طفح الكيل بالشعب التركي من استبداد نظام الرئيس الديكتاتوري رجب طيب أردوغان، وبدأوا في الإستغاثة حتى يصل صوتهم إلى المنظمات العالمية لإنقاذهم مما يتعرضون له من ظلم وعذاب على يد النظام الحاكم، فمنذ أن وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة كما سمتها الحكومة التركية في يوليو عام 2016، أصبح المواطنون في ذعر دائم تأوي السجون معظمهم والآخرون يصمتون خوفًا من الإعتقال. ومنذ عام 2016 وحتى الآن تواصل السلطات التركية تصعيد حملاتها بين الحين والآخر، لاعتقال الآلاف من قطاعات مختلفة داخل البلاد بدعوى تورطهم في محاولة الانقلاب أو لصلتهم بحركة فتح الله جولن، المعارض لأردوغان المتهم في تدبير الانقلاب والمقيم حاليًا في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكشفت أرقام رسمية تركية ومنظمات حقوقية دولية، عن عدد المعتقلين في السجون التركية، جراء الحملة التي شنتها الحكومة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، وهو تجاوز الربع مليون شخص. وقالت وزارة العدل التركية، إن حوالي 260.144 شخص معتقلون في مختلف أنحاء البلاد، مشيرة إلى أن السجون التركية تشهد اكتظاظًا كبيرًا، حيث إن هناك حمولة زائدة تقدر بعشرات الآلاف من النزلاء، مما يؤدي إلى تقلص المساحة المخصصة لكل سجين، كما أصبحت تركيا ثالث أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السجناء مقارنة بالسكان. ومع الاعتراف الرسمي في تركيا باكتظاظ السجون بالمعتقلين، أعلنت المديرية العامة للسجون ومراكز الاحتجاز التابعة لوزارة العدل التركية، أنه تم التخطيط لبناء 193 سجنًا جديدًا خلال خمسة سنوات. وذكرت المديرية العامة للسجون، في السابع عشر من ديسمبر عام 2018، أن عدد السجون في تركيا بلغ 389 سجنًا بطاقة استيعابية تبلغ 211 ألفًا و838 سجينًا، وفقًا لما نشرته صحيفة "حرييت" التركية. ويحذر ناشطون ومنظمات مدنية دولية ومحلية من الأوضاع الصحية المتدهورة للسجناء فى السجون التركية المكتظة بالمعتقلين، لا سيما خلال العامين الماضيين، فى أعقاب بدء الحملات الأمنية، لافتين إلى أنه منذ صيف 2016 لقى عدد كبير من السجناء مصرعهم في ظروف غامضة، بعد تعرضهم لسوء المعاملة أو من جراء عمليات تعذيب وحشية ارتكبت فى حقهم. وفي تقرير بعنوان "حالات وفاة مريبة وانتحار في تركيا"، ألقى مركز "ستوكهولم للحريات" الضوء على تنامى أعداد الوفيات الغامضة فى السجون ومراكز الاحتجاز التركية، بسبب عمليات التعذيب الممنهج. وقال المركز، إن 120 حالة وفاة وانتحار مشبوهة على الأقل سجلت بين المعتقلين في تركيا خلال العامين الأخيرين، إذ صنفت السلطات التركية تلك الحالات على أنها انتحار. وتصنف الجهات التركية تلك الحالات على أنها "انتحار"، دون أن تتكلف عناء إجراء تحقيقات مستقلة في تلك الحالات، إلا أن حالات الوفاة الشبيهة بالقتل لم تقتصر على زنازين داخل السجون، وإنما ضمت أيضًا حالات سجلت خارج أسوارها بسبب الضغوط النفسية والتهديدات التي تمارسها سلطات أردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" بحق المعارضين قبل اعتقالهم أو عقب الإفراج عنهم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الشاب الفلسطيني الذي كان معتقلًا لدى تركيا، زكي يوسف مبارك، الذي ادعت السلطات التركية انتحاره شنقًا دون أن تقدم مزيدًا من التفاصيل عن كيفية تمكنه من شنق نفسه داخل الزنزانة، بعد أيام من اتهامه بالتجسس بدون أي دليل. وشجبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوربا قيام الأمن التركي بتعذيب يوسف حتى الموت، عقب اتهامه بالتجسس دون أي أدلة قدمتها السلطات التركية التي غطت على جريمتها بالقول إنها وجدته منتحرًا. وطالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا، بإرسال لجنة لفحص جثة المعتقل وعدم السماح للسلطات التركية بإخفاء جريمتها ودفن الجثة بدون إجراء تشريح محايد من قبل الأممالمتحدة. وفي حادثة أخرى من أحدث حالات الوفاة التي سجلت داخل السجون التركية، فارق المدرس المفصول من عمله "مظفر أوزينجز" الحياة بأحد معتقلات مقاطعة "تشوريم"، بعد إصابته بأزمة قلبية، علمًا أنه أمضى آخر 14 شهرًا من فترة سجنه في حبس انفرادي. ونقل موقع "مركز ستوكهولم للحريات" عن أقارب أوزينجز، أنه كان يعاني ارتفاعًا في ضغط الدم والسكر. وتعليقًا على وفاة أوزينجز، غرد الناشط في مجال حقوق الإنسان نائب حزب الشعوب الديمقراطي أوغلو، على حسابه في "تويتر"، أن تحليل أوزينجز الطبي بتاريخ 10 أبريل، كان مقلقًا، لدرجة أنه كان يجب أن يبقى المستشفى، إلا أنه أعيد إلى الحبس الانفرادي بدلًا من ذلك. وبالإضافة إلى ذلك سجلت سجون تركيا حالات وفاة كثيرة مشبوهة، مثل الأكاديمي التركي المتقاعد صبري كولاك، الذي حكم عليه بالسجن 7 سنوات ونصف بسبب صلات مزعومة بحركة جولن، حيث توفي بسجن مشدد الحراسة في إقليم "فان"، بسبب أزمة قلبية. وحذرت النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي، عائشة باشاران، من أنه إذا استمرت الحكومة التركية في ممارساتها الحالية، فإن 1154 سجينًا مريضًا، بما في ذلك أكثر من 402 سجينًا في حالة خطرة، قد يتعرضون للموت. وسلط مركز "ستوكهولم للحريات" الضوء أيضًا على عدد من التجاوزات غير القانونية، التي يعاني منها السجناء في تركيا، من بينها منعهم من إجراء أي نوع من الاتصال مع أسرهم أو أصدقائهم أو محاميهم. وقال تقرير المركز: "لمدة 565 يوماً، منعت السلطات التركية الأعضاء المشتبه في انتمائهم إلى حركة جولن، من إجراء الاتصالات بمختلف أشكالها، بما فيها الرسائل البريدية"، مضيفًا أنه تم تسجيل هذه المعطيات في سجن سيليفري بمدينة إسطنبول. وأشار المركز إلى أن كبير المدعين العامين في إسطنبول أمر إدارة السجن يوم 12 أغسطس 2016 بحظر قنوات الاتصال، بما فيها رسائل البريد والفاكس بين أعضاء حركة جولن وأفراد أسرهم وأصدقائهم ومحاميهم، وهو ما دفع العشرات من السجناء إلى تقديم شكاوى يرفضون فيها هذا الإجراء، الذي وصفوه ب"غير القانوني". ولم تقتصر الممارسات الوحشية واللا إنسانية التي ترتكبها السلطات التركية بحق السجناء على الكبار فقط، حيث أعلنت جمعية حقوق الإنسان التركية في تقريرها لعام 2018، أن السجون التركية تضم 743 طفلًا بجانب أمهاتهم، فيما اعتبر تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن وجود معتقلات قبل الوضع بفترة قصيرة أو بعده مثير للقلق. وفي نوفمبر الماضي، تسلمت زليخة محمد عقيل، المعتقلة في السجون التركية، طفلتها دجلة البالغة من العمر عامين لتكمل حياتها داخل السجن، بعد أن فارقتها عدة أشهر حيث لم ينجح جدها في توفير مكان لها بجانب سجن أمها. وبحسب صحيفة "زمان" التركية، اعتقلت زليخة محمد عقيل، وزوجها محمد عقيل كاراداش، في نوفمبر2017، بتهمة عمل دعاية ودعم لتنظيم حزب العمال الكردستاني والانتماء له، ودخلت الأم مع طفلتها إلى السجن بينما لم تتجاوز عامها الأول. وفي الوقت الذى تتواصل فيه الانتقادات الدولية والحقوقية لاستمرار أنقرة تصعيد حملاتها لاعتقال الآلاف في تركيا، تواصل السلطات التركية من جهتها حملاتها، دون الالتفات إلى الانتقادات. وانتقدت دول غربية والاتحاد الأوروبي، الإجراءات السياسية والقانونية التي اتخذتها الحكومة التركية ضد معارضيها عقب محاولة الانقلاب، وحثتها على احترام مبادئ الديموقراطية وسيادة القانون. وقالت منظمة العفو الدولية ومنظمة "صحافيون بلا حدود"، و8 جماعات تركية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان مشترك، "إن حملة القمع المتصاعدة وتجريم جمعيات المجتمع المدني في تركيا يجب أن تنتهي"، وهو ما تزامن مع إعلان الممثلة للشئون الخارجية والسياسات الأمنية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، إن اتهام سجناء أتراك دون أدلة يطرح تساؤلات بشأن احترام القضاء التركي المعايير الدولية والأوروبية. وقالت موجيريني: "إن الأحكام المتواصلة ضد الصحفيين والإعلاميين في تركيا تناقض مبادئ حرية التعبير والإعلام، التي هي حجر أساس أي مجتمع ديموقراطي". وحسب تقرير عام 2018، للجنة حماية الصحفيين من مقرها في نيويورك، والصادر أواخر ديسمبر الماضي، فإن تركيا تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث سجن الصحفيين والإعلاميين، وذلك بواقع أكثر من 68 صحفيًا، من بين 251 صحفيًا معتقلين حول العالم. ووقعت تركيا على المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي عضو في مجلس أوروبا، إلا أن ما تقوم به تجاه الصحفيين والمعارضين، يعد من وجهة نظر المؤسسات الأوروبية انتهاكًا للمعاهدة.