تتجدد سنويا وفى نفس التوقيت حالة الجدل التى يخلقها أصحاب الفتاوى السلفية المتشددة، بشأن جواز تهنئة الأقباط بعيد الميلاد من عدمه، إلا أن هذا العام بدا الأمر مختلفاً، إذ حاولت جماعة «الدعوة السلفية» تخفيف حدة هذه الفتاوى، وظهر من بين أعضائها من يجيز التهنئة على استحياء فى محاولة للاتفاف على المنهج السلفى الذى يُحرِّم ذلك وفق جميع الكتب التى يعتبر «البرهاميون» أنها مستمدة من صحيح الدين. المفاجأة، عندما قام المتحدث باسم الدعوة السلفية عبدالمنعم الشحات، بنشر مقالة تحرم وتمنع منعا باتا تهنئة الأقباط أو غير الأقباط بأى عيد سوى عيدى الأضحى والفطر، ونشرت هذه المقالة العام الماضى على الموقع الرسمى للدعوة السلفية «صوت السلف» وموقع «أنا السلفى» وأعاد الشحات نشر المقال يوم 13 ديسمبر الماضى، لكنه حذفها بعد ذلك بيوم واحد ليفتح الباب لتساؤل مهم: هل تراجع السلفيون عن فتواهم بسبب المواقف السياسية الحالية ولو لم يفتوا بعكس قناعاتهم إلا أنهم صمتوا ومنعوا تجديد موسم فتاوى كل عام، خاصة قيادات الدعوة السلفية. على الوتيرة ذاتها كانت المفاجأة الثانية عندما هنأ نادر بكار المصريين بحلول العام الجديد معتبرا أننا «نستقبل عاماً جديداً وندعو الله أن يجنبنا الإرهاب والفتن»، وفى الوقت هنأ صلاح عبدالمعبود عضو الهيئة العليا للحزب، المسيحيين برأس السنة الجديدة صباحا ثم تراجع مساءً، فيما اعتبر غريب أبوالحسن عضو المجلس الرئاسى أن «التهنئة مرفوضة أيا كانت طالما ليست فى عيدى الأضحى والفطر، وأى خروج عن هذه الفتاوى هو خروج عن المنهج السليم». هذه التصريحات المتضاربة، تسببت فى حالة من السخط العارم بين أعضاء حزب «النور»، فمنهم من اتهم نادر بكار ب«بيع دينه من أجل مواءمات سياسية»، ما دعا يونس مخيون، رئيس الحزب، إلى دعوة اللجنة الإعلامية لاجتماع عاجل لمناقشة تضارب التصريحات ومنع أى مسئول داخل الحزب من التحدث إلى وسائل الإعلام إلا الموكل لهم ذلك، وامتنع بكار عن حضور الاجتماع. وقالت مصادر داخل حزب «النور» إن خلافا حادا نشب بين نادر بكار مساعد رئيس الحزب لشئون الإعلام، وقيادات فى «الدعوة السلفية» والحزب لم تفصح المصادر عن أسمائهم، بسبب التفاف بكار على منهج «الدعوة» وتهنئته للأقباط بالعام الجديد، حسب وصف المصادر. وأضافت المصادر أن بكار لم يتمالك نفسه وغضب غضبا شديدا بعد معاتبته بأسلوب اعتبره غير لائق، وكان رده على قيادات الحزب: "ستلقون نفس مصير الإخوان إذا ظللتم تتمسكون بمثل هذه الأمور، أيامنا قربت جدا". وكان بكار هنأ جموع المصريين بالعام الميلادى الجديد، رغم أن قيادات بالحزب أكدوا أن الحزب متمسك بمنهجه ولن يهنئ أحدا بالعام الميلادى فلا أعياد سوى «الفطر والأضحى». وفى مطلع العام الماضى لم يكتف السلفيون بتحريم أعياد الكريسماس بل اعتبروا من يشارك أو يقدم التهنئة للأقباط فى أعيادهم الدينية «مخالفا لقواعد الولاء للشريعة الإسلامية» وربما كافرا بها وبما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، السلفيون الذين أنكروا أيضاً على المسلمين احتفالهم بأعياد دينية مثل الإسراء والمعراج والمولد النبوى، وينكرون على المصريين الاحتفال بها لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا واعترضوا عليها. الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس «الدعوة السلفية» رفض أن يكون يوم الميلاد صياما للتقرب إلى الله، عندما سأله أحد تلامذته عن جواز «مخالفة النصارى» فى هذا اليوم من خلال الاعتكاف فى المساجد وصيام نهاره وقيام ليله وقراءة القرآن، فكان رد برهامى أنه: لا يجوز أن نعترف أن هناك يوما للمعاصى حتى نرد عليه بالطاعات. وخاض السلفيون معارك طاحنة فى السابق بسبب أعياد الكريسماس مع الإخوان، حيث هاجم مشايخ الدعوة السلفية وأغلب علماء السلفية أمثال الحوينى وياسر برهامى وحتى الشيخ محمد عبدالمقصود والشيخ فوزى السعيد جماعة الإخوان بسبب مشاركتهم المستمرة فى أعياد الكريسماس، بل كانت قضية الولاء والبراء أبرز الخلافات بين السلفيين والإخوان طوال فترات كبيرة، وعندما أصدر الدكتور عبد الرحمن البر فتواه بجواز تهنئة الأقباط معتبرا ذلك برا وإقساطا، حتى ناله قدر كبير من الهجوم من مشايخ السلفية. وعلى الرغم من الاتفاق المعلن بين سلفية القاهرة وجماعة الإخوان إلا أن الخلاف بينهما مازال مستمرا حول جواز تهنئة الأقباط بل وصل الأمر لاتهام الشيخ محمد عبدالمقصود الإخوان بمخالفة قسم «الولاء والبراء» وما أتى به النبى (صلى الله عليه وسلم) «من أجل مصالح سياسية»، فى نفس التوقت الذى أكد فيه الدكتور عادل عفيفى رئيس حزب الأصالة، وشقيق الشيخ محمد عبد المقصود أنهما لن يقدما تهنئة للأقباط لأن ذلك مخالفا لما جاء به الله ورسوله. وعلى مدى عقود طويلة ظلت فتاوى السلفيين باقية على حالها ورافضة لأى مظهر من مظاهر تهنئة الأقباط خاصة فى الأعياد الدينية، بل مهاجمة أعضاء جماعة الإخوان بسبب مشاركتهم الأقباط وحتى اليوم يصدر الإخوان بيانا يؤكد احترامهم لأعياد الأقباط وأنهم لن يشاركوا فى أى مظاهرة احتراما لأعياد الأقباط. وفى الوقت ذاته يصدر حزب النور بيانا يؤكد فيه أنهم لم يقدموا أى تهنئة للأقباط فى أعيادهم لما فيه مخالفة للشريعة الإسلامية وإننا لا نعترف إلا بعيدين فقط هم العيد الأضحى وعيد الفطر المبارك ولن نشارك الأقباط فى احتفالهم، ومع ذلك أبدى الحزب استعداده للمشاركة فى تأمين الكنائس.