تمر الأزمة السورية فى هذه الآونة بمرحلة دقيقة إذ أصبحت سوريا ملعبا لصراع المصالح والنفوذ بين القوى الدولية والإقليمية وفى الأونة الأخيرة دخلت مصر على خط الأزمة لتحقن دماء الشعب السورى برعايتها لإتفاقين لخفض التوتر بالغوطة الشرقية وحمص مما حاز على رضا وثقة مختلف أطراف الأزمة. من جانبه , قال أحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري، إن الشعب السوري يمر بمرحلة حساسة، لكنها تعتبر الأهمُ في تاريخِ ثورتنا. وأضاف "الجربا" خلال كلمته، بالمؤتمر الذي نظمه تيار الغد السوري، يوم السبت الماضى، بأحد فنادق القاهرة: الثورة السورية قدمت وما زالت تُقدمُ نموذجًا للعالم حول التضحية والوفاء والصبر والعزيمة وحتى لا نكونَ رقمًا هامشيًا على مذبحِ المصالحِ الكُبرى للقوى الدولية والإقليمية، قررننا في هذه المرحلة أن نتخذَ القرارَ الصعب، انطلاقًا من ثوابتِ المصلحةِ السوريةِ أولًا، ولكي لا يقَعَ أيُ التباس فقد استندنا على مجموعة من الركائزَ الاستراتيجية وهى الحفاظُ على مُكتسباتِ الثورة، وعدمُ التضحيةِ بالدماءِ والجهود التي بُذِلت وما زالت تُبذلُ من شعبنا المرابط الصابر. وتابع حديثه: نعمل على حمايةُ المدنيينَ والثوار في مختلفِ المناطقِ السوريةِ، من بطشِ الآلةِ العسكريةِ للنظامِ وحلفائه، مع حفظ الكرامة ومكتسباتِ الثوار، عبرَ اتفاقاتٍ واضحةٍ وشفافةٍ تخدمُ قضيتنا العادلة, وذلك لإعادة الطريق أمام شعبنا للوصولِ إلى الأهدافِ الأساسيةِ التي رسمتها الثورة -قبل ان يشوهها بعضُ الدخلاء- بدءًا بالحريةِ والكرامة، مرورًا بالتغيير السياسي، وصولًا إلى سوريا ذات سيادة مستقلة وديموقراطية نعيشُ فيها بأمانٍ واستقرار، كما تطمحُ كلُ الشعوبِ الحرةِ في هذا العالم. و أشار إلى أن التشاورُ المتواصِلُ مع الثوار بمختلفِ المناطق، وعلى تنوعِ انتمائاتهم ، من أجلِ رسم خريطة طريق، للوصول سياسيًا إلى الأهدافِ التي عملنا عليها من اليومِ الأولِ للثورة. ولم نتجاوز أو نستثني فصيلًا صغُرَ أم كَبُر، إلا من استثنى نفسهُ لغاياتٍ ومآربَ لا شأنَّ لنا بها , فضلا عن التواصلُ اليومي الحثيث مع أهلنا في الداخل، الأمرُ الذي أفضى إلى بلورةِ مناخٍ عام حول أوضاعهم التفصيلية وحاجاتهم الراهنة، إضافةً إلى تطلُعاتِهم المستقبلية. وقال "الجربا", إنه استنادًا إلى هذه الثوابت، وبناءً عليها وعلى موازينِ القوى، التي أرخت بأثقالها على الواقعِ السوري، شَرعنا باتفاقاتٍ بدأت بالغوطة وانتقلت إلى حمص. وهَمُنا الأولُ والأخير، الوصولُ إلى أهدافِ شعبنا التي سطّرها بالدمِ في ثورةِ الكرامة. وواصل كلامه: يهمُنى أن أوضّح أننا درسنا كُلَ الاحتمالاتِ للوصولِ إلى نتيجةٍ عملية، وبعدما تفحصنا مع الشركاءِ السياسيين، والفصائلِ ومرجعياتِ الأهالي كُلَ السُبلِ المتاحة، وجدنا أنَّ أقصر الطُرقِ، وأقلها ضررًا، وأكثُرها فاعليةً التواصُلُ مع الطرفِ الروسي للوصولِ إلى نتيجةٍ مرضية، وهذا كما يعلمُ ويخبَرُ الجميع هو السبيلُ الوحيد المتوفِرُ حاليًا. وأضاف "الجربا" أن اختيارُ مِصرَ دولةً راعيةً لم يأتي ترضيةً أو لمصلحةٍ ضيقة، بل كانَ نتيجةً طبيعيةً وضروريةً لعدةِ أسباب وهى عدمُ وجودِ صراعٍ بين مِصرَ وأي فصيلٍ سوري فاعل في مناطق الاتفاقات، إضافةً إلى عدم دعم مِصرَ لأي طرفٍ عسكري، الأمرُ الذي يُشكِلُ حساسيةً لأطرافٍ اُخرى, وكذلك علاقةُ الثقةِ المتينة بين مِصرَ وروسيا، والتي رسّخت بدورها، ثقتنا نحن، وكانت دافعًا إيجابيًا لنا كجانبٍ سوري. وتابع الجربا: للعلم فإنَّ الجانبَ المِصري لم يتجاوز في أي تفصيل حدودَ الوساطةِ والرعاية، بل كانَ داعمًا دومًا ومتبنيًا لكل ما نطرحُهُ في المفاوضات وانطلاقًا من ذلك فإن مصر المحروسة، كانت ولا تزالُ وستبقى، هي الأكثرُ حِرصًا على حُرمةِ الدّمِ السوري، لم تُشارك بأيِّ وسيلةٍ من الوسائلِ في سفكِ الدماء، بل على العكس سعت وبكُلِ صدقٍ وتفانٍ على أن تكونَ جِسرًا للتواصلِ بين السوريين، ومُنطلقًا لحلٍ يرضي جميع الأطراف بما فيه خيرٌ لمستقبل بلادنا، ولم تنظر مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي إلى سوريا إلا من قناعةٍ راسخةٍ لدى الوجدان الشعبي والرسمي المصري، قناعةٌ مفادُها أنَّ سوريا جزءٌ لا يتجزأ من تاريخِ مصر وعزتها وسلامةِ أمنها القومي. وأكد" الجرباُ" أنَّ وقف إطلاق النار في المناطق الساخنة في سوريا ليس من بناتِ أفكارنا، بل هو أمرٌ قرره الضامنون في "أستانا"، ووافقت عليه جميعُ الفصائلِ المشاركةِ من الشمالِ إلى الجنوب، ووافق عليه النظامُ أيضًا. وأضاف: كُنا نحن في تيار الغد السوري، قد شجعنا على المُضي قُدُمًا في وقف إطلاق النار، لأننا نعتبرهُ بدايةً لإنهاءِ المقتلةِ السورية ومُقدمةً حقيقيةً للوصولِ إلى إنجاح ما شرعنا به. ولكن تحفُظُنا الوحيد كانَ الغيابَ العربيَ الكاملَ عن مفاوضات "أستانة"، ومن هنا تأتي أهميةُ وجودِ مِصر كراعٍ في المفاوضات الجارية في القاهرة. و تابع الجربا أنّ الاتفاقات التي بيننا وبين الروس والتي تنطلق من القاهرة، ليست موجهةً لأيِّ طرفٍ إقليمي أو دولي. ولا يفوتُني الإشارةُ إلى الترحيبِ الدائمِ بكل طرفٍ شقيقٍ أو صديق، يُريدُ أن يمُدَ يدَ العونِ لنا في إنجازِ ما نحنُ فيه، ولا أستثني أيَ طرفٍ خليجي وعربي أو دولي، وأُكررُ أننا لا نستثني أيَ دولةٍ أو طرفٍ يُريدُ مدَّ يدَ العونِ والمساعدةِ في حلٍ سياسيٍ يُنهي الصراعَ في بلادنا. وقال الجربا فى رسالة للشعب السورى من خلال المؤتمر: "أيُها الشعبُ السوري الجبار، يا أبناءَ ملحمةِ القرنِ الحادي والعشرين. هذا هو المشروعُ الذي بدأناهُ وسنكملهُ سويًا. والأمرُ يُلزِمُني بتوضيحِ أمورٍ لابُدَّ من الإشارةِ إليها ليعلمها كل قاصٍ ودانٍ. نحنُ شعبٌ قدم الدماءَ والجهودَ لننعم بالحريةِ والكرامة -لا لنتحولَ إلى رُقعةٍ وساحةٍ مستباحةٍ من قبلِ تنظيماتِ الجهادِ العالمي، التي ترى في سوريا مُجردَ أرضِ رباطٍ، أو نُصرةٍ، أو ساحةَ جهادٍ لمآرِبَ خارِجَ مصلحةِ الشعبِ السوري وأهدافَ ثورتِه. إنَّ الشعبَ السوري لن يقبل أن يتصدرَ المشهدَّ من جاؤوا من وراءِ الحدود، وسرقوا ثورتنا، ولن يقبل أن يحتلَّ الساحةَ البغداديُ والجولانيُ والشيشانيُ والجزراويُ. وأنَّ الذي يُريدنا أسرى بين بحر الدماء المجاني والباصات الخُضر، هو شريكٌ للنظامِ في ذبحنا مع اختلافِ الشعاراتِ لا غير. وأعتقدُ ان كلاميَ مفهومٌ للجميع، والكلُ يعرف الحقيقةَ في هذا الأمر ولكنني - كالعادة - أُحِبُ أن اقولها بشكلٍ مُباشَرٍ بدلَ اللفِ والدورانِ حولها. " وتابع الجربا :"بالنسبةِ للغوطةِ الشرقية، أُحِبُ أن أقول لأهليَ فيها أننا قد أنجزنا فى اتفاقِ وقفِ اطلاقِ النار بالغوطةِ ما اتفقنا عليه. وإنني انتهزُ هذه الفُرصةَ لأحيي قيادةَ جيشِ الإسلام على تحليهم بالشجاعةِ والمسؤوليةِ الوطنيةِ العليا، في قرارهم الذي اتخذوهُ من أجلِ الحفاظِ على ارواحِ أبناءِ منطقتهم، والحفاظُ على ثوابت الثورة السورية، وقد يتساءلُ البعضُ لماذا يتوقفُ القصف، وتدخلُ الإغاثةُ الى دوما، بينما عين ترما وزملكا، وجوبر وعربين لا تزالُ تعاني من القصفِ الجويِّ، والبراميل والمدفعية الثقيلة؟ اقولُها وبكلِ صراحة - السببُ هو عدمُ توقيعِ الأخوة في فيلق الرحمن المُسيطر على هذه البلدات، على اتفاقيةِ الغوطة في القاهرة، وأننا لا نزالُ ننتظرُ وصولهم، او تفويضهم لأحد أطراف الغوطة للتوقيع على الاتفاقية، لينعَمَ اهلُنا في كامل الغوطةِ بالأمنِ والسلامة، وإنني أُحمِلُهم كامل المسؤولية، عن كل قطرةِ دمٍ سُفِكت في الغوطة مُنذُ إبرامِ الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ في 22 يوليوالماضى, فمازالوا يُعطِلونَ الحلَّ بِحُججٍ شكليةٍ واهية، كالحديث عن تغيير الراعي أو البلدِ المُضيف، وأقولُ لهم: إنَّ دَمَ الشَعب السوري أعلى من أي اعتبار أو مصلحةٍ أو تسجيلُ نقطةٍ لصالح هذه الدولةِ او تلك، وتركُ اهلِنا أسرى رِهانات الخارج هو طعنٌ للثورةِ وللناس، وهو ما لن نقبلُه او نُقِرهُ، ولا يزايدنَّ أحدٌ علينا، فقد شَرَعنا ببناء العمل الثوري المسلح، يوم عزِّ الرجال في ساح القتال. واتممنا التسويات السياسية يومَ تراجعَ معظم الساسة قبل أن يعودوا ويلتحقوا بما شرّعناه مع رِفاقنا. وأذكِّرُ بحضورنا لجنيف اثنان عام 2014". وأضاف الجربا:" أما ما يخصُ اتفاقَ وقفِ إطلاق النار في ريفِ حمص الشمالي، فإننا سمعنا اصواتً من هنا وهناك، تُطالبُ بأن يكونَ الضامنُ التُركي موجوداً في الاتفاق، نقولُ لهم، وبكل صراحةٍ أيضاً: أنَّ مفاوضات استانا الجارية مُنذ عدةِ أشهر لم تفضي إلى وقف إطلاق النار في الريفِ الشمالي، ونحنُ كنا نرحِبُ دائماً بحصولِ هذا الاتفاق بالريفِ الشمالي. لماذا كُلُ هذهِ الأشهر لم يحصل هذا الاتفاق، ولم نسمع هذه الاصوات أنها طالبت بوقف إطلاق نارٍ في هذهِ المنطقة؟ إلّا حينَ تدخلنا لعقدِ مثل هذا الاتفاق، إنَّ كلامهم مردودٌ عليهم، ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلين، وكبُر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون، ولا يُحيقُ المكرُ السيء إلا بأهله. وانتهزُ هذهِ الفرصة لأحييَّ الأخوةَ في جيشِ التوحيد، ومشايخ ووجهاء وضباط الريف الشمالي من حمص، لشجاعتهم وجرأتهم على إتمام هذا الاتفاق. تحية كبيرة إلى أهلنا الصامدين في الريفِ الشمالي الأبي، تحية إلى الرستن وتلبيسة، والحولة والغنطو، وتيرمعلة والدار الكبيرة، والزعفرانة. وإلى جميعِ القرى والبلداتِ في الريفِ الشمالي من حمص". وقال الجربا أخيراً أود أن أؤكد أنني وكلُّ من في الخارجِ لا يمكنُ أن نُزايدَ على الموجودين تحت النار في الداخل، لقد كادت المزايداتُ أن تُطيحَ بالثورةِ وبالدولةِ معاً فكفى مزايدةً حتى لا نضطر الى كشفِ المستور.