كشفت الأزمة المحتدمة بين الكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية على خلفية رفض الأولى الصلاة على عروسين إنجيليين توفيا بالاختناق بالغاز فى مدينة أبو قرقاص بالمنيا عن حجم التناقض بين تصريحات رجال الدين المسيحى الداعية لوأد الخلافات بين الكنائس وبين العلاقة الحقيقية بينها على أرض الواقع. وفى الوقت الذي ينادي فيه البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بالوحدة بين الكنائس يتعمد الأساقفة إبراز الخلافات الكامنة بينها.. ورغم تأسيس مجلس كنائس مصر لتوحيد الأقباط إلا انه لم يستطع أن يساهم في تقريب أوصال الوحدة بينهم، خاصة في ظل الاختلافات العقائدية الموجودة بين الكنائس. آخر المواقف التي أعادت تفجير الخلافات بين الكنيستين هو رفض كاهن تابع للكنيسة الأرثوذكس الصلاة على عروسين يتبعان الكنيسة الإنجيلية، سبقه موقف آخر فى أغسطس الماضي عندما تعرض البابا تواضروس لهجوم حاد من قبل المتشددين فى الكنيسة الأرثوذكسية، بعد صلاته فى الكنيسة اللوثرية بالسويد التى تتبع الطائفة الإنجيلية وتؤمن برسامة المرأة قسيسة، وقد رد البابا علي منتقديه بالتأكيد علي أن الحوار مع الآخر وحضور الصلاة معه لا تعنى بالضرورة الموافقة على معتقداته، موضحا أن كافة الكنائس أعضاء فى جسد المسيح الواحد. من جانبهم أكد عدد من رجال الدين المسيحي والنشطاء الأقباط وجود الكثير من الاختلافات العقائدية بين الكنائس، موضحين أنها موجودة منذ زمن بعيد ولا يمكن حلها الآن. وكان الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والمدن الخمس الغربية، أوضح في مقال له نشرته مجلة الكرازة في عددها الأخير أن الكثير من الشباب يحضرون إلى الكنيسة ويذهبون إلى الأماكن البروتستانتية لسماع عظة، فالإنسان يحضر الكنيسة ويتعلم الصلاة بالأجبية والتشفع بالقديسين ثم يذهب الى الجماعات البروتستانتية ويصلى بالطريقة الخمسينية. ووجه مطران البحيرة رسالة للشباب قال فيها "هناك أربعة محاور تحافظ على الإيمان الأرثوذكسى من المد البروتستانتى وهي العظة المؤثرة والترنيمة المؤثرة والرعاية بجوانبها الروحية والاجتماعية والمادية" مؤكدًا أن الكثير من الأرثوذكس تركوا الكنيسة بسبب ضعف الرعاية. وتعرض القس تادرس عطية الله كاهن كنيسة مار جرجس بالإسكندرية فى كتباه الذى يحمل اسم "خطورة اللاطائفية واستخدام الآية.. كلنا واحد فى المسيح"، إلى قضية المواجهة العلمية للتيار البروتستانتى، حيث أوصى رعاياه من الأرثوذكس بالاهتمام بشرح العقيدة منذ الصغر حتى تواجه ما أسماها ب"هرطقات" الإنجيليين. ويشير القس تادرس، إلى أن الكنيسة الإنجيلية جماعة منقسمة على ذاتها فلديها 16 مذهباً، مؤكدًا أن البروتستانت فى مصر كانوا كلهم أرثوذكس فى الأساس فالتاريخ يذكر أن القس يوحنا هوج هولندى الجنسية بشر بالبروتستانتية بين المسيحيين بعد أن فشل فى التبشير بين المسلمين وبمساعدة الاحتلال الإنجليزى. وقال إن الكنيسة الإنجيلية بدأت بدوافع استعمارية وأطماع شخصية لقلة من الأرثوذكس الذين انتسبوا إليهم. يقول القمص سرجيوس سرجيوس، وكيل عام البطريركية: هناك اختلافات عقائدية بين الكنيستين الإنجيلية والأرثوذكسية، مشيرا إلي أن الثانية لا تهتم كثيرا بهذه الاختلافات ولكنها تتعامل مع باقي الطوائف علي أنهم مسيحيين. وتابع "الكنيسة الأرثوذكسية هي من أول الطوائف المسيحية في مصر، أما الكنيسة الإنجيلية فهى كنيسة غربية دخلت مصر عبر البعثات التبشيرية فى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى وانبثق منها ما يقرب من 17 كنيسة أخرى". وأشار إلي أن البابا يسعي للوحدة بين الطوائف المسيحية دون النظر الي الاختلافات العقائدية الموجودة بالفعل بين الكنائس. وتطرق إلى رفض كاهن تابع للكنيسة الأرثوذكس الصلاة على عروسين يتبعا للكنيسة الإنجيلية قائلاً "الكاهن رفض الصلاة عليهما لاختلاف طقوس صلاة الجنازة بين الكنيستين، وبالتالي لا يمكنه الصلاة عليهما". وقال الأنبا ابرام أسقف الفيوم، المسيحيين في مصر كانوا أرثوذكس حتى القرن التاسع عشر، وقد شهد هذا القرن دخول العديد من الجاليات الأوروبية مثل البروتستانت والكاثوليك إلي مصر، وأوضح أن هذه الجاليات كانت تهدف إلى تبشير المسلمين وعندما فشلت بدأت فى تبشير الأرثوذكس. وأكد ابرآم أن الوحدة بين الكنائس لا تصب فى صالح الأرثوذكس، موضحا أن أتباع الكنائس الأخرى لا يستطيعون تحمل تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية. وأوضح أن الكنيسة الإنجيلية هي الأنشط فى التبشير وبالتالى هناك صراع كبير بين الأساقفة في الكنيستين، مضيفاً "أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية يسعون للدفاع عن هوية الكنيسة القبطية وتراثها ليس تعصبا إنما حرصا منهم على هوية أولادهم وطقوسهم وتراثهم القبطى الذى حمى الإيمان المسيحى منذ مئات السنين". وعلي جانب آخر قال القس رفعت فتحي، أمين عام سنودس النيل الإنجيلي، من حق كل شخص أن يبشر بمعتقده ودينه فهذه ليست جريمة، ومن يعترض علي هذه الفكرة مخطيء وعليه مراجعة نفسه. وتابع الاتهامات التى تروجها الكنيسة الأرثوذكسية بخطف أتباعها ليست دقيقة خاصة أن هناك العشرات من الإنجيليين يحضرون عظات فى الكنائس الأرثوذكسية ويزوجون أبنائهم على الطقس الأرثوذكسى والعكس صحيح بل إن هناك الكثير من الأسر التى فيها الزوجة أرثوذكسية والزوج انجلى أو العكس وهو أمر لا يمكن التحكم فيه أو منعه. وأوضح فتحي أن الكنيسة الأرثوذكسية تهاجم الإنجيلية بسبب المهرجانات الشبابية التى تنظمها الثانية وتجتذب الشباب الأرثوذكسى، مشيراً إلى أن "الأرثوذكسية" تمتلك الإمكانات والمقومات التى تجعلها تنظم مهرجانات وتسجل ترانيم أفضل من التي تقوم بها الكنيسة الإنجيلية. وعن المنشورات التي توزعها الكنيسة الأرثوذكسية وتحذر فيها من الإنجيليين، قال "المسيح لم يأمرنا بمهاجمة أي إنسان وتكفيره وبالتالي لن نرد علي هذا الحديث". ومن جانبه أكد مينا كمال، منسق عام حركة "معا من أجل الوطن" وجود الكثير من الاختلافات العقائدية بين الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية من حيث الطقوس الكنسية وتفاصيل لاهوتية معقدة فمثلا الإنجيليون لا يؤمنون بالرهبنة أو الأديرة أو طقوس التناول ولا يؤمنون بشفاعة القديسين وهذا أمر لا يمكن قبوله تماماً من جانب الأرثوذكس. وأشار إلي أن هذه ليست الأسباب الرئيسية للمشاكل بين الكنيستين في مصر، فالمشكلة الأولي لدي الكنيسة الأرثوذكسية هي محاولات الطوائف الإنجيلية جذب الشباب الأرثوذكس للانضمام لها من خلال المؤتمرات، موضحاً أنهم نجحوا في ذلك، لافتقاد اجتماعات الأرثوذكسية لما يجذب الشباب من جو روحي متميز وتنظيم ودقة وطرح مشاكل الشباب. وأضاف أن الأرثوذكس لديهم متعصبين ضد الطوائف الأخرى، الذين يفتون بعدم دخول أي شخص غير أرثوذكسي للجنة، متسائلا هل معرفة دخول الجنة أو النار حق حصري لهم؟. وأكد أنه يمكن التعايش بين الطوائف من خلال علاج أسباب الفرقة السابق ذكرها وحل الخلافات بشكل ودي فإذا كان أصحاب الديانات المختلفة يعيشون بسلام فأولي بذلك أصحاب الدين الواحد. واستبعد "مينا" في الوقت نفسه إمكانية توحيد الكنائس نظرا للخلافات العقائدية الكثيرة بين الطوائف خصوصا الأرثوذكس والكاثوليك من جانب والإنجيليين من جانب آخر.. لكنه عاد ليقول أنه يمكن حل المشاكل الآخرى من خلال الحوار بمجلس الكنائس مثل منع جذب أصحاب الطوائف المختلفة لأشخاص من الجانب الآخر والتكفير المستمر بينهم.