بعد مرور 16 عامًا على الغزو الأمريكي للعراق الذي وقع في 20 مارس 2003، في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن، تحت مسمى عملية "تحرير العراق"، والقبض على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وإعدامه، لا يزال صدام حسين أحد أكثر زعماء العرب جدلًا في العصر الحديث. وظهر صدام حسين، الرجل الذي تولى حكم العراق في الفترة ما بين عامي 1979 و2003، لأول مرة في المحكمة عام 2004، بعد غزو الولاياتالمتحدة للعراق، ووجهت له تهم تتعلق بغزو الكويت والهجوم على قرية الأكراد بالغاز السام، ولكنه رفض الاعتراف بالمحكمة باعتبارها محكمة "الاحتلال". وأدانته المحكمة في أول قضية جنائية ضده، وكانت خاصة بمجزرة قرية "الدجيل"، وحكم عليه بالإعدام، في 23 يوليو 2006، وتم تنفيذ الحكم في 30 ديسمبر من العام نفسه. وقتل اثنان من أبناء الرئيس الأسبق صدام حسين، خلال الغزو الأمريكي، في حين شردت باقي أفراد الأسرة في مختلف البلدان العربية، حيث إنه كان له ثلاثة زوجات، أشهرهن زوجته الأولى ساجدة خير الله طلفاح، التي تزوجها عام 1963، وأنجبت له ابنيهما عدي وقصي، وثلاث بنات هن رغد ورنا وحلا، وفرت ساجدة بعد الغزو الأمريكي، إلى الأردن مع بناتها، ثم انتقلت للعيش في قطر مع ابنتها الصغرى. وتقول حفيدة الرئيس الأسبق للعراق، ، حرير حسين كامل، إن الدول العربية وفرت لعائلتها المقومات الرئيسية للمعيشة كأوراق ثبوتية وراتب شهري ومنزل للسكن، وبقي الحال على ما هو عليه إلى اليوم. وأضافت حرير: "أن لصدام 15 حفيدًا، منهم من يقيم في المملكة الأردنية، وكذلك هي وأمها (رغد) وخالتها (رنا)، فيما تعيش الجدة، والخالة الصغيرة (حلا) في ضيافة دولة قطر". وأنجبت ابنة صدام حسين رغد، ثلاثة أبناء هم علي وصدام ووهج، بالإضافة الى ابنتين هما حرير وبنان، أما الأبنة الأخرى رنا، فهي أم لثلاثة أولاد هم أحمد وسعد وحسين وابنة واحدة تدعى نبعة. ويدرس حسين، وهو أحد أبناء رنا صدام حسين، في مجال التسويق بأحد الجامعات النخبوية في الأردن. ولصدام ابن ثالث هو علي الذي أنجبه من زوجته الثانية سميرة الشهبندر في عام 1982، لكن ذكره علنا كان محرما، ويعتقد أنه يقيم مع أمه حاليًا في كندا. وأشارت حرير حسين كامل، إلى أن عائلة الرئيس، خصوصًا أمها رغد، ومن ثم أولادها، يتلقون، تهديدات بشكل مستمر من مختلف الجهات، مضيفة: "نحن نفهم ذلك حينما يتم منعنا في الكثير من الأيام من الخروج وممارسة حياتنا الطبيعية". ومن بين الدول الغربية التي عرضت الاستضافة لعائلة صدام حسين هي المملكة المتحدة، بشرط عدم ممارسة أي عمل سياسي، بالإضافة لإجراء لقاء تلفزيوني مع رغد للإفادة بإنها كانت متضررة في ظل حكم الرئيس ولكنها رفضت. وأصدر الضابط في الجيش الأمريكي، ويل باردنويربر، كتابًا يتحدث عن حياة صدام حسين في السجن قبل إعدامه، ويحمل عنوان "صدام حسين وحراسه الأمريكيون، سجين قصره"، يقول فيه إن الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، قضى أيامه الأخيرة في السجن، وهو يستمع إلى المغنية الأمريكية ماري جي بلايج، ويقوم بنشاطات أخرى. وقال أحد حراسه إن صدام كان يعشق هذه المغنية، المشهورة بأغنية "فاميلي أفير"، كما كان يحب ركوب الدراجة الهوائية والاعتناء بالحديقة الموجودة في سجنه، في الوقت الذي كان ينتظر فيه المحاكمة. وأشار ويل باردنويربر، في كتابه، إلى أن صدام كان لطيفًا وودودًا مع حراسه الأمريكيين خلال أيامه الأخيرة، حيث كان يقضي معهم بعض الأوقات ويخبرهم قصصًا عن عائلته. وقال باردنويربر، إن الرئيس العراقي الأسبق كان مهذبًا إلى أقصى درجة، وكان يحب تدخين سجائر كوهيبا، التي كان يخزنها في علبة فارغة من المناديل المبللة، كما كان يحب النباتات في حديقة السجن المغطاة وكان يعتني بها حتى أصبحت أزهارًا جميلة. وأكد الضابط الأمريكي، أن صدام كان يذهب إلى مقر محاكمته ليس للدفاع عن نفسه، ولكن ليلقي الضوء على الإرث الذي تركه، وكأنه يوجه كلامه لمن سيأتي بعد ذلك ليكتب التاريخ، وكانت نتيجة المحاكمة شبه محسومة، والكل كان على يقين تقريبًا بأنه يواجه الموت، لكن عندما كان يعود من جلسات المحاكمة كان يعود إلى شخصيته المعهودة، ويتصرف كأنه بمثابة جد للحراس. ويشير مؤلف الكتاب ، إلى أن اللحظات الأقسى على الحراس، كانت في نهاية مهمتهم، وهم يسلمون صدام الذي جمعتهم به علاقة الود والصداقة، إلى مصيره المحتوم وهو الموت، مؤكدًا أن الرئيس العراقي الأسبق عانق حراسه، قبل أن يسلموه للقائمين على تنفيذ حكم الإعدام، وأن الحراس لم يشاهدوا عملية الإعدام، لكنهم شاهدوا الظلال وصرير فتح الباب الذي كان يقف عليه صدام، وسقوطه وطقطقة خلع رقبته. وحين كان صدام ينتظر تنفيذ الحكم في بغداد، كان مُراقبًا من طرف مجموعة من الجنود الأمريكيين ينتمون إلى الشرطة العسكرية رقم 551، التي تطلق على نفسها اسم "The Super Twelve". وكان العراق وقت الغزو الأمريكي في مارس 2003 منهكًا هزيلًا جراء حصار ثلاثة عشر عامًا برًا وبحرًا وجوًا، حتى أن سلاح الطيران الحربي لم يكن باستطاعته التحليق فوق بغداد. ولعبت الاستخبارات الأمريكية خلال فترة الحصار الخانق دورًا كبيرًا، واستطاعت أن تخترق صفوف بعض القطاعات في الجيش، وتجنيدهم لصالحها عندما تحين "ساعة الصفر"، المعركة التي أكدت الولاياتالمتحدة أنه لا مفر منها. وكانت هناك جهودا دولية خلال فترة حصار العراق وضغوط على الرئيس العراقي الراحل للحصول على أكبر قدر من التنازلات، لمنع الحرب التي تلوح بها أمريكا، وبشكل خاص بعد أن أصبحت القوات الأمريكية على بعد كيلومترات من الأراضي العراقية في أفغانستان، ولم يكن الرئيس بوش بحاجة لجلب قوات كبيرة من الولاياتالمتحدة، بعد أن جمعت تحت طواعيتها تحالفًا يضم عدد من الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا واليابان وعددا من الدول العربية. وتم عرض مهلة وشروط كان ينبغي على صدام حسين، القبول بها لمنع نشوب الحرب، وكان الأمين العام للأمم المتحدة الراحل كوفي عنان، يقوم بجولات من أجل قبول صدام حسين بالشروط الأمريكية، التي كانت تمثل قيودًا على العراق، وكانت الآلة العسكرية الأمريكية تنتظر الإذن بالبدء بعد أن حددت أهدافها منذ سنوات. وفي حين لم يتبق سوى ساعات قليلة وتنتهي المهلة، أعطى بوش إشارة البدء لضرب العراق، وبدأت الحرب واستمر القصف الجوي لتدمير البنية التحتية في العراق بالكامل، وكان الجميع يترقب وينتظر رد الفعل العراقي، ثم جاءت تصريحات عراقية رسمية تؤكد أن الجيش العراقي المتمرس على القتال يخوض معارك برية كبيرة ضد الغزو الأمريكي في معظم المناطق. واستمرت عمليات القتال بين الجيش العراقي وبين الأمريكيين ما يقارب الثلاثة أسابيع لكن بدأ صوت المعركة يخفت شيئًا فشيئًا، إلى أن جاء يوم العاشر من أبريل من عام 2003، واختفت كل مظاهر تواجد الجيش العراقي في بغداد، وظهرت مجموعات تعتلي الدبابات الأمريكية وتقوم بهدم كل مظاهر الدولة. ولم يكن الفاصل كبيرًا بين اختفاء الجيش العراقي وأسلحته في أبريل 2003 وبين ظهور المقاومة العراقية، والبدء في حرب استنزاف ضد القوات الأمريكية بشكل غير مسبوق، وهو ما دفع بوش إلى إعلان انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق في 2مايو 2003، وقال في خطابه، الذي ألقاه أمام حشد من العسكريين الأمريكيين على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن: "إن الحرب شنت بهدف تحرير شعب العراق وتحقيق السلام للعالم"، وأكد بوش أن ديكتاتور العراق "صدام حسين" قد سقط، وأن العراق قد حرر، وأن القوات الأمريكية تقوم الآن بعمليات حفظ الأمن وإعادة البناء. ولكن لم تجف دماء العراقيين منذ الغزو الأمريكي للعراق وحتى الآن، فأصبحت ما بين قتل طائفي وقتل في تفجيرات، وتمزيق البلاد ومسخ هويتها وتاريخها وتدمير اقتصادها، حيث أتاح الغزو الأمريكي وأعطى الفرصة لزرع الإرهاب بشكل مرعب، وأدى إلى بسط تنظيم "داعش" الإرهابي سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية خلال شهور قليلة، والاستيلاء على أسلحة الجيش العراقي ومعداته بسهولة.