لم يكن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مجرد لقاء، ولكنه كان بمثابة كلمة النهاية لأزمة امتدت على مدار أسابيع ماضية بين "الطيب" والدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف عرفت ب"معركة الخطة المكتوبة". وخلال هذه الأزمة حارب الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بكل ما أوتي من قوة دون مراعاة لمكانة الأزهر وشيخه، الذي رفض فكرة "الخطبة المكتوبة" باعتبارها لا تصب فى صالح الإسلام أو الدعوة. اللقاء المذكور حمل ذلك الانتصار للشيخ، إذ أكد "السيسي" دعم الدولة الكامل والمتواصل لمؤسسة الأزهر الشريف، جامعًا وجامعة، وكذلك دوره المحوري في التعريف بصحيح الدين الإسلامي، كما أظهر عدم صدق وزير الأوقاف في إعلانه دائمًا أنَّ الخطبة المكتوبة جاءت وفق توجيهات "السيسي" بحجة الارتقاء بالدعوة، حيث تأكد الرئيس أنَّ الأزهر هو المسئول عن الدعوة وأمرها في يد الدكتور أحمد الطيب، الذي وجَّه بالعدول عن الفكرة. مناقشة "الطيب" مع قيادات الأزهر، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف والدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، كانت الحل النهائي لأزمة "الخطبة المكتوبة" التي افتعلها "جمعة"، خاصة فى ظل تأكيد "السيسي" على أنَّ الأزهر هو المسئول عن الدعوة في الدولة، و دوره في مواجهة دعوات الغُلو والتطرف، من أجل الحفاظ على الصورة الحقيقية للدين الحنيف، ومواصلة مسيرة التنمية. "الطيب" تسبب في إحراج مختار جمعة، حيث خرج الوزير بتصريح قال فيه "إنَّ وحدة الصف فوق كل اعتبار، وأن مصلحة الدين والوطن تتطلبان تضافر الجهود لا تفرقها، وسنعمل معًا على كل ما يخدم الدين والوطن، أئمة ووعاظًا وأساتذة على قلب رجل واحد".. وجاءت تلك الكلمات منافية تمامًا لسياسة "جمعة" منذ توليه الأوقاف، والتى خرج فيها عن عباءة الأزهر وأصبح يحاول تجديد الخطاب الديني منفردًا بعقد المؤتمرات فقط، لاسيما فى ظل تطلعه الدائم لكرسي مشيخة الأزهر، مما دفعه للتصادم مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وهو ما أثار العديد من المشاكل بين الطرفين. بذل أحمد الطيب جهوداً لتصحيح صورة الإسلام وتنقيتها مما علق بها من أفكار مغلوطة، تمثلت في الجولات الخارجية التي قام بها خلال الفترة الأخيرة إلى عدد من الدول الآسيوية والأوروبية والإفريقية، هدفت فى المقام الأول إلى تقديم المبادئ الصحيحة للإسلام وإيضاح حقيقته السمحة ونبذه للإرهاب ولجميع أشكال العنف والتطرف، وكذلك حفاظًا على صورة الأزهر الذي يمثل منبرًا للإسلام المعتدل بوسطيته وسماحته، الذى تحاول مجموعة من المتطرفين والإرهابيين تبرير أفعالها باسمه وهو منها براء. مجهودات "الطيب" لا تقتصر على جانب معين، بل يسعى دائمًا للارتقاء بمستوى شباب الوعاظ في مختلف محافظات الجمهورية، وتحسين مستواهم العلمى والثقافى وزيادة إلمامهم بالقضايا المستجدة، فضلاً عن إعطائهم التوجيهات الإرشادية للعمل فى مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية والرد على الشبهات، بما يُسهم فى القضاء على فوضى الفتاوى، وفى رصد كل ما يُثار من شبهات ومفاهيم مغلوطة لتصحيحها والرد عليها. ولد أحمد الطيب في 6 يناير 1946، بقرية المراشدة في مدينة دشنا بمحافظة قنا والتحق الطيب بجامعة الأزهر حتى حصل على شهادة الليسانس في العقيدة والفلسفة عام 1969 ثم شهادة الماجستير عام 1971 ودرجة الدكتوراه عام 1977 في نفس التخصص. يُعد "الطيب" الإمام ال48 لمشيخة الأزهر، منذ 19 مارس 2010، بعدما أصدر الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك قرارًا بتعيينه شيخًا للجامع الأزهر خلفًا للدكتور محمد سيد طنطاوي، وهو الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وعمل أستاذًا في العقيدة الإسلامية ويتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة وترجم عددًا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية وعمل محاضرًا جامعيًا لمدة في فرنسا. لديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة وفي التصوف الإسلامي، وينتمي إلى أسرة صوفية ويرأس طريقة صوفية خلفًا لوالده الراحل.