رويدا رويدا تتبدد الأحلام الوردية التى تصورها البعض عقب فوز دونالد ترامب برئاسة الولاياتالمتحدة والتى توقعت تغير الإستراتيجية الأمريكية تجاه مصر 360 درجة وتحولها من العداء والتأمر إلى الدعم والمساندة وعزز ذلك الوهم الإشادات المتبادلة بين الرئيسين السيسي وترامب وما بدا بينهم من ود خلال اللقاءات المشتركة فى أكثر من مناسبة ولكن بمرور الوقت بدأت تتكشف حقيقة استمرار مؤسسات الحكم فى الولاياتالمتحدة بنفس سياستها تجاه مصر دون تغيير ودعم حقيقى وكان القرار الذى أصدرته الولاياتالمتحدة بقطع وتأجيل معونات بقيمة 290 مليون دولار لمصر بمثابة الإعلان الرسمى عن نهاية شهر العسل بين السيسي وترامب. وجاء القرار بشكل مفاجيء و يخالف وعود ترامب بتأسيس تعاون جاد مع مصر وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن القرار لا يتعلق فقط بملف حقوق الإنسان وصدور قانون الجمعيات الأهلية وإنما أيضا بملف علاقة مصر مع كوريا الشمالية عسكريا وتجارياً. وأشار أحد المحللين للصحيفة بأن مسألة التقارب بين مصر وكوريا الشمالية ليست جديدة وإنما ترجع لعام 1970 حيث قامت بيونجيانج بتدريب ضباط مصريين قبل حرب أكتوبر 1973 كما توجه مصر اتهامات بإمداد صواريخ سكود إلى كوريا الشمالية.وفى 2015 قالت وثيقة للأمم المتحدة إنّ ميناء بورسعيد المصرى تم استخدامه من قبل شركات كورية شمالية متورطة فى تهريب السلاح. كما فتحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ملف العلاقات المصرية-الكورية الشمالية دون أن تكلل بالنجاح.وأضافت التايمز أنّ الولاياتالمتحدة ربما تضغط على مصر بشأن روابطها العسكرية والمدنية مع كوريا الشمالية لافتة إلى أنّ أحد رجال الأعمال البارزين نجيب ساويرس أسس شركة اتصالات "أوراسكوم تيليكوم" التى ساعدت إنشاء شبكة اتصال رئيسية لكوريا الشمالية فى 2008. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط ولكن الخلاف بين القاهرةوواشنطن يمتد لأكثر من ملف على رأسها التطور اللافت فى العلاقات مع موسكو والذى يزعج واشنطن فى إطار صراع النفوذ والمصالح فى المنطقة وكذلك ملف الأزمة القطرية والرفض المصرى الكامل لتسوية الأزمة وفق الرؤية الأمريكية وإستمرار القاهرة فى ممارسة الضغوط على قطر لوقف نشاطها التأمرى بالمنطقة والذى يحقق فى النهاية أهداف السياسة الأمريكية. ما هي المساعدات الامريكية؟ تقدم الولاياتالمتحدةالأمريكية لمصر نوعين من المساعدات وبدأت فى ذلك عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1977 الأول عسكرية وتصل الي 1.3 مليار دولار سنويا، والثانية اقتصادية أو مدنية وكانت تبلغ 900 مليون دولار. حاليا المساعدات العسكرية مستمرة كما هي ولكن في صورة سلع أمريكية وتكاليف صيانة وخبراء لا أموال ويشكو الامريكان من تكديس مصر الدبابات والطائرات دون ان يحاربوا بها حتى تصدأ ويطالبون القاهرة بأخذ اسلحة لمحاربة (العدو الداخلي) أي الارهاب طالما لا يوجد عدو خارجي وتغيير عقيدة الجيش القتالية.وتلتزم الولاياتالأمريكيةالمتحدة بمساعدة مصر وإسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد، ولكن تم التلويح من قبل بوقف المساعدات الأمريكية لمصر أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. الحملة على مصر تستعر فى هذه الأونة حملة الهجوم على مصر فى الولاياتالمتحدة ويقودها ماركو روبيو، النائب الجمهورى الذي يهاجم القاهرة في كل مناسبة ودعا أكثر من مرة لحجب جزء من المعونة عنها. وعقد "روبيو" خلال الشهور السابقة عديدا من المباحثات بين 12 نائبًا في الكونجرس لمناقشة قطع جزء من المساعدات الأمريكية إلى مصر وبعث النائب الجمهوري، المعادى لمصر وتسعة من آعضاء مجلس الشيوخ الآخرين برسالة لترامب يونيو الماضى يحثه فيها للضغط على الرئيس السيسى حول هذا الملف. كما يشارك بتلك الحملة السيناتور الجمهوري المرشح الرئاسي السابق، جون ماكين، وحليفه الرئيسي فى الكونجرس، ليندسي جراهام، اللذين دعيا الكونجرس الأمريكى لربط المساعدات المالية للقاهرة بمدى احترامها لحقوق الإنسان. وتزامن حجب المساعدات مع قيام الناشطة آية حجازي المصرية الامريكية الجنسية التي اعتقلتها السلطات المصرية 3 سنوات بنشر مقالاً في صحيفة واشنطن بوست الأميركية طالبت فيه السلطات الامريكية باتخاذ موقف حازم اتجاه ممارسات السلطات المصرية اتجاه منظمات المجتمع المدني، وربط المساعدات لمصر بأوضاع حقوق الانسان قائلة: "هناك الكثير الذى يمكن للولايات المتحدة القيام به للمساعدة، على سبيل المثال، يجب على الولاياتالمتحدة تقديم مساعدات إلى الحكومة المصرية فقط إذا كان النظام يعمل على احترام حقوق الإنسان ولا يقمعها، وبخلاف ذلك، ينبغى أن تحجب تلك المعونة، وينبغى لها أيضا أن تستخدم نفوذها للنهوض بحقوق الإنسان سواء من خلال المباحثات العلنية أو المغلقة، كما فعلت في حالتي، فأحلام عديد من الشباب المصريين على المحك" بحسب مزاعمها. وقد استنكرت الخارجية المصرية قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية تخفيض بعض المبالغ المخصصة فى إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادى من البرنامج أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكرى. واعتبرت أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التى تربط، البلدين على مدار عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها، وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التى تواجه الشعب المصرى وخلط للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية .وأعربت "الخارجية" عن تطلعها لتعامل الإدارة الأمريكية مع البرنامج من منطلق الإدراك الكامل والتقدير للأهمية الحيوية التى يمثلها لتحقيق مصالح الدولتين، والحفاظ على قوة العلاقة فيما بينهما، والتى تأسست دومًا على المبادئ المستقرة فى العلاقات الدولية والاحترام المتبادل. والتساؤل الأن هل تنجح العلاقات والمصالح الإستراتيجية العميقة بين البلدين فى تجاوز أثار هذا القرار أم أنه سيشكل نقطة البداية لعودة العلاقات المصرية الأمريكية لمرحلة التوتر وعدم الاستقرار ؟