التاريخ المصرى وتحديداً منذ انتهاء الحقبة الفرعونية يؤكد على أن مفهوم السياسة لدى معظم من تولوا حكم مصر لم يكن يختلف كثيراً عن مفهومها لدى السيد مزيكا ولمن لا يعرف مزيكا فهو تلك الشخصية الجميلة التى جسدها ببراعة وإقتدار الفنان الراحل نجاح الموجى فى مسرحية المتزوجون الشهيرة ولمن لا يعرف أيضاً مفهوم السياسة لدى مزيكا فعليه أن يقرأ هذا الحوار والذى دار بين حنفى"جورج سيدهم"ومزيكا فى هذا الشأن (حنفى:اللا قولى يا واد يا مزيكا..مزيكا:نعمين..حنفى:أنت بتفهم فى السياسة يا ولَا؟..رد مزيكا مستنكراً: أفهم في السياسة! أنا الشعب!..حنفى:طب أيه رأيك ياواد يا مزيكا فى سياسة الوِفاق؟.مزيكا:سياسة الوفاق يعنى يا بخت من وَفَّق راسين في الحلال..وحينها قال حنفى مقولته التاريخية الشهيرة "دي سياسة أمك دى" ، فرغم عشرات الأنظمة الحاكمة التى توالت على حكم مصر بعد خفوت وميض الحقبة الفرعونية وزوالها من يونانيين وبطالمة ورومان وبيزنطينيين وخلفاء وأمويين وعباسيين وطولونيين وإخشيديين وفاطميين وأيوبيين ومماليك وعثمانيين وفرنسيين والبانيين ومصريين إلا أن أغلبهم كما ذكرت كان إدراكه للمفهوم السياسى لا يختلف كثيراً عن إدراك الأخ مزيكا فباستثناء بعض الأسماء القليلة التى أدركت المفهوم الصحيح للسياسة بشقيها الداخلى والخارجى أتت الغالبية العظمى مخيبة للآمال "مزيكاتية وليس أكثر" !! ولما كان هذا حال هؤلاء الحكام فليس غريباً أن يأتى حال أنظمتهم بالكامل على هذا المنوال فالحاكم المزيكا يعين وزراء مزيكا والوزراء المزيكا يعينون بالتبعية مسئولين مزيكا والشعب "أهل البيت" حينئذ وبالطبع لن يكون سوى مجرد راقص يتمايل على أنغام الفرقة التى تقوده، ولعل مبارك ونظامه هم النموذج الأشهر للمزيكاتية فى العصر الحديث فقد كان مبارك ورغم كونه تلميذاً للداهية "أنور السادات" يقود البلاد بطريقة مزيكا الشهيرة "يابخت من وفق راسين فى الحلال" ! تحدث كارثة طائفية فيأمر بعقد جلسة عرفية للصلح بين ممثلى طرفى الكارثه وينتهى الأمر دون محاولة جادة منه للبحث عن أسباب الكارثة واقتلاعها ، يقع حادث قطار الصعيد الشهير فى فبراير 2002 ويودى بحياة أكثر من 350 شخصاً فيأمر وزير نقله بتقديم استقالته رغم أنه كان من الأولى به أن يقوم بتحويله للجنايات على الأقل بتهمة الإهمال الجسيم ، تغرق العبارة السلام 98 فى فبراير 2006 ويتجاوز عدد ضحاياها أكثر من 1000 شخص مابين قتيل ومفقود فيظهر مبارك بعد وقوعها بأيام وهو يتابع تدريبات المنتخب ، وغيره وغيره الكثير ، إلى أن قامت ثورة يناير ورحل مبارك وأعتقد الكثيرون حينئذ أن رحيله لهو بمثابة النهاية لسياسة مزيكا الشهيرة إلا أنه سرعان ما خابت الآمال بعد أن تولى طنطاوى ومجلسه العسكرى إدارة شئون البلاد ورحل طنطاوى ومجلسه وأتى مرسى والذى كان عهده القصير لبمثابة القشة التى تحطمت عليها ما تبقى من آمال لدى البعض وحدثت المعجزة وقامت ثورة يونيو وأطاحت بمرسى وبجماعته بغير رجعة وعادت الآمال رويداً رويداً فى فترة الرئيس المؤقت الجليل عدلى منصور ورحل منصور وأتى السيسى وبلغت الآمال عنان السماء لدى الملايين من محبيه إلى الحد الذى جعل الكثيرين منهم يتسرعون فى إطلاق الأحكام والتقييمات المتسرعة حول مكانة الرجل السياسية رغم كونه حديث العهد بمنصبه الجديد ورغم أنه لم يمر من عهده سوى ايام !! وإحقاقاً للحق فإنه لا يمكن على الإطلاق التسليم بأحكام هؤلاء المتسرعين فالرجل لايزال فى أيامه الأولى فى قصره الرئاسى وأمامه الكثير من الملفات الشاقة والشائكة التى لم نرَ طريقة أو نتائج تناوله لها بعد ، ولكن ما يمكن استشفافه فقط من خلال قراءتنا جيداً للسيرة الذاتية الخاصة بالرجل منذ أن تولى منصبه السابق كوزيراً للدفاع فى الثانى عشر من أغسطس 2012 وحتى الآن هو أن ذلك الرجل يسعى لأن يسطر تاريخاً جديداً تاريخاً خاصاً به تاريخاً يأمل فى أن يعنون بهذا العنوان المثير "رجل غير التاريخ" أيها المصريون من مؤيدى السيسى ومن معارضيه ، ممن يروا فى أن الرجل يعلى فى كافة خطاباته وقراراته من شأن الوطن والمواطن وممن يروا أن الرجل بقراراته الأخيره الخاصة بزيادة أسعار الكهرباء وبعض السلع البترولية قد أثبت بما لايدع مجالاً للشك بأنه مثله مثل أغلب من سبقوه فى حكم مصر "مزيكاتى وليس أكثر" تمهلوا قليلاً فى الحكم على الرجل تمهلوا حتى يتبين لنا جميعاً الخيط الأبيض من الخيط الأسود فالله غالب على أمره والله يعلم ما لا تعلمون.