تتوالى الأزمات وتتساقط يومًا بعد يوم على رأس الديكتاتور التركي، رجب طيب أردوغان، وذلك لممارسته سياسة خلق المشكلات مع الدول الأخرى، فأصبحت هناك أزمة في كل ملف تكون تركيا طرفا فيه مع أي دولة أخرى سواء عربية أو أوروبية. وتجلت علاقات تركيا الخارجية المتدهورة بشكل واضح في سجل التقرير السنوي الذي يعده الاتحاد الأوروبي لتقييم جهود أنقرة للانضمام إليه، حيث أوضح التقرير أن هناك تراجعًا حادًا في الاقتصاد التركي وانخفاضًا كبيرًا في مستوى حرية التعبير، وتدهورا كبيرا في العلاقات الخارجية التركية. وكانت تركيا قد تعرضت للانتكاسة نفسها في العام الماضي، حين اتهم تقرير الاتحاد الأوروبي أنقرة بعدم الإيفاء بمعايير دخول الاتحاد داخليًا وخارجيًا. ويبرز الفشل التركي في تلبية شروط الاتحاد الأوروبي للتقدم في محادثات الانضمام، أمرًا يكتسب أهمية اليوم أكثر من أي وقت مضى، فبعدما قطعت تركيا حبال الوصل مع دول عديدة في المشرق العربي بالإضافة إلى توتر متزايد مع الولاياتالمتحدة، فإن خسارة فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يضع أنقرة فيما يشبه بالعزلة أو وضع الدول المنبوذة. وتشهد العلاقات بين تركياوالولاياتالمتحدة انهيارًا شديدًا، وليس من الوضح ما إذا كانت ستعود هذه العلاقة إلى طبيعتها، رغم أن الدولتين قد حظيتا بشراكة تاريخية طويلة إلا أن تصرفات أنقرة في الآونة الأخيرة قد أحدثت شرخًا في صميم تحالفهما. وتتحدى تركياالولاياتالمتحدة بشراء أسلحة روسية الصنع، بعدما ألقت اللوم أيضًا على فتح الله جولن، المقيم في أمريكا، بتدبير انقلاب ضد الحكومة التركية، وذلك رغم عدم وجود دليل يدعم هذا الإدعاء. ونما الخلاف مع جولن خلال ممارسة البيت الأبيض الضغوط من أجل إطلاق سراح القس أندرو برونسون، من السجن التركي في عام 2018، واتهمت أنقرة برونسون بارتكاب جرائم بلا براهين، وادعت أنه متورط في الإرهاب، واستغل ترامب بشكل شخصي مسألة إطلاق سراح برونسون، لدرجة أنه فرض رسوما جمركية على تركيا في أغسطس الماضي حتى يضمن إطلاق سراح القس. ولقد كانت تلك خطوة كبيرة، خصوصا أن تركيا تعد خامس أكبر سوق تصدير لأمريكا، وتسببت العقوبات بإلحاق الأذى بشدة باقتصاد أنقرة لدرجة أن عملتها "الليرة" قد هبطت إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار الأمريكي. وكان الصراع الأخير والأكبر الذي تسبب باضطراب العلاقات بين واشنطنوأنقرة يدور حول شراء تركيا لمنظومة إس-400 الصاروخية المضادة للطائرات من روسيا. وسعت الحكومة التركية جاهدة للحصول على تلك المنظومة الروسية لسنوات عدة، لأنها تغطي واحدة من أكبر الثغرات الدفاعية في البلاد، وستجعلها أفضل بكثير فيما يتعلق بإسقاط الطائرات التي تهدد أراضيها. وافترضت الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية في ظل أنهم دول متحالفة، أن تركيا ستشتري المنظومة من أي دولة منها، وقالوا إنه وبعد كل شيء، فإن المنظومة الأمريكية أو الأوروبية من شأنها أن تعمل بصورة أكثر توافقية مع أكبر جيوش الناتو لأنهم يستخدمون برامج ورادارات وحتى قوات مماثلة من أجل توفير عمليات الصيانة، إلا أن تركيا اتجهت إلى مكان آخر، تجاه الصينوروسيا. ورغم ذلك وافقت تركيا على شراء منظومة الصواريخ الروسية إس-400 في عام 2017 مقابل 2.5 مليار دولار. وصرحت حينها إدارة ترامب بأنها غير راضية عن هذا على الإطلاق، وقد أخبر قائد الجيش الأمريكي وقائد الناتو كورتيس سكاباروتي، مجلس الشيوخ بحجم عدم الرضا هذا، مشيرًا إلى أنه عند قيام تركيا بتركيب تلك المنظومة الروسية ستفرض الولاياتالمتحدة مزيدًا من العقوبات على تركيا، ومشروع قانون تحت اسم "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" يطلب من الولاياتالمتحدة فرض عقوبات على من يتعاملون مع قطاع الدفاع الروسي. وقال أعضاء مجلس الشيوخ: "إن تلك العقوبات ستضر باقتصاد تركيا بشدة، وتزعزع الأسواق الدولية، وتخيف الاستثمار الأجنبي المباشر، وتشلُّ صناعة الفضاء والدفاع في تركيا". وبينما أعلن أردوغان أن بلاده لن تنسحب من الإتفاق الذي أبرمته مع روسيا، بدأت الولاياتالمتحدة في اتخاذ خطوات فعلية ضد تركيا، وصدرت توجيهات من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بطرد الطياريين وكل العسكريين والمتدربين الأتراك بحلول 31 من يوليو المقبل. كما حث الكونجرس إدارة الرئيس ترامب، على فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على تركيا والضغط على الشركاء في الاتحاد الأوروبي من أجل فرض قيود على العمليات التجارية والاستثمارية مع الأتراك. وأفادت سائل إعلام أمريكية، في وقت سابق، بأن البنتاجون سيعلن رسميًا إلغاء برنامج المقاتلات إف-35 مع تركيا، وإعادة الطيارين الأتراك إلى بلدهم. ويتدرب أربعة طيارين أتراك حاليًا في قاعدة "لوك" الجوية في أريزونا، إضافة إلى طيارين تركيين في القاعدة يقومان بالتدريس، فيما يتلقى 20 تركيا من العاملين في صيانة الطائرات التدريب في القاعدة. وتسبب أيضًا خطاب أردوغان خلال الانتخابات المحلية في أنقرة، بإثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة بين قاعدة مؤيديه طوال الحملة الانتخابية، ومنذ فترة طويلة، كان هناك شعور مناهض للولايات المتحدة داخل الحكومة التركية والشعب، ويعود السبب في جزء منه إلى نظريات المؤامرة المتفشية بأن أمريكا تتآمر سرًا من أجل سحق تركيا، إلى جانب سياسات واشنطن في الشرق الأوسط. ولكن لا يعتبر ما حدث في علاقتهما الآخذة في الانهيار مفاجئة، فرغم كونهما حلفاء في الناتو لمدة سبعة عقود، إلا أن الولاياتالمتحدةوتركيا غالبًا ما اختلفتا بشأن السياسية الخارجية حتى في الحكومات العلمانية والعسكرية التركية السابقة، خصوصًا تجاه الشرق الأوسط. وفي السنوات الماضية، تنازعت الولاياتالمتحدةوتركيا حول الأكراد، وهي مجموعة عرقية شرق أوسطية، لكن الصراع في سوريا أظهر أن الخلاف مستمر ولا يزال مميت. وهناك تصعيد آخر ستقوم به الولاياتالمتحدة في المرحلة المقبلة، وهو التهديد بخروج تركيا من حلف شمال الأطلسي "الناتو" وانتهاء الشراكة الدفاعية بينهما. وجاء ذلك خاصًة بعد أن تناولت وسائل الإعلام الحديث عن العلاقات المتدهورة بين حلف شمال الأطلسي "ناتو" وتركيا، لافتة إلى أن إصرار أنقرة على اقتناء منظومة "إس 400" الدفاعية الروسية يعد الضربة الأكبر والأكثر تأثيرًا بين الطرفين. وقالت صحيفة "دي تسايت" الألمانية، "إن هناك حالة من عدم الاستقرار تخيم على العلاقات بين تركيا التي تعاني من استبداد سياسي، والدول الأعضاء في حلف الناتو في الوقت الحالي، إذا كان لديك شيء لتقوله في هذا الأمر، فإنك ستكتفي بالقول إن هناك شيئًا كسر في أساس العلاقات بين الطرفين، خاصة بين الولاياتالمتحدةوتركيا". وأضافت: "بدأ الأمر بالخلاف بين الناتو وتركيا حول الأزمة في سوريا ودعم الأكراد في قتال تنظيم داعش، ثم رفض الولاياتالمتحدة مساعي تركيا غير المؤسسة قانونًا لاستعادة الداعية فتح الله جولن، الذي يتخذ من بنسلفانيا في الولاياتالمتحدة مقرًا له". وتتخوف دول الناتو من أن نشر منظومة إس 400 في تركيا وأنظمة الرادار المرافقة لها، سيمنح روسيا رؤية عامة عن منظومة الحلف الدفاعية، وبيانات عن مقاتلات إف 35 الأمريكية. ومن الناحية السياسية، لم يتبق بالفعل مساحات كبيرة من التعاون بين تركيا ودول حلف الناتو الأخرى، فقبل عامين، أنهى الجيش الألماني تواجد قواته ومقاتلاته في تركيا، ونقلهما للأردن، كما يفضل أعضاء آخرون في الناتو التعاون مع شركاء عرب بدلًا من النظام التركي. ووصف الرئيس التركي قبل ذلك خطوة ألمانية بإلغاء تجمعات سياسية لأتراك مقيمين فيها بأنها لا تختلف عن تصرفات الحقبة النازية، قائلًا أمام حشد من أنصاره في اسطنبول: "يا ألمانيا لا صلة لك من قريب ولا من بعيد بالديمقراطية، ويجب أن تعلمي أن التصرفات الحالية لا تختلف عن تصرفات الحقبة النازية، وعندما نقول ذلك ينزعجون، لماذا تنزعجون؟". وقال كرم سعيد، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لعبت دورًا كبيرًا لتخفيف شكوك شركائها الأوروبيين بشأن سجل حقوق الإنسان في تركيا، وقالت إن قرار الاتحاد بتعليق مفاوضاته مع تركيا استشاري وغير ملزم، لكن التطورات الأخيرة تعكس تسارعا كبيرا في تدهور العلاقات الألمانية التركية. وعلى خلفية الأزمة التركية الألمانية، دعا المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، إلى فرض حظر يشمل الاتحاد الأوروبي كله على ظهور الساسة الأتراك في حملات سياسية، لتفادي تعرض دول الاتحاد لضغوط من تركيا مثل التي تمارسها ضد ألمانيا. كما دعا المستشار النمساوي الاتحاد الأوروبي إلى وقف المباحثات مع تركيا بشأن انضمامها إلى الاتحاد، وإلغاء أو فرض قيود على مساعدات من المزمع تقديمها لتركيا حتى عام 2020 ويبلغ حجمها 4.5 مليار يورو. وفي شرق البحر المتوسط، يشعل أردوغان صراعًا مع جيرانه الأعضاء في حلف "الناتو" مثل اليونان، حول احتياطات الغاز في المنطقة، رغم أن بلاده لا تملك أي حق فيها وفق القانون الدولي. وعند النظر إلى علاقة تركيا بدولة عربية عريقة مثل المملكة السعودية، نجدها علاقة سيئة ومتدهورة بشكل لافت، خاصة بعد أن أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى تركيا باعتبارها جزءًا من "مثلث الشر" إلى جانب إيران والمتطرفين الإسلاميين. وقال بن سلمان، إنه يوجد ثالوث من الشر، يضم تركياوإيران والجماعات الإرهابية، كما أوضح أن تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة، بينما تريد إيران تصدير الثورة، والجماعات الإرهابية التي تحاصرها الدول العربية. وتستمر الخصومة الإقليمية بين تركيا والمملكة العربية السعودية، نظرًا لأن السعوديين كان لديهم مشكلات عديدة مع الاستعمار العثماني على مدى قرون، لاسيما مع سيطرة الأتراك على الأماكن المقدسة الإسلامية، بما في ذلك مكة. ويثير النفوذ العسكري المتزايد لأنقرة مخاوف السعودية، حيث إن تركيا لديها الآن ثلاث قواعد عسكرية في المنطقة، في قطر والصومال وقاعدة بحرية محتملة في السودان، مقابل المملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر. وبالإضافة إلى ذلك، عملت تركيا بشكل مختلف في الأزمة ما بين قطر والسعودية وحلفائها، بحيث وقفت تركيا إلى صف قطر وتحالفت معها، وأرسلت 300 جنديا تركيا إلى قطر، كنوع من الضغط على السعودية والدول الأربعة. كما تقربت تركيا من إيران وتتعاون معها في سوريا، وهذه السياسة غير متفق عليها في السعودية. ومن جانب آخر، تشهد العلاقة بين تركياوالصين توترًا ملحوظ، حيث حذر السفير الصيني في أنقرةتركيا من المخاطرة بتقويض العلاقات الاقتصادية مع بكين، إذا استمرت تركيا في انتقاد معاملة السلطات الصينية للأويغور المسلمين. وتنفي الصين اتهامات تركيا بإساءة معاملة الأويغور وتعتبر انتقادها في الأممالمتحدة تدخلًا في شئونها السيادية، وتقول إن المعسكرات منشآت لإعادة التعليم والتدريب، وجاء تحذير السفير دينج لي، في الوقت الذي كانت تتطلع فيه الشركات الصينية للاستثمار في مشروعات الطاقة والبنية الأساسية الكبرى في تركيا. ولم تشهد العلاقة بين تركياوالصين ازدهارًا حتى سبعينات القرن العشرين نتيجة للتقارب بين أنقرةوواشنطن، لكنها تعمقت في التسعينات عندما عمدت الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى تقييد مبيعات الأسلحة إلى تركيا بسبب القضية الكردية، ما دفع بأنقرة إلى البحث عن جهات بديلة لتزويدها بالسلاح.