لا يخفى على أحد أن الكثير من زعماء العالم العربي تفاءلوا كثيرا بوصول دونالد ترامب للحكم في أمريكا، بسبب مواقفه العدائية الواضحة حيال إيران، وكذلك الجماعات الإرهابية ،لكن هذا لا يعني أن هناك بعض التخوفات من سياساته تجاه بعض الدول،لذلك اهتم أحد أهم المراكز الإسرائيلية التابعة للموساد باستشراف العلاقات بين ترامب والدول العربية وأهم الملفات التي ستكون نقطة تلاقي والأخرى التي قد تسبب خلافات حيث قال تقرير لمركز الأمن القومي الإسرائيلي إنه بالنسبة لكثير من الحكومات الغربية البرجماتية بالمنطقة تعد بداية عهد دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة تطورا هاما ،وليس السبب هو نهاية عهد الرئيس أوباما الذي ساعدت سياساته على نفور وكراهية حلفاء واشنطن التقليديين،لكن السبب هو تصريحات "ترامب" التي دفعت هذه الدول للتفاؤل. وأوضح التقرير أنه من المهم وبالأخص بالنسبة للسعودية والدول الخليجية ،أن تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة على إلغاء سياسات واشنطن السابقة حيال إيران ،حيث كانت نظرة أوباما لهذا الملف ضيقة وفقا لرؤيتهم, فهذه الحكومات كانت منزعجة جدا ليس فقط لتعامل أوباما مع الملف الإيراني ولكن لتعامله أيضا مع قضية الإسلام السياسي ،الذي يعانون منه ويؤثر عليهم حتى الآن رغم الضربة الموجعة التي تلقاها في مصر ،كما أنهم يرون أن صعود داعش جاء نتيجة الانسحاب غير المنظم للقوات الأمريكية من العراق ،إضافة إلى سياسة أوباما الضعيفة وغير الحاسمة فيما يتعلق بالأزمة السورية مما أدى إلى تأجيجها. وإلى جانب هذه السياسات فإن إدارة أوباما أبعدت واشنطن عن دورها التقليدي الذي كانت تقوم به منذ عقود في منطقة الشرق الأوسط ،مما أبعد الحكومات العربية عن الإدارة الأمريكية،وفي المقابل كان هناك تقارب واضح بين واشنطن والإخوان المسلمين وإيران حيث وجدهما الرئيس الأمريكي السابق عناصر فاعلة لحل مشكلات الشرق الأوسط. وزاد الأمر سوءا عندما اندلعت المظاهرات في تركيا ضد المصالح الأمريكية وتحالف الناتو ،كما رأت كل من القاهرةوالرياض وأبو ظبي وهما حلفاء تقليديين لواشنطن أن البيت الأبيض يتقرب من أعدائهم. وبشكل عام بدأت الثقة في الولاياتالمتحدة كقوة عظمى تهتز بسبب استجاباتها الضعيفة وأحيانا عدم ردها على الاستفزازات الموجهة لها والتي تلحق الضرر بأمريكا. ووفقا للتقرير كانت أحد النتائج السياسية لهذه السياسات هي زيادة تأثير وتدخل بعض القوى الخارجية في المنطقة، وبالأخص روسيا, كما أن مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات اضطروا في أحيان كثيرة لاتخاذ سياسات منفرده حفاظا على مصالحهم ،كما أنهم بحثوا عن دعم دبلوماسي وعسكري خارجي جديد ،وهذا الأمر لم يكن يتناسب مع أهداف السياسة الأمريكية. ولفت التقرير إلى أن المصالح المصرية لم تكن دائما متفقة مع وجهة النظر السعودية ، ولاسيما فيما يتعلق بمسألة استمرار نظام الرئيس السورى بشار الأسد،حيث إن القاهرة ترى وجوب استمرار النظام السوري الحالي كجزء من الحل وعدم الدخول في مواجهة مع إيران،بينما ترى السعودية ضرورة إزاحة الأسد عن السلطة ،وترى أيضا أنها في مواجهة فعلية مع طهران، ونتيجة لهذا الاختلاف أصبح هناك توتر في العلاقات،ومع ذلك فكلتا الدولتين تشتركان سويا في الأمل بأن يحدث جديد بسياسات الولاياتالمتحدة وفيما يتعلق بمصر فهناك تفاؤل بأن إدارة الرئيس ترامب لن تضغط عليها كثيرا في ملف حقوق الإنسان ،كما فعلت الإدارة السابقة وكذلك هناك أمل بأن توقف واشنطن دعمها للإخوان وفي المقابل تزيد دعمها للقاهرة فيما يتعلق بحربها ضد الجهاد السلفي أما بالنسبة للسعودية ودول الخليج فهناك تخوف كبير من إيران ،وهناك أمل في أن تعمل إدارة ترامب على توفير الدعم بشكل كبير من أجل احباط المخطط الإيراني بالمنطقة. ولفت التقرير إلى أن قرارات ترامب الأولى سيكون لها تأثير كبير في الحكم عليه فيما بعد،فهو حتى الآن عمل على تطبيق الكثير من وعوده الانتخابية فيما يتعلق بتجريم المسلمين،والكثير من المصادر العربية التي انتقدت قراراته طالبته بفتح صفحة جديدة أملا في أن يرجع فيها. ومن ناحية أخرى فإن السعودية ودول الخليج يشجعون لهجة إدارة ترامب الهجومية ضد إيران ،وكان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس صرح بأن طهران هي العنصر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة،موضحا أنه يؤمن بأن سياسة الجمهورية الإسلامية بالمنطقة هي سبب قلق الإدارة الجديدة في أمريكا. وأشار التقرير إلى أنه بذلك تكون سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة حيال طهران بعيدة كل البعد عن سياسة الإدارة السابقة التي رأت أن تتعامل بتوازن واعتدال من أجل تعطيل المشروع النووي ومخططات إيران بالمنطقة. وعلى عكس ما يراه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،فإن زعماء الكتلة السنية وعلى رأسهم السعودية لا يطالبون بإلغاء الاتفاق النووي ،حيث يرون أن هذا القرار في الوقت الحالي سيكون بمثابة صاروخ موجه،لأن من شأنه أن يزيد من غضب المعسكر المتطرف بإيران ،الذي سيطالب على الفور بتجديد فكرة المشروع النووي دون الخضوع للتفتيش الدولي ،لكن في هذه الحالة أيضا سيكون من الصعب إعادة العقوبات على الجمهورية الإسلامية. وقال التقرير إن زعماء الخليج قلقون جدا من سياسات إيران بالمنطقة ،التي أصبحت عنيفة جدا منذ وقعت الاتفاق النووي ،وكذلك قلقون من تأثيرها الزائد في العراق واليمن وسوريا ولبنان. ولفت التقرير إلى أن كل الدول العربية وبالأخص مصر يأملون في أن يدعم ترامب ملف حقوق الإنسان الخاص بهم بما يسمح لهم بمواجهة التحديات النابعة من الإسلام السياسي والجهاد السلفي وخطورتهما على أنظمة الحكم، خصوصا أن الرئيس الأمريكي الجديد أعلن سابقا أن ظاهرة الإسلام الراديكالي ستكون على قائمة أولوياته،وكذلك الحرب ضد داعش ،كما صرح بأن القضاء على الإرهاب يأتي من خلال تجفيف منابعه بالمنطقة. واستكمل التقرير بأن انتخاب ترامب كان مصحوبا أيضا بعدة مخاوف ،فمن المتوقع أن يكون منح الأمن لعدد من الأنظمة في مقابل شراء الكثير من الأسلحة ومنح مساحات للقواعد الأمريكية،كذلك هناك تخوف من الروح الجديدة النابعة من واشنطن حيال روسيا ومن تداعيات ذلك على مستقبل سوريا،حيث سيجد ترامب صعوبة في إصلاح العلاقات مع دول الخليج وفي المقابل يتقرب من روسيا بسبب حسابات المصالح لكلا الجانبين والتي تمليها عليهما أحداث المنطقة الجارية بما يصعب وجود اتفاق،وفي حالة توصل الرئيس الأمريكي الجديد لاتفاق مع روسيا فيما يتعلق بالحرب المشتركة ضد داعش، وأيضا الوضع في سوريا سوف ترى دول عربية كثيرة أن ذلك يعد نجاحا كبيرا لنظام الأسد وإيران. بالإضافة إلى ذلك فإن ترامب الذي أكد أنه سيعيد أمريكا للأمريكيين ولعظمتها، من الممكن أن يبعد بسياساته عن بعض الأمور الخاصة بالشرق الأوسط نفسه ،ولذلك فإنه إذا حدث توافق في سياسات أمريكا مع مصالح المنطقة، فإن الكثير من تداعيات سياسات الرئيس السابق أوباما بالمنطقة سوف تستمر في تأثيرها ،وعلى رأسها تعاظم الدور الإيراني وزيادة التأثير الروسي ،فعلى سبيل المثال سنجد أن المعسكر السني بقيادة السعودية سيكون مضطرا للتعاون مع المحور الأمريكي الروسي التركي،ضد داعش وهو المحور عينه الذي يدافع عن فكرة بقاء الأسد على كرسي الحكم وهو الأمرى الذي ترفضه الرياض. كذلك فإن الزعماء العرب لديهم تحفظات على عدد من تصريحات ترامب التي يرفضونها،وعلى رأسها تصريحه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس،فإذا لم يكن ملف القضية الفلسطينية على رأس أولوياتهم من الممكن أن يؤدي هذا الأمر إلى غضب عارم في الدول العربية الأمر الذي قد يؤثر على استقرار حكمهم ،وعلى الحكام العرب أن يخوضوا هذه المعركة حتى وإن كانت تعني فتح أبواب جهنم ،لأن هذا الأمر يؤكد أن هناك سوء فهم من الإدارة الأمريكية وعدم تقدير لميزان القوى بالمنطقة، ولذلك فإن ترامب عليه أن يجد حلا حتى يستطيع أن يفى بوعده الانتخابي فيما يتعلق بنقل السفارة للقدس.