كشفت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، عن بوادر أزمة جديدة بين الكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية، وذلك بعد حديث القس رفعت فكري رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية حول أهمية التنوع في الحفاظ علي وحدة الكنائس والتقارب بينها وانتقاده للمتمسكين بالأرثوذكسية ووصفهم بالأصوليين الأحاديين الحاقدين، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة بين الأقباط الأرثوذكس ضد القس الإنجيلي، مستنكرين هجومه المستمر علي الإيمان الأرثوذكسي وإنكاره لثوابتهم الدينية. كانت جميع الطوائف المسيحية، قد أطلقت الأسبوع الماضي "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين"، وهو حدث سنوى يجتمع فيه رؤساء الطوائف الأرثوذكسية، والكاثوليكية، والإنجيلية، وممثلين عن الكنائس المختلفة فى صلوات جماعية، وافتتحت فاعليته بكنيسة العائلة المقدسة للأقباط الكاثوليك بالزيتون، بينما استقبلته لأول مرة في تاريخها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في ثاني أيامه والذي ترأسه البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمشاركة الطوائف المسيحية المختلفة وممثلى الكنائس المسيحية الثلاثة الكبرى، ومجلس كنائس مصر، وعقب هذا اللقاء ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يحتوي علي كلمة القس رفعت فكري التي ألقاها داخل الكاتدرائية وتوالت الانتقادات والهجوم عليه. من ناحيته نشر عصام نسيم خادم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية علي صفحته الخاصة ب"الفيس بوك" منشوراً تداولته العديد من الصفحات القبطية ويضم كلمة القس الإنجيلي الأخيرة قائلاً "القس رفعت فكري يدس السم في العسل فعلي الرغم من حديثه حول التسامح بين الطوائف وقبول الرأي الأخر إلا أنه لم يترك مناسبة إلا وهاجم فيها إيماننا الأرثوذكسي بل وذهب الي ماكس ميشيل الذي سرق الكهنوت وعمل نفسه أسقف وهاجم كنيستنا ودعمه القس رفعت فكري وكتب في مجلته وقدم برنامج في القناة الفضائية التي أنشأها ماكس ميشيل". وتابع نسيم: سبق وقام رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بالطعن في بتولية السيدة العذراء أو سر الأفخارستيا - سر التناول أو القربان المقدس هو أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية- أو ظهور العذراء أو هجومه على الأنبا مكاريوس أسقف المنيا واتهامه بالتطرف. وقال نسيم "إن ما لفت نظري في كلمته وبعيداً عن الإساءة التي وجهها للمتمسكين واصفاً إياهم بالأصوليين الحاقدين هو مزج الإيمان المسيحي بالفلسفة البشرية؛ ليمرر فكره الخاص في قبول الكل رغم أي اختلاف". وأشار نسيم إلي بعض عبارات القس رفعت فكري في كلمته التي جاء فيها "إذا توهم الإنسان إنه امتلك المطلق أو اقتنص الحقيقة بالضرورة سيتكبر ويتغطرس وسيصبح متعصباً رافضاً للآخر المغاير متهما إياه بالكفر والزندقة والهرطقة بالإضافة لدعوته لقبول الوحدة التي تقبل التنوع ويمتدح هذا التنوع واصفا إياه أنه ليس بدعة ولا جريمة". كما أشار نسيم إلى قول "فكري" إن الوحدة التي تسعى إليها الكنائس هي وحدة التكامل وليس التماثل وتنوعها غنى وتعددتنا ثراء – علي حد قوله. وحذر نسيم في نهاية منشوره من خطورة ترويج الأفكار التي عرضها القس الإنجيلي في كلمته من داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قائلًا "خطير جداً أن يتم تمرير أفكار أن الاختلاف مع الطوائف الأخرى مجرد تنوع، فهذا بعيد عن الحقيقة بل وضد الحق ويخالف تاريخ وواقع نعيشه لأن الخلاف هو خلاف في جوهر الإيمان، مؤكداً رفضهم للوحدة مع وجود اختلاف في الإيمان والعقيدة". ولا تعد هذه المرة الأولي التي يفجر فيها القس رفعت فكري أزمة مع الكنيسة الأرثوذكسية بسبب تصريحاته حول معتقداتها الإيمانية لدرجة أن البعض طالب في شهر سبتمبر الماضي بإقالته من مجلس الكنائس. وقال جرجس بشرى الناشط الحقوقي، إن القس رفعت فكري سبق وخرج بتصريح عجيب عن السيدة العذراء مريم، يقول فيه: "نرفض عقيدة البتولية الدائمة للعذراء مريم"، وهذا التصريح أثار ردود أفعال غاضبة لدى أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأتباع الكنيسة الكاثوليكية وأهان مشاعرهم وازدرى عقيدة راسخة لديهم. واستطرد لن أكون متجاوزًا إذا قلت أن تصريح القس رفعت فكري، أثار غضب قطاع كبير من المسلمين على مواقع السوشيال ميديا، خاصة وأن الإسلام يكرم السيدة العذراء مريم، كرامة عظيمة، ويصفها بالطهارة، وأن الله ذاته سبحانه اصطفاها وطهرها على نساء العالمين، كما أن الإسلام اختص السيدة العذراء مريم بسورة باسمها في القرآن الكريم. وأشار إلى أن خطورة هذا التصريح الكارثي يتمثل في أنه جاء بعد يومين أو ثلاثة من تصريح لأحد القساوسة البروتستانت "الإنجيليين" عن السيدة العذراء مريم، وهو القس ثروت سمير، رئيس مجمع الكنائس الإنجيلية بالقاهرة ، يقول فيه "غطاء العذراء مريم لشعرها ليس حجابًا.. ونرفض صعودها للسماء بعد نياحتها"، وهو تصريح أيضًا يسيء للسيدة العذراء، وأتباع الطائفتين الأرثوذوكسية والكاثوليكية. وأوضح بشرى أن هذين التصريحين المتتالين ضد العذراء، وعلى فترات متقاربة، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك حملة ممنهجة ضد العذراء مريم، وإثارة متعمدة لأتباع الطوائف المسيحية الأخرى، خاصة وأن رئاسة الكنيسة الإنجيلية للآن لم تتخذ أي موقف ضد هذين التصريحين. وقال إن مشكلة تصريح القس رفعت فكري، عن العذراء لا يكمن في كونه قس إنجيلي، وفي الغالب طائفته تؤمن بهذه الأفكار عن السيدة العذراء، ولكن يكمن في كونه مسئولاً وأمينًا عامًا مشاركًا في مجلس كنائس مصر، وهو المجلس الذي هدفه الأساسي والجوهري، نبذ الخلافات العقائدية والصراعات المذهبية، والتأكيد على قيمة التقارب والتواصل والوحدة بين الكنائس المسيحية المختلفة، والتأكيد على المشتركات وتخطي كل ما يؤجج الصراع بين المذاهب المسيحية، خاصة وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا ككنائس في جسد المسيح الواحد. وأشار إلى أن هذا الأمر يجعل من تصريح القس رفعت فكري، خروجًا صارخًا، بل وتعدي واضحاً على مبادئ وأهداف مجلس كنائس مصر، وخروج على كرامة المنصب الذي يشغله في هذا المجلس، وما يتطلبه من أن يكون المسئول فيه قدوة للآخرين في نبذ الصراعات المذهبية والطائفية، وتذليل أي عقبات في الهدف النبيل نحو وحدة الكنيسة. وأكد "بشرى" أن أي مسئول في مجلس كنائس مصر، يجب أن يكون قدوة للطائفة التي ينتمي إليها، ولا يسيء في ذات الوقت إلى أتباع الطوائف الأخرى حتى لا يسبب عثرة، موضحاً أنه سبق ودعي مجلس كنائس مصر، بسرعة إصدار بيان حاسم، وعاجل، يحفظ للمجلس هيبته وكرامته، ويؤكد على التزام المجلس بأهداف الوحدة بين الكنائس المصرية، وإقالة القس رفعت فكري من المجلس، وذلك للتأكيد على مصداقية المجلس. كما طالب بشرى الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية، بإصدار بيان تعتذر فيه الكنيسة الإنجيلية عن الإساءة لأتباع الكنيستين؛ الأرثوذكسية، والكاثوليكية، حتى ولو كانت الكنيسة الإنجيلية تؤمن بما قاله القس رفعت فكري، لأن مناقشة الأمور اللاهوتية والعقائدية المختلف عليها ليس مكانها وسائل الإعلام.. فكيف نتغنى بالوحدة في المؤتمرات والحفلات وننتهكها عمليًا؟!.