حيلة جديدة انتشرت بمعظم قرى محافظات الصعيد، تمثلت في إنشاء الملاعب الخماسية الخاصة في قلب الزراعات، وبالعديد من المناطق النائية في العزب والقرى، إذ يقوم صاحب الأرض الزراعية بتجريفها بقصد البناء عليها، وإذا ما فشل في ذلك يحولها إلى ملعب خاص وتأجيره بالساعة والتربح منه بشكل غير مشروع، مما يكبد العشرات من ملاعب مديريات الشباب والرياضة خسائر كبيرة تقدر بملايين الجنيهات سنويًا. الأزمة ظهرت مع مطلع عام 2012، حيث استغل العديد من المواطنين حالة الانفلات الأمني وقاموا بتجريف التربة وإقامة مبان عليها، إلا أن الدولة استفاقت بعدها وبدأت في إزالة تلك التعديات، ليفاجئ الناس بعدها بتحويل تلك الأراضي إلى ملاعب خضراء، في خارجها شعار "خدمة الشباب" وفي باطنها الاحتيال والتربح دون وجه حق. وكشفت لجنة الشباب والرياضة بالبرلمان، عن تفاقم الأزمة عدة مرات، وقالت في بيانات سابقة لها إنه يوجد ما يزيد عن 2178 ملعبًا غير مرخص على مستوى الجمهورية ولابد من الفصل فى هذه المسألة من خلال تشريع، إلا أن هذا التشريع لم يظهر حتى الآن. كما طالبت وزارة الشباب بموافاتها بخطتها حول الملاعب غير المرخصة، وآلية التصدى لظاهرة انتشار الملاعب الصناعية، وناشدت اللجنة منذ عدة أشهر الحكومة بإعداد تشريع يتيح لوزارة الزراعة بإزالة جميع المباني المخالفة على مستوى الجمهورية وذلك للحفاظ على الرقعة الزراعية بعد قيام عدد من المزارعين بتبويرها لعمل ملاعب "نجيل صناعى" بالمخالفة للقانون من أجل تحقيق دخل أعلى، وأكدت الوزارة حينها أن بعض القرى الصغيرة يوجد بها نحو 7 ملاعب. من جانبه يقول مندي عكاشة وكيل وزارة الشباب والرياضة بالمنيا، إن تلك الملاعب تخالف الدولة في عدة اتجاهات، حيث تعد مخالفة لقانون البناء 119، إضافة لكونها تعديات صارخة على الرقعة الزراعية، كما تخالف الكهرباء بتوصيلها الأسلاك والإنارة بطرق مخالفة للقانون، إضافة إلى التربح دون أي رقابة ودون سند قانوني. أضاف عكاشة ل " الموجز " أن أكبر دليل على كارثية تلك الملاعب وجود ما يقرب من 142 ملعبًا مخالفًا بزراعات المنيا ما بين خماسية وسداسية، وهو الأمر الذي يجب أن ينتبه إليه الجميع، إذ يلجأ إليها العديد من الشباب تاركين الملاعب التابعة للوزارة والتي يبلغ عددها 158 ملعبًا.. مشيراً إلى أن المديرية مطالبة بتوريد مبلغ 1000 جنيه عن كل ملعب صغير، و3000 جنيه للملاعب الكبيرة إلى صندوق الخدمات لاستغلالها فيما بعد لإنشاء ملاعب وتجديد الأخرى، في الوقت نفسه الذي يحقق المخالفين مكاسب هائلة بدون أي حق. وأكد مدير مديرية الشباب والرياضة بالمنيا أنه أعد مذكرة بتلك المخالفات وأماكنها، وتم تقديمها إلى المحافظ لسرعة التعامل مع أصحاب تلك الملاعب، وتطبيق القانون عليها. من جانب آخر قال أحمد نجاح أحد شباب سمالوط إن تلك الملاعب الخاصة لا غنى عنها، ولا أحد ينكر دورها في حل أزمة كبيرة لنا لنتمكن من اللعب بشكل آدمي بدلاً من اللعب في الشوارع وعلى حواف النيل والظهير الخلفي للقرى، مطالبا بترخيص تلك الملاعب مثل غيرها من المشروعات. واستطرد نجاح: العيب الوحيد بتلك الملاعب هو المغالاة الكبيرة من أصحابها في المبالغ المطلوبة لكل ساعة، رغم أن الغالبية من شباب القرى من محدودي الدخل، ولا يتحملون دفع مبالغ تصل إلى 200 جنيه في ساعتين بالليل، وساعة الظهيرة والشمس تصل إلى 30 جنيه فقط للساعة، مضيفا أن الطريق الزراعي في المسافة بين مدينة المنيا وبني مزار وحدها يوجد بها عشرات الملاعب، ورغم أنها على مسامع وأعين المسؤولين كونها بالطريق العمومي، إلا أنه لا توجد أية إجراءات قوية اتخذت حيال المخالفين وكذلك لم يتم تقنين أوضاعها حتى لا تخسر الدولة. " عصام ص " أحد المشاركين مع أبناء عمومته لعمل ملعب خاص بإحدى قرى ملوي، قال إن إنشاء تلك الملاعب جاءت عقب الأزمات المستمرة في الزراعة، وغلاء السولار والأسمدة ومستلزمات الزراعة، إضافة إلى ضعف التسويق والتخبط في حالة الفلاحين، فقمنا بالتعدي بالبناء على الأراضي الزراعية، وتم تحرير محاضر من الوحدات المحلية بذلك، الأمر الذي جعلنا نلجأ لاستغلالها في شىء آخر خاصة بعد عدم صلاحية الكثير من تلك الأراضي للزراعة مرة أخرى، واحتياجها لمبالغ كبيرة لعودتها الى الخصوبة، ما دفع البعض للتشارك وإنشاء الملاعب، مضيفًا أن الفكرة رغم مخالفتها للقانون إلا أنها نالت استحسان آلاف الشباب بالقرى، ومسألة التسعيرة لتأجير الملعب تختلف من صاحب ملعب لآخر. وأوضح صاحب الملعب أن تكلفة إنشاء مثل تلك الملاعب تتكلف ما يزيد عن 150 ألف جنيه إذا تم تجهيزها بالنجيل الصناعي ، وفيما لا يزيد عن 30 ألف في حالة النجيل الطبيعي بعد معالجة التربة وتسوير المكان ووضع الإضاءة الكافية فيه، مشيراً إلى أنهم لا يضعون أية مباني خرسانية بالأرض، وكذلك لا يبنون أسواراً بل يكتفون بإحاطة الملعب بأسلاك والشباك العالية. وأوضح أن المكاسب التي تتحقق في موسم الأجازات الصيفية تصل لنحو 800 جنيه في اليوم الواحد، وتقل أيام الدراسة فلا تزيد عن 300 جنيه، مطالباً بتقنين أوضاعهم خاصة في القرى التي تفتقد لوجود مراكز الشباب ومثل تلك الملاعب. من جانبه وصف النائب مجدي ملك عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب الأزمة ب" القطار الجديد" الذي يدمر الرقعة الزراعية ويبور آلاف الأفدنة في ظل معاناتنا الكبيرة لتلك الأزمة، متسائلًا: كيف تقوم الدولة بتعمير الصحراء ومكافحة الفساد ولازال المواطنون يدمرون الأراضي الخضراء بحجة إنشاء الملاعب والمنازل وتحقيق مكاسب طائلة منها، مطالبًا بتطبيق وتغليظ أقصى عقوبة على المخالفين قبل ازدياد الظاهرة التي غزت جميع المحافظات والقرى، مع إجبار المعتدين على العمل لتحسين التربة مرة أخرى وعودتها للإنتاج مثلما دفع آلاف الجنيهات لتنجيل وإنشاء تلك الملاعب.