هو صاحب أول مجمع ديني لترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية في مصر يضم مسجداً به أكبر مئذنة في العالم بارتفاع 60 متراً وبجواره كنيسة مقامة على طابقين وبينهما مركز طبي علي مساحة 8 آلاف متر بالهضبة الوسطي بالمقطم.. هو الدكتور نبيل لوقا بباوي المفكر القبطي الذي حصل على ثلاث دكتوراه، واحدة في الاقتصاد والثانية في القانون والثالثة في الشريعة الإسلامية، وله العديد من المؤلفات في الشؤون المسيحية والإسلامية منها "الوحدة الوطنية ومأساة التعصب"، و"السيدة العذراء وادعاءات المفترين"، و"خطورة مناقشة العقائد في الإسلام والمسيحية"، و"محمد الرسول صلى الله عليه وسلم وادعاءات المفترين"، و"الإرهاب ليس صناعة إسلامية"، و"زوجات الرسول والحقيقة والافتراء في سيرتهن" وغيرها من المؤلفات التي تدعم أواصر الوحدة الوطنية. حول أزمة الفتن الطائفية التي تطل برأسها بين الحين والآخر على المصريين ومخططات تفتيت النسيج الوطني وكيفية مواجهة شيوخ وقساوسة التعصب وغيرها من القضايا الشائكة يدلي "بباوي" برأيه في هذا الحوار. = في البداية.. كيف تفسر استمرار مسلسل الفتن الطائفية في صعيد مصر؟ الأزمات الطائفية لن تنتهي، فنحن لدينا الكثير من الثقافات المختلفة التي جاءت إلي مصر عن طريق أشخاص كانوا يعملون في الخارج خاصة في الدول التي ينتشر فيها الفكر الوهابي، ومن ثم فالتعصب ثقافة مستوردة ولا ترتبط بالطبيعة المصرية التي تتكون من روح المحبة والتلاحم بين أطياف الشعب المصري، لذلك فعندما تظهر أي أزمة أو زوبعة لتعكير صفو العلاقة بين المصريين نجدها تمر بسرعة ونعود من جديد إلي الوئام سوياً، ففي مصر لا يمكن التفريق بين المسلم والمسيحي في الشارع؛ لأن هناك علاقات قوية تربطهم ببعضهم، ولكن لابد أن نعرف أن هذه الأزمات ستزيد خلال الفترة القادمة بسبب وجود كثير من المتعصبين بين المسلمين والمسيحيين ومصر كدولة عظيمة مستهدفه من قبل كثير من الدول التي تغذي نيران التعصب في الداخل من خلال أجندات وتمويلات تصل للملايين تقدمها لأصحاب النفوس الضعيفة. =ولكن لماذا تصر تلك الدول علي اللعب ب"كارت" الفتن الطائفية ضد مصر؟ هذه الدول تعلم جيداً أن عمود الخيمة في المجتمع المصري هو الوحدة الوطنية، وأي عدو لمصر يعلم أنه لا يمكنه اختراق المجتمع المصري إلا عن طريق الفتن الطائفية، لذلك فهم يحاولون بشتي الطرق التفريق بين جناحي الأمة المصرية لتفتيت تلك الوحدة وإحداث انشقاق بين المصريين. القيادة السياسية = وماذا عن دور القيادة السياسية في مواجهة تلك المخططات؟ مصر تعيش حالياً تحت ريادة قيادة سياسية حكيمة متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يمثل وسطية واعتدال الإسلام وقبول الآخر، فلأول مرة في مصر نرى رئيس الدولة يبني كنيسة ومسجداً من ميزانية الدولة وهذا لم يحدث منذ الفتح الإسلامي لمصر، حتى في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما تبرع بنصف مليون جنيه للكاتدرائية جاء ذلك مجاملة للأمبرطور هيلاسلاسي حاكم إثيوبيا الذي كان وقتها في زيارة إلي مصر ولكنه لم يعطيهم أموال وأعطاهم أسمنت، وهذا أمر يختلف تماماً مع ما قام به السيسي، فلأول مرة في تاريخ الكنيسة يذهب الحاكم للكنيسة للتهنئة بالعيد بل إنه كررها لتصبح تقليداً رئاسياً. = لماذا يختص هذا التقليد بقداس عيد الميلاد ولم يحدث مع عيد القيامة؟ لأن هناك محاذير تتعلق بذهاب الرئيس في عيد القيامة، لأن ميلاد المسيح قضية متفق عليها بين المسلمين والمسيحيين ولكن صلب المسيح وقيامته قضية خلافية ولا يجب أن نتدخل في مشاكل لن تحل فالمسلم لن يغير القرآن ولا المسيحي يستطيع تغير الإنجيل، ومن الذكاء والحكمة عدم ذهاب السيسي في عيد القيامة. = ما هو تقيمك لأداء الرئيس السيسي في تعامله مع القضايا القبطية الشائكة؟ منذ عام 1856 الذي شهد إصدار الخط الهميوني، ومنذ أكثر من 160 عاماً وأقباط مصر يطالبون بقانون ينظم مسألة بناء الكنائس وهذا القانون لم يصدر إلا في عهد السيسي والأكثر من ذلك أن المادة 235 من الدستور نصت علي أنه خلال دورة الانعقاد الأولي للبرلمان لابد وأن يصدر قانون بناء الكنائس وقد حدث ذلك وهذا أمر لم نراه من قبل إضافة إلي تشكيل لجنة لتقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة تحت إشراف مجلس الوزراء، كما نصت المادة الثالثة من الدستور والتي تنص علي احتكام المسيحيين واليهود إلي شرائعهم ، فمنذ عقود بعيدة والأقباط يُطبق عليهم قانون لا يعرفونه ولا يحتكم إلي الإنجيل لكن اليوم أصبح دستور الدولة يؤكد حقهم في الاحتكام إلي شرائعهم، وكل هذه أمور تجعل الأقباط مبهورين مما يحدث ، فالرئيس بحق هو مؤسس الوحدة الوطنية في مصر؛ لأنه يطبق كل ما جاء في الكتاب والسنة دون تعصب، وهنا نؤكد أنه لا توجد حماية لأي دين وضعي مثل الموجودة في القرآن، ولكن للأسف بعض المسلمين يشوهون الإسلام بتصرفات خاطئة. أجندات خارجية = ماذا عن الهجوم والانتقادات الذي يشنه بعض النشطاء الأقباط ضد الرئيس السيسي وقت الأزمات ؟ الانتقادات لن تنتهي طالما أن هناك أجندات خارجية تقوم بتسخير بعض الأشخاص في مصر لتنفيذ ما يريدون، فهم يسعون لإشعال حرب أهلية في مصر، ففي البداية كانت هناك محاولة اغتيال البابا شنودة في عهد المجلس العسكري، ثم محاولة أخرى لاغتيال البابا تواضروس في حادثي طنطا والإسكندرية، ولابد وأن نعلم أن هذه الوقائع ستتكرر أكثر من مرة، فلا يوجد منفذ لأعداء مصر إلا من الوحدة الوطنية، فلو تم اغتيال البابا تواضروس فعلاً سيكون هناك رد فعل عنيف من قبل الشباب المتعصب وكان من الممكن أن تقوم حرب أهلية، وأيضاً محاولة اغتيال علي جمعة في السادس من أكتوبر، فهناك الكثير من الملايين تُصرف لهدم الوحدة الوطنية بين المصريين. = برأيك.. كيف تواجه الدولة مخططات هدم الوحدة الوطنية؟ أنا مسيحي وحاصل علي دكتوراه في الشريعة الإسلامية والمسيحية وقمت بتأليف كتاب بعنوان "تجديد الخطاب الديني المسيحي" وهو مازال تحت الطبع حالياً ويحسب لي السبق في تناول هذا الموضوع والغرض من هذا الكتاب هو إرثاء روح الوحدة الوطنية، فانا أري أن روح الوحدة الوطنية في معدلاتها المرتفعة والعلاقة بين البابا تواضروس والدكتور أحمد الطيب جيدة، فلأول مرة في تاريخ مصر يبعث رئيس أمريكا نائبه لكي يبحث مشاكل الأقباط في مصر فيرفض الأزهر والكنيسة لقاءه، وهذا يدل على أن عملية الاستقواء بالخارج لم تعد موجودة، وأيضاً حينما قرر الكونجرس الأمريكي المطالبة بإصدار قانون لحماية الأقباط في مصر واجه رفضاً تاماً من قبل الأقباط وفي مقدمتهم البابا، فالمناخ الموجود الآن غير مسبوق، فالرئيس السيسي يعطي نموذج للتآخي والمحبة بين جناحي الأمة. =كيف تصف العلاقة بين الرئيس السيسي والبابا تواضروس؟ كنت عضواً في البرلمان لمدة 18 عاماً، وكنت شاهداً علي علاقة البابا شنودة بالرؤساء السابقين والتي لم ترق إلي العلاقة التي تجمع السيسي بالبابا تواضروس فالاثنان هدفهما واحد وهو حماية الوحدة الوطنية والاستقرار والأمن ولابد وأن تستمر هذه العلاقة بهذا الشكل، والعلاقة بينهما نراها مطبوعة علي العلاقة بين البابا تواضروس والشيخ أحمد الطيب، وقد انعكس هذا الأمر علي كل الشعب المصري، ولكن لابد وأن نضع معياراً يحافظ علي تلك العلاقة فأي سلوك متعصب من بعض المسلمين لا يجب أن يحسب علي الإسلام والمسلمين ولكن يتحمل وزرها مرتكبها لأن مبادئ الإسلام وتعاليمه ترفض هذه التصرفات. الخطاب الديني = كيف تري مطالبة البعض بتنقية مناهج الأزهر؟ أنا مع تجديد المناهج بما لا يخل بثوابت بالكتاب والسنة، وهذا التجديد يكون من خلال إعادة التفسير، فابن تيمية حينما فسّر القرآن كان المناخ مختلفاً وكانت هناك موازين دولية أخري، فكل التفسيرات حالياً يجب أن تتغير، وبدلا من تجديد الخطاب الديني لابد من إعادة تفسير الخطاب الديني بما يحقق مقاصد الشريعة وهي المحبة والأخوة ، بما يحقق وسطية واعتدال الإسلام وقبول الآخر والتعايش معه ويجب أن نثبت بهذه التفاسير أن الدين صالح لكل زمان ومكان وخاصة أن روح العصر تغيرت. = ماذا عن تجديد الخطاب الديني المسيحي وما تتناوله في مؤلفك الجديد؟ تجديد الخطاب الديني المسيحي أو الإسلامي يعنى أن نخلق ثقافة عند المسلمين والمسيحيين من خلال فتح الباب للنقاش في القضايا المتفق عليها وعدم التطرق لأي قضايا خلافية وهذا سيكون بين الكنائس وبعضها وبين الأقباط والمسلمين، وبين كل أفراد المجتمع، فالقضايا الخلافية لن نستطيع تغيير الفكر فيها ولكن القضايا المتفق عليها كثيرة وتحدث توافق ووئام بين الجميع، ولو رجعنا للقرآن لوجدنا الآية 68 من سورة الحج والتي تنهي الخلاف في هذه المسألة حيث تقول "اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" لذلك لابد وان نترك الاختلاف حتي لا تقوم حرب أهلية، فجميع المشكلات الخلافية ترتبط بالعقائد وهي لا يمكن تغييرها، أما القضايا الاتفاقية فترتبط بالسلوك وهي تمثل 99% من الحوارات الدينية، ولكن المتعصبون من المشايخ والقساوسة يتمسكون ب1% مصدر الخلاف ويتركون ال99% وذلك لكسب المال والشهرة، ولذلك لابد من إبعاد المتعصبين من رجال الدين المسيحي والإسلامي عن الإعلام لأنهم يلوثون صحيح الدين، ومن ثم ففي تجديد الخطاب الديني لابد من خلق ثقافة جديدة بين المسلمين والمسيحيين، وهذه الثقافة لابد وأن تكون حاضرة بين الطوائف المسيحية المختلفة فلا يجب النقاش في القضايا الخلافية فيما بين الكنائس وبعضها البعض لتحقيق التقارب والوحدة. = ماهي الموضوعات التي يتناولها كتابك في إطار تجديد الخطاب المسيحي؟ الكتاب مازال في الطبعة الآن ولن أستطيع الحديث عنه، ولكن أهم ما جاء في الكتاب هو خلق ثقافة حوار مع الآخر. = هل تتوقع أن يلقي الكتاب هجوماً من قبل الأقباط؟ أتوقع الهجوم علي الكتاب من العنوان ولن يكون من الأقباط فقط ولكن من بعض المسلمين أيضاً، ولكن هذا الأمر لا يهمني، فأنا أكتب بحثاً علمياً وللآخرين الحرية في قبوله أو رفضه، وقد تم الهجوم علىّ حينما حصلت علي دكتوراه في الشريعة الإسلامية، وكذلك حينما حصلت علي دكتوراه في الشريعة المسيحية، وأنا كتبت حتى الآن نحو 60 كتاباً نصفهم إسلامياً وجميعها يصب في الوحدة الوطنية. =ذكرت ان جميع الكتب تصب في الوحدة الوطنية.. مما تستوحي عناوين مؤلفاتك؟ استوحيها من القضايا العامة التي تعمل علي التقارب والوفاق بين طوائف المجتمع ففي الوقت الراهن أقوم بتأليف كتاب اسمه "السيد المسيح وتعاليمه ترفض تقسيم ديانته بين الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية.. دعونا نعود إلي كنيستنا"، فما حدث في السابق هو الانقسام والحروب الدموية وموت الملايين فهل أمر المسيح بذلك عندما بشر بالمسيحية. لقد عشنا حوالي 451 عاماً بدون انقسام، وفي كتابي أوضح أنه لو التزمنا بالمبادئ التي كانت موجودة منذ ذلك التاريخ سنعود إلي ما قبل الانقسام، خاصة أن قانون الإيمان في المسيحية يؤمن بأن الإيمان لابد وأن يكون بكنيسة واحدة وليس الكنائس الموجودة كلها، ولذلك لابد وأن تتجمع الكنائس في كنيسة واحدة، وهنا أذكر موقفاً حينما كنت في البرلمان وطُلب من الكنيسة إعداد قانون خاص بالأحوال الشخصية وتم الاجتماع أكثر من مرة لوضع القانون ولم يتم الاتفاق وقامت الثورة وتم وضع مادة خاصة بالمسيحيين في الدستور وطلب من الكنائس قانون موحد للأحوال الشخصية وحتى الآن لم يتم الاتفاق عليه ولن يتفقوا حتي يرث الله الأرض ومن عليها. = ماذا عن مؤلفاتك التي تتعلق بالمسلمين؟ سبق وذكرت بأن نصف مؤلفاتي ترتبط بالإسلام وهذا عن قصد فحينما كنت أكتب عن السيدة العذراء قمت بتأليف كتاب عن زوجات الرسول ولكن من منطلق المحبة وليس الكره، وحينما أكتب كتاباً عن الرسول محمد أكتب عن السيد المسيح، وكل ما أورده في كتبي عبارة عن بحث علمي ليس أكثر ولا أتوغل في الشريعة الإسلامية. أبو الإصلاح = البابا تواضروس يلقب ب"أبو الإصلاح" بسبب الخطوات الإصلاحية التي قام بها داخل الكنيسة.. كيف تري هذا الأمر؟ البابا يريد بالتجديد المصلحة العامة لإصلاح الكنيسة من الداخل، وذلك لكي تصبح الكنيسة مؤسسة حضارية تتوافق مع المؤسسات الأخرى الموجودة في البلاد ولا تعيش في عزلة كما كان موجوداً قبل ذلك، والكنيسة مؤسسة يحكمها أمران الأول هو المجلس الملي فيما يتعلق بالأمور المالية فأي قرار داخلها يصدر بعد موافقة الأغلبية، والثاني هو المجمع المقدس الذي يختص ببحث الأمور العقائدية وفي الاثنين تدار العملية بالانتخاب والبابا يصوت مثل الجميع فإذا كان هناك تساوي بين الطرفين يكون رأي البابا هو الحاسم، ولذلك فأي إصلاح داخل الكنيسة يتم عن طريق عملية ديمقراطية وعن طريق موافقة الجميع، ولأن البابا كان راهباً فترة وكان وكيل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة فهو يلمس الكثير من نقاط الضعف داخل الكنيسة ويصلحها. = ماذا عن انتقاد البعض لخطوات البابا نحو التجديد ؟ من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف فلا يوجد أي شيء في الكون متفق عليه بنسبة 100%. = ولكن كيف تري أوضاع الكنيسة في عهد البابا تواضروس؟ إن لم تدار الكنيسة بحكمة فهذا فشل، كما أنها لن تستطيع أن تستغني عن مؤسسات الدولة، فإذا نجحت الكنيسة في التواصل مع مؤسسات الدولة فيتغير الوضع للأفضل كثيراً وهذا ما حدث بالفعل في عهد البابا تواضروس ومن قبله البابا شنودة الراحل. خطر الإلحاد = ماذا عن اختراق ظاهرة الإلحاد للمجتمع المصري وانتشارها بين الشباب؟ الإلحاد ليس ظاهرة ولكنه قرار فردي نتيجة قراءات تشبع بها الشخص واعتنقها ولكن الكارثة التي تغيب عن البعض في الإلحاد هو أنه عندما ينكر الشخص وجود الله فهذا يعني أن الضمير انتزع منه وبالتالي هذا يؤهله للقيام بأي شيء يضر بنفسه وبالمجتمع فالضابط الموجود في علاقة الإنسان بالآخرين هو الضمير وهو مرتبط بالإيمان، وإذا تم انتزاع الضمير من الإنسان سيقوم بأي شيء، والأصل في الكون كل هو إيمان الإنسان والشاذ هو عدم الايمان، فان لم يوجد إيمان وُجدت الفوضى. = وما هو دور المؤسسات الدينية في مواجهة هذا الخطر؟ لابد أن تواجه الدولة هذا الفكر بفكر آخر صحيح، وذلك عن طريق الإقناع بما تملكه من أدلة علي أن الإلحاد دمار.