أكد كبير مراسلي صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية في الشرق الاوسط روبرت فيسك في تحليل نشرته الصحيفة اليوم الاثنين ان مشاركة حزب الله في القتال في سوريا يهدد باغراق لبنان في صراع يمكن ان يشكل اكبر خطر على شعبه. وهنا نص التحليل: "لقد عبر السيد حسن نصر الله نقطة اللاعودة. فالامين العام لحزب الله الذي قال قبل 13 عاما بالضبط ان حركة المقاومة التي يقودها لن تعبر الحدود الاسرائيلية – وان "تحرير" القدس مسؤولية تقع على عاتق الفلسطينيين أنفسهم – عاد واعلن ان حزب الله عبر الحدود السورية. ولم يكتف بذلك، بل ان نصر الله قال في نهاية الاسبوع انه سيقاتل "حتى النهاية" لحماية نظام بشار الاسد. وقال ان حزب الله يدخل "مرحلة جديدة تماما". ويمكنه ان يكرر ذلك القول. كنت اقف على سطح احد منازل بلدة بنت جبيل في جنوبلبنان، عندما سمعت ذلك التعهد ينطق به نصر الله قبل كل تلك السنين. حزب الله لن يخطو الى داخل فلسطين. وقد تنفسنا جميعا الصعداء. ما الذي حدث؟ في تلك الايام وقف نصر الله شخصيا وسط مقاتليه الهائمين بحبه وعائلاتهم. لكنه اليوم يعيش مختبئا. فهل هناك رؤية محددة بالنفق؟ قال انه يتلقى رسائل من العائلات ترجو منه ان يسمح لابنائهم بالمشاركة في القتال في سوريا. ربما تكون رؤيا نعوش؟. كان ذلك امراً محتوماً بالطبع. ففي الشهر الماضي، تبين لي ان رجال حزب الله "يحرسون" مسجد السيدة زينب في جنوبدمشق. قال لي احدهم "لا تعلن انك شاهدتني هنا". كان شخصا ودودا رفع صورة نصر الله وصورة المرشد الايراني خامنئي على حائط مكتبه، وهو من مدينة بنت جبيل ذاتها. بعد يومين اعترف حزب الله ان رجاله "يحرسون" الضريح الموجود على الخط الامامي. ثم قالوا ان 12 منهم قتلوا. لا اعرف ما اذا كان محدثي من بينهم. وظل حزب الله لعدة اشهر يعترف بصوت هادئ ان مقاتليه "يحرسون" ايضا قرى شيعية داخل سوريا يقطنها لبنانيون. ولم تلبث ان بدأت الجثث في الوصول الى الوطن الام بعد ذلك. في البداية جثة واحدة، ثم ست جثث، وبعدها وصلت عشرات الجثث. وبعد ان انخرط حزب الله في معركة بلدة القصير الى جانب القوات النظامية السورية، ادعى ناطق بلسان الحزب الذي هو الميلشيا الاكثر كفاءة وقسوة ان مقاتليه كانوا في طريقهم الى الضريح في دمشق، الا انهم حادوا عن مسارهم خطأ، ووجدوا انفسهم عالقين في تبادل لاطلاق النار في منطقة حرام. حكاية محبوكة تماما. ذلك ان بلدة القصير، القريبة من الطريق السريع الذي يربط اللاذقية بالساحل السوري، تبعد اكثر من 100 ميل عن دمشق. في اعقاب ذلك وصلت 30 جثة الى لبنان. وهكذا لم يجد نصر الله الا ان يقول ما عليه ان يتفوه به. تحدث كثيرا عن فلسطين وعن المسجد الاقصى، لكن رجاله كانوا يتوجهون شرقا الى داخل سوريا، وليس جنوبا الى فلسطين، وسيكون التاريخ هو الفيصل الذي يحكم على ما ورد في خطاب نصر الله. تحدث بطبيعة الحال عن خطر "المتطرفين" الذين يحاولون الاطاحة بالاسد، مدعيا انهم يمثلون خطرا على لبنان، وان سوريا الاسد هي العمود الفقري لحزب الله "ولا يمكن للمقاومة ان تقف مكتوفة الايدي بينما ينكسر عمودها". غير ان ما لم يقله هو ان ميلشياته الشيعية كانت تقاتل ضد السنة السوريين – الذين يمثل المشاركون في عقيدتهم حوالي 30 في المائة من سكان لبنان. وهو السبب الذي اشعل القتال بين السنة والشيعة العلويين في مدينة طرابلس في شمال لبنان بهذا العنف في اليوم الذي وقف فيه حزب الله ليقاتل الى جانب رجال الاسد في بلدة القصير. وبكل بساطة، يمكن ان يكون هذا اشد خطر على شعب لبنان – ناهيك عن سيادة دولته الطائفية – منذ الحرب الاهلية التي امتدت لفترة 1975-1990. "اذا سقطت سوريا في ايدي اميركا، واسرائيل والتكفيريين (السنة المتشددين)، فان المقاومة ستصبح مطوقة وستدخل اسرائيل الى لبنان وتفرض ارادتها". هذا ما قاله نصر الله على الشاشة الضخمة التي اقيمت في بلدة مشغرة في الذكرى ال13 لتحرير جنوبلبنان من الاحتلال الاسرائيلي مساء اول من امس السبت. والذي عناه هو انه اذا سقط الاسد، فسينتهي الدعم السياسي لحزب الله ودعمه بالسلاح – من ايران. وعندئذ لن يعود هناك حزب الله ليخرج الاسرائيليين عندما يعودون. وقبل ان ننفجر ضاحكين ضحكاً اجوف، فلنتذكر ان تدمير جمهورية ايران الاسلامية – كدولة دينية اقامها آية الله الخميني في العام 1979 – هو حالياً الهدف الاساسي للسياسة الاميركية والاسرائيلية نحو بلد كان يعرف في وقت من الاوقات باسم بلاد فارس. كانت حرب 2006 بين اسرائيل وحزب الله محاولة لتدمير حليف ايران الشيعي في لبنان. والمعركة ضد الاسد – وهي كفاح تدعمه الولاياتالمتحدة، والاتحاد الاوروبي والانظمة الديموقراطية الرائعة المحبة للحرية في الخليج – هي محاولة لضرب حليف ايران العربي الوحيد. وبناء على ذلك فان معركة المتمردين المدعومين من الغرب للسيطرة على سوريا هي حرب بالوكالة ضد ايران. ولا عجب في ان حزب الله قد اعترف بتدخله. واذا كان حزب الله – كما يصر نصر الله – هو في الحقيقة حركة "مقاومة"، فلماذا لم يدعم المقاومة ضد الاسد؟ ثم، اذا كان حزب الله مخلوقاً لبنانياً صرفاً – وهذا ما يصر عليه نصر الهو ايضاً – فاي حق يملك لارسال مئات ، بل وحتى آلاف من رجاله لقاتلوا في معارك الاسد؟ من ناحية رسمية، "نأى" لبنان بنفسه عن سوريا. ولكن اذا كان مقاتلون من اكبر طوائفه المسلمة قد ذهبوا ليقاتلوا مع الاسد، فما الذي يبقى من ادعائه الحياد السياسي؟ قد يكون نصر الله الامين العام لحزب الله، ولكنه ليس رئيس لبنان. وهذا هو ما حدا بالرئيس ميشيل سليمان الى ان يحذر قبل يوم فقط من خطاب نصر الله بان حزب الله يجب الا يسمح باغراق لبنان في حرب طائفية. وتساءل: "كيف يمكن ان يعطي بلد هذا المثال الرائع في المقاومة والتضحية، بينما هو يشجع الخلافات الطائفية؟". سؤال وجيه. وفي خطابه، وعد نصر الله انصاره ب"نصر جديد". وما كان بوسع ماكبيث ان يعبر عن الامر بشل افضل. الدم سيتلوه دم، كما يقولون".