بالرغم من أنهم يتبعون كتابا واحدا هو الكتاب المقدس بعهديه القديم أى التوراة والجديد وهو الإنجيل إلا أن الزواج يظل منطقة شائكة جدا تفرق بين أبناء مختلف الطوائف المسيحية وبالأخص بين الطائفتين الأرثوذكسية والإنجيلية (أو البروتستانتية)، الأمر الذى يصل بكهنة الطائفة الأرثوذكسية إلى نعت الزواج من البروتستانت بأنه زنى.. أى غير معترف به فى السماء. يعود ذلك إلى عدد من الأسباب على رأسها أن الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة طقسية تتبع عددا من الطقوس الكنسية لا تتبعها الكنيسة البروتستانتية خاصة فى الزواج. فإذا حضرت فرحا فى كنيسة أرثوذكسية وآخر فى البروتستانتية لن تجد أى صعوبة فى التمييز بينهما لتعرف الطائفة التى تتبعها الكنيسة التى أنت فيها. إذا وجدت ترانيم وقراءات كتابية باللغة القبطية وبخورا وشمامسة (رجال يرتدون جلابيب بيضاء) وكاهنا بالزى الكهنوتى الأسود على صدره صليب كبير فأنت فى كنيسة أرثوذكسية، أما إذا وجدت قسيسا يرتدى (بدلة) عادية وفريق ترنيم من النساء والرجال يعزفون ويرتلون على المنبر باللغة العربية والعامية أحيانا خلف العروسين فاعرف أنك فى كنيسة بروتستانتية أى إنجيلية. وعلى صخرة هذه الاختلافات تتحطم كثير من قصص الحب، فتحول الخلافات الطائفية دون إتمام الزيجات.. والرفض عادة ما يأتى من الطرف الأرثوذكسى الذى يعتبر الكنيسة الإنجيلية لا تمارس الطقوس الصحيحة الذى تجعل الزواج معترفا به من قبل السماء. وإذا وافق الطرف البروتستانتى على الزواج على الطريقة الأرثوذكسية يقف أمامه مانع المعمودية.. عادة ما يرفض الكاهن تزويج ابن أو ابنة كنيسته من شخص لم تكن معموديته أرثوذكسية. والمعمودية هى طقس يتم للأطفال بعد ولادتهم لإعلانهم مسيحيين مثل والديهم. تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن الروح القدس (أو روح الله) تسكن فى الطفل عند معموديته، لذلك يقوم الكاهن الأرثوذكسى بتعميد الطفل وهو عريان عن طريق تغطيسه تماما فى المياه، وعادة ما يتم وضع النبيذ على شفتيه الذى يؤمن الأرثوذكس أنه يتحول إلى دماء المسيح بالفعل، أما البروتستانت فيعتبرون المعمودية أمرا رمزيا فيقوم القسيس البروتستانتى بتعميد الطفل وهو فى كامل زينته عن طريق رش المياه على رأسه ويأخذ تعهدات على والديه بتربيته تربية مسيحية سليمة.. وعندما يكبر هؤلاء الأطفال ليصلوا إلى سن الزواج يجدون الصعوبات فى الزواج لأن الأرثوذكس لا يعترفون بمعمودية البروتستانت، لأنه بينما يعتبر البروتستانت المعمودية مجرد رمز تقول كثير من تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية إن الطفل الذى لم يعمده أهله إذا مات فمصيره النار. وبالرغم من التشابه الكبير بين طقوس الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية فى الزواج والمعمودية، إلا أن البابا شنودة يظل يؤكد على منع الكنيسة الأرثوذكسية تزويج أبنائها من الكاثوليك دون أن يتم إعادة معموديتهم على الطريقة الأرثوذكسية. المشكلة بالنسبة للأرثوذكس تكمن فى العقيدة، أما بالنسبة للبروتستانت فعادة ما تكمن فى شعورهم بأن إعادة معموديتهم هو نوع من الإهانة وإقرار منهم هم شخصيا بعدم صحة معمودية كنيستهم. قمنا برصد عدد من قصص الحب التى حال دون إكمالها اختلاف الطائفة بين المحبين. * حبيبتى تحولت إلى البروتستانتية فتركتها كل الجدل الدائر بين الكنيستين طوال الوقت يرسخ فى ذهن الشباب الصغير أن الطرف الآخر كافر ويصير التحول من طائفة إلى أخرى كالتحول من دين إلى آخر.. يتجسد هذا المعنى فى قصة تونى ميشيل - طالب بكلية التجارة جامعة عين شمس - الذى أحب فتاة تنتمى إلى نفس طائفته - الأرثوذكسية - كانت تلميذة معه فى مدرسته المشتركة.. انتقل الحبيبان من المدرسة إلى الجامعة وانتقل معهما حبهما الذى استمر 3 سنوات.. يقول ميشيل: «كانت كل الأمور تسير على طبيعتها إلى أن جاء اليوم الذى انقلبت فيه حياتنا وتعكر فيه حبنا، وذلك عندما حضرت اجتماعا لقس إنجيلى شهير يدعى سامح موريس، حاول ميشيل جاهدا إقناع حبيبته بعدم حضور تلك الاجتماعات مرة أخرى فتظاهرت بالاستجابة لكلامه، لكنها استمرت فى الحضور.. فلم يجد ميشيل بدا من قبول الأمر الواقع لأنه يحبها... لكنه يعود ويقول: «قبلت بالأمر الواقع إلى أن بدأت ألحظ تغيرا واضحا يظهر فى تفكيرها، وبدأت تصدمنى بآرائها ورفضها للفكر الأرثوذكسى الذى تنتمى إليه من الأصل.. أخذت تصف اجتماعات الكنيسة الأرثوذكسية بالروتينية والخالية من الروحانية، كما بدأت ترفض أن أصطحبها إلى القداس الإلهى كما كانت ترفض الصيام وفقا للإيمان الأرثوذكسى، وكلما تناقشنا ينتهى نقاشنا بخصام». ويتذكر تونى يوم انفصالهما فيقول: «فى يوم قررت أن أسألها بشكل مباشر: هل مازلت أرثوذكسية؟ فأجابتنى بالنفى وكانت إجابتها كصفعة على وجهى.. قلت لها إنها بذلك تحكم على علاقتنا بالنهاية لأن رفض أهلى والكنيسة مؤكد وحتمى لهذه الزيجة، وكان ردها غريبا جدا وهو أن الله لو أرادنا أن نكمل ارتباطنا لن نرى عقبات ورأت أن السماء ترفض حبنا لأننى غير مؤمن حسب رأيها.. وبسماع هذا الكلام تسمرت فى مكانى وأخذت قرارا فوريا بالانفصال عنها رغم حبى الشديد لها». * فشلت فى إقناع أهلى وحبيبى جاكلين منير قصتها تختلف، فمنذ بداية علاقتها وهى تعرف أن حبيبها إنجيلى وهى تتبع العقيدة الأرثوذكسية، ولكن مشاعرها دفعتها إلى الاستمرار فى حبها على أمل أن تستخدم سلاح الحب فى إقناع حبيبها بتغيير فكره متجاهلة أن هذا السلاح ذو حدين. تحكى جاكلين: «حاولت أكثر من مرة إقناعه بالذهاب إلى كاهن كنيستى وبالصيام معى، وكنت أحضر له كتبا عن الأرثوذكسية، لكن كل محاولاتى باءت بالفشل.. وعندما كان يرى حزنا يائسا فى عينى كان يقول لى: لن أغير عقيدتى لكن حبنا سيستمر رغم أى شىء.. لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة لى لأننى كنت أعرف أن عائلتى ستواجه حبنا بالرفض. وعندما استشرت أب اعترافى رفض بشدة وقال لى: إن زواجى من شخص ينتمى إلى طائفة أخرى سيجنى على أولادى لأنهم سيقعون فى حيرة بين الطائفتين. رغم كثرة التحذيرات قررت الاستمرار فى العلاقة وكان كل يوم يمر على مشاعرنا يقويها ويغذيها بعنف، الأمر الوحيد الذى كان يعكر علينا صفو حبنا هو الحديث فى اختلاف الطوائف فكلما حدثته عن الأرثوذكسية حدثنى بكلام غير مفهوم، فكنا نتجنب هذه الحوارات ليصبح حبنا مثاليا كاملا. حتى حدث ما كنت أخشاه وأؤجله.. عندما صارحت عائلتى فرفضوا بشدة ومن هول رفضهم أيقنت أن حبى انتهى فلم أستطع أن أقنع حبيبى بالأرثوذكسية ولم أستطع إقناع عائلتى بزواجى من شخص إنجيلى». * حبيبتى أرثوذكسية مع وقف التنفيذ فى منطقة السى إتش بجامعة عين شمس أى منطقة تجمع المسيحيين - يطلق عليها CH وهما الحرفان الأولان من كلمة Christians أى مسيحيون - بدأت نظرات الإعجاب تتبادل بين مينا عبد المسيح وزميلة له.. تعارفا وأخذ مينا يلاحظ أنها تقف دائما مع مجموعة من الأشخاص فسألها.. من هولاء؟ أجابته بأنهم زملاؤها فى الخدمة بالكنيسة.. ففرح وشجعها على الاستمرار فى الخدمة. يقول مينا: «لم أسألها عن نوع هذه الخدمة لكننى نشأت فى أسرة متدينة وأعشق الخدمة بالكنيسة منذ نعومة أظافرى.. حتى اتفقنا أن نقرأ جزءا من الكتاب المقدس سويا فصدمت من الاختلاف فى التفكير وأسلوب فهمنا للكتاب المقدس فتعجبت جدا لأننى أعرف أنها تنتمى إلى عائلة أرثوذكسية حتى علمت من صديقتها أنها لا تذهب إلى الكنيسة الأرثوذكسية، إنما تحضر أحد اجتماعات الكنيسة البروتستانتية».. تمكنت الفتاة البروتستانتية من إقناع مينا بحضور أحد الاجتماعات بكنيستها، لكنه عندما حاول دعوتها لحضور اجتماع بكنيسته رفضت، مما جعله يشعر بأن علاقتهما لابد لها من نهاية لأن عائلته متشددة جدا ولن تسمح لابنها بالزواج من طائفة غير أرثوذكسية. * لو كان أرثوذكسيا يحكى نادر إبراهيم - شاب فى العشرينيات من عمره - أنه رفض شابا إنجيليا تقدم لخطبة أخته.. ولم يكن نادر هو الوحيد فى أسرته الذى رفض إتمام هذه الزيجة لكن أسرته كلها أيدته.. يقول نادر: «تقدم شاب ممتاز لديه كل المواصفات التى تجعلنى أحكم عليه بأنه عريس ممتاز، لكن عقيدته كانت المشكلة.. لم تكن المشكلة فى إصراره على انتمائه لطائفته غير الأرثوذكسية، لكن كانت فى إصراره على أن يتم حفل الزواج داخل الكنيسة الإنجيلية فرفضناه كلنا وحتى أختى تراجعت عن موافقتها». وتتذكر سامية عبد الملاك - 49 سنة، ربة منزل - اليوم الذى تقدم لها فيه عريس ممتاز ومستواه المادى مرتفع وافقت عليه عائلتها وكانت سعيدة جدا به.. ومع مرور الوقت بدأت آراؤه غير الأرثوذكسية تتكشف لنا، الأمر الذى وصل إلى نشوب ما يشبه الشجار بينه وبين أخى.. فقررت الانفصال عنه، والآن أنا متزوجة من أرثوذكسى. * الخدع التى يلجأ إليها الشباب كانت النماذج السابقة هى نماذج لقصص حب فشلت بسبب اختلاف الطوائف، لكن فى مقابل هذه القصص هناك عشرات من القصص التى تستمر، فإذا كان الحبيبان متفقين أو غير آبهين بالاختلافات الطائفية يتفقان على حضور الكنيستين بالتناوب أو يستقران على إحدى الكنيستين، لكن تظل المشكلة فى كيفية إتمام الزواج خاصة مع إصرار الأهل على إتمام الزواج فى الكنيسة الأرثوذكسية.. وهنا يضطر الشباب إلى التحايل على الكنيسة.. فيقول كاهن - طلب عدم ذكر اسمه - إن الشباب يلحون علينا للموافقة لهم على الزواج من بروتستانت وعندما نرفض يأخذون شريكهم البروتستانتى إلى كاهن آخر يعطيهم جوابا مزيفا بأنه أو أنها أرثوذكسى أو أرثوذكسية... كما يضطر أحيانا الطرف البروتستانتى إلى العماد على الطريقة الأرثوذكسية وهو كبير فى السن. ويصر القمص سيرجيوس سيرجيوس - وكيل البطريركية الأرثوذكسية - على أنه لا مفر من اتفاق الطرفين فى الملة والطائفة فالكنيسة تسمح بالزاوج من طوائف أخرى بشرط انضمام الطرف غير الأرثوذكسى للكنيسة من خلال إجراءت وضمانات عديدة. ويكمل سيرجيوس: عديد من الشباب يلحون علىّ حتى أوافق على زواجهم من طوائف أخرى، ولكنى أصر على موقفى لأنه موقف الكنيسة وأطلب منهم انضمام الطرف غير الأرثوذوكسى إلى الكنيسة وإحضار ورق من الكاهن المسئول عنه (أب الاعتراف) يثبت إيمانه بالأرثوذكسية، ويرى سرجيوس أنه بدون هذه الإجراءات يصبح الزواج خطيئة يحاسب عليها الله. الكنيسة الإنجيلية: الحب وحده يكفى أما الكنيسة الإنجيلية فلا تفرض هذه القيود على زواج أبنائها من أبناء طوائف أخرى.. فهى تعلن عدم اتفاقها مع الكنيسة الأرثوذكسية فى كثير من الأمور، لكن الأمر لا يصل إلى حد التكفير أو عدم الاعتراف.. فيقول الدكتور القس منيس عبدالنور راعى الكنيسة الإنجلية بقصر الدوبارة: «الكنيسة الإنجيلية تقف فى صف الحب.. نحن كنيسة ديمقراطية، والمهم عندنا هو التوافق والاتفاق والحب الحقيقى»، وأكد القس منيس أنه لا توجد آية واحدة فى الإنجيل ترفض الزواج بين مختلف الطوائف، إنما كل الآيات التى تتناول الزواج فى الإنجيل تهتم بالحديث عن الحب فيقول الإنجيل: (الرجل يحب امرأته كما أحب المسيح الكنيسة).. وعن تبريره لرفض بعض الإنجيليين الزواج من طوائف أخرى يقول: «إنه ضعف الأقلية من الاختلاط بطوائف أخرى».