كشفت تقارير عن وجود غضب عارم من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ضد المحكمة الدستورية لإطلاقها سراح الصحفيين "دوندار وجول", وأشار الكاتب التركي "مراد يتكين" في مقال له نشرته صحيفة "حريِّت" التركية اليومية الناطقة بالإنجليزية، إلى أنه قبل إقلاع أردوغان من إسطنبول للقيام بجولة لدول غرب أفريقيا، انتقد المحكمة الدستورية التي قضت يوم 25 فبراير بأن اعتقال الصحفيين "كان دوندار وإرديم جول" يتنافى مع حرية الصحافة التي يضمنها الدستور، وصب غضبه أيضاً على المحكمة الجنائية المحلية التي أطلقت سراحهما عقب حكم المحكمة العليا بعد 92 يوماً في السجن. قال أردوغان: "أنا لا أحترم هذا الحكم. ولن ألتزم به. كان يمكن أن تصر [محكمة إسطنبول الجنائية] على حكمها الأصلي [عندما ألقت القبض على الصحافييْن] وتتجنب حكم المحكمة الدستورية. وكان [دوندار وجول] سيضطران بعد ذلك للجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. هذه العملية برمتها ليست صحيحة على الإطلاق". وأوضح الكاتب أن رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت" اليومية، كان دوندار، ومدير مكتب أنقرة، إرديم غول، قدما إفادات في عام 2015 حول وثائق مقدمة للمحكمة بشأن نقل معدات عسكرية غير شرعية لجماعات المعارضة التي تقاتل ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا في أوائل عام 2014. ورفع محامي أردوغان، معمر سيلالوجلو، دعوى لمكتب المدعي العام يطالب فيها بمحاكمة الصحافييْن بتهمة التجسس العسكري ومساعدة منظمات غير مشروعة. فُتح تحقيق قضائي ضد الصحفيين على الفور وأُلقي القبض عليهما في 26 نوفمبر2015، ووُضعا في سجن سيليفري قرب إسطنبول. وتعليقاً على تأكيد أردوغان في 28 فبراير أن الإفراج عن الصحافييْن لا يعني تبرئتهما، فلا تزال القضية جارية، قال الكاتب إن هذه الملاحظة تفتح النقاش في أنقرة حول ما إذا كان ذلك يعني الضغط على المحكمة لسجنهم. ويؤكد الكاتب أن غضب أردوغان قد لا يقتصر على قضية هذين الصحافيين، التي تحولت إلى ما هو أشبه بقضية شخصية بالنسبة له، مبيّناً أن الأحداث على مدى الأسبوعين الماضيين، بشأن الطريق الدائري لأنقرة، تشير إلى وجود ارتفاع غير عادي من التوتر داخل حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ نحو 14 عاماً. وينّوه الكاتب إلى التصريحات النارية لعدد من الحرس القديم للحزب، بما في ذلك بولنت ارينج، مما استدعى تدخل الرئيس السابق عبد الله غول، بعد مأدبة عشاء بينه وبين أردوغان، بعدها شكك رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، في حديث له على قناة "الجزيرة"، في مصداقية الدول العربية التي تريد من تركيا الانخراط في سوريا مع القوات البرية، مؤكداً أن هذا يعني "التصرف بعيداً عن منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولن تتخذ تركيا خطوة من جانب واحد". وفي الوقت نفسه، هناك مثال آخر يدل على أن الجيش يقف أيضاً ضد أي تحرك خارج "الناتو". ففي يوم 27 فبراير الماضي، خاطب رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال خلوصي عكار أقارب ضحايا هجوم حزب العمال الكردستاني في 17 فبراير في أنقرة على حافلة عسكرية مما أسفر عن مقتل 29 شخصاً، قائلاً: "إننا لن ندع هذا الحادث يمر دون رد، لكننا لن ندع غضبنا يتجاوز حدود العقل". وساق الكاتب مثالاً آخر يدل على زيادة التناقضات داخل الحزب الحاكم، مشيراً إلى النقاش الدائر حول البيئة في محافظة "ارتفين" الشمالية الشرقية، المعروفة بمناظرها الطبيعية الجبلية، حيث يبدي السكان المحليون هناك احتجاجهم ضد مشروع تعدين جديد مما دفعهم لتقديم دعوى قضائية في المحكمة، بينما لا تزال الشركة المسؤولة تباشر أعمالها في المنطقة. وفي خطوة مفاجئة، أبدى داود أوغلو موافقته على عقد اجتماع مع اللجنة المحلية التي أرادت التحدث معه الأسبوع الماضي. وقبل يوم واحد من الاجتماع، تعهد وزير شؤون الغابات والمياه فيسيل إيروغلو، وهو زميل لأردوغان منذ فترة طويلة، بعدم "التراجع" عن المشروع. ولكن في اليوم التالي علق داود أوغلو أعمال الشركة لحين الانتهاء من القضية في المحكمة. بعدها صرح أردوغان في 27 فبراير أن احتجاجات آرتفين نسخة "مصغرة" من احتجاجات "جيزي بارك" التي اندلعت في يونيو 2013، والتي اعتبرها محاولة لقلب نظام حكمه. ويلفت الكاتب إلى وجود تقارير الآن تشير إلى اجتماع مجلس الوزراء برئاسة أردوغان يوم 22 فبراير قبل يوم من مقابلة داود أوغلو على قناة "الجزيرة"، حيث شهد الاجتماع مناقشة السياسة الخارجية، ولا سيما بشأن سوريا وإسرائيل ومصر. ويختم الكاتب بقوله إن أنقرة تحاول تبني خط جديد في السياسة الخارجية، والعودة إلى مزيد من الانخراط مع الاتحاد الأوروبي. والسؤال هو ما إذا كان هذا سيحدث دون أن يدفع أي مسؤول فاتورة الفشل الواضح في السياسة الخارجية ليس فقط على مستوى سياسة أنقرة في الشرق الأوسط فحسب، بل في تعاملها مع القضية الكردية وسط تصاعد العمليات الإرهابية التي يرتكبها حزب العمال الكردستاني الذي يرتبط بما يحدث في سوريا والعراق.