لا يمكن بأي حال فصل التصريحات العدائية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والتى نالت من الجيش المصري وقياداته خلال الأيام الماضية عن حملة التشويه الممنهجة التى تتعرض لها القوات المسلحة والتي بلغت ذروتها بما سمى ب"بتسريبات" جريدة الجارديان التى نشرت فصلا من تقرير أعدته لجنة تقصى الحقائق التى شكلتها مؤسسة الرئاسة بشأن وقائع ثورة 25 يناير والذى أشار إلى مسئولية القوات المسلحة عن جرائم التعذيب والاختفاء القسرى للمواطنين خلال أحداث الثورة.. كما لا يمكن فصل هذه التصريحات التى صدرت منذ نحو إسبوعين عن موقف الجيش الرافض لمساومة الجماعات الإرهابية وخاطفى الجنود السبعة فى سيناء رغم ميل مؤسسة الرئاسة للتفاوض معها. الشيخ حازم أبو إسماعيل الذى وصف الفريق عبد الفتاح السيسي ب"الممثل" بعد كلمته التى ألقاها فى حفل غنائى بمناسبة أعياد تحرير سيناء عاد مرة أخرى ليطالب قيادات الجيش بتوضيح حقيقة العلاقة بين الجيش المصري والولاياتالمتحدةالأمريكية وكأن الجيش المصري يقوم بدور العمالة لأمريكا.. وإذا كانت الأشهر الماضية قد أكدت بالفعل أن هناك من يطلقون "بالونات" اختبار للرئيس محمد مرسى ولجماعة الإخوان المسلمين أو يمهدون لحملات هجومية أو انتقامية أو لإجراءات أو قرارات بعينها فانه لا يمكن استبعاد تصريحات أبو إسماعيل عن هذا السياق خاصة فى ظل تباعد وجهات النظر بين الإدارة الأمريكية ومؤسسة الرئاسة المصرية وهو تباعد يقابله تقارب بين قيادات البنتاجون وقيادات القوات المسلحة لاعتبارات أمنية ترتكز إلى عوامل تاريخية تربط بين الجانبين وتقوم فى الأساس على احترام الجيش المصرى.. وهذه الاعتبارات والعوامل ربما لا يدركها عدد كبير من قيادات التيار الاسلامى التى تصر على تشويه الجيش المصري من أجل تحقيق أهداف سياسية ضيقة. هناك أبعاد عديدة يجب أخذها فى الاعتبار عند الحديث عن العلاقة بين الجيشين الأمريكي والمصري يأتى فى مقدمتها البعد التاريخي لهذه العلاقة التي ترجع للنصف الثانى من القرن التاسع عشر وتحديدا عقب انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865.. فبمجرد انتهاء الحرب بانتصار جيش الشمال الاتحادي الفيدرالي على حساب جيش الجنوب الانفصالي الكونفيدرالى لم يشعر الكثير من العسكريين فى الجيشين بالرغبة فى العودة للحياة المدنية من جديد واختار عشرات الجنود والضباط الانتقال لمصر والانضمام لجيشها وتقديم خدماتهم للخديوى إسماعيل. وقد خدم فى الجيش المصرى آنذاك أكثر من ثلاثين أمريكيا منهم ستة جنرالات، كان أهمهم الجنرال الجنوبى وليام لورنج الذى خدم لمدة تسع سنوات فى برامج تحديث جيش مصر ثم ترقى ليصبح مسئولا عن وحدات الدفاع البحرى وشارك فى محاولات ضم دول القرن الأفريقي لمصر.. كما كان الجنرال الشمالى تشارلز ستون من الخبرة والأهمية ليصبح أحد كبار مستشارى الخديوى إسماعيل العسكريين وتمت ترقيته وحصل على رتبة فريق. وحصل الجنرالات الأمريكيون على راتب سنوى بلغ 2500 دولار ذهبى وعهد لهم بالمشاركة فى تدريب الجيش المصرى كما ساهموا بصورة كبيرة فى تأسيس عدد من المدارس العسكرية وتحسين البنية الأساسية لمواصلات الجيش المصرى واتصالاته ودعموا الحملات العسكرية المصرية فى الدول الأفريقية. وبعد إزاحة الخديوى إسماعيل وتعيين ابنه الخديوى توفيق عام 1879 بقى العسكريون الأمريكيون بجوار الحاكم الجديد وعندما قامت ثورة عرابي وما تبعها من دخول القوات البريطانية لمصر عاد العسكريون الأمريكيون لبلادهم لتنقطع بذلك العلاقات العسكرية بين البلدين حتى عام 1979. اتفاقية السلام عادت العلاقات العسكرية بقوة بعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام عام 1979 والتى تقضى بوجود مئات من العسكريين الأمريكيين فى شبه جزيرة سيناء ضمن قوات حفظ السلام الدولية.. وبعد ذلك بدأت مصر فى الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية أمريكية منذ ذلك الحين بلغ إجماليها حتى عام 2011 ما يقرب من 70 مليار دولار. وأصبح مكتب التعاون العسكرى OMC الملحق بالسفارة الأمريكية فى القاهرة والمعنى بالتعاملات العسكرية بين الدولتين يمثل ثانى أكبر مكتب من نوعه فى العالم. وفى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك كانت واشنطن تنظر للجيش المصرى باعتباره أهم وأقوى المؤسسات المصرية. ولم يكن الخبراء الإستراتيجيون الأمريكيون يتخيلون عدم وجود علاقات خاصة مع مصر فهم يتذكرون جيدا دور الجيش المصر فى حرب الخليج الأولى والتى شارك فيها بما يزيد على 30 ألف عسكرى حاربوا بجوار الأمريكيين مما سهل انضمام دول عربية أخرى للتحالف. ولم تمنع هذه النظرة الإيجابية انتقاد الإدارة الأمريكية للجيش المصرى فى بعض الأحيان وهذا ما أشارت إليه وثيقة سربها موقع "ويكيليكس" التى أكدت حرص الولاياتالمتحدة على إبقاء علاقاتها الصلبة بمصر وقواتها المسلحة من جهة، وانتقادها لوضع تلك القوات من جهة أخرى.. إذ أشارت الوثيقة الصادرة عن السفارة الأمريكيةبالقاهرة إلى أن الجيش المصري يعتمد تكتيكات تقليدية وتمنعه قيادته المتقدمة في السن من الانتقال لمواجهة مخاطر من نوع مختلف مثل الإرهاب والقرصنة. وقد لخصت هذه الوثيقة الموقف الأمريكي من الأوضاع في مصر وتم إرسالها في نهاية ديسمبر 2008 إلى القائد السابق للقيادة الوسطى في الجيش الأمريكي ديفيد بيتريوس قبل زيارته المقررة إلى القاهرة، وذلك لوضعه في أجواء الظروف الداخلية.. وتشير الوثيقة إلى أن القوات المصرية يمكنها أن تنخرط في المستقبل بأدوار أكثر تقدماً مع نظيرتها الأمريكية، على غرار القتال المشترك بينهما في حرب الخليج عام 1991 كما أن تعاون القاهرة الاستراتيجي مع الجيش الأمريكي ضروري للغاية خاصة بالنسبة للتسهيلات في قناة السويس. وتقول الوثيقة أن واشنطن حاولت إقناع مصر بتعديل بنية جيشها لمواجهة مخاطر جديدة مثل أمن الحدود والإرهاب والقرصنة ولكن "القيادة الهرمة" تفضل مواصلة القيام بما قامت به لسنوات عبر بناء جيش تقليدي يعتمد على المدرعات والمشاة والتدرب على الحروب النظامية. وتلفت الوثيقة إلى أن العلاقات مع مصر عانت الكثير مؤخراً بسبب امتعاض القاهرة من الغزو الأمريكي للعراق وما نتج عنه من تزايد النفوذ الإقليمي الإيراني إلى جانب تباطؤ البيت الأبيض في رعاية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما سبب "تراجع في ثقة القاهرة بالقدرة القيادية لأمريكا في المنطقة".. وتضيف الوثيقة أن المسؤولين المصريين لا يرغبون بأن تمس واشنطن بالمساعدات السنوية المقدرة ب1.3 مليار دولار المقدمة للقاهرة خاصة وأنهم يشتكون من تزايد الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل مقابل ثبات الدعم المقدم لهم. وتطرقت الوثيقة إلى المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة المصرية فقالت إنه في منصبه منذ عام 1991 وهو يبلغ من العمر (عام 2008) 77 سنة، وقادر على البقاء في منصبه لسنوات بسبب علاقته الجيدة مع الرئيس المصري – فى ذلك الوقت- حسني مبارك. وتقول الوثيقة إن طنطاوي "يقاوم أي جهود لتعديل سبل استخدام برنامج التمويل العسكري الخارجي"، وهو "العائق الأساسي أمام تطور مهام الجيش بمواجهة التهديدات الجديدة"، وتضيف أن ولايته شهدت "اهتراء الاستعداد التكتيكي والعملي للجيش المصري." إيران وإسرائيل ولكن.. كيف كانت العلاقات بين قيادات الجيشين المصري والأمريكي.. وما هى أهم الموضوعات التى كانت تطرح على مائدة الحوار والنقاش والمفاوضات بين الطرفين بعيدا عن أعين وسائل الإعلام؟.. الإجابة على هذا التساؤل حملته برقية دبلوماسية سرية مرسلة من السفارة الأمريكية فى القاهرة إلى وزارتى الدفاع والخارجية الأمريكتين فى واشنطن وأيضا إلى قيادة القوات المشتركة ومجلس الأمن القومى والقيادة المركزية للولايات المتحدة بشأن اللقاء الذى دار بين الجنرال جورج كاسى رئيس هيئة الأركان الأمريكية الذي زار مصر فى 19 يناير 2010 والفريق سامى عنان رئيس الأركان فى هذا الحين. وقالت البرقية التى كتبتها السفيرة الأمريكية حينئذ مارجريت سكوبى إن عنان أثنى على التعاون المصرى الأمريكى وسعى إلى تأييد لبيع مصر المقترح لدبابات إم 1 إيه 1 للعراق.. وأشارت البرقية إلى أن عنان تحدث عن المخاوف من التدخل الإيرانى فى المنطقة، بما فى ذلك العراق واليمن. وقال إن السلاح النووى الإيرانى سيدمر المنطقة بأكملها، وأشار إلى أن مصر ستواصل هدفها فى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما فى ذلك إسرائيل.. كما شدد عنان أيضا على أن مصر ستظل ملتزمة لمكافحة تهريب الأسلحة على غزة، إلا أنه أعرب عن اعتقاده أن التهريب سيستمر حتى تقوم إسرائيل بفتح المعابر الحدودية أمام المرور التجارى المشروع. وفيما يتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية، قال عنان إن هناك حاجة إلى مصادر إضافية للإسراع فى وتيرة خطط تحديث مصر عسكريا لتغيير المعدات التى تعود إلى العهد السوفييتى. كما طلب عنان دعم الجنرال كاسى شخصيا للتغلب على المعارضة لصفقة مصر المقترحة فى هذا الوقت لبيع 140 دبابة إم1 إيه1 للعراق. وقال عنان إنه التقى مؤخرا بمسئولى وزارة الدفاع العراقية الذين كانوا متشوقين للغاية لتلك الصفقة. ووفقا للبرقية السرية فقد شكر كاسى مصر على جهودها لإعادة بناء العلاقات مع الحكومة العراقية، وإعادة البلاد إلى العالم العربى، وهو أمر كان أساسيا لمكافحة النفوذ الإيرانى فى المنطقة.. فيما أعرب عنان عن اعتقاده بأن إيران لم تتخل بسهولة عن نفوذها فى العراق، وأعرب عن مخاوفه من الاستثمار الاقتصادى رفيع المستوى لطهران فى العراق. وقال إن مصر تريد دولة عربية قوية بجوار إيران تستطيع أن تحدث توازنا معها. وأضاف قائلا إن إيران تمثل تهديدا أكبر لدول الخليج، وأكد أهمية حل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية من أجل تفويت الفرصة على إيران للإسراع فى دورها فى المنطقة. وأشارت البرقية إلى أن كاسى سأل عنان عن تقييمه للتهديد الأكبر أمنيا، فرد عنان قائلا إن أى شخص يحاول أن ينتهك حدود مصر هو عدو. وشدد على أن مصر تظل ملتزمة بالحل السلمى للصراعات، إلا أن أى تهديد لمصر سيثير رد فعل عنيفًا من جانب جيشها. المرحلة الانتقالية وخلال المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير عام 2011 والتى تولى فيه المجلس العسكرى بقيادة المشير حسين طنطاوى إدارة البلاد لحين تسليم السلطة لرئيس منتخب تباينت درجة العلاقة بين قيادات الجيش المصري والإدارة الأمريكية لاسيما أن الجيش هو الذي كان يحكم وبالتالي فان أى انتقادات كانت توجه للمسئولين عن إدارة البلاد فى ذلك الوقت فإنها كانت توجه بالطبع إلى قيادات الجيش باعتبارهم هم من يتولون مسئولية إدارة البلاد.. حدث ذلك على خلفية عدد من الأحداث مثل الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الجيش مع المعتصمين فى ميدان التحرير فى ابريل عام 2011 وكذلك بعد أحداث قضية التمويل الأجنبى والتي اتهم فيها عدد من الأمريكيين ووقتها هددت الولاياتالمتحدة بقطع المعونات العسكرية عن مصر إذا لم يتم الإفراج عن المتهمين الأمريكان.. وقد دفعت هذه المواقف وغيرها دوائر صنع القرار الأمريكى إلى مطالبة المشير حسين طنطاوى بتقديم استقالته لعدم قدراته على إدارة البلاد فى هذه المرحلة الحرجة. أخونة الجيش حتى يمكن إدراك أبعاد العلاقة بين الجيش المصري والإدارة الأمريكية بعد تولى الرئيس محمد مرسى رئاسة الجمهورية فان هناك معطيات خاصة بهذه المرحلة يجب أخذها فى الاعتبار باعتبارها مقدمات ضرورية تؤدى الى علاقة حتمية بين الطرفين وهى معطيات ربما يصعب على من يطالبون قيادات الجيش بتوضيح حقيقة علاقتهم بالأمريكان.. وياتى فى مقدمة هذه المعطيات هو نظرة الإدارة الأمريكية للجيش المصرى.. حيث تنظر واشنطن للجيش المصرى على أنه يفهم العقيدة العسكرية الأمريكية ويعتمد فى تسليحه على التكنولوجيا والعتاد الأمريكى.. ولا تريد أن تتخيل واشنطن وجود جيش مصرى عقيدته إسلامية متشددة ويسعى للحصول على سلاح نووى مثل نظيره الإيرانى.. ولا تتخيل واشنطن أيضا جيشا مصريا لديه موقف رمادى من قضية الحرب على الإرهاب مثل الجيش الباكستانى. وقطعا لا تريد واشنطن جيشا مصريا يحصل على سلاحه من دول أخرى منافسة مثل روسيا أو الصين أو حتى صديقة مثل فرنسا وبريطانيا. وبناء على ما سبق فإن العلاقات العسكرية هى أساس العلاقات الثنائية الحميمة التى عرفتها مصر والولاياتالمتحدة بعد حرب أكتوبر وحتى الآن. وتدرك واشنطن أن هذه العلاقات ترسل إشارات مهمة للداخل المصرى ترفض قيام دولة دينية على النسق الإيرانى أو السعودى.. وترسل أيضا للداخل الأمريكى رسائل تتضمن حدود الضغط على حكام القاهرة فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان. أما ثانى المعطيات التى تحكم الى حد كبير علاقة الإدارة الأمريكية بالجيش المصرى خلال المرحلة الراهنة فهو ما يتعلق بالقلق من أخونة الجيش.. وفى هذا الإطار طالب معهد واشنطن وزير الدفاع الأمريكى "تشاك هاجل" قبل زيارته السابقة للقاهرة أن يعرب عن قلق الولاياتالمتحدة من السماح لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالالتحاق بالأكاديميات العسكرية والاستفسار عن الإجراءات الجاري اتباعها لضمان الانضباط داخل الجيش بعد أن ترددت أنباء الشهر الماضي عن رفع الحظرعن قبولهم، بما يشكل مصدر قلق لواشنطن.. وأشار المعهد إلى أن الجماعة معادية بشدة للغرب وهدفها إقامة دولة إسلامية عالمية ولا تشارك الجيش المصري التزامه بشراكة إستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، والسلام مع إسرائيل. كما أعربت المخابرات الأمريكية في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عن قلقها الشديد من محاولة الرئيس محمد مرسي أخونة الجيش والشرطة عبر طرق عديدة أولها إدخال كثيف لعناصر من التيارات الإسلامية للكليات العسكرية. وزعمت الصحيفة أن تقرير المخابرات توصل لاتفاق سري بين الرئيس مرسي وحركة حماس - التي تعتبرها أمريكا حركة إرهابية من الفئة الأولى - من اجل إيجاد دعم مصري لحماس واستمرار تهريب السلاح والمعدات العسكرية لغزة وعدم إغلاق الأنفاق وهو ما يبشر ان مصر لا تريد مستقبلا علاقات جيدة مع أمريكا والغرب وأنها متجهة لدعم الإرهاب بالشرق الأوسط. الجيش والسلطة هناك معطى ثالث فرض نفسه خلال الأشهر الماضية ولا يجب فصله عن حقيقة وأبعاد العلاقة بين الإدارة الأمريكية والجيش المصري هو تزايد مطالبات قطاعات عديدة من الشعب المصرى بعودة الجيش إلى السلطة بعد فشل الرئيس محمد مرسى فى تحقيق أي هدف من أهداف الثورة وهذا ما أشارت إليه تقارير صحفية أمريكية مثل تقرير جريدة "واشنطن بوست" الذى أكد فى 24 إبريل الماضي أن الغضب من الإسلاميين فى مصر أدى إلى دعوات تطالب الجيش بالعودة إلى السلطة.. مشيرا إلى انه مع انهيار الاقتصاد المصرى وتعثر التحول الديمقراطى فإن بعض المعارضين للرئيس محمد مرسى يعلقون آمالهم على المنقذ المحتمل، وهم الجنرالات الأقوياء الذين تهم تهميشهم فى الأغلب منذ انتخابات الرئاسة فى العام الماضى. وأكدت الصحيفة أن هناك حديث يدور فى مصر حول أن البلاد يمكن أن تنزلق نحو انهيار اقتصادى أو نحو حرب أهلية ما لم يخطو الجيش من أجل تأكيد دور مهيمن له، ومن بين هؤلاء الذين يدعون إلى مثل هذا النوع من الانقلاب عدد قليل من النشطاء العلمانيين والليبراليين الذين دعوا من قبل فى حملاتهم الانتخابية على إنهاء الحكم العسكرى عندما كان الجيش يدير شئون البلاد بعد سقوط مبارك. وأوضحت الصحيفة أن الغضب من مرسى والإخوان المسلمين سبب فى الإحباط الاقتصادى فى فترة ما بعد الثورة وتفاقم انعدام الأمن فى الشوارع والخوف من التعصب الدينى والإحساس بالحرمان من الحقوق بين النخبة السياسية القديمة والشباب الليبرالى الذين ساعدوا على الإطاحة بمبارك. ويتزامن ذلك مع معطى رابع يؤكد ترحيب الإدارة الأمريكية بالتواجد القوى للجيش المصرى على الساحة السياسية وهذا ما عبرت عنه مجلة "فورين بوليسى" التى قالت قبل زيارة وزير الدفاع الامريكى تشاك هاجل إن "البنتاجون" تشعر بالتشجيع حيال استمرار تواجد الجيش المصرى بقوة فى اتصالاتها بمصر بينما أشارت نفس المجلة بنفس التقرير الى أن مرسى أكتسب سمعة عالمية سيئة. ولفتت المجلة إلى أنه خلال زيارة وفد البنتاجون لمصر فى نوفمبر الماضى حضر ديرك شوليت، مساعد وزير الدفاع الأمريكى لشئون الأمن الدولى، وتيرى وولف، مدير الخطط والسياسات الإستراتيجية، اجتماع لجنة التنسيق العسكرى، حيث تناول الجانب الأمريكى مع اللواء صدقى صبحى رئيس أركان الجيش المصرى قضية الأمن فى سيناء وفى إظهار لاستمرار أهمية مصر للمصالح الإستراتيجية الأمريكية أجرى هاجل خلال أول أسبوع له فى منصبه حوار على الهاتف مع نظيره المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى.. مشيرة إلى أن الأمريكيين متشجعون بالبقاء على العلاقات مفتوحة جدا بين الجيشين حيال المخاوف الأمنية المشتركة والتى على رأسها تحول سيناء إلى قاعدة للإرهاب. وفى نفس السياق طالب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الولاياتالمتحدة بالتوسع في علاقتها مع الجيش المصري خاصة فى ظل مع ضعف الآمال في تحسن العلاقات السياسية بين البلدين بسبب طبيعة حكم جماعة الإخوان المسلمين. وطالب المعهد في تقرير له تشاك هاجل، أن يدعو نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، إلى اتباع الجيش منهج أكثر شفافية يتضمن محاسبة الضباط الذين ارتكبوا جرائم ضد المتظاهرين والكشف عن موارده الاقتصادية الهائلة، موضحا: «لكي لا تستغل الجماعة انتهاكات الجيش لتقويض مكانة الجنرالات، وحتى لا توظف مشاريعه الاقتصادية ضده مع تدهور الاقتصاد». وفى ظل هذا التباعد السياسي بين الإدارة الأمريكية ومؤسسة الرئاسة المصرية والذي قابله تقارب بين "النتاجون" والجيش المصري خرجت بعض التصريحات والمعلومات المسربة التى حاولت النيل من سمعة مؤسسة الجيش لاسيما فى ظل ترحيب الأمريكيين بدوره السياسي مقابل الانتقادات الموجهة دوما للرئيس مرسى الذى لم ينل رضا كثير من المراقبين السياسيين بعد قراراته وإعلاناته الدستورية التى تتناقض مع الديمقراطية فضلا عن الملاحقات القضائية للمعارضين والنشطاء السياسيين والإعلاميين.. وهذا ربما يفسر التسريبات التى نشرتها جريدة "الجارديان" البريطانية بشان وثيقة مسربة من تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلتها مؤسسة الرئاسة للوقوف على حقيقة أحداث التعذيب والقتل الذى تعرض له المواطنون خلال أحداث الثورة.. حيث زعم التقرير تورط القوات المسلحة المصرية فى تعذيب بعض المواطنين خلال الثورة بما فى ذلك حالات الاختفاء القسرى.. وقد أدت هذه التسريبات إلى توتر العلاقة بين مؤسسة الجيش ومؤسسة الرئاسة حيث نٌظرت لهذه التسريبات باعتبارها تأتى فى إطار مخطط لتشويه الجيش محليا ودوليا. المساعدات العسكرية وتاتى المساعدات العسكرية الامريكية لمصر باعتبارها المعطى الخامس والمعيار الأهم للحكم على توتر العلاقات بين القاهرةوواشنطن أو ثباتها على حالها وهى مساعدات تقدر قيمتها ب1.3 مليار دولار سنويا.. وهذه المساعدات لم يحدث أى تغيير على هيكلها وطبيعتها منذ وصول الرئيس محمد مرسى للحكم.. ورغم وجود أصوات داخل الكونجرس تطالب بضرورة وضع شروط وقطع هذه المساعدات إلا أن شيئا لم يمس هذه المساعدات حتى الآن ولا يبدو أن لذلك حظوظا فى المستقبل القريب.. وتدرك واشنطن جيدا أن عدم إقدامها على قطع هذه المساعدات أثناء حكم الرئيس السابق مبارك أو أثناء حكم المجلس العسكرى يجعل من المستحيل عمليا الإقدام على هذه الخطوة مع نظام سياسى على رأسه أول رئيس منتخب فى التاريخ المصرى. وقد نقل موقع "صوت امريكا" عن احد الخبراء الأمريكيين عضو الكونجرس ستيف شا أن مجرد الحديث عن قطع المعونة يعد مثل «اللعب بالنار».. مشيرا إلى أن مصر «دولة ذات أهمية قصوى ولها تأثير هائل على مستقبل الشرق الأوسط». أما الدبلوماسى السابق روبرت هنتر، فاعتبر فى مقاله بموقع "سى ان ان" أنه حتى وإن بدت مساعدات بلاده لجيش مصر ك «فاتورة هائلة» إلا أنها فى الواقع «ثمن بخس» بالنظر للمخاطر التى تجنبها المعونة لأمريكا. وربما يبرهن هذا الاصرار من جانب بعض دوائر صنع القرار في أمريكا على عدم قطع المعونات الامريكية لمصر على أهمية مصر بالنسبة لأمريكا وذللك على أكثر من صعيد يأتى فى مقدمتها التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل.. وفى مقابل ما تمنحه أمريكا للجيش المصرى من مساعدات تحصل سفنها على «معاملة خاصة» فى قناة السويس بما يضمن أولوية وسرعة مرورها.. ففى المتوسط تبحر شهريا 12 سفينة حربية ونووية أمريكية خلال القناة التى تعد المنفذ الأساسى للوصول للعراق وأفغانستان.. وتتعامل السلطات المصرية مع السفن الأمريكية بشكل عاجل فى حين تنتظر الدول الأخرى لأسابيع قبل السماح لسفنها بالمرور وذلك وفقا لتقرير أبحاث الكونجرس. كذلك تتيح القناة لمصر إمكانية لعب دورا محوريا فى حركة إمدادات النفط العالمية. كما تمتد التسهيلات العسكرية التى تقدمها مصر لأمريكا للمجال الجوى المصرى، الذي حلق فيه 36533 طائرة حربية أمريكية من 2001 إلى 2005 بحسب دراسة أجراها الجهاز الحكومى الأمريكى للمحاسبات عام 2006. وفى المقابل فإن الجيش المصرى استفاد من هذه المعونة فى إحلال جزء من أسلحته الروسية القديمة بأخرى أمريكية متطورة.. فوفقا لتقارير أمريكة فإن الأسلحة الأمريكية تشكل 52% من المخزون المصرى.. كما يتلقى أفراد الجيش المصرى تدريبات من خبراء أمريكيين فى مصر وأمريكا، حيث يدرس 500 مصرى سنويا بالأكاديميات العسكرية الأمريكية. زيارة "هاجل" وسط هذه المعطيات جاءت زيارة وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هيجل" لمصر لتحمل معها العديد من التكهنات حول أسرار هذه الزيارة في هذا التوقيت خاصة أنها جاءت عقب زيارة الرئيس محمد مرسي لروسيا، مما يعدّ مؤشراً على زيادة قلق الولاياتالمتحدة من تلك الزيارة لاسيما بعدما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية "باتريك فينتريل"، إن واشنطن اطّلعت على تقارير إخبارية تشير إلى توصل مصر لاتفاق تعاون نووي مع الحكومة الروسية. وجاءت تصريحات وزير الدفاع الأمريكى أثناء الزيارة لتؤكد التزام واشنطن بمواصلة تقديم الدعم العسكري لمصر رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الأولى وتخفيضها للإنفاق العسكري، وأكد "هاجل" حرص بلاده تطوير أداء القوات المسلحة المصرية للتصدي للتهديدات الأمنية الجديدة والمتغيرة، في حين أنها استطاعت بحرفية وانضباط لعب دور مسؤول في حماية الثورة المصرية، ونقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة. وفي هذا السياق، ذهب بعض المحللين إلى أن الزيارة تأتي في سياق طبيعي للتأكيد على التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وللعمل على مكافحة الإرهاب، والاطمئنان على مسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي في مصر.. إلا أن الكثير من المحللين أكدوا أنها جاءت في أعقاب زيارة "مرسى" لروسيا، والإعلان عن أن المباحثات المصرية الروسية شملت الاتفاق على التعاون النووي للاستخدامات السلمية والإعلان عن مناورات عسكرية مصرية روسية مشتركة، والاتفاق مع موسكو على التعاون في المجال النووي وتولي شركات روسية عمليات التنقيب عن اليورانيوم في مصر، فضلاً عن اتجاه مصر للبحث عن مصادر أخرى للسلاح في الهند وباكستان، وقبل ذلك توطيد العلاقات مع تركيا والصين؛ الأمر الذي أدى إلى تغير موقف الإدارة الأمريكية من مصر. وانطلاقا من المعطيات السابق ذكرها فإن هذا التقارب فى وجهات النظر بين القيادات العسكرية فى واشنطنوالقاهرة ربما يثير قلق جماعة الإخوان المسلمين وربما هذا ما يفسر حملة التشويه التى يتبناها البعض ضد القوات المسلحة.