منذ سنوات طويلة ترجع إلى فترة الستينيات من القرن الماضي حاول أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من مصر حينها إنشاء كيانات موازية في أوروبا مستغلين حاجة المسلمين هناك إلى أشخاص يتعلمون على يديهم مبادئ دينهم وأماكن يلتقون فيها مع إخوانهم في الدين ، وذلك بهدف نشر فكر الجماعة الإرهابي ، ومؤخرا وبعد أزمة الجماعة في مصر زاد النشاط الإخواني في أوروبا بهدف إحياء التنظيم بدعم من قطروتركيا ، لكن الحكومات في القارة العجوز بدأت تلتفت لهذا الأمر وتستشعر خطورته وقررت تضييق الخناق على العناصر الإخوانية في أراضيها. أكد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، في تقرير حديث له حول " المجتمع الموازي لجماعة الإخوان الإرهابية في الغرب" إن التنظيم تمكن من الانتشار والتوسع في المجتمعات الغربية بشكل كبير، عبر تشكيل ما يسمى بالكيانات الموازية التي تسعى لتكون بديلا للدولة والمجتمع بالنسبة لأفرادها، وذلك بهدف الاستحواذ على القوة والضغط على صانع القرار لتلبية طلبات الجماعة. وأشار المرصد إلى أن جماعة الإخوان عملت على تقديم نفسها على أنها جماعة دعوية تسعى لنشر الفكر الإسلامي الإصلاحي، وأنها بديل يمكن الاعتماد عليه في التصدي لما نتج من التنظيمات المتطرفة من عنف وإرهاب. وأوضح المرصد أنه بعد خروج عدد من عناصر جماعة الإخوان في فترة الستينيات إلى الدول العربية والأوروبية عملت الجماعة على تطبيق فكرة إقامة المجتمعات الموازية في هذه الدول، عبر السيطرة على الطلاب المسلمين هناك ودور العبادة ونشر المجلات التي تحمل أفكار الجماعة بين هذا المجتمع الطلابي الصغير، واستغلت الجماعة في ذلك قضايا الأمة الكبرى كالقضية الفلسطينية والتي روجت لنفسها باعتبارها المدافع الأول عنها. وذكر تقرير المرصد أن رسائل البنا لعناصر الجماعة تعد التأسيس الأول لفكرة تشكيل وإنشاء المجتمع الموازي، وكان ذلك يخص إنشاء تلك المجتمعات في الدول العربية والإسلامية، لتكون بداية لتشكيل الطبقة المتأثرة بفكر الجماعة وتتحلى بصفة الأستاذية. وفي ذات السياق، فإن الجماعة تسعى عبر هذه الفكرة إلى تحقيق السيطرة على المجتمعات فكريا واختراق مؤسسات الدول، كما أن البنا وعبر رسائله رسم الخطوات التي يمكن للجماعة السير عليها من أجل تحقيق هذه الفكرة، وذلك عبر السيطرة على مناهج التعليم وإنشاء منظومة تربوية تكون تحت سيطرة الجماعة تبدأ من رياض الأطفال مرورا بالمدارس القرآنية والمعاهد التعليمية، إضافة إلى اختراق المنظومة التعليمية داخل المجتمعات التي تنتشر فيها الجماعة عبر توجيه البرامج والمناهج واستقطاب المعلمين، والسيطرة على وسائل الإعلام والدعاية الأكثر تأثيرًا على المجتمعات. وأضاف التقرير أن الجماعة توغلت في المجتمعات الغربية عبر خطاب مزدوج، إذ إنها ترفع شعارات تنادي بالديمقراطية والتعايش السلمي بين طوائف المجتمع بينما في الدول العربية والإسلامية تتحدث إلى المجتمع بصيغة الأنا، أيضا فإن الجماعة عملت في الغرب على إقامة شبكة من الروابط الاجتماعية من خلال الزواج بين عناصرها وإقامة علاقات تجارية واقتصادية وذلك للتكيف مع البيئة التي تعمل بها الجماعة. كما أن الإخوان يعملون على استقطاب المهاجرين إلى هذه الدول وإدخالهم في فكر الجماعة وترفع شعارات لتبرر تلك الخطوة على أنها تهدف إلى حمايتهم من الدخول في نسق الحياة الغربية المختلف عن الحياة في الشرق. لذلك، فقد استطاعت أن تخلق قدرا من التفاعل بين الجماعات الأخرى المتشابهة معها فكريا في أوروبا عبر إقامة شبكة دولية غير رسمية ومعقدة للغاية تترابط فيما بينها عبر شبكات مالية، وأيديولوجية، وهو الأمر الذي تزامن مع قيام الجماعة بعدم اعتماد صيغة عضوية الفرد في جماعة الإخوان بالخارج وأنها لا تأتي عبر كيان خاص بل إنها تكون عن طريق الإيمان بالأفكار والأساليب والمنهج الخاص بها. وأفاد التقرير أن الدول الأوروبية أيقنت مؤخرا خطورة وأهداف جماعة الإخوان على مجتمعاتها، لذلك استندت إلى تضييق الخناق عليها، منها على سبيل المثال بريطانيا والسويد التي كشفت تقارير عن تنامي فكر الإخوان بين الطلاب الجامعيين، حيث ترى الدول الغربية أن أفكار الجماعة تعتبر الأساس الذي استندت إليه الجماعات المتطرفة والمتشددة بالإضافة إلى تاريخ الاغتيالات التي تورطت فيها الجماعة. وفي هذا الإطار اعد الباحث المتخصص في شئون الإرهاب الدولي حازم سعيد دراسة بعنوان " كيف تدير جماعة الإخوان المسلمين شبكات عملها من داخل أوروبا؟ ، أكد خلالها أن القارة العجوز تمثل الحاضنة والملاذ الآمن لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، والتي نجحت بتأسيس شبكة علاقات من جنسيات مختلفة، تداخلت فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، وجمعتها الخطط والأهداف، وامتدت نشاطاتها في أوروبا عبر مؤسسات ومراكز كثيرة وحصلت على الدعم من الدول الداعمة للجماعة أبرزها من قطروتركيا. واوضح الباحث أن ما تهدفه قطر وراء دعمها المالي والسياسي لمشروع الإخوان هو إعادة إنتاج الطروحات المتطرفة إلى حسن البنا والقرضاوي وبقية أقطاب الإخوان. وكانت تقارير استخباراتية فرنسية أشارت إلى أن قطر متورطة بشكل رئيسي في دعم الإرهابيين من جماعة التوحيد والجهاد، بشمال مالي، كما تحدثت عن تدريب العشرات من الفرنسيين في مناطق ليبية بين العامين 2011 و2014، وأن قطر شاركت بدور مهم في استقطاب وتجنيد وتدريب مقاتلين من دول شمال أفريقيا وآخرين يحملون جنسيات أوروبية وينحدرون من أصول مغاربية ثم تسفيرهم من ليبيا إلى سوريا عبر الأراضي التركية. كما أشار الباحث إلى أن هيئة حماية الدستور الألمانية أو الاستخبارات الداخلية رصدت بقلق تزايدا ملحوظا في نفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل ولاية سكسونيا شرقي ألمانيا،وأعلن رئيس الهيئة المحلي بولاية سكسونيا جورديان ماير بلات أن الجماعة استغلت عبر منظمات مثل الجمعية الثقافية أو ملتقى سكسونيا نقص دور العبادة للمسلمين الذين قدموا إلى سكسونيا كلاجئين، لتوسيع هياكلها ونشر تصورها عن الإسلام السياسي. وذكر ماير بلات أن هيئة حماية الدستور يساورها قلق إزاء هذا التطور بسبب رفض الجماعة لقيم رئيسية في النظام الديمقراطي الحر مثل الحرية الدينية أو المساواة بين الجنسين، لافتا،إلى أنه يجرى حاليا شراء مبان على نحو كبير لتأسيس مساجد أو ملتقيات للمسلمين، موضحا أن هذا يحدث بشكل مكثف في مدن لايبتسيج وريزا ومايسن وبيرنا ودريسدن وباوتسن وجورليتس. ويلاحظ في هذا الصدد، أن قيادات الإخوان في بريطانيا كانت تسيطر بشكل تام على 13 منظمة وجمعية في لندن وحدها عبر ثلاث قيادات مصرية هى عصام الحداد وإبراهيم منير وإبراهيم الزيات الذي ترأس في وقت سابق مؤسسة ألمانيا الإسلامية GID . ويوجد في بريطانيا منتدى الشباب المسلم في أوروبا وهو شبكة تتألف من 42 منظمة تجمع الشباب من أكثر من 26 بلدا، كما له صلات وعلاقات مع البرلمان الأوروبي. ويعتقد خبراء، مثل ستيف ميرلي، أنه يجب وضع جماعة الإخوان المسلمين وكل التنظيمات المتفرعة عنها تحت المراقبة والرصد المكثف والمستمر. ولكن الجدال حول الحظر المباشر للجماعة وإدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية من المرجح أن يستمر لبعض من الوقت وفقا للباحث. ورصد الباحث خلال دراسته عدد من المنظمات التابعة للجماعة في أوروبا والتي أصبح لها تاثير كبير على المجتمعات هناك ومن بينها : الجماعة الإسلامية في ألمانيا(GID) التي تأسست عام 1958، وهي الفرع الألماني للإخوان المسلمين في أوروبا الذي أسسه سعيد رمضان عام 1958، وكان يرأسها الألماني المصري الأصل "إبراهيم الزيات". ورابطة مسلمي بلجيكا (LMB) القناة التاريخية للحركة في بلجيكا، فهي ممثلة جماعة الإخوان المسلمين هناك، وأسست الرابطة عام 1997، وتملك الهيئة عشرة مساجد ومقرات بعدة مدن منها بروكسل وأنڤير وجراند وڤرڤييه، ويديرها كريم شملال من مدينة أنڤير، وهو من أصل مغربي يعمل طبيبا في مجال علم الأحياء. وكذلك رابطة المجتمع المسلم في هولندا التي أسسها في لاهاي "يحيى بوياف المغربي الأصل عام 1996، وتضم الرابطة عدة منظمات منها على وجه الخصوص مؤسسة اليوروب تراست نيديرلاند ETN) و المعهد الهولندي للعلوم الإنسانية والإغاثة الإسلامية. وأيضا الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB) فهي ممثلة الإخوان المسلمين هناك، وقد أنشأها كمال الهلباوي عام 1997، وقد ظل الهلباوي لوقت طويل ممثلا للإخوان المسلمين في أوروبا، قبل أن ينشق عن الجماعة، ثم تولى إدارة الرابطة الإسلامية في بريطانيا أنس التكريتي العراقي الأصل وأستاذ الترجمة بجامعة ليدز، وذلك حتى عام 2005، وقد تولى الإخوان المسلمون إدارة مسجد فينسبيري بارك تحت رعاية الحكومة البريطانية. ومن بين هذه المنظمات أيضا اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا (UCOII)وهو الممثل الرسمي للإخوان المسلمين في إيطاليا، وقد تأسس عام 1990، ويديره محمد نور داشان السوري الأصل، ويضم الاتحاد ما يقرب من مئة وثلاثين جمعية، ويتحكم في ثمانين بالمائة تقريبا من المساجد في إيطاليا، كما يمتلك الاتحاد فرعا ثقافيا وفرعا نسائيا وآخر شبابيا. ونقل الباحث عن السيد احمد الخطيب المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية لسبوتنيك إن تجربه نزوح جماعات الإخوان إلى الدول الأوروبية ليست هي الأولى من نوعها بل سبقتها تجارب عده بدأت في حقبه الستينيات، وبدا من خلالها التوغل في الدول الأوروبية ونشر أفكارهم ومعتقداتهم من خلال إقامة مراكز إسلامية، ومحاوله خلق مجتمع مواز والتحالف مع الجماعات الإرهابية الأخرى كتنظيم داعش لنشر الأفكار المتطرفة في هذه الدول ومحاولة خلخلة التماسك المجتمعي لهذه الدول . ولفت الباحث إلى ان اعضاء الجماعة يعقدون عدد من الاجتماعات والمؤتمرات في اوروبا، حيث يعقد سنويا ملتقى اتحاد المنظمات الإسلامية، الذي يعتبر واجهة للإخوان المسلمين في فرنسا، و يجذب حوالي 170 ألف زائر، وتنظم في هذا الملتقى ندوات سياسية ودينية، ويجتذب هذا الحدث السنوي التقليدي عشرات الآلاف من النساء والرجال ليسوا بالضرورة أعضاء في تيار الإخوان. ويعتبر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا مسجل على قائمة الجماعات الإرهابية ، وحذر رئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس من السلفيين الذين يتخذون من الاتحاد ذريعة للتأثير على شباب الأحياء الشعبية. كما عقد عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين فى يوليو 2017، اجتماعا بأحد المعسكرات التابعة للجماعة، في العاصمة التركية أنقرة، جمع بين محمود حسين، أمين عام جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد حكمت وليد، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بسوريا، وعدد آخر من القيادات الإخوانية، وذلك لبحث نقل عدد من عناصر الجماعة من قطر إلى تركيا. وذكرت المصادر أن الاجتماع شهد تشديدا، على بدء خطة نقل هذه العناصر في أقرب وقت، على أن تمنح الأولوية للقيادات الأكثر خطورة، والمدانة في عدد من القضايا والمحكوم عليهم فى بلدانهم بالإعدام. ولخطورة هذه الاجتماعات ألغت الحكومة الفرنسية عدة محاضرات لهاني رمضان في مدن فرنسية خلال عام 2017 ، وقالت وزارة الداخلية في بيان، إن رمضان وهو ابن سعيد رمضان، ووفاء البنا ابنة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأوقفته السلطات الفرنسية في كولمار (شرق فرنسا) لمناسبة مؤتمر كان يشارك فيه، ورافقته الشرطة إلى الحدود الفرنسية السويسرية". وأشار وزير الداخلية الفرنسى ماتياس فيكل إلى أن وزارة الداخلية وقوات الأمن مستنفرة بالكامل، وستواصل الكفاح بلا هوادة ضد التطرف والتشدد. كما نقل الباحث عن دراسة لمركز الأهرام للدراسات أعدها الباحث الدكتور طارق دحروج جاء فيها أن الحكومة القطرية استحدثت آليات جديدة لتمويل مسلمى أوروبا خارج الإطار المؤسسى الإخوانى المعتاد، فى إطار محاولة الابتعاد عن الصورة النمطية لقطر بتمويل الإسلام السياسي، من خلال استحداث صندوق ANELD بإجمالى مائة مليون يورو بالتنسيق مع الحكومة الفرنسية، لتمويل مشروعات ريادة الأعمال للمسلمين بضواحى باريس الأكثر تهميشا وكثافة مغاربية من أبناء المهاجرين من الجيلين الثاني والثالث والتي يوجد فيها التيار الإخواني والسلفي. وفقا للباحث حظى اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا والجمعيات التابعة له على مدى السنوات العشر الماضية بتمويل تقليدى متنوع المصادر. وقامت حكومة قطر بتقديم 11 مليون يورو للاتحاد، وقدمت مؤسسة قطر الخيرية 2 مليون يورو، وقدم فيه رجال أعمال قطريون مبلغ 5 ملايين يورو للاتحاد. ولفت الباحث إلى أن الغرب حظر جماعة الإخوان المسلمين لثلاثة أسباب أولها أن جماعة الإخوان المسلمين هي المصدر الرئيسي للأيديولوجية المتطرفة المستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية ، حيث أن كثيرين من كبار قادة تنظيم القاعدة، لا سيما أيمن الظواهري، ثم بعض قادة تنظيم داعش في مدينة الرقة السورية هم من الأعضاء السابقين في جماعة الإخوان المسلمين. والسبب الثاني هو أن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين مفعم بكثير من أعمال العنف والإرهاب، بما في ذلك حوادث الاغتيالات السياسية، ثم في الآونة الأخيرة، العمليات المناهضة للدولة في مصر. ويقول وزير الدولة البريطاني لشئون الشرق الأوسط أليستر بيرت، أن لندن ستفرض رقابة مشددة على سلوك تنظيم الإخوان، وقال إن الجماعة أخفت أجندتها المتطرفة في مصر. وأكد بيرت في مقال له إنه رغم عدم استيفاء الأدلة للحد الذي يفضي إلى حظر التنظيم، فإنه سيتم فرض رقابة مشددة على سلوك الإخوان وأنشطتهم بما في ذلك طلبات استخراج التأشيرات لهم ومصادر تمويل الجمعيات الخيرية وعلاقات التنظيم الدولية. والسبب الثالث هو أن دول أوربا والغرب أدركوا وبشكل متأخر خطورة التهديدات التي يشكلها تواجد تنظيم الإخوان داخل مجتمعاتها وتأخذها على محمل الجد، حيث يهدف إلى خلق كيان اجتماعي مواز للتنافس مع بقية أركان المجتمع الأوروبي ومبادئ وقيم مواطنيه ، وهذه المحاولات والمساعي باتت تشكل تحديا طويل الأمد بالنسبة لمسألة التماسك الاجتماعي في أوروبا.