بينما اختار أوباما أن يعلن عن مكالمته الهاتفية التاريخية، مع نظيره الإيراني حسن روحاني، عبر مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، اختار روحاني أن يفعل ذلك عبر حسابه الشخصي علي تويتر، ليلقي الرجلان بذلك حجرا في مياه ظلت راكدة 34عاما، فما بين طهرانوواشنطن ما صنع الحداد كما يقول المثل الشائع، إذ انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين منذ ثورة شعبية إسلامية في يناير من عام 1979، قادها »آية الله الخميني« وأطاحت بنظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان مواليا للغرب عموما والولاياتالمتحدة علي وجه الخصوص. صحفيو البيت الأبيض تلقوا رسائل إلكترونية ظهر يوم الجمعة الماضي تفيد بأن الرئيس أوباما سوف يتحدث في قاعة المؤتمرات الصحفية بالبيت الأبيض في تمام الرابعة و النصف عصرا، وتخيل الجميع أنه سيتحدث عن الموازنة العامة، ولكن الرئيس الأسمر خرج عليهم ليقول: »لقد أنهيت لتوي محادثة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني«، أما هذا الأخير فكتب علي تويتر:"محادثة تمت في تلك اللحظة بين الرئيس الإيراني و الرئيس الأمريكي: حسن روحاني: نهارك سعيد، باراك أوباما: شكرا إلي اللقاء. غير أن تلك "التويتة" التاريخية تم مسحها كغيرها كان بها تفاصيل ما دار بين الرئيسين، ولم يترك روحاني علي حسابه سوي "تويته" قال فيها :"عبرنا عن رغبتنا السياسية المشتركة في إيجاد حل سريع لأزمة الملف النووي". والسطور التي مسحها روحاني من حسابه المرتبط رسميا بالرئاسة الإيرانية، »من باراك أوباما إلي حسن روحاني: أعبر عن احترامي لك و للشعب الإيراني.. لو استطعنا تحقيق تقدم علي مستوي الملف النووي فإن ذلك سيساعدنا علي تحقيق نتائج إيجابية في ملفات أخري مثل سوريا«. وفي سطور أخري يقول أوباما لروحاني: »أتمني لك رحلة سعيدة و ألتمس منك المعذرة عن أي صعوبات مرورية واجهتها في شوارع نيويورك«. ومن روحاني إلي أوباما: »أعبر لك عن امتناني لحسن ضيافتكم ولمكالمتك الهاتفية ..نهارك سعيد سيدي الرئيس«. وقام كل طرف من جانبه بنشر صورة علي تويتر لتلك اللحظة التاريخية، فالمصور الرسمي للبيت الأبيض "بيتي سوزا" نشر علي حسابه الشخصي صورة لأوباما جالسا خلف مكتبه والسماعة علي أذنه، بينما نشر مساعدو روحاني صورته مبتسما عقب انتهاء المكالمة مباشرة في اللحظة التي كانت طائرته تتأهب للإقلاع من نيويوركلطهران. ترحيب سفي الوقت نفسه أفردت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحا بدا مستفزا في أكثر من اتجاه، صدر عن »قاسمي سليماني« رئيس فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني (جناح للعمليات العسكرية الخارجية)، حيث قال: »احترام العالم للرئيس روحاني ناتج عن مقاومة الأمة«، ومن المعروف أن "سليماني" له دور كبير في قيادة وتدريب وتوجيه قوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات الشيعية في العراق. سرد تاريخي وكان مراسلو وكالات الأنباء العالمية اصطفوا في أحد أروقة الأممالمتحدة بعد انتهاء عشاء دعا له الأمين العام »بان كي مون«، علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للمنظمة الأممية الأسبوع الماضي. فبعد العشاء مباشرة، سرت شائعة قوية بأن الرئيس الإيراني حسن روحاني في طريقه للمرور داخل ممر يتواجد فيه نظيره الأمريكي، وهو ما كان يعني إمكانية حدوث لقاء"مصادفة" و ربما مصافحة بين الرجلين، و لكن كلمات دبلوماسي أمريكي قطعت الشك باليقين، حيث صرخ فيهم: »لا تُجهدوا أنفسكم أيها السادة، فالمقابلة لن تتم«. أما بريطانيا التي أغلقت سفارتها في إيران عام 2011، فقد التقي وزير خارجيتها »وليام هيج« بنظيره الإيراني »محمد جواد ظريف« بمجرد وصوله لنيويورك، فيما التقي حسن روحاني بنظيره الفرنسي »فرانسوا أولاند«، في مقابلة تمت بناء علي طلب من الجانب الإيراني، والأولي من نوعها منذ المصافحة التاريخية بين الرئيسين محمد خاتمي و"جاك شيراك"، وفي السطور التالية نعرض سردا تاريخيا لأهم المحطات في العلاقات الإيرانية-الغربية عموما و الأمريكية خصوصا، علي مدي ال60عاما المنصرمة. أغسطس 1953 المخابرات الأمريكية والبريطانية ترتبان انقلابا عسكريا ضد رئيس الوزراء محمد مصدق، ذي الميول القومية والذي كان قريبا مما كان يٌعرف الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، وعاد الشاه صديق الأمريكيين الذي كان يحكم إيران منذ عام 1941، للحكم مرة أخري. يناير 1979 ثورة شعبية إسلامية أطاحت بنظام حكم الشاه »محمد رضا بهلوي«، ليلجأ إلي مصر، قبل أن يتوجه للولايات المتحدة. ومن جانبه طالب قائد الثورة »آية الله الخميني« كل الأجانب، لا سيما الرعايا الغربيين، بمغادرة إيران علي وجه السرعة. نوفمبر 1979 يتم اقتحام والسيطرة علي السفارة الأمريكية بواسطة طلاب إيرانيين، وطالبوا واشنطن بتسليم الشاه، وكان ذلك الأخير قد أصيب بسرطان في مراحلة الأخيرة ويتلقي العلاج في نيويورك، واحتجز الإيرانيون 52 موظفا بالسفارة كرهائن. أبريل 1980 تفشل عملية عسكرية أمريكية، رتبت لها واشنطن سرا، بهدف تحرير الرهائن المحتجزين في السفارة، وانتهي الأمر بمصرع ثمانية من قوات الكوماندوز الأمريكية في الصحراء الإيرانية، وقطعت الولاياتالمتحدة علاقتها رسميا بإيران، واستمرت أزمة الرهائن 444 يوما، وتم تحريرهم عقب رحيل "جيمي كارتر" عن البيت الأبيض، مقابل أن تعيد واشنطنلطهران أموالا كان البيت الأبيض قد أمر بتجميدها نوفمبر 1986 من أجل الحصول علي دعم إيران في تحرير رعايا أمريكيين مختطفين في لبنان، خاضت واشنطن مفاوضات سرية مع طهران وباعت لها أسلحة واستخدمت واشنطن أرباح تلك الصفقة في دعم تمرد مسلح في نيكاراجوا، وكشف الإيرانيون تفاصيل ما حدث لتتفجر ما عُرف في الولاياتالمتحدة بفضيحة "إيران كونترا" أو "إيران جيت"، في عهد الرئيس "رونالد ريجان" يوليو 1987 الولاياتالمتحدة تتدخل عسكريا في حرب العراق وإيران (اندلعت عام 1980وانتهت عام 1988)، لحماية آبار بترول السعودية والكويت (المساندتين لعراق صدام حسين في حربه مع إيران)، وتم تدمير البحرية الإيرانية بالكامل تقريبا، إضافة لمنصتي إطلاق صواريخ، بضربات جوية أمريكية. يوليو 1988 البحرية الإيرانية، تُطلق صواريخها تجاه فرقاطة أمريكية في مياه الخليج، وعلي إثر ذلك تقوم تلك الأخيرة بإسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية من طراز "إيرباص" كانت تحلق فوق مياه الخليج أيضا، و لقي كل ركابها ال290 مصرعهم إضافة لطاقم القيادة. فبراير 1993 الولاياتالمتحدة تتهم إيران بالضلوع في تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك الذي راح ضحيته 6قتلي وآلاف المصابين. أبريل 1995 واشنطن تشرع قانون تفرض بموجبه مقاطعه تجارية و مالية علي إيران و تتهمها بمساندة الإرهاب، و في عام 1996يتم فرض عقوبات علي شركات الغاز و البترول التي تستثمر في إيران. يناير 1998 محمد خاتمي، الرئيس الإيراني الجديد في ذلك الوقت، والذي يوصف بالمعتدل، يدعو للحوار مع الولاياتالمتحده ويعبر عن »احترامه« للحضارة الأمريكية، ولكنه عاد بعد ذلك بأسابيع قليلة ليدين ما أسماه »المواقف القمعية للولايات المتحدة«. عام 2001 بالرغم من موقف إيران الرسمي الموافق ضمنيا علي الغزو الأمريكي لأفغانستان، فإن طهران كانت حريصة علي إبداء حيادية يقظة تجاه القوات الأمريكية في »كابول« بل أنها ساهمت في البحث و العثور علي طيارين أمريكيين سقطوا عن طريق الخطأ في الأراضي الإيرانية. يناير 2002 الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لا يبالي بما قدمته إيران لبلاده في الملف الأفغاني، ويقف في خطاب شهير ليصنف إيران ضمن ما أسماه"محور الشر"..كلمة لم تسامحه طهران أبدا علي التلفظ بها. 14 أغسطس 2002 جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لنظام الملالي الحاكم في طهران، تكشف النقاب عن مفاعلين نوويين سريين في إيران، هما مفاعل "ناتانز" الذي تخصب فيه طهران اليورانيوم بنسب عالية ، و مفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل. ديسمبر 2003 زلزال مدمر يضرب مدينة »بام« الإيرانية ويترك خلفه 31 ألف قتيل وآلاف المصابين وخراب هائل، لترسل الولاياتالمتحدة مساعدات إنسانية إلي إيران، وكان الأمر فرصة لأول اتصال مباشر بين الجانبين من خلال ممثلي البلدين في الأممالمتحدة. أغسطس 2005 محمود أحمدي نجاد، المحسوب علي الجناح المحافظ المتشدد، يصل لمنصب الرئاسة في إيران، وأعلن الرجل المعروف بعدائه الشديد للولايات المتحدة، استئناف تخصيب اليورانيوم. مارس 2009 الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتوجه في خطابه بشكل مباشر للإيرانيين، طالبا منهم تجاوز 30عاما من الصراع. يونيو 2009 أوباما يدين بعبارات قوية موجة القمع التي مارستها السلطات الإيرانية ضد معارضي إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، علي حساب المرشح الإصلاحي "مير حسين موسوي" وأكد أوباما أن شرعية نجاد يدور حولها الكثير من »الأسئلة الجادة«. أغسطس 2009 إيران تلقي القبض علي ثلاثة رحالة أمريكيين(فتاة و شابين) علي الحدود العراقية الإيرانية و تتهمهم بالتجسس. ديسمبر 2009 اندلاع أزمة عالم الفيزياء الإيراني "شهرام أميري"، حيث اتهمت إيران المخابرات الأمريكية CIA باختطاف الرجل بينما كان يؤدي فريضة الحج بالسعودية. وفي يوليو 2010 يظهر"أميري" من جديد في مكتب رعاية المصالح الإيرانيةبواشنطن ويعود إلي طهران ليختفي تماما عن الأنظار. يونيو 2010 في 2006 بدأت المخابرات الأمريكية في حرب معلوماتية من خلال إطلاق فيروسات تستهدف التجسس علي أجهزة الكومبيوتر المُشغلة للمفاعلات النووية الإيرانية، وتمكن أول فيروس من اختراق أجهزة مفاعل"ناتانز" عام 2008دون أن يكتشفه الإيرانيون، وفي عام 2010 أطلق الأمريكيون بالتعاون مع الإسرائيليين الفيروسStuxnet ولكن انتشاره بشكل كبير علي الإنترنت جعله مكشوفا للإيرانيين، بينما الهجمة الثالثة المتمثلة في الفيروسFlame نجحت في تدمير آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة المُستخدمة في تخصيب اليورانيوم. أكتوبر2011 واشنطن تعلن أنها أحبطت محاولة إيرانية لاغتيال السفير السعودي علي الأراضي الأمريكية، و علي إثر ذلك أدرج البيت الأبيض شركة الطيران الإيرانية "ماهان إير" علي القوائم السوداء، علي خلفية اتهامها بتوفير غطاء يتحرك من خلاله ضباط المخابرات الإيرانية. ديسمبر 2011 إيران تنجح في إسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار، وطالب أوباما في خطاب علني برد الطائرة ولكن طهران لم تستمع إليه، فقام البيت الأبيض بسن قانون يتم بموجبه معاقبة أي مؤسسة أمريكية تتعاون ماليا مع البنك المركزي الإيراني. فتوعدت طهران أنها لن تسمح بمرور قطرة زيت واحدة من مضيق هرمز. سبتمبر 2013 في يونيو 2013 يتم انتخاب الإصلاحي المعتدل حسن روحاني رئيسا لإيران، ليطلق العديد من إشارات الانفتاح والرغبة في الحوار مع واشنطن.