قد تظن عزيزى القارىء أن هناك خطأ مطبعى فى العنوان أو خطأ فى الكتابة .. لأن المعروف لنا جميعا هو عبور واحد فقط عبور خط بارليف عام 1973 وهو أول وأشهر عبور فى تاريخ مصر بل العالم العربى كله هذا العبور العظيم الذى كلنا نتذكره كبيرنا وصغيرنا .. الأجيال التى اشتركت فيه والأجيال التى تلتها وحتى الأجيال الصغيرة الموجودة الآن كان عبور معروف هدفه ونعرف معه عدونا بوضوح كان الهدف هو استرداد الحق .. الأرض الحبيبة سيناء واسترداد الكرامة والعزة معها.. وقد كان بالفعل ماتمنينا بالتخطيط الجيد والعزيمة القوية والإرادة والتكاتف الواعى بين قوى الشعب والجيش بقواته وأفراده وقادته. وكان العدو أيضا واضح ..ملامحه ومكانه وأغراضه ...ولذلك لم يستحيل علينا الوصول إليه وهزيمته بقوة وفى عقر داره . ومر العبور الاول الذى نستمد منه حتى الآن القصص والعبر والدروس . ولكن...أين هو العبور الثالث بل ومن قبله أين هو العبور الثانى؟ وماعلاقة مصر بهما؟ لكى اكشف لكم عن العبور الثالث أمر سريعا بالعبور الثانى حتى نصل للهدف من هذه المقالة.. العبور الثانى آتى بعد ثمانية وثلاثين عاما من العبور الأول.. تحديدا يوم 25 يناير 2011 وخروج شباب مصر إلى ميدان التحرير وميادين وشوارع مصر لقول لا... لا لكل ما لايرضيهم فى مصر .. لا لكل ما ينتهك حقهم ويسلبه منهم ... لم يخشوا اعتراض أو حبس أو موت اصرار على عدم الرجوع إلى منازلهم إلا وفى أيديهم الحقوق المسلوبة ورؤية التغيير على كل شبر فى مصر وتعديل الأوضاع المغلوطة .... قالوها بلا خوف أو تردد ... فكان ذلك العبور الثانى عبور حاجز الخوف ... الانتفاضة من السبات وحاجز الخوف هذا لايقل أبدا فى قوته وصعوبته من حاجز خط بارليف فى 73 .. بالعكس فهو أشد قوة وصعوبة فخط بارليف كان مادى خارجى ... بالتخطيط له والاستعداد تم هدمه تماما أماالخوف .. فهو داخل الانسان .. إن لم يكتشفه الإنسان وجمع إرادته للتخلص منه فلن يتخلص منه أبدا بل زاد هذا الحاجز قوة وصلابة تمنع من تحرك الإنسان أى خطوة إلى الامام وتم العبور الثانى وقالت الجماهير كلمتها وعبرت عن وجودها وتحديها لكل مالا يرضيها.. وذلك كله بهدف واحد هو اصلاح مصر وتعميرها وارجاع صورتها الجميلة الشامخة بين الأمم وتحقيق التغيير الايجابى . ولكن .. اسمحوا لى أن أطرح هنا سؤال؟ كيف نصل إلى ذلك؟ كيف ومتى سنرى مصر بصورتها الرائعة التى هى حلم كل فرد فى مصر سواء ذهب إلى ميدان التحرير أو لم يذهب؟ هل بالشعارات؟ هل بالكلام والمكوث فى الميدان كل الوقت؟ هل بالتنازع والتشارق بالتهم وبالسؤال مع أم ضد؟؟ اعتقد أن ذلك لن يحدث أبدا .. بل وإن استمر كما يحدث الآن سوف يكون وضع مصر أسوأ مما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من يناير اذن ماهو الحل؟؟؟؟ الإجابة هى... العبور الثالث مربط الفرس هنا وصميم حديثى لكم و قبل أن اضع مسمى للعبور الثالث أبدأ يقول الله عزوجل فى كتابه الحكيم " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" العبور الثالث هو : تغير النفس من السلبية إلى الايجابية العبور الثالث هو : الثورة على الذات وعلى سلبياتها وسلوكياتها السلبية العبور الثالث هو : التنمية البشرية وتحويل أفكارنا من إطارها السلبى إلى إطارها الإيجابى إن لم نقم بذلك العبور الآن فسوف نظل فى أماكننا لن نتحرك خطوة إلى الأمام. قد نغير حكام وحكومات وأنظمة ومهما حدث من تغيير فى هذه الأنظمة عدة مرات ولم يصاحب هذا التغيير تغييرا فى سلوكياتنا ونمط معيشتنا وتفكيرنا ومعاملاتنا فلن نشعر بأى تغير يذكر يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: : كما تكونوا يولى عليكم" لم يقل الحبيب المصطفى كما يكون الولى تكونوا.. بل ربط صلاح الحاكم أو الولى بصلاح الرعية وسلوكياتها الشعوب هى التى تحدد أى نوع من الحكومات والأنظمة تحكمها وكيف تكون التغييرات فى بلادهم من عدمها يقول الزعيم الهندى غاندى: يجب أن نكون نحن التغيير الذى نريد أن نراه فى العالم نعم، يجب على كل فرد أن يبدأ بنفسه فى التغيير ... تغيير سلوكه وتحديد أهدافه والعمل على الوصول إليها بجد وعزيمة وإرادة وفى كلمة سمعتها من العالم المصرى الكبير دكتور أحمد زويل عندما سئل ماذا ينقص مصر حتى تكون من الدول المتقدمة ، فكانت إجابته فى كلمة واحدة " الإرادة" ويتأتى ذلك من خلال علم التنمية البشرية الذى كان له الدور الكبير فى نهضة العديد من الأمم وتقدمهت ومازال ينتظر دوره فى مصر حتى يسلط عليه الضوء بشكل أكثر وعيا وأهمية والتنمية البشرية تعرف على أنها أسلوب الحياة الجديد الذى يتضمن العديد من العلوم والنظريات والاتجاهات التى تساعد على تنمية قدرات الإنسان بواسطة الإنسان نفسه وذلك للوصول إلى إنسان متزن مكتشف جوانب نفسه وعقله وإمكانياته واستغلالها على أنسب وجه بما يتماشى مع مجريات ومتطلبات الحياة العصرية. وكل ما ينتج عن تقدم الإنسان وتطور ذاته فهو يندرج تحت مظلة التنمية البشرية فعملية تطوير الذات هى من ضمن أجزاء التنمية البشرية وأرى أن لهذا العلم المقدرة الفعلية لإحداث التغيير اذا تم الأخذ به فالوقائع الفعلية والتطبيق الفعلى هو الذى يدلنا على هذه المقدرة ، فالكثير ممن أخذ بهذا العلم أو بمعنى أصح بهذا الأسلوب فى الحياة لأن التنمية البشرية هى فى الواقع أسلوب حياة إذا أخذ به الفرد مغلفا بالإرادة والإيمان بالله عزوجل سوف يؤدى حتما إلى احداث التغيير الإيجابى المنشود. ونرجع إلى عبورنا الثالث ونسأل سؤال مهم .. فلكل عبور أبطال ورجال يحملون مسئولية تحقيقه، فمن هم أبطال هذا العبور؟ هم جميع افراد الشعب المصرى وعلى وجه الخصوص الشباب الذى كان فى العبور الأول والعبور الثانى وهم من سيقومون بتكملة المسيرة ويقوم بالعبور الثالث ولكن لهؤلاء الابطال خصائص ألخصها فى الآتى: - شباب عاقل متزن له هدف و هوية - شباب مثقف بكل ماتحمله الكلمة من معنى .. ثقافة هادفة جادة ثرية بالعلوم والفنون والآداب والاطلاع على الثقافات المختلفة والقدرة على التحليل العقلانى المنطقى الواعى - شباب ليسوا بإمعة كالريشة فى مهب الريح، ولكن شباب له شخصيته المصرية الواضحة المستمدة من عظمة تاريخ مصر ، ليسوا منقادين لهؤلاء أو هؤلاء ولكن يختار قراره ورأيه بناءا عن بحثه الخاص وقناعته الشخصية المبنية على الثقافة كما ذكرنا والبحث والتأمل فى مجريات الأمور - شباب جاد رزين ليس بالتافه أو الخاوى داخليا ونفسيا بل بنى لنفسه هدفه وعرف طريقه وبدأ بجد للوصول إليه بإصرار وعزيمة - شباب يفعل ويعمل أكثر من ان يتكلم . فمن يعمل ولديه عمل مهم وهدف عظيم ليس لديه وقت للكلام او حتى البكاء ومن رأيى أن شباب مصر قادر على الوصول إلى ذلك فتركيبته الشخصيه تهيئه لتحقيق هذه الملامح ، المهم الإرادة كما ذكرنا. ومقومات الوصول لذلك بجانب الإرادة هو الحب .. حب الله والوطن والذات ومن يشاركنا الحياة على أرض هذا الوطن بكل الفئات والطوائف أو الاحزاب فكلنا فى النهاية لاشك نحب هذا الوطن ، وكل بطريقته الخاصة ولكن فى النهاية الهدف هو .. مصر ومع هذا الحب يتوجب العلم والعمل بما علمنا ونقطة البداية فى هذا العبور يجب أن تبدأ من الآن ولاننتظر لغد أو ننتظر لتحقيق مطالب الثورة .. يجب أن يسير الكل فى خط متوازى وفى آن واحد جنبا إلى جنب .. الحكومة مع الشعب التغيير معا هو سبيل النجاح .. وليس طرف دون الآخر. وكيفية البدء تكون كالآتى بتلخيص فى نقاط محددة: 1- الرجوع إلى الله حق الرجوع 2- كل فرد يبدأ بنفسه فى اصلاحها وتغييرها 3- تعاون ا فراد الشعب فى الاصلاح الذاتى والعام 4- تنمية ثقافة واجبى وحقى بمعرفة ماهو معنى الحرية الصحيح وماهى الديمقراطية بالشكل الصحيح 5- التعلم على مهارات الحوار واحترام الرأى والرأى الآخر وأعيد وأذكر أن ذلك يأتى ويتحقق بادخال علم التنمية البشرية فى مجالات الحياة المختلفة وفى جميع قطاعات الدولة وعلى كل الفئات والأخذ بالتجارب السابقة فى الدول الأخرى التى نهضت وتقدمت بفضل هذا العلم الذى بحق هو بمثابة العصا السحرية التى تسرع من حركة التطوير والتغيير الأيجابى المنشود وأود أن اختم مقالتى هذه بكلمة أوجهها لشباب مصر الذى لى الشرف أنى انتمى لهم ولى مثل أحلامهم وأفكارهم أقول لهم : " تذكروا أنه علينا أن نبدأ فى إدارة الإرادة ومنها تأتى إرادة الإدارة" وفقنا الله جميعا فى ان نكون نحن التغيير الذى تنتظره مصر وجميع العالم العربى والإسلامى بقلم/ رشا الشهيد أستاذة التنمية البشرية وعلوم إدارة الذات والسلوك