البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    القاهرة الإخبارية: أوكرانيا أعلنت خضوع 213 بلدة في سومي لعملية إخلاء فوري    تطورات مفاوضات الأهلي لضم ثنائي سيراميكا كليوباترا.. الغندور يكشف التفاصيل    نهائي الأبطال| باريس يسجل الهدف الرابع في شباك إنتر    تطور مفاجئ بشأن مستقبل عبدالله السعيد في الزمالك.. سيف زاهر يكشف    ضبط سيدتين لتصويرهما فيديوهات خادشة وبثها بمواقع التواصل الاجتماعي    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    الكاتدرائية تستعد لرسامة وتجليس أساقفة جدد بيد البابا تواضروس| صور    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    تجربته الأولى.. جون هيتينجا مدربا ل أياكس    ماركا: رودريجو أبلغ ريال مدريد برغبته في الاستمرار    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريطة أملاك مصر في تل أبيب
نشر في الموجز يوم 12 - 01 - 2013

إلي هؤلاء الذين يدافعون عن حقوق اليهود في مصر ألم يكن الأولي بهم أن يطالبوا أولا باسترداد آخر قطعة أرض مصرية مازالت تحت الاحتلال الإسرائيلي؟.. إن كانوا يجهلون التاريخ فإنني أهدي إليهم هذا التحقيق الموثق بحكم أكبر محكمة في إسرائيل.. اللهم بلغت اللهم فأشهد!
كل عام.. وكلما اقترب عيد القيامة في مصر تهفو قلوب الأقباط الأرثوذكس المصريين إلي القدس.. إلي دير السلطان الذي يلعب دورا القلب في الجسد.. فالحديث عن كنيسة القيامة لن يمر دون الحديث عن الدير المصري القبطي!
إسرائيل حاولت المراوغة بعد أن احتل الرهبان الأحباش دير السلطان.. لكن المحكمة الإسرائيلية العليا التي لجأ إليها أقباط مصر اعترفت لهم بأن الدير من حقهم..!! ويمر عام بعد عام.. وفي كل مرة تؤكد الحكومة الإسرائيلية أنها سوف تنفذ حكم القضاء وتعيد الدير لمطران القدس المصري.. لكنها السياسة الإسرائيلية التي تقوم علي المثل الشعبي الشهير: "تحلفلي أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب"!
حكاية الدير غريبة.. وكان المسلمون حريصون كالمسيحيين تماما علي أن يظل للتمثيل المسيحي منه في كنيسة القيامة نفس العدد المسموح به.. وهذه قصة أخري!
ما هي حكاية دير السلطان؟
وما هي قصة سلبه من أقباط مصر؟
وهل يعود الدير إلي الأقباط المصريين؟
وبمعني أعم وأكثر شمولية هل يعود إلي السيادة المصرية؟!
قصة الدير!
كانت قصة الدير القبطي تلح علي خاطري وأنا في طريقي إلي القدس.. فقد قررت ان تكون إقامتي بين جدرانه التاريخية .. وكان في أعماقي سؤال ملح ومثير عن آخر تطورات قضية استعادة هذه الأرض المصرية للسيادة المصرية خاصة والوزير عمرو موسي قد زار الدير أكثر من مرة وناقش الحجة الإسرائيلية التي تتجاهل حكم اعلي محكمة إسرئيلية بحق مصر في الدير بأن الحكم يمنع تنفيذه الأمن القومي اليهودي !!
فالقضية لا تتعلق بالديانة المسيحية فحسب.. بل هي قضية حق ضائع.. حق لأحد جناحي الأمة المصرية سلبته منه إسرائيل.. وراحت تبيع عليه الوعود عاما بعد عام .. وحق أيضا للسيادة المصرية!
دير السلطان - كما يتضح من اسمه - بناه المصريون منذ عشرات السنين فوق أرض القدس.. كان السلطان المصري في رحلاته إلي القدس يصطحب معه وزيرا قبطيا في حكومته.. واشتري السلطان المصري الأرض - المقام عليها الدير الآن - ثم أهداها إلي وزيره القبطي وكل أقباط مصر.. كان الهدف وقتها التيسير علي أقباط مصر وهم يؤدون الحج.
فالدير ملاصق لكنيسة القيامة.. لا يبعد عنه جغرافيا أكثر من مائة متر.. وزمنيا 30 ثانية فقط..!! الموقع - إذن - غاية في الأهمية.. خاصة بعد أن بني المصريون الأقباط كنائسهم داخل الدير.. وأقاموا مضيفة كبيرة لاستقبال الحجاج المصريين في موسم الحج بلا مقابل.. واستقبال أي زائر مصري باعتبار أن أرض الدير مصرية.. لا تفرق بين مسلم ومسيحي.. وتمضي السنوات.. ويتجاوز كرم الطائفة الأرثوذكس المصرية استقبال المصريين إلي استضافة كل من لا يجد مكانا للمبيت من أبناء الطوائف المسيحية الفقيرة علي مستوي العالم كله.. خاصة الأحباش الذين استقبلهم الدير متسامحا علي سبيل الضيافة.. لكن بعضهم طلب الإقامة فيه حتي تنصلح أمور دولتهم..لكن تمتد إقامة الأحباش المسيحيين داخل الدير.. ويبدأ الصراع العربي الإسرائيلي في النصف الأخير من الأربعينات.. وتفجر إسرائيل مفاجأتها حينما أرادت مضايقة الحكومة المصرية ومعاقبتها بإصدار الأمر إلي الأحباش للإقامة الدائمة بالدير باعتبار أنه ديرهم!.. كان الهدف الإسرائيلي الواضح هو إيغار الصدور والوقيعة بين أقباط مصر والنظام الحاكم باعتبار أن النظام الحاكم هو سبب ضياع الدير !!.. لكن الجهود الدبلوماسية - غير المباشرة - تنجح ويعود الدير إلي أصحابه.. أقباط مصر!!
وفي الستينات وفي أعقاب حرب النكسة عام 1967 تبلغ إسرائيل مداها في الظلم والعجرفة.. ذات ليلة يفاجأ مطران الدير وكل من فيه بالدبابات الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين يحيطون أرض الدير ومبانيه.. يسأل مطران الأقباط إيه الحكاية؟!.
يرد الجنود إجابة لا تقبل الجدل أو المناقشة.. يطالبه الجنود بتسليم مفاتيح الدير.. وبالفعل يتسلمها قائد القوة ليسلمها بدوره إلي الأحباش المقيمين بالدار.. وتدمع عين المطران وهو يكتشف كذب الادعاء بالأمن القومي الإسرائيلي.
وتم سلب الدير من أصحابه وتسليمه إلي ضيوف يقيمون - علي سبيل - الضيافة والكرم!
حكم تاريخي!
لم يسكت أقباط مصر.. أقامت الكاتدرائية المسيحية - للأقباط المصريين الأرثوذكس - دعوي قضائية ظلت تتداول حتي وصلت إلي المحكمة الإسرائيلية العليا.. قدم المصريون وثائق خطيرة.. وأدلة دامغة.. من بينها:
حجة تعمير دير السلطان بتاريخ 22 أغسطس 1686 .
أمر صادر من سليمان "باشا" والي الشام إلي وكيل دير القبط بالقدس يخبره فيه بالموافقة علي ترميم الدير في 22 ديسمبر عام 1820م.
وثيقة باللغة التركية عبارة عن حجة تفيد الاعتراف بأن مفاتيح دير السلطان وكنيستيه القبطيتين في يد القبط المصريين.. ويجب أن يستمر هذا الوضع التاريخي ... الوثيقة حررت في فبراير عام 1851م.
مضبطة المجلس الكبير بالقدس في 9 مارس عام 1859م والتي تقر بوجود مفاتيح دير السلطان مع أقباط مصر.
قرار باللغة التركية بإعطاء رخصة للأقباط المصريين لتوسيع باب دير السلطان في عام 1886م.
أما أخطر وثيقة قدمتها الطائفة الأرثوذكسية للمحكمة الإسرائيلية العليا فكانت أمرا باللغة التركية صادر من فخامة الصدر الأعظم لسعادة إبراهيم حقي "باشا" عمدة القدس في عام 1894م ويقرر الأمر ما يلي:
1- الأحباش يقيمون علي سبيل الضيافة في دير السلطان.
2- دير السلطان ملك القبط المصريين.
3- ينبه علي الأحباش عدم ازعاج الأقباط.
وتصل الوثائق التاريخية الدامغة إلي 32 وثيقة بخلاف وثائق أخري بالصور الفوتوغرافية والمذكرات المقدمة طوال تاريخ الدير لجلالة الملك حسين ملك الأردن ولمجلس الوزراء الإسرائيلي قبل وبعد نكسة يونيو 1967 ولعمدة القدس ومحافظيها.
وكانت المفاجأة في السبعينات هي صدور حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بأحقية أقباط مصر في الدير.. لقد أخلي القضاء الإسرائيلي ذمته وأبرأ ساحته.. وألقي بالكرة في ملعب الحكومة الإسرائيلية.. لكن أحدا لم يستبشر خيرا.. فالدولة التي تتباهي بديمقراطيتها تجاهلت حكم المحكمة العليا وغضت البصر عن تطبيق القانون!!وكان عمرو موسي وزير الخارجية في زياراته لإسرائيل بعد كامب ديفيد يزور الدير ويحصل علي نفس الوعد بتسليمه إلي مصر .. وكالعادة يظل الوعد مجرد كلام من باب المجاملة للضيف الدبلوماسي .. فهل يستطيع عمرو موسي الآن ان يقدم لنا كشف حساب عن الدير ومتي يعود للسيادة المصرية بمناسبة ترشحه للرئاسة ام ستظل قضية الدير في دائرة التعتيم والنسيان؟ انها آخر قطعة أرض مصرية تحت الاحتلال الإسرائيلي حتي الان .. ولا أحد يريد او يجرؤ علي فتح ملفها !!
الأحداث كلها دارت في "طريق الآلام".. هذه المنطقة التي أكتب إليكم منها.. واتنقل بين دروبها.. وأشاهد بيوتها وآثارها التي لم تنفض عنها عبق ورائحة التاريخ بعد.. هنا يبكي المسيحيون.. وتمتلئ صدورهم بأحداث القصة والساعات واللحظات الأخيرة في حياة المسيح.
سوف نرويها من أناجيل المسيحية من خلال الأماكن التي تأخذني قدمي إلي زيارتها الآن!
في عيد الميلاد المجيد:
مشيت في طريق الالام حيث مشي السيد المسيح
لمحاكمته في آخر ايامه في القدس الشرقية!!
لماذا تدق أجراس الكنائس مع غروب شمس الخميس
والتاسعة من صباح الجمعة ولماذا صار الأحد مقدسا
قصة أم الامبراطور الروماني مع الصلبان الثلاثة
تخبطت قدماي وأنا أقترب من سور القدس القديم!
بقعة فوق أرض الدنيا لا تزيد مساحتها علي سبعمائة متر.. لكن فوقها دارت أحداث واحدة من أشهر قصص التاريخ.. وأكثرها إثارة وغرابة!
هذا المكان اسمه طريق الآلام.. هكذا تقول اللافتة المعدنية المعلقة في بدايته.. وهكذا تقول النصوص المسيحية المتعارف عليها.. وهكذا يعرفه اليهود أيضا..
لو أردت أن تتخيله فهو طريق أقل طولا من شارع الموسكي في قلب القاهرة.. لكن شتان الفارق بين هنا وهناك!
كل شبر يحكي حدثا رهيبا.. لم تجرؤ كتب التاريخ أن تغفله..
كل شبر يصور لنا الساعات الأخيرة في حياة السيد المسيح عليه السلام.. ويا لها من ساعات وأسرار.. وأماكن يشيب لها شعر الرأس.. مكان اتخذ فيه كهنة اليهود قرار إعدام السيد المسيح عليه السلام.. ومكان ألقوا فيه القبض عليه بقبلة الخيانة!.. وثالث حاكموه فيه ولفقوا له التهم.. ورابع جهزوه لتنفيذ حكم الإعدام.. مؤامرة كبري اشتري فيها اليهود روح المسيح بما يساوي خمسة جنيهات!
ماذا دار في وادي قدرون؟!
وماذا حدث في دار الكهنة ودار الولي ومنطقة "الجلجثة"؟!
ولماذا أصبح يوم الأحد مقدسا في الديانة المسيحية؟!
ولماذا تدق الأجراس في الكنائس مع غروب شمس الخميس وصباح الجمعة؟!
أسئلة مثيرة.. وأسرار أكثر إثارة.. كل الإجابات عليها دارت فوق هذا المكان الذي أسير فوق ترابه الآن منذ حوالي ألف عام.. مازالت الرهبة تخيم علي المكان.. ومازالت شمسه تشرق في حزن.. ولياليه تسافر في انكسار.. لكن كشف أسرار هذا المكان يقتضي أن نكشف أولا عن قصة الصدام الرهيب بين السيد المسيح عليه السلام وشعب إسرائيل.
هذه القصة التي انتهت فصولها في طريق الآلام بشكل مأساوي اتجهت نحوه عيون وآذان العالم.. ومازالت تتجه حتي الآن.
النبي والملك!
ولد السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم بمعجزة تعرفها الدنيا كلها.. وتربي عليه السلام في مدينة الناصرة بفلسطين ومن هذا الاسم جاءت تسمية المسيحيين بالنصاري.. وبدأ دعوته لله في سن الثلاثين بمدينة الخليل.. وهنا بدأ الصدام الكبير بين اليهود والمسيح عليه السلام.. اعتبره اليهود في البداية نبيا وليس مسيحا.. وشتان الفارق بين الوصفين عند اليهود.. هم يعتبرون أن المسيح القادم ملك وليس نبيا.. ملك يجعلهم يسودون علي العالم.. ويعيدون مجدهم القديم.. يمنحهم المال ويوزع عليهم الثروات والهبات والمتع الدنيوية وينزل في عهده من السماء الهيكل الجديد منحة من الرب!.. هذا هو الاعتقاد اليهودي الراسخ منذ آلاف السنين حتي لحظة كتابة هذه السطور.. وربما إلي أن يظهر المسيخ الدجال فيلتفون حوله.. ويؤمنون به.. ويعتبرونه المسيح المخلص لهم!.. لهذا كان الصدام عنيفا حينما ظهر المسيح عيسي عليه السلام وأعلن عن دعوته في مدينة الجليل.. كان عليه السلام يتحدث عن الحب والسلام والمعني والرمز.. وكان اليهود يتحدثون عن الماديات والثروات والمتع.. بل أسقطوا من ديانتهم ومعتقداتهم أي حديث عن الآخرة والعالم الآخر.. وربطوا بين الدين والحياة فوق الأرض فحسب.. إذا صلي اليهودي دعا ربه أن يبارك له في أرضه وبيته ومعجنه.. أصبحت حياته وثيقة الصلة بالأرض والماديات ونسي حياة الروح والقلوب والرموز والمعاني التي أتي بها السيد المسيح عليه السلام.. قال لهم إن الهيكل المقدس ليس طوبا وحجارة.. وإنما هو رمز ومعني.. وضرب لهم مثلا بنفسه فاتهموه بالكفر.. واتهموا معجزاته بأنها من فعل الجان والشيطان.. ثم رموا أمه مريم العذراء عليها السلام بالزني والفجور.. وأشاعوا أن المسيح عليه السلام ولدته أمه سفاحا بعد أن زني بها جندي روماني!
لم يكن هذا الاتهام البشع غريبا علي اليهود!!
لقد سخروا من قبل من أنبيائهم.. وعذبوهم.. ولفقوا لهم الاتهامات.. قالوا إن موسي عليه السلام كان لا يجيد النطق.. يتلعثم في الكلام ويتهته.. قالوا هذا رغم علمهم بأن موسي هو النبي الوحيد الذي اصطفاه الله ليحدثه ويكون كليمه.. واتهموا سليمان بالعربدة وحب النساء والكفر لأنه كان يعبد إله المرأة التي يتزوجها.. وكم كانت زوجاته..! ومن قبله اتهموا داود بالزنا بامرأة أحد جنوده!
لم يلتفت المسيح عليه السلام لسخافات اليهود.. مضي في دعوته واثقا من نفسه.. التف حوله تلاميذه الاثني عشر.. وعدد كبير من الفقراء والمساكين والمخطئين الذين وجدوا في دعوته خلاصا لهم.. إلا أن اليهود لم يستسلموا.. حاصروه بالمكائد.. وفشلت محاولاتهم.. كان أشهرها حينما أتوا له بسيدة ارتكبت الزني.. أوقفوها أمامه.. ثم أخبروه بجريمتها وماذا هو فاعل بها؟!
كان كبار الكهنة قد وضعوا هذه الخطة الجهنمية ليخطئ المسيح عليه السلام ويمنحهم مبرر محاكمته وقتله.. فإن هو أنكر رجم هذه السيدة وقتلها يكون قد كفر بالتوراة التي جاء بها.. وتناقض مع نفسه أمام أتباعه وحوارييه!
هنا يلقنهم المسيح عليه السلام درسا!
سألهم: "هل أخطأت هذه السيدة وحدها؟".
تلعثموا.. أسقط في يدهم.. فهموا قصد المسيح عليه السلام.. إن جريمة الزني لا تتم إلا بين رجل وامرأة.. فإن كانت هذه المرأة فأين الرجل؟! وكان المفهوم الضمني أن هذا الرجل منهم.. تواطأ معهم فلم يظهروه.. أو يقدموه للمحاكمة.
سألوه.. لكن ماذا أنت فاعل بهذه السيدة.. هل نرجمها علي دين الآباء والأجداد.. أم أنك أتيت بجديد؟!
وهنا بلغ الدرس قمته.. والإحراج ذروته.. قال لهم المسيح:
"من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها!".. لم ينكر عيسي عليه السلام رجم الزانية.. لكنه فتح ملف قضية خطيرة.. من يرجم خاطيا يجب ألا يكون خاطيا مثله.. لأن معني ذلك أن من يفلت من العقاب يعاقب غيره.. وهنا لم يتقدم أحد من كهنة اليهود وشعب إسرائيل لرجم السيدة!
ضاق اليهود ذرعا بالمسيح عليه السلام.. لقد كشف زيفهم وفسادهم وظلمهم.. فضح معتقداتهم التي تقف عند ظاهر النصوص وتتمسك بحرفية الكلام دون أن تتطرق إلي المعني والروح والآخرة التي أسقطوها من حساباتهم.. لقد ضرب لهم مثلا جديدا من نص القصاص الذي يقول إن العين بالعين والسن بالسن والجراحة بالجراحة.. طالبهم إلا يقفوا عند حرفية النص.. فصرخوا ومزقوا ملابسهم وصاحوا بأعلي صوت يطالبون بإعدام هذا الكافر!..
كان المسيح عليه السلام قد دخل أورشليم "القدس" مرتين حتي هذا الوقت.. وفي كل مرة كانوا يخططون لخطفه ومحاكمته وإعدامه.. كان مبررهم أنه كاذب.. فلو كان ملك اليهود المنتظر.. فلماذا لم يخلصهم من الاحتلال الروماني؟!.. إلا أن المسيح نجح في الإفلات منهم في المرتين مؤكدا أن الوقت لم يحن بعد.. وقت محاكمته وتعذيبه!.. لكن المرة الثالثة كانت الأخيرة.. قمة الإثارة.. الأحداث حتي هذه اللحظة لم ينكرها الإسلام حتي لحظة الاتفاق علي إعدام المسيح.. ولكن الأحداث من لحظة محاكمة المسيح وحتي قيامته بعد الموت لم تأت بها غير أناجيل المسيحية الأربعة.. بينما كانت تفاصيل إنجيل "برنابة" غير المعترف بها من المسيحيين أقرب إلي التفاصيل التي أوردها القرآن الكريم من أن عيسي عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وإنما شبه لهم.. وأرسل الله ملائكته إلي الأرض ليصعدوا بعيسي عليه السلام إلي السماء.
عموما.. الأحداث كلها دارت في "طريق الآلام".. هذه المنطقة التي أكتب إليكم منها.. واتنقل بين دروبها.. وأشاهد بيوتها وآثارها التي لم تنفض عنها عبق ورائحة التاريخ بعد.. هنا يبكي المسيحيون.. وتمتلئ صدورهم بأحداث القصة والساعات واللحظات الأخيرة في حياة المسيح.
سوف نرويها من أناجيل المسيحية من خلال الأماكن التي تأخذني قدمي إلي زيارتها الآن!
المؤامرة!
أخيرا.. وجد اليهود فرصة عمرهم في أحد تلاميذ السيد المسيح الإثني عشر.. ساومهم وساوموه.. قالوا له نريدك أن تدلنا علي طريقه ومكانه.. سلمه إلينا وخذ المكافأة.. سال لعاب "يهوذا الاسخربوطي" تلميذ المسيح الخائن.. سألهم كم سيمنحونه؟!.. قالوا له ثلاثين شاقل.. وكان الشاقل قطعة فضية تستخدم كعملة يهودية أصبح اسمها الآن "شيكل".. وكانت الثلاثون قطعة من الشاقل تساوي الآن حوالي خمسة جنيهات!.. فرح بها يهوذا.. وجلس يرسم معهم سيناريو الخيانة.. سوف يتتبعونه حتي يصل إلي مكان المسيح ومعه تلاميذه الأحد عشر.. فإذا وصل يهوذا طبع قبلة علي وجه المسيح فيعرفه اليهود ويلقون القبض عليه!
نحن الآن أمام بستان وادي قدرون!
كان السيد المسيح قد وصل إلي هذا البستان مع تلاميذه.. تناولوا معه العشاء الأخير.. وألقي خطبته الأخيرة.. وفجأة وصل يهوذا الإسخربوطي يتخفي خلف اليهود... تقدم يهوذا من المسيح وهو ينادي" سيدي.. سيدي".. ثم طبع قبلته علي وجهه.. يسود صمت رهيب يقطعه صوت المسيح قائلا يخاطب يهوذا.
- أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!
كان الوقت مع غروب شمس الخميس.. وكانت دعوة السيد المسيح في عامها الثالث والثلث.. أي كان عمر الدعوة ثلاث سنين وثلاثة أشهر.. بينما كان عمر السيد المسيح ثلاثين عاما وثلاثة أعوام وثلاثة أشهر.
ألقي اليهود القبض عليه بعد أن أهانوه بشدة.. ثم اصطحبوه معهم إلي أكثر من مكان وأكثر من موقع تشكل كل خطوة منها جزءا من "طريق الآلام" الذي أطلق علي المواقع التي شهدت باقي الأحداث!
وهنا دار رؤساء الكهنة اليهود في طريق الآلام!
وصل اليهود بالسيد المسيح من وادي قدرون إلي دار رؤساء الكهنة وأحبار اليهود كان لابد من اتخاذ القرار الديني بإعدام السيد المسيح.. وتلفيق التهم له.. ومحاكمته.. بحثوا عن شهود الزور فرفض كل الناس.. حتي حينما لفقوا له تهمة أنه ادعي أنه ابن الله.. أجابهم بأنهم هم الذين نطقوا بها أما هو فلم يقلها.. اتهموه بأنه قال إنه سيهدم الهيكل ويعيد بناءه بعد ثلاثة أيام.. فرد بهدوء أنه يقصد بالهيكل نفسه.. وأنه سوف يموت ويقوم من موته بعد ثلاثة أيام.. أي أنه يقصد بالهيكل جسده.. لكن كهنة اليهود في واحدة من أكبر المؤامرات التي عرفها التاريخ أصدروا الحكم الديني بإعدام السيد المسيح ثم أخذوه وهم يصبون عليه لعناتهم إلي خارج دار رؤساء الكهنة.
وهنا دار "بيلاطيس" في طريق الآلام!
إنها دار الوالي الروماني.. كان لابد من صدور حكم سياسي بعد الحكم الديني بإعدام السيد المسيح.. ويقوم "بيلاطيس" بالاطلاع علي ملف القضية فلا يجد دليلا واحدا يدين المسيح فينظر إلي كهنة اليهود قائلا في دهشة:
".. لا أجد فيه علة"!.
يستخدم اليهود كل ذكائهم ومهاراتهم العقلية في التأثير علي الوالي الروماني ليوافق علي إعدام السيد المسيح.. فالوالي بيلاطيس كان علي وشك إصدار قرار سياسي يشبه في الوقت الحاضر قرار حفظ الدعوي أو "قرارات ألا وجه لإقامة الدعوي"!
أقنعه اليهود في نهاية الجلسة بأنه لو ترك المسيح يعيش فلن يكون محبا للقيصر.. اهتز الوالي ووافق!
هنا.. "الجلجثة" في طريق الآلام!
الجلجثة تعني الجمجمة.. وهي مكان لتنفيذ حكم الإعدام في القدس "أورشليم".. ويقع علي مسافة سبع دقائق علي الأكثر من حائط المبكي وعشر دقائق من المسجد الأقصي.. ويجاور كنيسة القيامة.. اي انه مكان نادر فوق سطح الارض لاصحاب الديانات الثلاث.
طار اليهود من السعادة بعد موافقة الوالي الروماني وخروجهم بالسيد المسيح من داره.. تعجلوا تنفيذ الحكم بأقصي سرعة قبل حلول يوم السبت.. يوم الراحة المقدس.. أخذوه صباح الجمعة إلي موضع "الجلجثة" وسط مظاهرة استنكار وسخرية اهتزت لها المدينة المقدسة.. لكن الإسلام يرفض باقي الأحداث باعتبار أن المسيح كان قد صعد إلي السماء حماية لمكانته المقدسة من استهزاء اليهود وتطاولهم عليه. لكني أنقل من هذا المكان باقي الأحداث طبقا للمعتقدات المسيحية من خلال إنجيل "متي".
يقول إنجيل متي في الإصحاح 26 إن جلد السيد المسيح تم علي الطريقة الرومانية في الإعدام.. فالطريقة اليهودية لايزيد عدد الجلد فيها علي أربعين جلدة طبقا لشريعتهم.. أما الرومان فكانوا يجلدون المحكوم عليه إلي أن يقترب من النفس الأخير فيصعدوا به إلي الصليب لطعنه بحربة قاتلة تزهق معها روحه!
الساعة الآن التاسعة صباحا بالتوقيت الحالي الذي تدق فيه أجراس الكنائس لإحياء هذه الذكري.. كما تدق مع غروب شمس الخميس لإحياء ذكري القبض علي المسيح والتاسعة صباحا بالتوقيت الحالي كانت هي السادسة صباحا بتوقيت أورشليم في هذا الوقت البعيد.
أتوا بالمسيح وهم يضربونه من الخلف ثم يسألونه في سخرية أن يعرف من الذي ضربه لو كان هو بحق المسيح المنتظر.. ثم راحوا يبصقون في وجهه.. ويلكمونه ويضربونه بقسوة ويهزأون به ويسخرون منه.
استمر جلد المسيح عليه السلام في موضع "الجلجثة" حتي سالت دماؤه بغزارة وتمزقت ملابسه فخلعوها عنه.. ثم أجروا قرعة فيما بينهم لاقتسام هذه الملابس.. وألبسوه ثوبا قرمزيا لا يلبسه غير الملوك تأكيدا للاستهزاء به.. ووضعوا فوق رأسه تاجا من الشوك.. وأمسكوه في يده بعود من القصب كما يمسك الملوك بالصولجان.. وعلقوا لافتة فوق وجهه تقول:
"هذا هو ملك اليهود يسوع".
ثم كانوا يأخذون عود القصب من يده ويضربون به علي الشوك فوق رأسه حتي ينغرس فيه.
كل هذا بعد أن فردوا جسده فوق الصليب المعلق بالجلجثة.. وقاموا بتثبيت يديه وقدميه بالمسامير في الصليب!.. وراح كهنة اليهود ينادون عليه أن يخلص نفسه إن كان حقا ابن الله!
كان المشهد مثيرا كما يصوره إنجيل متي!
المسيح المصلوب.. والي جواره لصان مصلوبان معه.
تأكيدا لسياسة السخرية والاستهزاء بالسيد المسيح.. ثم كانت اللحظات الأخيرة حينما أرادوا أن يتأكدوا من موت المسيح.. طعنوه بحربة قاتلة في جنبه فسالت منه الدماء والماء معا!
حملوا جثته في سعادة غامرة.. وجهزوا لها قبرا.. ويقال إن زلزالا كبيرا وقع بأرض أورشليم حينما صرخ المسيح وأسلم الروح.
ويقال إن الهيكل المقدس تصدعت أركانه.. وتفتحت قبور القديسين فخرجوا منها وشاهدهم الناس.. بينما اختنقت الشمس تماما في هذا اليوم وسادت المدينة غمامة باردة ظللت حتي مساء هذا اليوم!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.