رسميا.. اعتماد جداول امتحانات النقل والشهادة الإعدادية للفصل الدراسي الثاني 2025 ببني سويف    بعد شكاوى المواطنين.. الحكومة: توجيه وزير البترول ببحث حقيقة أزمة البنزين    إستونيا تمنع الرحلات المتجهة إلى موسكو في 9 مايو من استخدام مجالها الجوي    ميرتس وماكرون يدعوان الهند وباكستان إلى التهدئة    تفاؤل في مران ريال مدريد بعد سقوط برشلونة الأوروبي    الأرصاد تكشف موعد ذروة الموجة الحارة    شارك الحجيج فرحتهم.. محافظ القليوبية يُسلِم ملابس الإحرام لحجاج الجمعيات الأهلية (صور)    «ضربوه لأن رجله بتوجعه ومقدرش يجري».. القبض على والدَي تلميذ اعتديا على زميل ابنهما داخل ملعب المرج    نقل والدة «أوس أوس» للعناية المركزة بعد تعرضها لوعكة صحية (تفاصيل)    آيساب روكي يكشف سبب حمل ريهانا المتكرر    محافظ أسوان ينيب السكرتير العام لحضور ختام فعاليات مهرجان أفلام المرأة    إنقاذ حياة طفل.. فريق جراحى بأورام المنوفية ينجح فى إجراء عملية استئصال ورم ضخم    رأس المال السوقي يخسر 25 مليار جنيه.. مؤشرات البورصة تهبط بختام جلسة اليوم    رئيس مسار بعد التتويج بدوري السيدات: هدفنا المساهمة في تطوير كرة القدم المصرية    جوندوجان يحلم بأن يكون مساعدًا ل "الفيلسوف"    بالصور.. ملك أحمد زاهر تتألق في أحدث ظهور لها    ضبط 3507 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    بينها «أخبار اليوم» .. تكريم رموز الصحافة والإعلام في عيد العمال    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    "الشباب في قلب المشهد السياسي".. ندوة تثقيفية بالهيئة الوطنية للانتخابات | صور    "التعليم" تعلن إطلاق مسابقة للمواهب في مدارس التعليم الفني    5 أبراج تُعرف بالكسل وتفضّل الراحة في الصيف.. هل أنت منهم؟    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    جوتي ساخرًا من برشلونة: أبتلعوا الأهداف مثل كل عام    الهلال الأحمر المصري يشارك في النسخة الرابعة من منتدى «اسمع واتكلم»    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    البابا تواضروس يستقبل وكيل أبروشية الأرثوذكس الرومانيين في صربيا    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    عمر طلعت مصطفى: العمل الاحترافي يجذب 400 ألف سائح جولف لمصر سنويًا    محافظ الدقهلية يلتقي المزارعين بحقول القمح ويؤكد توفير كل أوجه الدعم للفلاحين    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    قطاع الفنون التشكيلية يعلن أسماء المشاركين في المعرض العام في دورته 45    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    مدبولي يُكلف الوزراء المعنيين بتنفيذ توجيهات الرئيس خلال احتفالية عيد العمال    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    وزير التعليم العالي يستقبل وزير خارجية جمهورية القمر    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    فيديو.. خالد أبو بكر للحكومة: مفيش فسخ لعقود الإيجار القديم.. بتقلقوا الناس ليه؟!    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    وكالة الأنباء الفلسطينية: ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي لمدرستين في مخيم البريج ومدينة غزة إلى 49 قتيلا    هل انكشاف أسفل الظهر وجزء من العورة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصباح ترصد.. المصريون تحت « الضغط العالى » .. وأبراج الموت تصعق المصريين بقطرات الندى
نشر في الصباح يوم 28 - 03 - 2013


تحاصر العشوائيات والأحياء البعيدة بالموت الكهربائى
قطرات ندى « الضغط العالى » تقتل الأطفال فى عزبة الهجانة
حدائق الأهرام.. الهدوء الذى يسبق الشحنات القاتلة
الوزارة: فلنعتبر ضحايا هذه الأبراج « شهداء للكهرباء »
يبدو أننا فى مصر أصبحنا مهددين بكل ما يحيط بنا، فلا يقتصر التهديد على الخرطوش والمولوتوف وقنابل الغاز المسيل للدموع، أو حتى السيارات المجنونة والبلطجية فى الشوارع، وإنما امتد التهديد إلى «الكهرباء» التى تسرى فى بيوتنا وبين جنباتنا مسرى الدم فى الجسد، فأبراج الضغط العالى التى تمر أعلى المساكن وفى الطرق والشوارع، أصبحت بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى أى وقت ودون سابق إنذار، لكن كأى خطر يهدد حياة المصريين يتكيفون معه ويحولونه إلى غنوة أو أضحوكة بدلا من البكاء.
رغم خطورة المسألة إلا أنه لم يتحرك تجاهها أى من المسئولين سواء تحت حكم النظام البائد، أو تحت حكم «الإخوان»، وظل الناس يعيشون معاناتهم بين قدر من الأمل، وقدرة على التكيّف، والتحمّل، وتكرار الشكوى التى يؤمنون بأنها لغير الله «مذلة»، وغضب ربما لو اشتعل يطال أعلى المسئولين فى الدولة التى لم تعد دولة.
مخاطر صاعقة
يؤكد العديد من الدراسات الطبية أن الإرهاق النفسى والعصبى أول الأعراض التى يشعر بها المعرّضون لأسلاك ومحطات وأبراج الضغط الكهربائى العالى، يليها السهر والأرق، فزيادة إيقاع العمل بالمخ تحول دون استرخاء الجسم الذى يحرم الفرد من النوم، وبالتالى استرداد قواه ونشاطه.
كما تقول دراسات أن المعرّضين لأسلاك الضغط العالى من أكثر الناس عرضة على المدى الطويل للإصابة بسرطان الدم والأوعية اللمفاوية عند الأطفال خاصة، وكشفت دراسة للمركز القومى للبحوث بالقاهرة أن خطوط الضغط العالى للكهرباء تؤدى إلى جملة من الأمراض على رأسها «القلب، وتشوه الأجنة، وسرطان الدم، وسرطان الثدى»، إضافة إلى تدمير البناء الكيميائى لخلايا الجسم والمادة الوراثية وتعطيل وظائف الخلايا، واضطراب إفراز الأنزيمات فى الجسم، واضطراب الدماغ، والخمول والكسل، واضطراب معدلات الكالسيوم والشرود والهذيان.
إذ يقول الدكتور محمد عبدالعليم أستاذ أمراض المخ والأعصاب: «إن أبراج الضغط العالى تبعث موجات كهرومغناطيسية لها آثار ضارة على جسم الإنسان، إذ تُعرّضه للإصابة بسرطان المخ وسرطان الدم والثدى، فالأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الكابلات الكهربائية أكثر عرضة للإصابة بالسرطان بنسبة تصل إلى 11 ضعفا من الذين يعيشون بعيدا عنها، وتؤدى إلى خلل بالخلايا المُنتظمة بالجسم، والإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى, مثل أمراض الجلد والعيون والمخ والرئة وأمراض القلب وتشوه الأجنة واضطراب الدماغ، وتدمير البناء الكيميائى لخلايا الجسم وتعطيلها واضطراب إفراز الإنزيمات فى الجسم, واضطراب معدلات الكالسيوم.
ويضيف الدكتور عبدالعليم أن الأمراض التى تم ذكرها ربما تكون الإصابة بها على المدى الطويل، إلا أن التعرّض لموجات الضغط العالى يُصيب الإنسان بصورة وقتية بالخمول والكسل والرغبة الدائمة فى النوم والشرود والهذيان والإرهاق النفسى والعصبى والصرع وضعف الإبصار.
«الصباح» رصدت معاناة أهالى عدد من المناطق التى تغزوها هذه الأبراج والأسلاك الكهربائية منذ عشرات السنين فى تهديد لملايين السكان، البداية كانت بعزبة الهجانة ثم منطقة المحولات بالهرم ثم حدائق الأهرام.
قطرات ندى «الضغط العالى» تقتل الأطفال فى عزبة الهجانة
بمجرد الدخول إلى عزبة الهجانة نهاية الحى العاشر بمدينة نصر، تجد نفسك محاطا بأسلاك كهرباء الضغط العالى وأبراجها من جميع الجوانب، حيث يمكنك أن تسمع أزيز الكهرباء عبر الأسلاك بوضوح، والذى يصيب الشخص غير المعتاد على المنطقة بالصداع والخمول، يتعرّض لتهديد أسلاك الضغط العالى فى هذه العزبة وحدها أكثر من مليون نسمة.
يرى بعض أهالى «الهجانة» أن الحياة فى العزبة رغم خطورتها، أفضل من الحياة خارجها حيث الغلاء والاستغلال، هم يعرفون بعضهم ويساندون بعضهم البعض، كأنهم مدينة منفصلة تماما عن القاهرة لها أبواب يغلقونها عليهم كل ليلة، هذا ما قاله الحاج شوقى الشيخ الستينى الذى تربى فى العزبة منذ صغره، ومنع أبناءه وأحفاده من الخروج منها، لم يخرج صاحب الوجه الشاحب الحزين من بيته منذ شهر حيث قتلت قطرات ندى أسلاك الضغط العالى أحد أحفاده.
كان الولد الذى لم يتم سنواته العشر بعد يلعب فوق سطح بيته، الذى ترتفع عنه أسلاك الضغط العالى بأقل من متر واحد، وأثناء سقوط قطرات الندى على أسلاك الضغط العالى اختلطت بالكهرباء فى الوقت الذى كان يقفز الحفيد الضحية فى الهواء مرحا، كان يستقبل ندى السماء المخلوط بكهرباء الضغط العالى فأودت بحياته.
كان الحاج شوقى يقص ما تعرّض له حفيده باكيا رافعا رأسه إلى السماء قائلا: «سقطت حبات الندى لتقتل حفيدى بس أكيد ربنا له حكمة فى كده حسبى الله ونعم الوكيل علشان ما خرجتش أولادى ولا أحفادى من بوابات العزبة».
فيما قال عم سيد: «إن أبراج الضغط العالى خطر مستمر على الأهالى، وتأثيرها واضح جدا عليهم وبالأخص الأطفال»، مؤكدا أن الأطفال يعانون من عدم التركيز والبلاهة والرغبة فى النوم وآلام فى الجسم.
وأضاف: «الولاد متربيين فى منطقة أصلا خطر يعنى هيطلعوا عندهم سرطان وبلاوى زرقة، مش مهم احنا لأننا كبرنا ومش هاممنا اللى يحصل لنا بس المهم عيالنا وأحفادنا».
وتابع عم سيد: «غير الأمراض فيه ناس بتموت كتير، كل شهر تقريبا فيه حالة وفاة بسبب صعق أسلاك الكهرباء لأنها قريبة جدا من أسطح البيوت، ومعظمهم شباب، ومن شهرين تقريبا عائلة كاملة من أب وأم وبنتين ماتوا عشان الأسلاك وقعت ودخلت بيتهم من السطح، وماحدش عرف الموضوع ولا اتكلم عنه، ولا حد سأل فيهم كأنهم كلاب وراحت».
فى حين قالت الحاجة منى- خمسين عاما تقريبا- إنها تتعرض وأسرتها يوميا لمخاطر كابلات الضغط العالى من فوق البيوت المهددة بسقوط الأسلاك عليهم فى أى وقت.
وأضافت: «الوضع ده مستمر من 20 سنة وكلمنا المسئولين أكثرمن مرّة علشان يتغير مسار كابلات الضغط العالى من فوقنا، فقالوا مش هانقدر هاتوا ولادكم نشغلهم، كأنها مساومة علشان نسكت ومانتكلمش، وقولنا ماشى من غلبنا ورغم كده ماحدش سأل فينا، فى ناس كتير هنا وكلهم حياتم فى خطر».
من جهتها روت لنا الحاجة ليلى شقيقة سعاد إحدى شهيدات كابلات الضغط العالى قائلة: «سعاد كانت متزوجة ولديها طفلان وتسكن بغرفة صغيرة مكونة من خوص وكانت تقع فوق سطح عمارة فالخوص بالنسبة لسعاد العشة التى كانت تؤويها هى وأسرتها، حيث كانت تنام سعاد كل ليلة هى وزوجها والخوف والرعب يملأن قلبيهما، وكانت دائما تغمض عينيها وفيهما ألف دمعة عما يخفى لها الظلام هى وأسرتها حتى جاء اليوم المشئوم الذى ظلت سعاد تخشى منه طوال عمرها فنامت يوما هى وزوجها وأطفالها على الأرض، وكان الهواء شديداً فانقطع سلك الضغط العالى الموضوع فوق المنزل مباشرة، وصعق الخوص الذى يغطى الغرفة، وصعق الأسرة بأكملها وسقطوا قتلى، ورغم ما حدث لم يستجب أحد لتلك الحادثة، ولم يتحرك أى أحد من المسئولين».
بينما قال محمد عمران، أحد سكان العزبة: الأسلاك التى تمر فوق بيوتنا سبب رئيسى فى عدم تعلية سقف الحجرات أو بناء أدوار جديدة بسبب قرب الأسلاك منها، وأضاعت على أكثر من شخص تعلية أرضه وإقامة عمارة بدلا من العيش فى «عشش»، وطالبنا أكثر من مرة بنقلنا إلى مساكن أخرى آدمية وآمنة، ولم يستجب لنا أحد ومضطرون للعيش هنا لأننا لا نملك أى مكان آخر نعيش فيه، وحسبى الله ونعم الوكيل فى كل المسئولين الحاليين والسابقين.
«المحوّلات» منطقة كهربائية من الطراز الأول
المحوّلات.. إحدى المناطق التابعة لمنطقة الطالبية بمحافظة الجيزة، عرفت تلك المنطقة منذ زمن بأنها منطقة مهجورة يتركها أهلها، لكن خلال الآونة الأخيرة تمركز بها العديد من الأسر، لماذا تركوها؟ ولماذا عادوا إليها؟
تبدو المنطقة من اسمها «المحولات» منطقة كهربائية فريدة من نوعها، فمجرد دخولك إلى المنطقة تشعر بأنك داخل مقبرة يسكنها الهدوء والأسلاك فى آن معا فعلى يمينك ترى الأراضى الزراعية وبداخلها شباب يتعاطون المخدرات، ويقفون لمراقبة من عليه الطريق لعله يحمل لهم ضحية تحمل مالا أو ذهبا أو حتى «هاتف محمول».
بينما دفعت أبراج الضغط العالى الكثير من السكان إلى ترك بيوتهم بسبب قربها الشديد منها، فلا مداخل أو مخارج آمنة للشوارع، إذ تحاصر المنطقة وشوارعها والطرق المؤدية لها أبراج وأسلاك الضغط العالى، حتى أن بعض مخارج الشوارع الآمنة استغلها البعض لعمل مشاريع تجارية كالمقاهى وخلافه.
أثناء التجول بين «المحوّلات» قابلنا السيدة ماجدة مصطفى، ربة منزل، حيث قالت إنها جاءت إلى تلك المنطقة منذ فترة طويلة بعد أن قامت الأسرة بشراء قطعة أرض من المجلس المحلى، الذى قال لهم إنهم سوف يقومون بإزالة الأبراج الكهربائية الموجودة هناك، وأن هذه المنطقة سكنية وقاموا بإنشاء مدرسة ابتدائية لزيادة الطمأنينة لدى المواطنين.
وأوضحت: «بعد أن جئنا وقمنا بالبناء لم تتم إزالة الأبراج، وقمنا بالاحتجاج وبالتقدم بشكوى إلى المحافظة ومجلس الحى التابعين له، إلا أن الجميع قابلنا بعدم الرد».
فيما أكد الشاب ياسر محمد، الموظف الحكومى البالغ من العمر 35 عاما، أن شباب المنطقة تظاهروا كثيرا مطالبين بإزالة هذه الأبراج، قائلا: «كل يوم نستيقظ على أصوات الكهرباء داخل أبراج الضغط العالى عند سقوط قطرات الندى عليها.. نعيش فى حالة من الرعب والخوف، كما نخشى على أطفالنا الذين يدرسون فى المدرسة التى تقع هى الأخرى تحت أبراج الضغط، ولا نعلم مدى تأثيرها عليهم حتى الآن».
وأضاف: «هناك العديد من المنازل هنا لا يوجد بها أى نوع من الخدمات بسبب أنه قانوناً لا يجوز تقديم الخدمات فى المناطق تحت أبراج الضغط العالى».
فى حين روت لنا آية مدرسة اللغة العربية بمدرسة كريم الخاصة الابتدائية بالمنطقة مأساة الأطفال فى مدرسة المحولات بادئة كلامها: «المدرسة أصبحت ترفع شعار لم ينجح أحد»، موضحة: «معظم الطلّاب المقيمين بالمنازل التى تقع أمام أبراج الضغط العالى دائما ما تصيبهم البلاهة وعدم التركيز وفقدان ما يقومون بدراسته على وجه السرعة لدرجة أن ترتب على ذلك رسوب فصل بأكمله فى الامتحان، وعلى الرغم من ذلك يقوم الأهالى بتقديم شكاوى ضد المدرسة تتهمها بالإهمال، ويرفضون الاعتراف بخطر ما يمر بهم أطفالهم.. فمعظم رد الأهالى على كمدرسة لغة عربية: «انتى بتدارى فشل مدرستكم بخطر أبراج الضغط العالى».
بينما يروى عرفة الميكانيكى، الذى تقع ورشته على مسافة متر واحد تقريباً من أبراج الضغط العالى أنه ذات يوم كان يعمل لوقت متأخر ليلاً وكان الهواء يحرّك أسلاك الضغط العالى يميناً ويساراً، فسقط سلك من شدة الهواء على رأس «إسلام» أحد العاملين لديه، وكان يبلغ من العمر ثمانى سنوات فصعقته الكهرباء وتوفى فى حينها، وأصاب الذعر أهالى المنطقة، فذهبوا مسرعين إلى المسئولين الذين وعدوهم أكثر من وعد بإزالة الأبراج من المنطقة، وعلى الرغم من ذلك ظلّوا يزيدون فى أعدادها، لدرجة أن أصبح بجانب كل عقار برج «ضغط عالى».
فيما يقول أيمن أمير - 25 عاما فرد أمن: «نتعرض يومياً لمخاطر أبراج الضغط العالى التى تمر فوق المنازل ما يعرض الأهالى إلى خطر الموت، هذا الوضع مستمر منذ سنوات، وبالرغم من طرق أبواب المسئولين لم نجد مغيثاً لنا من النكبة التى نعيشها يومياً، فكم من الوعود التى نتلقيها من مرشحى مجلس الشعب بإزالتها ولكن لا حياة لمن تنادى.. نحن نعلم جيّداً أن هذا الأمر سوف يُكلّف الحكومة مبالغ طائلة، وهم لن يقوموا بإزالتها، ولكن ماذا نفعل؟ ولماذا باعوا لنا تلك الأراضى؟ ووعدونا بإزالة تلك الأبراج؟».
وطالب أيمن بإزالة الأبراج المتهالكة التى تثير رعب المواطنين وتقتلهم، أو توفير مساكن أخرى جيّدة وصالحة للحياة الكريمة، بديلا عن بيوتهم المكهربة.
«لا مفر من الموت»، هكذا بدأ الشاب محمود - 17 سنة - حديثه مع «الصباح»، فمحمود دائماً كان يتمنى شيئين لا ثالث لهما، إما الموت أو الخروج من منطقة المحولات، فدائما كان يرى أن الموت أمامه فى كل وقت.
قال محمود: «الفزع دائماً يملأ قلبى عند النوم واليقظة.. كل ليلة أغمض عينى منتظراً الموت فى أى لحظة، وأفكر من الذى سوف تختاره أبراج الموت لتقضى عليه اليوم، وهل أكون أنا المختار هذه الليلة».
وأضاف: «إن أبراج الضغط العالى مواظبة على اختيار ضحية على الأقل كل شهر أو شهرين، دون أن يلفت هذا انتباه أى من المسئولين من عشرات السنين، فما الناس بالنسبة للمسئولين إلا مجرّد ورقة من السهل قطعها ورميها».
وتابع: «إننا لا نستطيع النوم فأصوات ذبذبات الكهرباء مزعجة ليلاً ونهاراً، بخلاف ما يخرج منها من إشعاعات ضارة بالأطفال قبل الكبار.. حسبى الله ونعم الوكيل فى كل من لا يعرف قيمة الإنسان».
حدائق الأهرام.. خدعة الهدوء «القاتل»
حين تدخل من بوّابات حدائق الأهرام تحلم بأن تمتلك هذا الهدوء داخلها، وتتمنى أن تعيش يوماً واحداً بها، ولكن بعد أن ترى أمام عينيك أبراج الضغط العالى بطول الأربع بوابات ووسط العقارات، وبين كل برج وآخر مسافة تقل عن متر تقريباً، تنتبه إلى خدعة الهدوء «القاتل».
بعض السكان لا يبالون بالمسألة، فأبراج الضغط العالى عند البوابة الثانية للحدائق تقع فى أرض فضاء، وسط المدينة يجوز اللعب واللهو بجوارها وتعليق الملابس عليها دون أى خشية من الكهرباء القاتلة.
بينما لا يعرف للنوم طريق إلا أم تامر وابنها، حيث يسكنان بالقرب من أبراج الضغط العالى، والتى قالت إنها ذهبت مرارا وتكرارا إلى المسئولين، ولم ينظر أحد إليها أو إلى شكواها، مشيرة إلى خطورتها على المدى البعيد وخاصة على الأطفال، ومنبهة إلى عدم اكتراث الجهات المسئولة التى تزيد من أعداد أبراج الضغط العالى دون أن تضع البشر فى حسبانها.
روت أم تامر رواية شنيعة عن حدوث تشوه للأجنة بسبب هذه الأبراج الكهربائية قائلة: «كنت أعرف سيدة هنا تدعى علياء كانت حامل وحين وضعت أطفالها فوجئت بتشوههم بعد إجراء الفحوصات والتحليلات اللازمة أكد لها الطبيب أنها تتعرض لإشعاعات كهرباء باستمرار، وعن قرب، وبعد أن أوضحت له أنها تسكن بجوار أبراج الضغط العالى مباشرة، أكد لها أن هذه الأبراج هى السبب فى تشوه أطفالها، وعلى الفور تركت السيدة وأسرتها حدائق الأهرام».
أزمة تخطيط وإسكان
يرجع السبب الرئيسى لتراكم مشكلة أبراج الضغط العالى إلى غياب التخطيط العمرانى، وتضخم مشكلة الإسكان، ولجوء الناس إلى البناء العشوائى.
من جهته أكد حسب الله الكفراوى وزير الإسكان السابق أن «هذا الموضوع دائماً ما كان يشغل وزارة الإسكان، بوضع أبراج الضغط العالى بعيداً عن المناطق السكنية، وكان دائما يفضل وضعها فى أماكن خالية، لكن دائماً ما كانت تفشل محاولتنا فدائما كنت أعلم بداخلى أن أبراج الضغط العالى هى بمثابة الموت البطىء لمن يسكنون حولها فمن المعروف أن هيئة التخطيط العمرانى كانت دائماً تحبذ وجود أبراج الضغط العالى فى الأماكن الصحراوية الخالية من البشر ولكن بعد وضع تلك الأبراج فى أماكن خالية نتفاجأ بعد قليل بتعمير تلك المنطقة بالسكان فهذا دائماً ما كنت أرفضه عند تخصيص أراض لوضع أبراج الضغط العالى عليها، ولكن لابد من وضع أهالى أى منطقة فى الحسبان، فى وقت وضع أبراج الضغط العالى بها فلابد وقتها بمعرفة المسافة بين كل برج وغيره ومسافتها عن سكان العقارات.
وزارة الكهرباء: يجوز اعتبار حالات الوفاة من «الضغط العالى» «شهداء للكهرباء»
بينما قال الدكتور أكثم أبوالعلاء، وكيل وزارة الكهرباء والمتحدث الرسمى باسمها: «إننا الآن فى عرض الكهرباء، وتجنب تلك الأزمة التى تمر بها البلاد من انقطاع تيار الكهرباء فى المنازل جعلنا ننظر إلى أبراج الضغط العالى من منظور آخر، فتزويد أبراج الضغط العالى سوف يمنع عن الأهالى انقطاع التيار الكهربائى أما بالنسبة للحالات التى تتوفى بسبب أضرار الضغط العالى فيجوز الآن على حالة البلاد أن نعتبرهم « شهداء الكهرباء» فهذا ما يريدونه أهالى مناطق الضغط العالى، وأيضا يريدون الضغط على وزارة الكهرباء، ولكن حين نضع أبراج الضغط العالى فى منطقة سكنية نضع فى الاعتبار بعدها الجغرافى عن العقارات بالمنطقة، وبعد المسافة بين الأبراج، ولم تبلغ الوزارة حتى الآن بحالات وفاة بسبب أبراج الضغط العالى.
كما أكد المهندس عبدالمجيد جابر، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة، أن من المفترض أن تكون مساحة الحرم السكانى بين أبراج الضغط العالى تتراوح ما بين 25 مترا يمينا و25 مترا يسارا، وهذا من المفترض أن يتبين عند وضع أبراج الضغط العالى، ويُحبذ أن توضع أبراج الضغط العالى فى أماكن متفرقة بعيداً عن مناطق الكتلة السكانية، ولكن دائماً ما تحدث تلك المشكلة فى المناطق العشوائية، فعند وضع أبراج الضغط العالى نضع فى الاعتبار كهيئة تخطيط خروج الموجات الكهرومغناطيسية التى تؤثر على الإنسان والحيوان وتسبب الأمراض الخطيرة مثل السرطان والربو.
مضيفاً: «الخروج من تلك الأزمة يبدأ من إزالة أبراج الضغط العالى التى أصبحت تحيط بها كثافة سكانية أو تحويلها من أبراج هوائية إلى كابلات كهربية.
وتابع: «فى السابق وضع الدكتور فاروق الباز محاور للتنمية السكانية من خلال وضع الخطة المستقبلية التى تضع فى حسبانها تزايد التعداد السكانى، وخصيصا فى الأماكن العشوائية»، مؤكداً أن الخطأ لا يقع على عاتق هيئة التخطيط العمرانى فهم من البداية يضعون المعايير التى تناسب مواقع الضغط العالى لكن الإنسان هو من يقوم بالانتقال للسكن فى الأماكن الخالية فيرى من وجهة نظره أن السكن إلى جوار أبراج الضغط العالى أهون بكثير من السكن وسط الزحام.
كما قال المهندس محمد الزميع، المشرف على الدراسات والتخطيط بوزارة الإسكان، إن وزارة الإسكان تعقد موافقتها عند وضع أبراج الضغط العالى على أنها موضوعة فى أماكن خالية من السكان، أما بالنسبة لعزبة الهجانة وحدائق الأهرام والمحولات فهذه المناطق كانت فى البداية خالية من السكان، ولكن الكثافة السكانية هى التى اضطرت السكان إلى الهروب من أماكنهم والتمركز فى أماكن متطرفة إلى جوار أبراج الضغط العالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.