تمثل المتغيرات السياسية والعسكرية التي تشهدها سوريا في الفترة الأخيرة صداعاً مزمناً لصناع القرار في إسرائيل، وفي ها السياق تبرز أهمية التقرير الذي حمل عنوان "المسح الاستراتيجي لإسرائيل 2018-2019"، والصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في ديسمبر 2018، والذي حرّره كلٌّ من الباحثان "أنات كرز" و"شلومو رومين" واستعرضته الدكتورة رغدة البهي مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة والباحثة بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، حيث استعرض التقرير أهم هذه التحديات ورسم سيناريوهات التعامل الإسرائيلي معها. فعلى الصعيد السوري أوضح التقرير أن قرار الرئيس "ترامب" بسحب القوات الأمريكية من سوريا، كان نتيجة نصيحة مستشاريه في وزارتي الخارجية والدفاع، ومجلس الأمن القومي. وقد هدف إلى الانسحاب الأمريكي من الخلافات بين تركيا والأكراد، وإسرائيل وإيران، والأسد والمعارضة. وعلى خلفية ذلك، تقع الساحة السورية في مفترق طرق؛ فقد انتهت مرحلة الصراع، وتُوجه معظم الجهود نحو إعادة الإعمار، وصياغة الترتيبات المستقبلية، بعد أن أصبحت سوريا مسرحًا للنضال بين القوى العالمية والإقليمية. ولذا، تساءل الكاتبان عن تداعيات وحجم الوجود الأجنبي في الدولة في السنوات القادمة. وتبرز أهمية ذلك التساؤل في ظل الفجوة الكبرى بين التوقعات المستقبلية والأوضاع السورية الراهنة. ورجح التقرير عدم حل جميع القضايا العالقة في الساحة السورية خلال العام الجاري. ومن غير المتوقع أيضًا تزايد قوة سوريا الشاملة إلى الحد الذي يجعل منها تهديدًا أو منافسًا استراتيجيًّا لإسرائيل، لكنها ستظل ساحةً للتهديدات الاستراتيجية. وقد يتوقع تزايد الاحتكاك على طول الحدود مع تل أبيب. وكلما رسخت إيران من وجودها في سوريا -من خلال بناء بنيةٍ تحتيةٍ عسكريةٍ مستقلة، وتوسيع نطاق الصواريخ الدقيقة- ازدادت احتمالات القتال العسكري بين طهران وتل أبيب. وعلى أقصى تقدير، يمكن للحوار الإسرائيلي- الروسي أن يساعد في إبعاد إيران ووكلائها عن مرتفعات هضبة الجولان، لكنه لن يسفر عن انسحاب طهران الكامل من سوريا. وستسعى موسكو إلى الحد من الاحتكاك الإسرائيلي- الإيراني، وتقييد تحرك تل أبيب في الجنوب، من أجل تجنب الصراع الجوي مع إسرائيل. ويُعد الاستقرار الهدف الروسي الأسمى في سوريا، وهو ما يتطلب تجنب أي تصعيد إسرائيلي- إيراني من شأنه أن يُعرقل تحقيق ذلك الهدف. ومن شأن الخروج الأمريكي من الساحة أن يترك تل أبيب بمفردها في مواجهة التعزيزات العسكرية الإيرانية في سوريا. وإن قررت إسرائيل إعادة توجيه الجهود نحو إحباط القدرات الهجومية لصواريخ "حزب الله" اللبناني، فإن هذا سيزيد من خطر التصعيد على الجبهة اللبنانية.