضى التى تمنحها الدولة لشباب الخريجين، وقد قرر ال 6 الحفر بعد أن نمى إلى علمهم أن هذه الأرض يوجد أسفلها كنوز فرعونية وتماثيل، فاستمروا فى الحفر إلى أن انهارت عليهم الحفرة وتم انتشالهم كجثث هامدة، ومع ذلك لم يتعظ الجشعون من أهل المنيا، التى ظلت من أكثر المحافظات التى يبحث فيها من يعيشون فوق الأرض عن كنوز تحت الأرض. آخر محاولات التصدى لهذا النشاط الضار كانت حملة منبثقة عن حركة تمرد بمحافظة المنوفية، سميت «الحملة الوطنية لحماية آثار المنوفية»، كان هدفها التصدى للتنقيب عن الآثار ومنع تهريبها والحفاظ على آثار المنوفية، وعمل متحف عالمى بها يجمع كنوزها ومدخراتها الثمينة، وذلك بعد أن تم إحباط محاولة للتنقيب عن الآثار هناك، وذلك فى منزل المواطن «هانى العنانى» بمركز منوف، وقد حفر المتهمون حفرة عمقها تجاوز ال 20 مترًا أسفل سطح المنزل وبمساحة 5 أمتار مربعة، وقد عثروا بداخلها على بعض الأجزاء والقطع الفخارية التى تم تسليمها للجهات المختصة لفحصها بعد إيقاف المتهمين.
أشهر اللصوص ويبقى أشهر لصوص الآثار الفرعونية على الإطلاق هو اللبنانى «على أبو طعام»، وقد كان صاحب معرضًا للتحف الفنية القديمة ويعيش بمدينة جنيف بسويسرا، ومن المتهمين فى قضية الآثار الشهيرة لطارق السويسى الذى تم القبض عليه عام 2003 فى قضية تهريب آثار مملوكة للدولة إلى خارج مصر، أما أبو طعام فقد نجح الإنتربول الدولى فى القبض عليه عام 2009 من بلغاريا. وكشفت تحقيقات النيابة العامة من خلال التسجيلات التليفونية بين المتهمين والمسجلة بإذن النيابة العامة أن على أبو طعام كان يعاون طارق السويسى فى تهريب الآثار المصرية خارج البلاد، وانتهت القضية بالحكم على أبو طعام بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا وتغريمه خمسين ألف جنيه مصرى، وتمكن المجلس الأعلى للآثار بمعاونة النيابة العامة من استعادة 1000 قطعة أثرية تم تهريبها إلى لندن وسويسرا.
خطة الداخلية
تقارير وزارة الداخلية تقول إن الوزارة قامت خلال عام واحد بتحرير 350 محضر تجارة فى الآثار، وبلغ حجم القطع الأثرية التى تم ضبطها ما يزيد على ألفى قطعة البعض منها مسجل فى المتاحف أو فى هيئة الآثار، والبعض منها تم استخراجه من مقابر تحت الأرض.
الداخلية أكدت أن خطة الوزارة مبنية على وقف عمليات التهريب ومصادرة القطع الأثرية المسروقة ومحاربة لصوص الآثار، وقد وضعت وزارة الداخلية بالاتفاق مع وزارة الآثار خطة محكمة لمنع سرقة أو تهريب المعروضات الأثرية من المخازن والمتاحف، ومنع اللصوص من الوصول لهذه الأماكن. وأكد مصدر أمنى بوزارة الداخلية أن معظم قضايا الآثار يتورط فيها رجال أعمال مشهورين ومعروفين لدى قوات الأمن، لكن الأدلة لا تكون كافية لإدانتهم فيتم إلقاء القبض على الوسيط والحارس، وأحيانا الأجنبى الذى يقوم بعملية التهريب نفسه، ويبقى رجل الأعمال طليقًا يخطط لعملية التهريب التالية.