حان الوقت لمقاربات ثقافية أكثر تعمقا فى ظاهرة الالتراس التى تفرض ذاتها الآن بقوة على المشهد المصرى، حان الوقت فيما الشوارع الحزينة وجهها يكشف عذابات الوطن وكأنه وطن من حجارة. تساؤلات اللحظة كثيرة : كيف تحولت الفرحة القديمة بالشباب النقي إلى غبار حزن ورجفة خوف وتحول الحزن النبيل بعد مذبحة بورسعيد إلى جريمة على النيل في القاهرة؟!". وسؤال مثل: "من هم هؤلاء الالتراس؟" لم يعد سؤال رجل الشارع وحده وإنما يتردد أيضا في بعض المقالات التي لايقصد أصحابها التقليل من شأن الالتراس وإنما هم بالفعل يريدون معلومات كافية عن هذه الجماعات من المشجعين الرياضيين. بينما يتحدث البعض الآخر عن "دولة الألتراس" وتتردد اتهامات لكتاب وصحفيين بأن الاشادة في الماضى بالالتراس كانت نوعا من النفاق وشجعت التعصب!. ففهم الحقائق في سياقها الثقافي العميق مسألة لا غنى عنها لرسم السياسات الناجعة وتنفيذها بنجاح بما يحقق مصالح الشعب والوطن كله ثم إن هناك قضايا مضببة عمدا من بينها ضرورة التفريق بوضوح وحسم بين دور وطني للالتراس أثناء ثورة يناير مثلهم في ذلك مثل ملايين المصريين وبين التسييس البغيض لجماعات الالتراس أو السماح تحت لافتات الرياضة لممارسة أدوار سياسية أو تصور البعض منهم أنهم بالفعل فوق القانون!. ولو كان الأمر كذلك لكان أجدر بحركات الالتراس في دول المنشأ أن تقوم بهذه الأدوار السياسية أو تتحول إلى سلطة فوق أي حساب أو مسائلة قانونية وهو مالم يحدث أبدا في تلك الدول رغم أحداث شغب أو أعمال عنف في الشوارع اقترنت بمباريات لكرة القدم لكنها لم تصل أبدا وماكان لها أن تصل لهذا الحد الخطير في مصر. وبعد الحكم بإعدام 21 متهما ومعاقبة خمسة آخرين بالسجن المؤبد ضمن الأحكام في قضية مذبحة استاد بور سعيد التي سقط فيها 72 قتيلا من خيرة شباب مصر التي احتسبتهم واستودعتهم شهداء عند ربهم شهدت القاهرة أحداث عنف غير مبررة تضمنت إحراق مقر الاتحاد المصري لكرة القدم ونادي ضباط الشرطة بمنطقة الجزيرة. وحسب ماذكرته صحف ووسائل إعلام فإن "التراس النادي الأهلي" الذي استقبل هذه الأحكام القضائية في البداية بفرحة كبيرة واطلاق الشماريخ سرعان ما اعترض عدد كبير من أعضائه على العقوبات واعتبرها هزيلة خاصة تلك الصادرة في حق قيادات شرطية. وفيما تراقصت النيران المجنونة بمقر اتحاد الكرة وسرقت الكؤوس من هذا المبنى في "الجبلاية" والذى يحظى بمكانة عزيزة في الذاكرة المصرية إلى جانب حريق نادي الشرطة، امتدت أحداث العنف لميدان التحرير ومحيط كوبري قصر النيل بينما تصدى الأهالي في مدينة بور سعيد لمحاولة إيقاف معديات قناة السويس. وأصاب الأمريكى بوب برادلي المدير الفني للمنتخب الوطني المصري كبد الحقيقة عندما قال إن "حريق الجبلاية اهانة لتراث مصر العظيم" ، فيما كان المجلس الأعلى للثقافة أكد في بيان عقب اجتماع عاجل يوم الأحد الماضي على "أن المسؤولية فيما يحدث تقع على عاتق الجميع دون استثناء كل بحسب مسؤوليته".