أزمة جديدة شهدتها الساحة القبطية مؤخراً عقب صدور حكم قضائي بإعدام قاتلي الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار أعقبه تعليق الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة عليه في بيان حاد حيث وصف الحكم بأنه موجه ضد جميع الرهبان والكنيسة، الأمر الذي أثار غضب كثير من النشطاء والرموز القبطية، مؤكدين أن الرهبان بشر ومن يخطئ يجب محاسبته. كان الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة بمحافظة المنيا ، قد أكد في بيان له أن الحكم الذي صدر بالإعدام على الراهبين أشعياء وفلتاؤس، ليس حكم ضدهما بل ضد الرهبان والرهبنة القبطية والكنيسة كلها، متابعًا: "كنا نتابع باهتمام مرافعة المحامين بالمحكمة الذين عددوا أدلة براءة الراهبين من تهمة قتل أسقف رئيس الدير". واستطرد قائلاً "هذا الحكم تمثل في صدمة وفاجعة لا مثيل لهما للرهبان جميعًا والإكليروس خصوصًا ولبقية الأقباط بصفة عامة في الداخل والخارج".. وأوضح أن هذا الحكم له آثاره السلبية التي ستمتد على الرهبان والرهبنة والكنيسة القبطية كلها لسنوات طويلة. من جانبه استنكر كمال زاخر المفكر القبطي ومؤسس التيار العلماني، بيان أسقف مغاغة، مشيراً إلي أنه يرسخ مبدأ "تصنيم الرهبنة" أو "تأليهها" - علي حد تعبيره. وقال زاخر إن بيان الأنبا أغاثون يتجاوز كونه رأيه الشخصي إلي التعبير عن جماعة متشعبة تري أن إدانة الراهبين قد ينبه الأذهان المغيبة إلي أزمتها في تصنيم الرهبنة وما تنتجه من كوادر تمسك مقاليد الكنيسة وتتحصن بمواقعها، وهذه الكوادر تدرك تماماً أن ما حدث سيمتد إلي تحجيم صلاحياتهم المطلقة والممتدة إلي "مفاتيح ملكوت السموات" ويردهم إلي حجمهم باعتبارهم بشراً عاديين. وناشد مؤسس التيار العلماني، البابا تواضروس الثاني بالحفاظ علي سلام الكنيسة وإصلاح ما أصابها من خلل بامتداد نصف قرن علي الأقل، قائلاً "الخرق اتسع والإصلاح لن يأتي من خارج الكنيسة والتصحيح يحتاج إلي عمل مكثف، يطرح حلولاً ورؤى". وفي ذات السياق قال إسحق إبراهيم ناشط حقوقي إن بيان الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة عن إحالة قاتلي رئيس دير أبو مقار للمفتي يكشف عن تعصب أعمى وجهل مركب.. مشيراً إلى أن من حق الأسقف أو أي إنسان أن يتضامن مع الراهبين المدانين، وأن يقول ما يشاء عن إجراءات المحاكمة وقصور التحقيقات أو رفض عقوبة الإعدام لكن الادعاء بأن الرهبان في المجمل فوق البشر وكأنهم آلهة لا تخطئ هو تضليل وتزييف وعلى النقيض من مبادئ المسيحية. وأردف قائلاً: "الرهبان بشر منهم من يخطئ ويرتكب جرائم أقلها النصب والكذب وسوء استخدام السلطة الدينية، ونسبة كبيرة منهم أشد سوءا وكذبا من عموم الناس، ويفترض أن من يرتكب جريمة منهم يعاقب مرتين الأولى لارتكابه جريمة مؤثمة قانوناً، والثانية لأنه رجل دين يفترض فيه البر والتقوى". من جانبه رفض جرجس بشرى الكاتب السياسي والإعلامي فكرة تأليه رجال الدين ، مؤكداً أن الأقباط لا يؤلهون رجال الدين ولكن بعضاً منهم يظن أنهم معصومون من الخطأ وهذا غير صحيح بنص الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة، فرجال الدين بداية من البابا البطريرك حتى أصغر راهب بشر يصيبون ويخطئون. وأضاف أنه وفقا لتعاليم الكنيسة لا يوجد أحد معصوم من الخطأ مهما بلغ مكانته أو منصبه فالكتاب المقدس يقول "الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله" ويقول السيد المسيح: "من كان منكم بلا خطية فليرمها بحجر".. ورفض بشرى فكرة تقديس رجال الدين لدرجة "التأليه"، مستنكراً جعل مستقبل أفراد رهينة لنصيحة منهم. ملائكة أرضيون سعت الكنيسة الأرثوذكسية خلال السنوات الماضية إلى إعادة هيكلة الإدارة الكنسية وفتح ملف الرهبنة وتصحيح مساره من خلال قانون الرهبنة الجديد الذي أصدره المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية برئاسة البابا تواضروس الثانى، بطريرك الكنيسة، في 2013. عرّف القانون "الرهبنة" بأنها الموت عن محبة العالم وأن الرهبان هم ملائكة أرضيون أو بشر سمائيون، وأن الرهبنة حياة ملائكية وطريق للكمال المسيحي قوامها "البتولية" وهى عدم الزواج والاكتفاء بالمسيح عريساً لهم يقدمون بتوليتهم ذبيحة حب على مذبح الطهارة، والطاعة وهى الحرص على سماع من يرشده لطريق الله حتى الموت والخضوع لكل ما يحدث لهم مما يتعارض مع رغباتهم، والفقر الاختياري ويترك المتقدم للرهبنة جميع أمواله ومقتنياته ووظيفته ومستقبله لا قصرا أو جبرا وإنما طاعة. وكان البابا تواضروس الثاني قد أكد في أكثر من لقاء له، أن هناك رهبان يخطئون، موضحاً أن الحياة الرهبانية ليست سهلة، ولهذا اشتمل قانون الرهبنة السابق ذكره علي خطوات لمحاسبة الراهب المخطئ الإنذار عبر أب الاعتراف ورئيس الدير، والعرض على لجنة الانضباط الرهباني داخل الدير، أما الطريقة الثالثة فتتمثل في لجنة الانضباط الرهباني التابعة للمجمع المقدس للكنيسة. أما تكوين لجنة للانضباط الرهبانى فيكون داخل كل دير من رئيس الدير وأمين الدير وآباء رهبان حكماء مختبرون لدراسة الحالات المخالفة ومعرفة أسبابها وطرق العلاج على أن تعطى للمخالف الفرصة للدفاع عن نفسه مع ضرورة احتضان المخالف بروح الأبوة. كما ينص القانون على تكوين لجنة خاصة بالانضباط الرهباني ضمن لجنة الرهبنة المجمعية التابعة للمجمع المقدس لمراجعة أحكام اللجنة الداخلية بكل دير ومتابعة حالات الرهبان المخالفين ومدى إمكانية عودتهم في حالة توبتهم. أما طريقة محاسبة الراهب المخطئ فتمر أولاً بإنذاره عن طريق أب اعترافه في حضور رئيس الدير حتى ثلاث مرات مع وضع قوانين روحية له تساعده على العودة إلى الفكرة والحياة الرهبانية، وإذا لم يستجب يتم عرضه على لجنة الانضباط الرهبانى الخاصة بالدير لدراسة حالته ومعرفة أسباب الخطأ للإنذار والمسائلة مع العلاج. وتابع القانون أنه إذا لم يستجب الراهب بعد كل ذلك يتم عرضه على لجنة الانضباط الرهباني بلجنة الرهبنة المجمعية لتقرر ما تراه مناسبا. وعند تجريد أحد الرهبان من الرهبنة يقوم الدير بإخطار الأديرة الأخرى بتجريده وترسل صورته قبل الرهبنة وبعدها ومعها اسمه قبل الرهبنة وبعدها وتاريخ رهبنته وتاريخ تجريده لكى لا يحاول التسلل إلى دير آخر كطالب رهبنة جديد، وعدم نشر كتب باسم راهب مجهول إلا بتصريح من رئيس الدير ويكون النشر باسم الدير ومن يخالف ذلك يقدم للتحقيق واتخاذ قرار ضده في لجنة شئون الرهبان. ولا يتم تجريد راهب مباشرة إلا إذا خرج عن قواعد الإيمان المسيحى الأرثوذكسى السليم أو الإصرار على المخالفات الأخلاقية، والراهب الذي يستحيل مواصلة مشواره الرهباني بعد السيامة ينظر في أمره بمعرفة البابا ورئيس ديره.