مازالت أزمة شائعات مؤامرة عزل البابا تواضروس الثاني التي روّجها البعض خلال الأيام الماضية تلقي بظلالها علي الساحة القبطية، ففي الوقت الذي انتفض فيه كهنة وشعب الكنيسة للتضامن مع البطريرك وإطلاق حملات تحت عنوان "شعبك بيحبك" للرد علي هذه المخططات، كان البابا تواضروس يتعامل مع هذا الملف بطريقة أخرى أثبتت ثباته الانفعالي واتزانه النفسي في مواجهة المشكلات التي يواجهها وهذا ما ظهر عبر الرسائل غير المباشرة التي وجهها لمعارضيه في عظاته الأخيرة. وكان البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية قد حرص في عظته الأسبوع الماضي بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون خلال سيامته ل 15 كاهنًا جديدًا بكنائس الإسكندرية، علي توجيه رسائل غير مباشرة للرد علي أزمة الشائعات الأخيرة وذلك من خلال تركيزه علي خمس كلمات هي "الاتضاع" و"الافتقاد" و"التحمل" و"الدراسة" و"الفرح"، والتي حملت الكثير من الرسائل التي وجهها البابا إلى الكهنة الجُدد والحضور من الأقباط. وقال البابا تواضروس الثاني فيما يتعلق بالاتضاع، إنه عندما يعطينا الله أي نعمة نستقبلها بالاتضاع وهي ليست كلمة بل حياة، موضحًا أن الإنسان يستطيع أن يقاوم ذاته وتسلطه، وأن الاتضاع هو رداء النفس، فإذا كان الجسد يحتاج رداء، فالنفس تحتاج رداء.. مضيفاً: "كن دائماً متواضعاً.. الاتضاع يعطيك ويجعل الله يعطيك نعم أكثر". وعن الكلمة الثانية "الافتقاد"، شرح أن الكنيسة القبطية تقوم علي افتقاد الكاهن في كل بيت لرعيته، موجهًا حديثه للكهنة: "معظمكم شباب والشباب طاقة تستغل في الافتقاد وهو يكون من خلال الأبوة.. ولقب أبونا غالي يجب أن تشعر بأنك أب بالحقيقة". وعلى صعيد الاحتمال، قال البابا، إنه يجب احتمال الخطايا التي يسمعها والمشاقات التي تبذل في الخدمة، والابتعاد عن الشكوى، مبينًا أن الإنسان الذي يحتمل يعلم أن اللهو هو الذي يحمل عنه كل أتعاب الشرور التي يواجهها. وتابع: "كل آلامك القيها في بحر الصلاة فتجد راحة، فليست لنا راحة إلا وقت الصلاة..فغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله". وعلى صعيد الدراسة، نصح البابا الكهنة الجدد أن يتعلموا ويصيروا تلاميذًا على الدوام، موضحًا أن الكاهن لابد أن يكون خزانة معرفة. وخصص البابا جزء من الحديث عن الدراسة، للإشارة إلى اتهامه بتحريف الإيمان الأرثوذوكسي، بشكل غير مباشر، حيث قال: "الإيمانيات والعقائد والطقوس ثابتة ولكن أنت في القرن الحادي والعشرين يجب أن تتعلم بأساليب معرفة مناسبة للعصر". ونصح البابا، الكهنة الجدد بالفرح، قائلًا: "كن إنسان ناقلًا للفرح للآخرين، مبينًا أن الخمس كلمات التي شرحها مثابة وصايا استودعها في قلوب وعقول الذين يتقدمون للكهنوت". هذه الحكمة والذكاء التي ظهرت في رسائل البابا السابقة في مواجهة المشكلات ليست جديدة عليه ففي 2015 وقت تفجير مخطط بعض الأساقفة لعزل البابا، وجه أحد الصحفيين سؤالاً للبابا تواضروس في أحد اللقاءات حول حقيقة المؤامرة ضده داخل أسوار الكنيسة، إلا أن البابا خرج من مأزق السؤال الحرج بإجابة تنفي المؤامرة وتؤكدها، حيث رفض بشكل قاطع مصطلح "المؤامرة داخل الكنيسة" - القاموس الكنسي ينبذ المصطلحات السياسية - لكن النفي لم يستمر طويلًا، فحكى موقفًا له مع ناشط قبطي مظهره الأنيق لا يتناسب مع مستواه المادي والاجتماعي، وختم قصته "افهموا إنتو بقي منين جاب الفلوس ده، في ناس هدفها مش كويس". من جانبهم أكد عدد من النشطاء والرموز القبطية، أن البابا تواضروس رجل من طراز فريد ويتمتع بعقل وقلب كبيرين يجعلاه قادراً علي مواجهة الأزمات بقوة وبثبات. وقال هاني الجزيري مدير مركز المليون لحقوق الإنسان، إن البابا تواضروس الثانى جاء بعد البابا شنودة الثالث والذى رأس الكنيسة مدة تجاوزت الأربعين عاماً مما جعله أيقونة هذا الجيل والذى جعل محاضرته يوم الأربعاء قبلة لكل مثقف وباحث وطالب علم وهذا الأمر صعّب المهمة على من جاء بعده.. موضحاً أن هذا الوضع قابله البابا شنودة أيضاً أثناء توليه المهمة بعد نياحة البابا كيرلس . واستطرد: قداسة البابا تواضروس له شخصيته وطبيعته الخاصة المختلفة عن سابقيه فأصبح يحمل "كاريزما" خاصة ومنفردة خاصة أنه استلم المهمة فى وقت تمر البلاد فيه بظروف صعبة وقاسية جداً ولكنه لم يتوقف عند حد معين فبدأ مسيرة إصلاح قوية داخل الكنيسة ، فقسم الإيبارشيات الكبيرة ورسم أساقفة جدد وكان منصفاً حينما وضع عدداً كبيراً من الأساقفة فى ملف الأحوال الشخصية فى داخل مصر وخارجها مما سهل المهمة لحل مشاكل المتضررين. وأضاف: كان البابا "فذاً" حينما ذهب إلى الكنائس ليلقى محاضرته بدلاً من أن ينتقل الناس إليه فأصبحت مناسبة أن يزور البابا الكنائس فى ربوع الوطن ويتفقدها بصفة دورية.. كما أن وطنيته وغيرته على بلده ظهرت حينما تحمل كل بذاءات الإخوان وحقدهم على مصر وقال "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن" وهى جمله فى طياتها معانى لا يستطيع أن يستوعبها الشخص العادي. وأكد الجزيري أن خطوات البابا الإصلاحية واجهها البعض بإطلاق حرب الشائعات ضده لعرقلة مسيرته والنيل من عزيمته، مشيراً إلي أن البابا خيّب ظنهم وجعل من هذه المخططات مصدر قوة لاستكمال خطواته الإصلاحية. واستنكر الكاتب السياسي والإعلامي جرجس بشرى مطالب بعض ما وصفهم ب" المرتزقة " لعزل البابا تواضروس الثاني، مؤكداً أن البابا البطريرك لا يمكن عزله إلا إذا خرج عن التعاليم الأرثوذوكسية والعقيدة أو إذا انحرف أخلاقياً. وقال إن البابا تواضروس رجل إصلاح من طراز فريد وهناك كثيرين لا يروقهم الإصلاح الإداري بالكنيسة لأنه يتعارض مع مصالحهم، موضحاً أن سيناريو عزل البابا تكرر أكثر من مرة منذ توليه منصب البطريرك في 2012 من قبل بعض التيارات المتشددة التي كانت تحرك مرتزقة من الأقباط بسبب الدور الوطني للكنيسة والبابا في دعم الجيش والشرطة والرئيس السيسي وثورة 30 يونيو 2013. وناشد بشرى الدولة المصرية بأن تلاحق وبقوة القانون كل من يطالب بعزل البطريرك، مؤكداً أن الهدف من هذه الحملات المشبوهة هو إضعاف الكنيسة المصرية كأحد وأهم أدوات القوة الناعمة لدعم الدولة الوطنية. وأشار بشرى إلي أن البابا تواضروس يقود مسيرة الإصلاح داخل الكنيسة ولا يبال بهذه السخافات- علي حد تعبيره. وفي ذات السياق، قال أمير سمير وكيل لجنة تطوير التعليم بمنظمة حلف مصر لحقوق الإنسان، البطريرك هو رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ورئيس أكبر طائفة فى الشرق الأوسط والحديث حول عزله يتطلب أسباباً قوية مثل تحريفه للإيمان أو نقله أخطاء في العقيدة تؤدى إلى الهرطقات مما يؤدى الى انقسام الكنيسة. وتابع: منذ جلوس البابا تواضروس الثانى وهناك من يحيكون ضده العقبات وتصدير المشاكل أمامه فضلاً عن ظلمه بوضعه في مقارنة مستمرة مع البابا شنودة الراحل ما يترتب عليه ضغوط جبارة على كاهله لا يتحملها أي شخص عادي.. مشدداً على أن البابا تواضروس من الشخصيات الصلبة القوية ولهذا نجح في تخطي كثير من المشكلات والعقبات التي واجهته منذ اعتلائه الكرسي البابوي. وأضاف أن البابا لم يلتفت لأي مخطط أو محاولة لتشويه صورته من قبل معارضيه وقرر أن يواجه كل هذا بالعمل والخدمة وترتيب البيت من الداخل وبدأ بحياة الرهبنة ورسامة بعض الأساقفة والكهنة أصحاب الفكر المستنير.. مشيراً إلي أن ما يحدث الآن علي الساحة القبطية هو ظهور جديد ل"يهوذا" الخائن ومجموعة من طيور الظلام التي تسعي إلي هدم الكنيسة وتقسيمها. وقال: "سيظل البابا تواضروس على كرسي مار مرقص بطريرك الكرازة المرقسية والتاريخ يقف حاكماً بين بطريرك حارب من أجل وحدانية الكنيسة وبين جماعة سوف تذهب إلى مزبلة التاريخ".