مع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي كرئيسًا لمصر دخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة توتر حاد، نتيجة عدم رضا الإدارة الأمريكية عما يحدث في مصر، رغم وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إبان ثورة 30 يونيو بأن "تدخل الجيش المصري جاء لاستعادة الديمقراطية، مشيراً إلى أن ملايين الشعب المصري طلبت من المؤسسة العسكرية التدخل لحماية البلاد من الفوضى" وذلك في أغسطس 2013. لكن ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من تجميد المساعدات العسكرية السنوية البالغة 1.3 مليار دولار، كما أوقفت المناورات العسكرية المشتركة "النجم الساطع"، ثم أوقفت تسليم مشتريات الأسلحة إلى مصر والصيانة والتدريب، مع استمرار إدانة النظام المصري بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر وقمع الإسلاميين. ومع إعلان " السيسي" استراتيجيته لمكافحة الإرهاب مع تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بدأت إدارة الرئيس الأمريكي تتراجع عن موقفها من خلال إعادة المساعدات العسكرية إلى مصر في أبريل 2015, وإن لم يكن ذلك كافيًا لإعادة الأمور إلى طبيعتها, إلا إنها شهدت تعدد الزيارات ما بيم المسئولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس إلى القاهرة، خصوصًا وزير الخارجية الأمريكى السابق "جون كيري"، للتشاور والتنسيق مع نظيره المصرى "سامح شكرى" حول القضايا الإقليمية المثارة ذات الاهتمام المشترك، خصوصًا بعد تنامى ظاهرة الإرهاب العابر للحدود وانتشار التنظيمات الإرهابية على رأسها تنظيم "داعش" فى عدة دول بالمنطقة، وتفجر الأحداث فى كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها من الدول. سعت القيادة المصرية إلى الاستقلالية في السياسة الخارجية المصرية بعيدًا عن الصراعات والتحالفات بما يتوافق مع المصلحة الوطنية المصرية لذا تغيرت العلاقات المصرية بشكل جذري مع مجئ الرئيس عبدالفتاح السيسي، فقد أبدى دعمه للمرشح الجمهوري رجل الأعمال دونالد ترامب في أعقاب التنافس الإنتخابي مع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون خلال لقائه المرشحين في نيويورك في سبتمبر 2016. وبفوز "دونالد ترامب" وعقب تنصيبه بدأت مرحلة جديدة من العلاقات تتوافق فيها القيادتين حول العديد من الملفات فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في العالم، وبحث سبل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، مع التأكيد دائمًا أن مصر حليفًا استراتيجيًا مهمًا ومؤثرًا في منطقة الشرق الأوسط. وقد كان هذا واضحًا في مواقفهما المتقاربة في تلك القضايا في المحافل الدولية، مثل القمة الإسلامية-الأمريكية بالرياض، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة بين الطرفين. ويمكن توصيف تلك المرحلة ب "مرحلة التقارب" للتوافق الواضح بين البلدين، وتأكيد الاستراتيجيات الخاصة برؤى كليهما تجاه المواقف الدولية, علاوة على انعكاس ذلك في دعوة "ترامب" للرئيس المصري لزيارة البيت الأبيض, بعيدًا عن التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري أو الحديث عن ملفات الشائكة في العلاقات بين الجانبين. جاءت الزيارة الأولى للرئيس السيسى إلى واشنطن في أبريل 2017، وذلك لتعزيز التعاون بين البلدين نظرًا للتحديات المشتركة التى تواجهها مصالح البلدين في المنطقة. لذا كان قرار الخارجية الأمريكية في 22 أغسطس 2017 بخفض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بما يصل إلى 300 مليون دولار، في إشارة إلى تدهور حقوق الإنسان في مصر باعتبارها السبب الرئيسي لهذه التخفيضات غير المتوقعة في المساعدات. رغم تكهن البعض بأن هذا القرار مرتبط بشكل وثيق بالعلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية التي تميزت بالترابط والتعاون المشترك، بالإضافة إلى تنوع الترسانة المصرية من الأسلحة التي لم تعد تعتمد بشكل شبه كامل على التوريدات الأمريكية، فضلاً عن اتباع الدولة المصرية سياسة الباب المفتوح في علاقاتها الخارجية التي يكللها المزيد من التوزان مع القوى الإقليمية والدولية دون الانحياز لطرف على حساب آخر. لكن يمكن تفسير هذا القرار من جانب ثاني حيث إن الإدارة الأمريكية ما زالت حتى الآن غير واضحة المعالم فيما يتعلق بتوجهاتها نحو المنطقة بصفة عامة والقاهرة بصفة خاصة وهذا يرجع إلى عقيدة الرئيس الجديد الذي يعتمد على مبدأ الصفقات في صنع سياساته الخارجية بما يتوافق مع المصالح الأمريكية، وهو ما تجلى في علاقاته بدول الخليج ومساندته لهم وإبرام صفقات خاصة بالتسلح ومكافحة الإرهاب وعدم اتخاذه موقف واضح وصريح فيما يتعلق بالأزمة القطرية مع الدول العربية والتي قامت بمقاطع الدوحة نتيجة سياساتها العدائية في المنطقة والتي أضرت بالمصالح العربية، فبرغم من إعلانه محاربة الإرهاب والدول الداعمة له قام بإبرام صفقات مع الدوحة. لم يقتصر الأمر على ذلك فلابد من إلقاء الضوء على دور الكونجرس الأمريكي الذي يلعب دورًا بارزًا في إدارة ملف المساعدات الخارجية وإقرار الميزانيات الخاصة بالسياسة الخارجية والدفاع، التى تقدمها الولاياتالمتحدة، حيث يمتلك من القدرات التي تمكنه من زيادة حجم المساعدات أو إنقاصها بما يتوافق مع مصالحه وهو ما يتجسد في الحالة الإسرائيلية والتي دائمًا ما تلقى دعمًا سخيًا من الكونجرس، مقابل القاهرة والتي تتعرض للكثير من الضغوط، رغم أن هذه المساعدات هى استحقاق قانوني من الولاياتالمتحدة تجاه كل من إسرائيل ومصر وليست منحة تهبها واشنطن متى شاءت وتمنعها متى شاءت. وفيما يتعلق بالسبب المعلن حيث تم ربط وقف المساعدات نتيجة ملف حقوق الإنسان في مصر؛ في حقيقة الأمر هذا السبب يرجع إلى قانون "تعديل ليهي" الذي أصدره الكونجرس الذي يربط بين تقديم الولاياتالمتحدة جزء من المساعدات أو جميعها بمدى التزام هذه الدولة المتلقية للمساعدات بمعايير معينة لحقوق الإنسان، كما يعطي لوزير الخارجية حق التأكيد أن الدولة المتلقية ملتزمة أم لا، علاوة على حق تعليق هذا الشرط بما يتوافق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي، وهذا يعني أن هناك حالة من عدم التوافق ما بين الكونجرس والإدارة الأمريكية انعكست على قرارتهم الخارجية بشأن تقديم المساعدات لمصر. ونتيجة التطورات التي تشهدها العلاقات بشكل جلى في الآونة الأخيرة أدركت القيادة المصرية أن قرار واشنطن بالتعاون مع القاهرة يرتكز بالأساس على التطورات الداخلية والخارجية والتي تكاد تعصف بالعلاقات في بعض الأحيان برغم من التوافق حول بعض الملفات الإقليمية والتي استطاعت تقريب الرؤى بين الطرفين. لذا فقد حرصت القيادة المصرية على التعامل مع واشنطن باعتبارها حليف استراتيجي مؤثر بشكل قوي في المنطقة دون امتداد هذا التأثير إلى الداخل المصري ليكون بعيدًا عن التوترات التي تشهدها العلاقات من آن إلى آخر. وعلى الجانب الأخر؛ أضحت القيادة المصرية بفتح علاقات خارجية جديدة مع القوى الكبرى في النظام العالمي، والتوجه نحو دائر خارجية جديدة لم تكن أولوية من قبل لصاع القرار المصري تجلت في التوجه نحو دول آسيا الوسطى بصفة عامة وجمهورية كازاخستان بصفة خاصة على صعيد الزيارات الرسمية رفعية المستوى والتي أسفرت عنها توقيع مذكرات تفاهم بين الجانبين. كما تجسدت بشكل كبير كأولوية هامة لدى صانع القرار المصري العمل على تنويع مصادر السلاح كإستجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية، وذلك للحفاظ على استقلالية القرار المصري. تجلى في إبرام القارهرة لصفقات للسلاح مع كل من الصينوألمانياوفرنساوروسيا، فعلى سبيل المثال، ففى مايو عام 2015، قام وزير الدفاع المصري "صدقى صبحى" بزيارة الصين لتوقيع عقودًا على أسلحة ومعدات عسكرية جديدة مع نظيره الصيني "تشانغ وان تشيوان"، فيما وقعت مصر اتفاقيات مع ألمانيا لتزويد مصر بأربع غواصات هجومية تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء "طراز 209" تم تصنيعها من قبل شركة "ثيسنكروب" بالإضافة إلى اتقافيات "الرافال" مع فرنسا. علاوة على إبرام صفقة أسلحة تبلغ قيمتها نحو ملياري دولار لموسكو لتزويد مصر بنظام الدفاع الجوي المتقدم S-300 والطائرات المقاتلة من طراز "ميج" إلى جانب عدد من الأسلحة الأخرى، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون العسكري. بجانب التعاون العسكري من خلال إجراء المناورات المشتركة والتدربيات العسكرية مع عدد من القوى الكبرى وفي مقدمتها روسيا، فعلى سبيل المثال، تم إجراء أول عملية بحرية مشتركة تدعى "جسر الصداقة 2015" في 6 يونيو 2015، بالإضافة إلى مناورات "حماة الصداقة 1" في 2016 التي تجددت مرة ثانية في سبتمبر 2017. وفي المقابل؛ لم تتوقف صادرات مصر من الأسلحة من واشنطن، فقد أعلنت السفارة الأمريكية في القاهرة في 22 يونيو 2015، أن واشنطن سلمت سفينتين تابعتين للقذائف الصاروخية السريعة إلى البحرية المصرية، لتعزيز الأمن البحري والإقليمي بشكل مباشر حيث يشمل حماية الممرات والمعابر المائية الحيوية مثل قناة السويس والبحر الأحمر، فضلًا عن استئناف فعاليات التدريب المصرى الأمريكي المشترك "النجم الساطع 2017"، الذى تم تنفيذه خلال الفترة من 10 إلى 20 سبتمبر 2017 بقاعدة "محمد نجيب" العسكرية. حيث تعكس هذه المناورة مدى أهمية وعمق التعاون العسكرى بين مصر وواشنطن، في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، التي تتطلب تضافر الجهود للتصدى للتهديات التي يوجهها أمن واستقرار المنطقة بل والعالم أجمع.