أصدر القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، قرارا بتسمية الجنرال غلام حسين غيب برور قائدا، لما يعرف بلواء "الحسين"، التابع لفيلق القدس، مسؤول العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني. وسيتولى برور الإشراف على معارك الميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا. ويأتي تعيينه بعد شهرين على مقتل القائد السابق لهذا اللواء المسؤول عن العمليات العسكرية للقوات الإيرانية في سوريا، وهو الجنرال حسين همداني، وتبعه مقتل قائدين آخرين وهما عبدالرشيد رشوند وعبدالرضا مجيري، ليكون برور هو القائد الرابع الذي يتولى مسؤولية قيادة العمليات الإيرانية في سوريا خلال شهرين. وكانت مواقع تابعة للحرس الثوري تحدثت عن مقتل 25 مقاتلاً من الحرس خلال الأيام السبعة الأخيرة، وتحدث الإعلام الإيراني عن مقتل الرائد سجاد مرادي، والنقيب يحيى براتي والنقيب مرتضى زارع، كما أعلن عن مقتل أرشاد بهنودي، إضافة إلى مقتل ثمانية من عناصر الحرس في معارك جنوب حلب خلال الأسبوع الفائت. لم يتمتع الجنرال برور مثل سابقيه بدعاية كبيرة من قبل وسائل الإعلام الإيرانية التي اكتفت بإيراد الخبر، دون أن تذكر أيّ تفاصيل إضافية عن الرجل، الذي كان نشاطه محصوراً خلال الأشهر الماضية باستقبال جثامين عناصر الحرس الثوري وقادته الذين يقتلون في سوريا. وقد نشرت بعض الصحف والمواقع الإخبارية الإيرانية صوراً لبرور وهو يقوم بدفن رفاقه، كأعلى شخصية عسكرية مقربة من المرشد الأعلى تقوم بهذا الدور، الذي بدأ يربك القيادة الإيرانية، والتي أعلنت مراراً أن مهمتها في سوريا مهمة استشارية. إلا أن أعداد قتلاها وخاصة في المعارك الأخيرة وربما منذ بدء التدخل الروسي في سوريا بدأ يثير قلقها ويربك حساباتها، ويجعلها تتخبط. نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قائاني، يصر في تصريحات له على أن إيران مستمرة بفتح البلدان التي يسيطر عليها (الاستكبار)، وبحسب نائب القائد العام لفيلق القدس، وهو فرع العمليات الخارجية للحرس الثوري، فإن (الثورة الإسلامية الإيرانية لا تتحدد بجغرافيا وإنها تتقدم في كل بلاد المسلمين) كما يؤكد ذلك حرصها الشديد على نفي كافة الأخبار والأنباء التي تحدثت عن إصابة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في سوريا، نهاية شهر نوفمبر الفائت، وقد اختفى الرجل عن الحضور على أيّ من الساحات التي كان ينشط فيها سواء في سوريا أم في العراق، وهو الذي لم يكن يفوّت فرصة إلا ليقف ويلتقط صورة، فقد ظهر قرب تكريت في العراق جالساً مع مقاتليه يحتسي الشاي أو مجتمعاً بالقيادة العراقية، وظهر قرب حلب شمالاً ودرعا جنوباً في سوريا، لكنه الآن غاب عن المشهد ولا تمانع وكالة أنباء فارس وهي واحدة من أكبر وكالات الأنباء الإيرانية التابعة للحرس الثوري أن تنقل خبراً عن مصادر لا تسميها تذكر فيه أن سليماني سافر خلال الأيام الماضية إلى موسكو والتقى الرئيس الروسي بوتين الذي وصفه ب"صديقي، قاسم"، رغم النفي الروسي للخبر. هل أرهقت الساحة السورية القوات الإيرانية حقاً، أم أن خلف أسوار "قم" العالية تفاصيل إضافية؟ لم يقتصر دور إيران في سوريا على الدعم اللوجستي والاستشاري، كما لا تنفك تدّعي هي ونظام الأسد، فقد سجلت مشاركة مقاتلين إيرانيين وعشرات الآلاف من المرتزقة التابعين لميليشيات تخضع لسيطرتها مثل حزب الله اللبناني ولواء أبي الفضل العباس العراقي وسواها إلى جانب قوات النظام منذ الأيام الأولى للثورة السورية. وتمكنت فصائل الثوار من أسر عدد من العسكريين الإيرانيين الذين ادّعت طهران وقتها بأنهم "حجّاج" وقبلت بالخضوع لصفقة تبادل أفضت إلى خروج مئات المعتقلين من سجون النظام مقابل حجّاجها أولئك. وقد تعددت بعدها حوادث الأسر ومقتل العسكريين الإيرانيين، الذين أضيفت إليهم جثث المئات من عناصر الميليشيات الأخرى، ما أثقل كاهل طهران التي لم تعد قادرة على إدارة هذا الملف المعقد بمفردها، وقد رحبت فيما بعد بالتدخل العسكري الروسي الذي مثل بالنسبة إليها طوق نجاة للخروج من المستنقع السوري بأقل الخسائر، على الرغم من أن نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قائاني، أكد في تصريحات له بداية العام 2015 "أن إيران مستمرة بفتح البلدان التي يسيطر عليها "الاستكبار". ونقلت وكالة فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني عن قائاني قوله خلال كلمة له في مدينة مشهد الإيرانية إن "الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستانوالعراقوسوريا وفلسطين وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة". وبحسب نائب القائد العام لفيلق القدس، وهو فرع العمليات الخارجية للحرس الثوري، فإن "الثورة الإسلامية الإيرانية لا تتحدد بجغرافيا وإنها تتقدم في كل بلاد المسلمين". فهل تقبل إيران بتوقف مشروعها الذي كان واحداً من أحلام الخميني الكبرى التي أطلقها عقب استيلائه على السلطة إثر ما يعرف بالثورة الإسلامية في إيران مؤخراً فجر الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني قنبلة من العيار الثقيل كما وصفها الكثير من المراقبين، حين تحدث عن واحد من أكثر المواضيع حرمة في إيران، وهو من يخلف خامنئي؟ الكلام لم يأت من فراغ فقد خضع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهو أعلى سلطة دينية وسياسية في بلاد الملالي، لعملية استئصال سرطان البروستاتا، وبالمقابل فقد خضعت الدولة التي كانت تهدّد العالم بسلاحها النووي الذي تلوح به وقتما تشاء لعملية استئصال لقدراتها النووية عقب توقيعها الاتفاق مع الدول الكبرى، وهو ما سمح لها أن تكون دولة طبيعية دون قدرات تدميرية هائلة. وهي تضع نفسها أمام أسئلة من نوع هل يمكنها الاستمرار بالسير على هذا النهج المستبد الذي حوّلها إلى واحدة من أكثر الدول كراهية فى المنطقة؟ تماماً كما قد يقف الإيرانيون ليتساءلوا من سيخلف المرشد الأعلى في حال وفاته، وهل سيكون خليفته إصلاحياً أو متشدداً؟ هذه المهمة سوف تقع على عاتق مجلس الخبراء المزمع انتخابه خلال شهر فبراير من العام القادم 2016، وكل هذه التفاصيل تجعل المشهد الإيراني مرتبكاً، وتجعل القلعة المليئة بالأسرار مفتوحة على كافة الاحتمالات، فرفسنجاني الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام والمحسوب على التيار الإصلاحي لم يستبعد أيّ احتمال فقد قال إن مجموعة الخبراء تدرس كل الاحتمالات، بما في ذلك وضع لائحة بأسماء مرشحين لمنصب المرشد، من أجل طرحها على مجلس خبراء القيادة، في حال دعت الحاجة إلى إبدال المرشد أو انتخاب مرشد جديد. علماً أن رفسنجاني نفسه هو أحد المرشحين المحتملين لشغل هذا المنصب في حال شغوره. مما لا شك فيه أن دولة الولي الفقيه لا تستطيع الاستمرار سنوات إضافية بمثل ما كانت تفعله طيلة العقود الماضية.هي مجبرة على التعامل مع واقع أنها تتعرض لهزائم متلاحقة في سوريا، وتعلم تماماً أن إيفاد الجنرال غلام حسين غيب برور ليتولى قيادة القوات العاملة في سوريا لن يقدم أو يؤخر في الأمر شيئاً بعدما فشل القادة الذين سبقوه، كما أن القبضة الحديدية التي تخنق إيران منذ خمسة وثلاثين عاماً ستبدأ بالتراخي قريباً، وكي تكون إيران جزءاً من العالم عليها أن تتغير، لأن العالم كله يتغير.