مع اقتراب الاحتفال بعيد القيامة المجيد، تتوق نفوس الأقباط للحج وزيارة كنيستى المهد والقيامة فى مدينة القدس، ويعود الحديث مجددا حول هجرة الأقباط لإسرائيل.. بعض المراقبين يشككون فى وطنيتهم، ومهاجرون يؤكدون أن الحج غايتهم، بينما عدد من المهاجرين أعلنها صريحة أن الحياة فى إسرائيل أفضل منها فى مصر، ويومًا بعد يوم يزيد عدد طلبات الهجرة رغم الحظر الذى فرضته الكنيسة المصرية منذ عام 1971 بأنه لا سفر للحج قبل تحرير القدس من أيدى اليهود. «الصباح» أخذت على عاتقها مهمة البحث عن الأسباب لتكتشف أنّ دافعًا آخر وراء العديد من عمليات الهجرة لإسرائيل.. إنه الهروب من سداد ضريبة الوطنية «التجنيد الإلزامى». وتوقع البعض أن تخفف الكنيسة من هذا الحظر بعد وفاة البابا شنودة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية العام الماضى إلا أن خلفه البابا تواضروس الثانى، أكد التزامه بقرار سلفه حظر زيارة الأقباط إلى القدس طالما بقيت تحت نير الاحتلال. وتزامن سفر المسيحيين إلى القدس للحج والاحتفال بأعياد القيامة مع دعوة إسرائيل لهجرة الأقباط المصريين إليها، وهو ما دفع البعض إلى التشكيك فى وطنية المسيحيين والمراهنة على موافقتهم على الهجرة إلى إسرائيل، خاصة أن الواقع يشير إلى زيادة عدد المهاجرين الأقباط منذ صعود الإسلاميين إلى الحكم فى البلاد. شروط إسرائيل وفى الفترة الأخيرة، أعلنت السلطات الإسرائيلية منحها حق الهجرة لعشرات الأسر القبطية التى وصلت تل أبيب قادمة من مصر، شريطة حيازتهم محاضر رسمية تثبت تعرضهم للاضطهاد داخل مصر. إسرائيل سعت لاستغلال فترة التخبط التى تعيشها مصر منذ اندلاع الثورة وقررت فتح باب الهجرة بقواعد «شكلية» حيث اشترطت على طالبى الهجرة من العمال أن يكون لديهم من الخبرة ما لا يقل عن عام فى وظيفة إدارية أو مهنة تتطلب وجود شهادة جامعية، وأن يكون لديهم إدارات مالية كافية لرعاية أنفسهم وعائلاتهم داخل تل أبيب كما اشترطت على راغبى الهجرة من رجال الأعمال أن يكون سقف أرصدتهم 150 ألف دولار فقط.. ليس هذا فحسب بل تضطلع السلطات الإسرائيلية «أحيانًا» بتسديد المبالغ المطلوبة على نفقتها الخاصة، المهم أن تكسب أقباط مصر لصالحها، وإن لم تستطع من خلال المهاجرين والحجاج تجد ألف باب للنفاذ الأمنى والمخابراتى داخل مصر بالإضافة لما هو موجود بالفعل. سعيد عبدالحافظ، مدير مؤسسة «ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان»، أعلن استنكاره لما أذاعته الإذاعة الإسرائيلية حول منح حق الهجرة للأقباط المصريين مشترطة أن يكون لديهم محاضر وأوراق رسمية تثبت تعرضهم للاضطهاد داخل مصر، موضحًا أنه من الثابت أن البابا شنودة الثالث كان قد أصدر قرارًا يمنع الأقباط من السفر لزيارة القدس للحج، وهى أمنية كل قبطى، إلا بعد تحرير فلسطين والدخول مع مسلمى مصر بعد تحريرها، لذا فلا يجب أن يبتزوا أقباط مصر وأن يزايدوا على موقفهم الوطنى الذى سبق وأكده البابا الراحل، وأكده سلفه أيضًا فى العديد من لقاءاته». وأضاف عبدالحافظ «أن هذا التصريح من قبل الإسرائيليين يجب ألا نتحمل عبء تفسيره، ولكن على الجانب الإسرائيلى أن يتخذ ما يشاء من إجراءات وأن يفسر هو مبررات اتخاذه لمثل هذا القرار، وصلت الرحلة الرابعة من رحلات الحجاج المسيحيين إلى القدسالمحتلة للحج والاحتفال بأعياد القيامة بعد أن غادرت مطار القاهرة وعلى متنها أكثر من 300 من الأقباط. وبلغ عدد الذين تقدموا بطلبات هجرة 237 قبطيا مصريا، بحسب ما أعلنه منصور الصمويئلى المحامى ورئيس المكتب القانونى المتخصص فى تقديم ملفات الهجرة واللجوء إلى إسرائيل منذ فتح باب التقدم للحصول على الإقامة فيها بشكل رسمى، وعلى الرغم من كون الأعداد قليلة جدا ولا تمثل ظاهرة إلا أنها تمثل خطرا حقيقيا على أكثر من صعيد، فهى تضرب علاقة المسيحيين والمسلمين فى مصر فى مقتل، وتصنع ثغرة أمنية وسياسية يمكن للجانب الإسرائيلى استغلالها خاصة أنها أول فرصة تسنح له فى هذا الجانب، هيأتها ظروف الثورة من ناحية وتردى الأوضاع الاقتصادية والأمنية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى المخاوف الموجودة من عودة صعود الإسلاميين إلى السلطة، وكلها أسباب تدفع المسيحيين إلى التفكير جيدا فى مخالفة وعد البابا شنودة بعدم الحج والسفر إلى إسرائيل إلا مع المسلمين، خاصة أن الحديث عن تراجع الكنيسة المصرية عن التدخل فى الشأن السياسى كثيرا، ويصب فى أنها لا ترضى عن زيارة البعض أو حجهم فى إسرائيل ولكنها فى نفس الوقت ليس لديها القدرة -أو الرغبة- فى منع أحد بالقوة من زيارة إسرائيل أو الهجرة إليها. وعلى الصعيد الدبلوماسى، نفت مصادر بالسفارة المصرية فى تل أبيب علمها بهذه الطلبات قائلة إنها لم تتلق أى طلب من مصرى، مسلما كان أم مسيحيا بهذا الشأن. وقال نجيب جبرائيل -رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان- إن حرية التنقل مكفولة لكل مواطن، ويمكنه السفر لأى دولة بما فى ذلك إسرائيل التى يجمعها بمصر معاهدة سلام وعلاقات دبلوماسية متبادلة وهناك نحو 10 آلاف مصرى مسلمين ومسيحيين يعملون فى إسرائيل منذ ما قبل ثورة 25 يناير رغم أن عدد الذين سافروا إلى إسرائيل بعد الثورة لا يزيد على 100 شخص فقط وربما أقل. الهروب من التجنيد لم يكن الهروب من ضغوط الحياة فقط، هو سبب هجرة الأقباط، بل تأتى رغبة الإفلات من التجنيد ضمن أسباب السفر لإسرائيل، وتحكى والدة «هدرا. ج» المقيمة بالمنيا أنها ذهبت للحج فى إسرائيل وزيارة القدس ليس بهدف التقديس كهدف أساسى، ولكن كسبيل لمنع إلحاق ابنها بالتجنيد فى ظل هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، وقالت «س. م» «كل يوم الجنود بتموت قدام عنيا بالعشرة وأنا ابنى معنديش غيره ومفيش حاجة هتطلعه من الجيش غير إننى أروح أقدس». وقال «رزق س.ك»، من المنيا لا أحد يستطيع إنكار سفر المصريين مسلمين ومسيحيين، إلى إسرائيل فهناك عدد كبير من المصريين منهم نسبة عالية من المسلمين يقيمون داخل إسرائيل فالمسألة لا تتوقف على الديانة وإنما على الاحتياج والضغوط التى تمارس على المصريين بعد الثورة، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. وأضاف أن غالبية المهاجرين لإسرائيل لجئوا لذلك تحت ضغط العوز والحاجة إلى المال، وأنه هو نفسه عندما سافر للقدس بحث عن عمل، وفكر فى الاستقرار بها، لكنه كان سيخسر فى المقابل أسرته وكل عائلته، مؤكدًا أن كثيرًا من الأقباط يلجئون للسفر هرباً من دخول الجيش، لأنهم على علم أن الجيش لا يقبل أن يلتحق به شخص سافر هو أو أحد من أسرته إلى إسرائيل، وهذا ما وجده فى قناعة عدد كبير من الأقباط بإسرائيل. وقال (إبراهيم م ن) من محافظة القاهرة: «حينما سافرت لإسرائيل لم أكن أفكر فى الوطنية ولا فى مواقف الكنيسة الوطنية، كما أن الكنيسة منعتنى من السفر وحذرتنى من مخاطره ولكن بسبب معاناتى الاضطهاد فى عملى، وكذلك من جيرانى الذين حولوا حياتى إلى جحيم وهو ما دفعنى للسفر والتفكير فى الهجرة، كما أن السفر سيكفل لى الإعفاء من دخول الجيش الذى يموت فيه يومياً الكثير من المجندين، فالسفر لإسرائيل أفضل من الموت، وربما كان صعود الإخوان لسدة الحكم بعد الثورة دافعًا مباشرًا لهجرة الأقباط. «نيفين ع.ن»، قاهرية، قالت: «لماذا لا نهاجر لإسرائيل إذا كان النظام الحاكم يتعاون معها ويضع يده فى يدها، ليستفيد منها لحماية بقائها فى السلطة، فلماذا لا نهاجر نحن لتحسين أوضاعنا المعيشية، خاصة فى ظل ارتفاع المستوى المعيشى جداً فى إسرائيل والإنسان هناك له كرامة؟». عقوبات كنسية وصفت الكنيسة المصرية حالات سفر الأقباط لإسرائيل، بأنها رحلات فردية، وهددت الكنيسة من سافروا إلى القدس ب«الحرمان من سر تناول دم وجسد السيد المسيح عقب القداس الإلهى» وهو أحد أهم أسرار الكنيسة السبعة، حيث يؤمن المسيحيون بأن الخبز وشراب العنب اللذين يتم الصلاة عليهما يرمزان إلى دم وجسد المسيح. وقالت قيادات الكنيسة القبطية إن عقوبة الحرمان ستطبق على من سافروا للقدس المحتلة لأداء شعائرهم الدينية لمخالفتهم قرار البابا الراحل شنودة الثالث والذى ينص على عدم السفر للقدس إلا فى الحالات الاستثنائية مثل التقدم فى السن. ومن جانبه، قال البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، «إن سفر الأقباط إلى القدس أمر خاطئ، ومرفوض وموقفنا منه لن يتغير وعقوبة الحرمان ستطبق على المخالفين». وأكد الأنبا بسنتى، أسقف حلوان والمعصرة وأحد قيادات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن الكنيسة لم ترفع قرار الحظر عن السفر إلى القدسالمحتلة ولم تعط أى تصاريح لأى قبطى بشأن زيارة القدس. وأشار «بسنتى» إلى أن المسيحيين يحترمون قرارات البابا شنودة الثالث فى حياته وبعد رحيله مؤكدا أن البابا الراحل اتخذ هذا القرار لعلمه أنه فى صالح الوطن والمواطن العربى وهدفه عدم التفريط فى القضية الفلسطينية، كما أن المجمع المقدس لم يتخذ قرارات جديدة تخالف قرارات البابا شنودة الثالث بحظر السفر إلى القدسالمحتلة إلا بعد عودتها إلى السيادة العربية ليدخلها الأقباط والمسلمون معا. وقال القس ميصائيل الأورشليمى، راعى كنيسة القديسة هيلانة، «الجزء المصرى من كنيسة القيامة بالقدس» إن عدد المصريين الذين وفدوا إلى القدس هذا العام يعد قليلا مقارنة بالعام الماضى، مؤكدًا أنهم سيعاقبون كنسيًا. وأكد «ميصائيل» أن الكنيسة «لن تسمح للمصريين الأقباط بممارسة طقس التناول داخلها وهو طقس كنسى من أسرار الكنيسة السبعة أو زيارتها، مشيرًا إلى وجود تعليمات مشددة من البابا تواضروس بمنع استقبال الحجاج المسيحيين بالكنيسة تنفيذًا لقرار البابا الراحل شنودة الثالث. وأوضح أنه فى عيد القيامة الماضى رفضت الكنيسة المصرية استقبال المسيحيين المصريين الذين زاروا القدس وفقًا لتعليمات الأنبا باخوميوس الذى كان قائما مقام البطريرك فى ذلك الوقت عقب وفاة البابا شنودة، مشيرا إلى أن البابا الراحل أصدر قراره بمنع المسيحيين من السفر منذ توليه منصبه عام 1971، واستمر القرار حتى بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. وكان موقف البابا شنودة وطنيًا من العدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية والأراضى العربية، وكان دائما يردد: لن ندخل القدس إلا يدًا بيد مع إخوتنا المسلمين وأشار إلى أن المسيحيين الذين يزورون القدس حالات فردية ولا يعبرون عن موقف الكنيسة الرسمى وقال: سبق للكنيسة الأرثوذكسية أن حرمت من زار القدس من طقس التناول، كما فرضت عليهم عقوبات كنسية، موضحا أن أغلب من يزورون القدس هم من أتباع الطوائف المسيحية الأخرى. وأضاف أن «هذا القرار تسبب فى حالة حب شديدة لدى الفلسطينيين للبابا شنودة الذى ساند ودعم قضيتهم، ويسير على دربه البابا تواضروس الثانى، ونفى ما تردد عن هجرة أعداد من المسيحيين إلى إسرائيل فى الفترة الماضية، وقال إن إسرائيل تلعب بورقة الحج المسيحى والهجرة لضرب الوحدة الوطنية لتخلق كراهية بين أبناء الشعب المصرى من المسلمين والمسيحيين». أما بيشوى أسعد -العضو المؤسس فى حركة «شباب العدل والمساواة المصرية»- فقال فى بيان صادر عن الحركة مؤخرا: «نرفض سفر 310 أقباط إلى القدس للحج، خاصة أن الكنيسة المصرية فى عهد البابا شنودة الثالث أعلنت حظر سفر الأقباط لرفضها التطبيع مع إسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد، وتناشد الحركة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، التزام قرار سلفه حظر زيارة الأقباط إلى القدس، طالما ظلت تحت الاحتلال، خاصة بعد عرض مستفز يدعو إلى الشك والريبة من جانب السلطات الصهيونية بمنحها حق الهجرة للأسر القبطية المصرية.