أصدر المؤلف الدكتور مصطفى عبد الغنى كتابا جديدا بعنوان "عرب أوروبا .. الواقع والمستقبل" الذي أثرى المكتبة العربية بالكثير من المؤلفات والدراسات والأبحاث الفكرية والسياسية. وقد وصلت أعماله إلى قرابة سبعين مؤلفا. وتم تدريس بعضها في الجامعات الغربية إذ سعت جامعة السوربون بفرنسا إلى تدريس كتاباته عن الفكر السياسي على يد العالم الفرنسي المعروف جاك بيرك؛ في قسم الدراسات العليا. وله العديد من المقالات والدراسات المهمة في العديد من الدوريات العربية منها: "عالم الفكر – المستقبل العربي – الناقد – فصول – القاهرة – البيان – الاجتهاد.. وغيرها. وهو حاصل على دكتوراه في فلسفة التاريخ الحديث، وعضو في العديد من المؤسسات الثقافية العربية . في مقدمة هذا الكتاب يقول: هذه أول دراسة تولي هجرة العرب إلى الغرب أهمية قصوى وهي دراسة تعتمد على العديد من المصادر العلمية الحية وتتركز، في المقام الأول حول قضية العلاقة بين الشرق والغرب .. الشرق العربي والغرب الأوروبي في حقبة وصل العداء فيها بين الشرق والغرب إلى درجات قصوى في بداية الألفية الثالثة. وتعتبر ظاهرة هجرة العرب للغرب أهم هذه الإشكاليات التي شوهت صورة العرب في الغرب وعملت على النيل منه، ووضعته في صورة (سلبية). والمعروف أن هذه الصور السلبية عن العرب في العالم الغربي تعود إلى عصور أبعد من عصرنا الراهن، إذ أن تلك الصورة تحددت بفضل مجموعة من العوامل التاريخية لعل أهمها الحروب الصليبية. ومن تلك النقطة يبدأ المؤلف الحديث عن بدايات الرحيل إلى الشمال في عدة صور .. قائلاً: بعضها جاء نتيجة لسياسة الفتح أو "الجهاد" منذ عرفناها في القرون الإسلامية الأولى، وبعضها الآخر نتيجة للرحيل طوعاً إلى الشمال دون دوافع دينية، ثم كانت هناك صورة ثالثة مثلت حالة من القمع الذي تعرض له الإنسان العربى، إما لضغوط داخلية من بلاده، أو للضغوط التى اضطر إليها تحت ضغط القمع الخارجى حيث أصبحت دول الشمال تستعمر أقطار الجنوب، ومن ثم فإن الهجرة القسرية هنا توالت من الجنوب إلى الشمال (لصعوبة الحياة في مناخ مترد) وبعد ذلك شهدت الفترات التالية عدة هجرات انتهت للهجرة الرابعة إلى طرد العرب المسلمين والأسبان من إسبانيا، ورغم أن هؤلاء قد تحولوا إلى المسيحية في الظاهر لكي يحتفظوا بوجودهم مع استمرارهم على دينهم في الكتمان، خشية النيل بهم. ويتطرق المؤلف إلى المشاكل والتحديات التي تعترض مسلمي أوروبا فيذكر: المشاكل ليست واحدة عند عموم المسلمين فهي تختلف من بلد إلى آخر، وذلك باختلاف قوانينه وباختلاف نظرة سكانه إلى الإسلام والمسلمين، لكن هناك أموراً مشتركة أبرزها: التردد بين العزلة والاندماج، حيث يدور الصراع الداخلي بين أن يعزل المسلم ليحافظ على المفاهيم التي حملها من بلاده .. وبين أن يندمج في المجتمع الجديد الذي أصبح موجوداً فيه مع الاختلاف بين المفاهيم الموروثة والمفاهيم المستجدة والخوف من الذوبان في ثقافة الآخر، حيث الإعلام الأوروبى والغربي أقوى من الإعلام الإسلامى والعربى، وأخيراً ضعف الإمكانيات والموارد وندرة الدعاة المتخصصين والداعين والبعيدين عن منطق التطرف وفقه البداوة الذي لا يستطيع منهم حقائق العصر، ولا يستطيع على استنباط الحلول الإسلامية الملائمة لتحديات هذا العصر. ويقسم المؤلف العرب المقيمين في أوروبا إلى أربع شرائح، الشريحة الأولى: شريحة العمال ويمكن وصف هذه الشريحة بإيجاز بالصفات التالية: ضعف المستوى الثقافي للغالبية العظمى، الانحياز نحو العزلة لضعف شديد في لغة القوم وحرص الغالبية منهم الحفاظ على التزامهم العام بالإسلام. أما الشريحة الثانية: شريحة الكفاءات العلمية والاقتصادية والطلبة الدراسين، هذه الشريحة كانت هجرتها الواسعة إلى أوروبا متأخرة عن الشريحة الأولى، وبدأ أثرها في محيط الجالية المسلمة يظهر قبل أربعة عقود، وكانت صاحبة الفضل في إنشاء الاتحادات الطلابية أولاً، ثم المراكز الإسلامية المتقدمة، ويمكن وصف هذه الشريحة بالسمات التالية: تتمتع بمستوى ثقافي مرتفع أسهم في تأثيرها الإيجابى في الأجيال الجديدة، أسهمت في بناء جيل المؤسسات الكبرى، تأثير العادات والتقاليد في مفهومهم لقيم الإسلام أقل بكثير من الشريحة الأولى. ويتناول المؤلف الشريحة الثالثة: شريحة الأجيال الجديدة، وهي الأجيال التي ولدت وترعرعت وتشربت الثقافة الأوروبية، وأصبحت تمثل الشريحة الثانية في عددها ويحمل اليوم الغالبية العظمى منهم جنسية البلاد الأوروبية. وأخيراً: الشريحة الرابعة: المسلمون من أصل أوروبى وهؤلاء هم الذين اعتنقوا الإسلام، إما تأثراً بقيمه ومثلُه، أو من خلال دراساتهم الأكاديمية أو الشخصية.