التصريحات العلنية الأولية من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن إيران خلقت الانطباع السائد بأن الولاياتالمتحدة ستتبنى موقفا أكثر عدوانية تجاه الجمهورية الإسلامية من موقف رئاسة باراك أوباما، لكن على الرغم من التحذيرات التي وجهها مستشار الأمن الوطني السابق مايكل فلين وترامب نفسه لطهران، السياسة الأمريكية تجاه إيران التي بدأت تتبلور في الأسابيع الأولى لإدارة ترامب تبدو مماثلة تماما لأوباما وللتقليد الأمريكي. والسبب هو أن سياسة إدارة أوباما تجاه إيران تعكس وجهات نظر فريق الأمن القومي الذي لا يختلف كثيرا عن الفريق الموجود لدى إدارة ترامب من حيث العقلية المتشددة. في 1 فبراير، أعلن فلين أن إدارة أوباما قد "فشلت في الاستجابة على نحو كاف لإجراءات طهران الخبيثة"، مشيرا إلى أن الأمور ستكون مختلفة في ظل ترامب لكن هذا الخطاب مضللا، سواء فيما يتعلق بسياسة إدارة أوباما تجاه إيران أو بالخيارات المتاحة لترامب لتجاوز تلك السياسة. النفوذ الضار: فكرة أن أوباما قد أصبح بطريقة أو بأخرى على علاقات ودية مع إيران لا يغير واقع عقيدة إدارته تجاه إيران. الاتفاق النووي لأوباما مع إيران أغضب المتطرفين اليمينيين، لكن دبلوماسيته النووية كانت تقوم على محاولة إجبار إيران على التخلي عن أكبر قدر ممكن من برنامجها النووي من خلال مختلف أشكال الضغط، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والعقوبات الاقتصادية والتهديد بهجوم إسرائيلي محتمل. على الرغم من خطابات ترامب حول مدى سوء الاتفاق النووي، قرر بالفعل أن إدارته لن تمزق أو تخرب هذا الاتفاق مع إيران، وهذه حقيقة أوضحها عدد من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية عندما علموا أن لا إسرائيل ولا السعودية يرغبان حدوث ذلك. حول النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، تعكس سياسة أوباما إلى حد كبير وجهة نظر جهات الأمن القومي الدائمة للدولة الأمريكية، التي تعتبر إيران عدوا عنيدا لعقود من الزمن منذ كانت وكالة المخابرات المركزية والجيش الأمريكي في حرب مع الحرس الثوري الإيراني في مضيق هرمز وبيروت في الثمانينات. العداء الذي أعربه فريق ترامب نحو دور إيران الإقليمي لا يختلف عن ما قيل من قبل إدارة أوباما لسنوات، حيث أشار وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى "النفوذ الضار" لإيران ووصف إيران بأنها "أكبر قوة مزعزعة للاستقرار" في المنطقة، كذلك أوباما ومستشاريه للأمن القومي أيضا تحدثوا كثيرا بشكل مستمر حول أنشطة إيرانية ل"زعزعة الاستقرار" في المنطقة. في عام 2015، كانت إدارة أوباما تستخدم كثيرا عبارات مثل "التأثير الضار" و "الأنشطة الخبيثة" حتى قيل أنها أصبحت أحدث عبارات واشنطن الرنانة. اختلاف رؤساء وتطابق سياسات: 1– بدءا من الرئيس بيل كلينتون، كل إدارة أمريكية اتهمت إيران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وكان الاتهام ليس مبنيا على أساس أي دليل ولكن كمبدأ راسخ لسياسة الولاياتالمتحدة، بدءا من تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، ألقت إدارة كلينتون باللوم على إيران عن كل هجوم إرهابي في العالم حتى قبل البدء في إجراء أي تحقيق. من خلال تحقيقات موسعة سواء في الاعتداء على مبنى الجمعية اليهودية في بوينس آيرس بالأرجنتين عام 1994 وتفجير أبراج الخبر عام 1996، الأدلة المفترضة على وجود تورط إيراني إما غير موجودة أو ملوثة وتالفة بشكل واضح، لكن كل ذلك لم يساهم في تحول السرد المتواصل عن إيران كدولة إرهابية. 2- أفادت تقارير أن بعض مستشاري ترامب يناقشون توجيه رئاسي محتمل إلى وزارة الخارجية للنظر في تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، لكن مثل هذه الخطوة إذا تمت ستندرج في إطار فئة المواقف السياسية الموجهة للاستهلاك الإعلامي وليست سياسة جدية. الحرس الثوري يخضع بالفعل لعقوبات، كما أشار الخبير القانوني تايلر كوليس وعلاوة على ذلك، فإن فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني الذي يشارك في عمليات خارج إيران، مدرج على قائمة "الإرهاب الأمريكية" منذ ما يقرب من عقد من الزمان. 3- أشار فريق ترامب إلى عزمه على تقديم دعم قوي لسياسة السعودية الإقليمية المعادية لإيران، لكن من الواضح حتى الآن أن ترامب لا يميل إلى فعل أي شيء عسكريا ضد نظام الأسد أكثر مما فعله أوباما. وبشأن اليمن، الإدارة الجديدة كذلك لا تخطط لفعل أي شيء لم يفعله أوباما. عندما سئل مسؤول أمريكي كبير عما إذا كانت الإدارة تقوم ب "إعادة تقييم" الحرب السعودية في اليمن، أجاب بكلمة واحدة: "لا". هذا يشير إلى أن ترامب سيواصل سياسة إدارة أوباما في حملة القصف السعودية في اليمن دون تغيير – من حيث توفير التزود بالوقود جوا، والأسلحة والدعم السياسي والدبلوماسي. 4- أما بالنسبة لبرنامج الصواريخ الإيراني، ليس هناك فرق بين الإدارتين. في يناير، وصف مسؤولو ترامب إجراء تجربة صاروخية إيرانية ب "المزعزعة للاستقرار" و "الاستفزازية"، وهما نفس المصطلحان اللذان تم ذكرهما في بيان مارس 2016 من قبل إدارة أوباما وحلفاؤها الأوروبيون في وصف التجارب الصاروخية الإيرانية. استخدام القوة غير مرجح: ومع ذلك، يمكن للمرء أن يعترض بأن هذه المقارنة لا تغطي سوى الخطوط العريضة الأولية لسياسة ترامب تجاه إيران، ويجادلون بأن واشنطن تخطط لتصعيد الضغوط العسكرية، بما في ذلك احتمال استخدام القوة. صحيح أن احتمال وجود سياسة عسكرية أكثر عدوانية من قبل ادارة ترامب لا يمكن استبعاده تماما، ولكن أي اقتراح سياسي ينطوي على تهديد أو استخدام للقوة يجب أن تتم الموافقة عليه من قبل وزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، وهذا من غير المرجح جدا أن يحدث. آخر مرة فكرت الولاياتالمتحدة في الدخول بمواجهة عسكرية مع إيران كانت في إدارة جورج دبليو بوش. في عام 2007 اقترح نائب الرئيس، ديك تشيني، أن الولاياتالمتحدة تهاجم قواعد عسكرية في إيران في سياق التدخل الإيراني في حرب العراق ضد القوات الأمريكية. لكن وزير الدفاع، روبرت جيتس، بدعم من هيئة الأركان المشتركة، رفض الاقتراح وأصر على أن تشيني لم يدرك كيف ستنتهي عملية التصعيد. كان هناك سبب وجيه جدا لماذا هذه الخطة لم تنجح في حشد وزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة. الوقت الذي يمكن للولايات المتحدة فيه مهاجمة إيران مع الإفلات من العقاب قد مر بالفعل. في عام 2007، أي هجوم على إيران كان سيخاطر بفقدان جزء كبير من الأسطول الأمريكي في الخليج من خلال صواريخ إيرانية مضادة للسفن. اليوم، فإن تكلفة الجيش الأمريكي ستكون أعلى من ذلك بكثير بسبب قدرة إيران الأكبر على الرد بصواريخ وضربات ثقيلة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في قطر والبحرين. في النهاية، الملامح الرئيسية لسياسة الولاياتالمتحدة تجاه إيران تعكس دائما وجهات نظر ومصالح الأمن القومي الدائمة للدولة أكثر بكثير من أفكار الرئيس. صحيح هذا الواقع ضمن عداء لا ينتهي من قبل الولاياتالمتحدة تجاه إيران، ولكن أيضا من المرجح جدا أن يعني استمرارية وليس تحولات جذرية في السياسة تحت إدارة ترامب. ميدل ايست اي