لا يزال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يدهش العالم بقراراته الغريبة فبعد إقالته لوزير خارجيته تيلرسون واستعانته بمديرة المخابرات الأمريكية المتورطة فى قضايا تعذيب بدلا منه خرج علينا منذ أيام بقرار تعيين جون بولتون أحد أشرس صقور الإدارة الأمريكية عبر العقد الماضى مستشارا للامن القومى خلفا لماكمستر . وقد قوبل هذا القرار بعاصفة من الاستهجان فى الداخل والخارج بسبب تاريخ بولتون القذر فى إدارة حروب أمريكا الخارجية و تدبيره لمؤامرات إسقاط البلدان التى تعرضت لغزو أمريكى مثل العراق و فيتنام . لقد عمل بولتون لسنوات طويلة ضمن إدارات الرؤساء، رونالد ريجان، جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، بينما قام الأخير بتعيينه مبعوثاً للولايات المتحدة في الأممالمتحدة، ليتميّز في تلك الفترة بأسلوبه الحاد حسب وصف وسائل إعلام عالمية عدة. ملف مستشار الأمن القومى الجديد وسيرته الذاتية تؤكد أن ترامب يسير نحو الصدام مع كل من يخالفه الرأى من الدول , فبولتون كان أحد العاملين على الملف الذي زعم امتلاك الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وهو كان من أشدّ المؤيدين لغزو العراق ليتبيّن بعد تدمير البلاد وقتل عشرات الآلاف من أهلها أن الملف الذي عمل عليه بولتون كان غير سليم. هكذا ينضم جون بولتون، المعروف بانتقاده الحاد لسياسات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وتهكمه الدائم عليه باعتبار أنه ذو أصول إسلامية، إلى فريق من عدة أشخاص يفكرون بنفس الطريقة تقريباً في البيت الأبيض. من هؤلاء كان وزير الخارجية مايك بومبيو الذي يُعدّ من أكثر الأصوات المتشددة في دائرة ترامب بما يخص ملف كوريا الشمالية، وجينا هاسبيل التي عينها ترامب مؤخرا رئيسة للاستخبارات الأمريكية وهي التي سبق وتم اتهامها رسمياً باستخدام وسائل عدة خاصة بالتعذيب أثناء التحقيق مع متهمين في هجمات 11 سبتمبر 2001. مع التغيير الأخير الذي أعاد بولتون إلى المشهد بقوة، تبدو لافتةً كميّة التغييرات التي قام بها ترامب منذ وصوله مقارنة بمن سبقه، فعلى سبيل المثال قام أو يخطّط للقيام ب16 تغيير في موظفي البيت الأبيض مقارنة بثلاثة تغييرات قام بها سلفه باراك أوباما خلال فترة حكمه، وتغيير واحد قام به بوش. وبحسب مراقبين كثر فإن دونالد ترامب يهدف لجمع فريق يتشابه في أفكاره السياسية معه شخصياً، فهو كان قد عيّن ماكماستر فى هذا المنصب في فبراير عام الماضي بديلاً لمايكل فلين، الذي تمت إقالته بعد حوالي ثلاثة أسابيع فقط من توليه المنصب. في مارس من العام 2015، نشر بولتون مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان صادم هو "لوقف قنبلة إيران اضربوا إيران بقنبلة"، وقال إن الحل الوحيد للتعامل مع إيران هو القيام بضربة عسكرية ضدها، معتبراً أن ما قامت به إسرائيل في سنوات مضت هو نموذج يجب ان يحتذى. ولفت بولتون، في مقاله، إلى أن إسرائيل تحركت عسكرياً عام 1981 ضد مفاعل صدام حسين في العراق، وهو الأمر نفسه الذي قامت به عام 2007 ضد مفاعل سوريا، مؤكداً على عدم وجود وقت لتأجيل أيّ عمل عسكري ضد إيران. وفيما يتعلق بملف كوريا الشمالية فقد اعتبر بولتون، في تعليق له نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن أى ضربة عسكرية أمريكية لكوريا الشمالية هي أمر "مشروع تماماً" بسبب أسلحتها النووية، على حدّ تعبيره، ناصحاً بلاده بألا تنتظر حتى اللحظة الأخيرة. وفي حوار آخر له مع "فوكس نيوز" في العام الماضي، اعتبر بولتون أن "الخيار الدبلوماسي الوحيد المتبقي بخصوص التعامل مع كوريا الشمالية هو إنهاء النظام في كوريا الشمالية". وحول رؤيته لمواجهة تنظيم داعش , قال إن العمل على خلق دولة سنية جديدة ومستقلة، هى أفضل حلّ لمواجهة "داعش" في سورياوالعراق، مطلقاً على "دولته المفترضة" اسم "سنّستان". وكان بولتون قد كتب في مقال افتتاحي نشرته "نيويورك تايمز"، في نوفمبر عام 2015، أن واشنطن يجب أن تعترف بالجغرافيا السياسية الجديدة على الأرض السورية، مضيفاً أن أفضل بديل للدولة الإسلامية سواء في شمال شرق سوريا أو غرب العراق هي دولة سنية جديدة ومستقلة. وفي "وول ستريت جورنال"، قال بولتون إن على إدارة ترامب التعامل بشكل أوضح في ما يتعلق بالتدخل الروسي في سوريا، معتبراً أن الأرض السورية هي ساحة مواجهة بين القوات الأمريكية والروسية، واصفاً مثلث "روسيا - الأسد - طهران" بأنه يهدّد بشكل خطير مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل وأصدقائنا العرب – بحسب تعبيره-. و قال خبراء إن تعيين بولتون يوضح تأثر الرئيس بالسياسات المحافظة على الطريقة "الفوكس نيوزية" (نسبة إلى قناة فوكس نيوز المتشددة)، فقبل ذلك كان بولتون قد تحول إلى عنصر هامشي في سياسات واشنطن منذ انتهاء عهد بوش، لكنه استطاع العودة بفضل عمله في عالم الميديا المحافظة ومجموعات الضغط. ووصف وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، جون بولتون، بأنه رجل دبلوماسي وسياسي صلب، وأنه سيعمل على تنفيذ النهج الذي يضعه له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأضاف لافروف، أن ترامب يعمل على تعيين المسؤولين، اعتمادا على فهمه الخاص للتحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية. وأوضح، لقد عملت معه وكان القائم بأعمال المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة.. لكن بعد تقاعده من منصبه، قال إنه لا يزال في دوائر العمل السياسية، ونحن كنا على اتصال بشكل دوري، وهو شخص مهني. من جانبه قال العميد هشام جابر، الخبير العسكري والاستراتيجي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، إن تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي الأمريكي يجعل البيت الأبيض في قبضة الصقور المتطرفين المتعصبين الجاهزين لأي عمل منسجم مع أفكار الرئيس دونالد ترامب وتطلعاته. وأضاف : "بدا واضحا من خلال اختياراته أنه يفتش عن فريق عمل منسجم يبارك كل أعماله ويزيد عليها، كما بدا واضحا أن الرئيس الأمريكي بدأ بتغيير في إدارته علي نحو دراماتيكي لم يحدث في تاريخ الولاياتالمتحدة. وتابع: "نحن نعلم أن وزير الخارجية في عهود كل الرؤساء وكذلك مستشار الأمن القومي لم يكن يتغير إلا لأسباب قاهرة وهذا ليس له تفسير إلا غرام ترامب بالبحث عن المتطرفين". وعن خيارات الإدارة الأمريكية الجديدة المتوقعة في تعاملها مع قضايا المنطقة، ذكر جابر أنه "لا شك أن خيار التشدد والحرب وارد، لكن في نفس الوقت ما يطمئن أن البنتاجون له رأي أساسي في العمليات العسكرية". وأضاف: "فعلى الرغم من تهديد الرئيس الأمريكي بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، سمعنا الجنرال فوتيل قائد المنطقة الوسطي يحذر من القيام بهذا العمل قبل دراسة تداعياته بدقة، وذكر على رأس تلك التداعيات وجود صدام مباشر مع موسكو". وواصل حديثه: "رغم أن وزير الدفاع ماتيس من الصقور أيضا فإن الرجل له عقل ولديه تجربة فأتوقع أنه لن ينسجم مع تطلعات الفريق العدوانية". ويرى جابر أن مسألة اندلاع حرب كونية مع هذه الإدارة أمر وارد، إذا فكرت في ضربة لسوريا. ولكنه أضاف "إلا أن الكابح الروسي هو الذي سيمنع واشنطن من التفكير في ذلك، وقد كانت روسيا دقيقة وواضحة عندما قالت إنها ستضرب مصادر الصواريخ الأمريكية على سوريا أيا كان مكانها". ووصف المهندس مهدي عفيفي، العضو السابق في الحزب الديمقراطي الأمريكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد بأنه "متشددا" منذ أن كان سفيرا لواشنطن في الأممالمتحدة. وأشار إلى أن الداخل الأمريكي يعني برأي الكونجرس الأمريكي أكثر من آراء المستشارين حول الرئيس، وفي النهاية المواطن الأمريكي يتأثر بجهتين: "الحكومة الداخلية سواء أكانت من الولاية أم من المدينة، والجهة الثانية رأي الكونجرس فيما يخص المواطن نفسه، فلا أعتقد أن المواطن الأمريكي سيهتم بمثل هذا التعيين أو غيره". وأضاف عفيفي أن الإدارة الأمريكية تفقد تأثيرها في كثير من القضايا دون موافقة الكونجرس، حتي لو كانت أغلبيته جمهورية.