عددت صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية، مساؤى الاتفاق النووي الإيراني الذي وصفته ب "الاحتيال الدبلوماسي"، وأشارت الصحيفة فى تقرير لها اليوم, إلى أن إيران كانت بالفعل في حالة "احتضار" بسبب العقوبات الاقتصادية التي تعاني منها منذ سنوات، حتى قرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنقاذ إيران وتخفيف الضغوط عليها من خلال "صفقة النووي" مقابل "لا شيء" سوى وعود شفهية من طهران. واتهمت الصحيفة أوباما بأنه جعل النظام الإيراني "الوحشي"، كما وصفته نيوريوك بوست، أكثر قوة وعدوانية، مؤكدة أن "ملالي إيران لم يخدعوا أوباما؛ حيث أن كل ما حدث كان فكرته". تقول نيويورك بوست: "يصف الرئيس الإيراني حسن روحاني الاتفاق النووي الإيراني بأنه انتصار واضح أو الفتح المبين، ويدعي أنه أعظم انتصار دبلوماسي في التاريخ الإسلامي. وبعيداً عن بلاغة العبارات والألفاظ التي يستخدمها الملالي، فإن روحاني لديه سبب للزهو والتفاخر". وتوضح الصحيفة أن إيران كانت في حالة بائسة لسنوات، إن لم تكن تحتضر تماماً كما يرى بعض المحللين، حيث عجزت الحكومة منذ أكثر من عام عن تسديد رواتب بعض موظفي القطاع العام البالغ عددهم 5,2 مليون موظف، وعلى وجه الخصوص المعلمين والعاملين في البتروكيماويات وطلاب المنح الدراسية، وهو الأمر الذي تسبب في حدوث العديد من الإضرابات. وتضيف الصحيفة: "نتيحة الحرمان من الاستثمارات المطلوبة على وجه السرعة، فقد اندفعت صناعة النفط الإيرانية إلى حافة الهاوية، وباتت أضخم حقولها النفطية (تحديدا بيبي حكيمة ومارون) تنتج أقل من نصف طاقتها، وفقدت إيران ما بين عامي 2012 و2015 حوالي 25% من حصتها في سوق النفط العالمي". وعلاوة على ذلك، كما تشير الصحيفة، فإن العقوبات وغياب الاستثمارات يعني أيضاً أن أجزاء كبيرة من الصناعة الإيرانية التي تعتمد على الأجزاء المستوردة، كانت على حافة الهاوية. وفي عام 2015، خسرت إيران متوسط 1000 فرصة عمل يومياً. وفي الشهر الماضي، انخفضت العملة في البلاد "الريال" إلى مستوى قياسي غير مسبوق، بينما كان من المتوقع نمو الاقتصاد السلبي للعام الثالث على التوالي. وتنوه نيويورك بوست أنه بعد زيادة الميزانية العسكرية بمقدار 21%، اضطر الرئيس روحاني لتأخير تقديم ميزانيته الجديدة للعام الإيراني الجديد الذي يبدأ في 21 مارس. وفي ظل هذه الظروف القاتمة، قرر الرئيس أوباما أن يكون بمثابة "المنقذ"، بحسب الصحيفة، من خلال الدفع ب "صفقة" تستهدف تخفيف الضغط على إيران مقابل "لا شيء" سوى وعود شفهية من طهران. وأوردت الصحيفة بعضاً مما فعله أوباما لمساعدة إيران، وهو كالتالي: تجاهل أوباما مطالبة إيران بإعادة تشكيل برنامجها النووي للتأكد من أنها لن تحصل أبداً على البعد العسكري؛ حيث صرح على أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية قائلاً: "مشروعنا النووي لا يزال سليماً، وأن الاتفاق النووي لا يمنعنا من القيام بما كنا نقوم به". قام أوباما برفع العقوبات عن إيران، وضغط على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لكي يفعلا الشيء نفسه. كان لأوباما الفضل في ضخ 1,7 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الإيراني، من خلال الإفراج عن الأصول المجمدة في عهد الرئيس جيمي كارتر؛ حيث كانت الولاياتالمتحدة تحتفظ بها كتعويض محتمل للأمريكيين الذين تم احتجازهم رهائن في أوقات مختلفة، ومن ثم استطاع روحاني بهذه النقدية البدء في دفع بعض الرواتب في إيران، إضافة إلى تمويل فروع حزب الله ومساعدة نظام بشار الأسد في سوريا. أطلق أوباما سراح شريحة أخرى بمقدار 30 مليار دولار أمريكي، وهو ما ساعد روحاني على تقديم ميزانيته الجديدة بعد انخفاض العجز بمقدار 14%، وزيادة ميزانية الأمن العسكري مرة أخرى بمقدار 4,2%. تم وضع العقوبات المصرفية جانباً للسماح إلى إيران باستيراد 19 ألف طن من الأرز الأمريكي لسد النقص عشية السنة الإيرانية الجديدة عندما يصل الاستهلاك إلى ذروته. ساعد "مهرجان الحب" ما بين أوباما والملالي، بحسب الصحيفة، على ترسيخ صورة نظام حكم الخميني بصفته "الراعي للإرهاب الدولي والمنبوذ دبلوماسياً". أوهام أوباما وتتساءل الصحيفة مستنكرة عن الأسباب المنطقية التي دفعت أوباما للتصميم على مساعدة الملالي للخروج من الخندق الذي حفروه لأنفسهم. وتجيب نيويورك بوست: "يرى البعض أن السبب يرجع إلى اعتقاد أوباما المزعوم أن الولاياتالمتحدة بمثابة (قوة إمبريالية) تمارس (البلطجة) على الدول الأضعف، ومن ثم يجب تدارك هذا الأمر. وفي الوقت نفسه يقترح آخرون أن ما يفعله أوباما يُعد تكتيك لتعزيز (المعتدلين) داخل النظام الإيراني الذين سوف يقودون إيران إلى تغيير سلوكها، إذا تأكدوا أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى تغيير النظام". وترى الصحيفة، فإنه أيا كانت الأسباب، فإن ما قام به أوباما يفوق بكثير حدود "الاسترضاء". وتوضح الصحيفة: "ففي حالات التهدئة والاسترضاء الكلاسيكية يمكنك تقديم وعود للعدو بعدم معارضة بعضاً من تحركاته، ولكنك لا تقدم له الدعم المالي الفعلي أو الدعم الدبلوماسي. وقد ذهب أوباما إلى ما هو أبعد من ذلك". وتلفت نيويورك بوست أنه بالإضافة إلى إنقاذ إيران من الانهيار المالي، فإن أوباما من الناحية الدبلوماسية قام بتأييد سيناريو طهران بالنسبة إلى سوريا، ويقوم بحملة لمساعدة إيران على اختيار الرئيس اللبناني القادم، كما منح الملالي حقل مفتوح في أفغانستانوالعراق. وعلاوة على ذلك، برأي الصحيفة، فإن حديث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن إيران بوصفها "قوة إقليمية" قد أثار إستياء حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. إضعاف "المعتدلين" وتتساءل الصحيفة: "ماذا إذا أدى الاتفاق النووي الإيراني إلى إضعاف (المعتدلين) الذين يرغب الرئيس أوباما في دعمهم، بافتراض وجودهم؟" وتقول الصحيفة: "إن المعتدلين، الذين يتوهم أوباما وجودهم، ليسوا في حالة جيدة؛ إذ استبعد مجلس صيانة الدستور - الذي يقرر المرشحين للانتخابات المقبلة – 99% ممن يُطلق عليهم "المعتدلين"، وهو ما يضمن ظهور برلمان إسلامي جديد ومجلس خبراء يسيطر عليه الراديكاليون أكثر من أي وقت مضى". وتخلص الصحيفة إلى أنه في ظل تزايد الموارد تحت تصرفها، تكثف طهران جهودها لحملة "تصدير ثورتها"؛ ففي الأسبوع الماضي أعلنت إنشاء فرع لحزب الله في تركيا، كما اعترفت علانية للمرة الأولى بوجود فرع في العراق. وعلاوة على ذلك، تم إضافة طاجيكستان إلى الأسواق التي يجب تصدير الثورة الخمينية إليها. وتختتم نيويورك بوست: "لا يوجد معتدلين في طهران، ولا يمكن إصلاح إيران من طبيعتها، وطوال الفترة المتبقية للرئيس أوباما، على الأقل، علينا أن نتوقع أن إيران ستكون أكثر عدوانية".