نقل موقع "ديلي بيست" عن أحد المحللين السياسيين قوله بأنه "بعد وفاة الملا عمر، قائد طالبان سابقاً، أخذت الحركة في تلطيف مواقفها"، وكما كتبت صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة الأخير، عن أحد زعماء الحركة قوله "لقد تعلمنا دروساً حينما كنا في السلطة، ونحن على استعداد لأن نكون معتدلين إلى حد ما". وفي المؤتمرات الصحفية الدولية، بدأ ممثلو طالبان يتحدثون ويلتقون مع النساء، وربما لطفوا قليلاً من معارضتهم للموسيقى والتصوير. ولكن "ديلي بيست" يرى بأن من يصدق بأن طالبان تغير، يكون ساذجاً، بل وأكثر سذاجة إن لم يدرك بأن طالبان هو النموذج الرائد لما يسمى حالياً "تنظيم داعش"، والذي يمارس نشاطه المروع عبر العالم الإسلامي، كما سيدعي داعش في يوم ما أنه أخذ في" تلطيف وتعديل" مواقفه، وسيجد أيضاً الأعذار لسلوكه القديم، ولذا من الضروري تذكر وإدراك حقيقة التنظيم الذي قادة الملا عمر لمدة طويلة. ويلفت الموقع إلى أنه منذ اليوم الأول لدخول طالبان إلى كابول في عام 1996، أعلن الملا عمر بأنه لم يعد يسمح للفتيات الأفغانيات بالذهاب إلى المدرسة. كما لم يعد بإمكان النساء ممارسة أي عمل خارج المنزل، وفي الواقع، لم تعد النساء في ظل سلطة طالبان قادرات على مغادرة منازلهن، دون مرافقة أحد الأقارب الذكور. وفي خلال أسبوع على الوصول إلى طالبان، أخذ عناصر طالبان عدداً من الرجال والنساء إلى استاد رياضي في كابول، وتم قتلهم جميعاً بتهمة ممارسة الزنى ويقول الموقع "واصلوا قطع أيدي سجناء اتهموا بالسرقة، أمام آلاف الناس الذين تجمعوا في الاستاد". كما أمر الملا عمر بجلد النساء اللاتي لا يضعن البرقع في الأماكن العامة، ونفس الأمر بالنسبة لرجال لم يطلقوا لحاهم ليصل طولها إلى 12 سم. ووصل الأمر لأن يأمر الملا عمر بتحطيم تماثيل بوذا التي حفرت في الجبال الحمراء في منطقة باميان، التي صمدت لأكثر من 1500 عام. وعملت حركة طالبان على تدمير ممنهج لتراث ثقافي إنساني ضمته متاحف أفغانستان، كما أحرق عناصر الحركة كتباً وأشرطة غنائية، ووقف الناس وهم مذهولين، وهم يرون صور أحبتهم وألبومات أفراحهم وأشرطة مصورة خاصة بعائلاتهم، وهي تحرق أو تمزق. ويشير "ديلي بيست" إلى تدني مستويات التنمية البشرية في أفغانستان، ومنع النساء من تلقي العلاج في المشافي، بحيث أصبحن يلدن في المنازل، وقد مات عدد كبير منهن مع مواليدهن. وانتشرت حالات سوء التغذية، وهرب المتعلمون والمهنيون خارج البلاد. كما تدنت الخدمات الحكومية، وحتى مدارس البنين غدت محدودة، ولم تعد وكالات الإغاثة قادرة على تقديم مساعدتها في ظل القيود التي فرضتها حركة طالبان. وقاد الملا عمر حملة ضد الحضارة، فقد أطلق على الأفغان حملة من الإرهاب والوحشية لا مثيل لها في أحلك فصول الحرب في أفغانستان، إذ أصبح المدنيون هدفاً لحكومتهم، بحيث زربوا داخل سجن كبير، في شكل جديد من الإدارة الفاشية. وارتفعت حصيلة الوفيات، جراء الإعدامات أو بسبب الجوع، أو لنفاذ الأدوية والرعاية الطبية، أو جراء الانتحار، أو الحرب، أو الأمراض التي انتشرت في البلاد التي أصبحت تحت رحمة أمراء الحرب. ومما يدعو للأسف، كما يقول "ديلي بيست"، أنه "لم يحمل أحد الملا عمر المسؤولية عن تلك الجرائم الشنيعة بحق سكان أفغانستان، أو لإيوائه إرهابيين سفكوا دماء في مناطق بعيدة عن أفغانستان. وما زالت حركة طالبان تتعامل مع الأفغان كرهائن بسبب رفض قادتها إلقاء السلاح والمشاركة في عملية سلام، وهم يقتلون ويشوهون ويفجرون مدنيين بشكل يومي". ويلفت الموقع إلى أن القاعدة وباكستان طالبان، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وشبكة حقاني، وغيرها من المنظمات الإرهابية، ما زالت تجد الأمان لدى طالبان في أفغانستان، وتشكل جميع تلك التنظيمات شبكة إرهابية عالمية تواصل تهديد أمن وسلامة أفغانستان، والمنطقة وباقي أرجاء العالم، كما أصبح أنصار ما يعرف بداعش عنصراً جديداً من الإرهاب، وهم يتنافسون مع طالبان في إثبات من منهم أكثر وحشية وضراوة في الفتك بأرواح الآمنين. وبري ديلي بيست، إن مسامحة طالبان وعدم المطالبة بإنزال العقاب بزعمائها، والإخفاق في محاسبة الملا عمر وأعوانه عن الجرائم التي ارتكبوها، يعد خيانة بحق أرواح الأفغان الذين قضوا تحت حكم طالبان، ولأرواح أولئك الرجال والنساء اللذين جاءوا من عشرات الدول من أجل تقديم أرواحهم للقتال في صفوف الناتو لنصرة الشعب الأفغاني ودحر ذلك التنظيم الإرهابي. ويقول الموقع أنه "آن الأوان لإنهاء الموقف الساذج في التعامل مع طالبان، وأنه حان الوقت لمواجهة الحقيقة وطبيعة ما يمثله طالبان، والأرث الذي خلفه الملا عمر". وآن الأوان، برأي "ديلي بيست"، للاعتراف بأن طالبان لا تريد السلام، وأن مصلحة زعماء التنظيم تتركز في مواصلة الحرب، وفي التنعم بحماية الاستخبارات الباكستانية، وحصد عوائد تجارة التهريب الأفغانية المربحة، والتي تفيد أيضاً الأجهزة الأمنية في كل من باكستان وإيران. وكما قال وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر" إذا لم يكن لديك سياسة، لن يكون للاستخبارات أهمية". ولربما تعرف وكالات الاستخبارات أماكن تواجد زعامة طالبان، والمتفرقين حالياً، ولكن سياساتهم موحدة، ولكن يفترض ملاحقتهم ومعاملتهم كقتلة لمدنيين، وحيث يجب أن ينظر للملا عمر لا بوصفه ثوري ذي شخصية كاريزمية، بل كشخص أشرف على فترة مخزية من المذابح الرهيبة، ويجب أن يسجل التاريخ اسمه إلى جانب مجرمين من أمثال عيدي أمين وستالين وبول بوت. وفي نفس الوقت، يجب أن تتخلى الحكومة الأفغانية وحلفائها في الغرب، وفي كل مكان، عن أمنياتهم الطيبة واعتقادهم بأن حركة طالبان ستلقي يوماً سلاحها، ومن المؤكد أن شعار هذه الحركة يبقى العنف، وقد كان زعماؤها عنيفون وهم على رأس السلطة، كما كانوا خارجها.