تصريحات وزير الخارجية المصري ل'الإذاعة الوطنية الأمريكية'، التي وصف فيها العلاقة بين مصر وأمريكا بأنها 'علاقة زواج'، ذكرتني حقيقةً بالحوار الشهير بين جورج سيدهم 'حنفي'، ونجاح الموجي 'مزيكا'، في مسرحية 'المتزوجون'.. حنفي: 'إيه رأيك يا واد يا مزيكا في سياسة الوفاق؟'، يرد 'مزيكا' بثقة شديدة: 'يا بخت من وفق راسين في الحلال'!!!. وقتها ضجت قاعة المسرح بالضحك، ولم يكن يتوقع أحد أن 'نظرية مزيكا' سيكون لها الغلبة في السياسة الخارجية المصرية!!. لأول وهلة لم أصدق ما قرأت، فكيف يجرؤ مسئول 'دبلوماسي' رفيع المستوي علي توصيف العلاقة بين مصر وأمريكا أو العلاقات المصرية مع أي دولة حتي ولو كانت عربية، بأنها 'علاقة زواج'؟!!.. وهل توصف العلاقة الوطيدة بين دولتين بهذه الطريقة 'المبتذلة'؟!!. قلت لنفسي.. ربما انتُزعت الكلمة من سياقها، لكن أي سياق؟!.. 'كلمة زواج' لا ينبغي أن تأتي في أي جملة للتعبير عن التقارب بين الدول!!. قلت، قد يكون هناك خطأ في الترجمة أو سوء نية من الإعلام الأمريكي الذي يزعجه تطور العلاقات المصرية الروسية في الفترة الأخيرة، لكن هل أخطأت كل الصحف الغربية والمصرية في نقل تصريحات الوزير، أو أساءت فهمها؟!!.. ولماذا لم تفسر وزارة الخارجية هذه العبارة 'المشينة'؟!!. بحثت في المواقع الإلكترونية، عن نص التصريحات التي أدلي بها نبيل فهمي ل'الإذاعة الأمريكية'، فكانت المفاجأة. السؤال الموجه لوزير الخارجية كان حول المساعدات الأمريكية لمصر، فقد سأله المذيع: 'المساعدات العسكرية هل تعطيكم ميزات تكتيكية تحتاجون لها؟'. فإذا بالوزير يرد: 'نعم بالطبع هي مهمة جدًا بالنسبة لنا' أعتقد أن الإجابة انتهت عند هذا الحد أو كان ينبغي ذلك لكن الوزير أضاف: 'لأنها مثل الزواج وليست علاقة لليلة واحدة أو نزوة عابرة'. أعدت قراءة عبارات نبيل فهمي وزير الخارجية أكثر من مرة، بل استمعت لها علي موقع الإذاعة الأمريكية.. فوجدت أن الأمر لم يكن يستدعي علي الإطلاق أن يدلي بهذه الإجابة 'المخزية'، أو أن يصف العلاقة بين مصر وأمريكا ب'الزواج'، وأي مستمع يكتشف بسهولة أن الوزير أقحم هذه العبارة 'المسيئة لمصر' ضمن إجابته. لقد استمعت للوزير من قبل في أكثر من حوار ولقاء تليفزيوني، والرجل دقيق في اختيار مفرداته، ومحدد وواضح في عباراته، فكيف يسقط هذه السقطة الكبيرة؟!!. زاد الطين بلة، التوضيح الذي خرج عن وزارة الخارجية وليتها ما أوضحت فقد حمَّلت في بيان لها المسئولية للإعلام، وقالت: إن الصحف تناولت تصريحات نبيل فهمي بمنطق 'ولا تقربوا الصلاة'!!، وأضافت: إن المقصود ب'الزواج' وجود ندية في العلاقة!!!. الخارجية المصرية في إطار تبرير عبارات وزيرها الصادمة، حاولت أن تمرر لعقولنا أن المشكلة في تناول الصحف، وكان الأجدر بالوزارة أن تخجل مما قاله وزيرها ولا تبرره، وأن تعتذر عنه للشعب المصري ربما نقبل الاعتذار فتصريحات نبيل فهمي لو أحسنا الظن، تذكرنا بالموظف الذي يتودد إلي رئيسه قائلا: 'شخبطة سيادتك تخطيط لمستقبلنا' أو 'شلوت حضرتك دَفعة للأمام'، وإن كنت أعتقد أن هذا النفاق الرخيص من المرءوس لرئيسه أفضل حالا من توصيف العلاقة بين مصر وأمريكا علي أنها 'علاقة زواج'.. فالعلاقات بين الدول لا يمكن توصيفها بهذه الطريقة. قبْل نبيل فهمي وبالتحديد، سنة 1942، وصف وزير المالية المصري أمين عثمان العلاقة بين مصر وبريطانيا ب'الزواج الكاثوليكي' ودفع حياته ثمنًا لهذه العبارة، التي ظلت رغم مرور أكثر من سبعين عامًا مثار تندر المصريين. وقتها كان لدي أمين عثمان مبرره، فقد كان الفتي المدلل للاحتلال البريطاني.. بل فرضته سلطات الاحتلال علي الملك فاروق لتعيينه وزيرًا للمالية، واعترف اللورد كيلرن المندوب السامي في القاهرة آنذاك بأن هذا كان بناء علي طلبه. فما هو مبرر نبيل فهمي؟!!.. لقد تولي مهام منصبه وزيرًا للخارجية بعد ثورة 30 يونية التي خرج فيها ملايين المصريين يهتفون بسقوط أمريكا، ويرفعون صور الزعيم الخالد عبد الناصر تعبيرًا عن التطلع إلي الحرية والاستقلال الوطني. خرج المصريون بالملايين إلي الشوارع والميادين ينشدون الحرية، والخلاص من براثن التبعية، ويدهسون تحت أقدامهم عبارات انهزامية سيئة السمعة والمقصد من عينة: '99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا'، و'العلاقات المصرية الأمريكية علاقات إستراتيجية'.. فإذا بمن يمثلهم أو هكذا يفترض يعود بالأمور إلي نقطة الصفر وربما تحت الصفر. لقد استوعب المصريون ما غاب عن وزير خارجيتهم، فهموا أن مصيبتنا هي الدوران في الفلك الأمريكي، وأن عدونا الأول هو الرأسمالية الأمريكية التي حولتنا إلي شعب يعيش تحت خط الفقر، يحقق أبناؤه أعلي المعدلات في الإصابة بكافة الأمراض، ويتسول حكامه الغذاء والسلاح. أدرك المصريون أن معركتهم الحقيقية مع مَن ساند الكيان الصهيوني وساهم في تدمير العراق، وسوريا، وليبيا، ومَن قسَّم السودان واليمن، ومَن كان يسعي لتفتيت المنطقة العربية باستخدام جماعة الإخوان، ويشجع إثيوبيا علي المضي في مخطط تجويع وتعطيش الشعب المصري.. فهتفوا 'تسقط أمريكا وكلاب أمريكا'، وحرقوا العلمين الأمريكي والصهيوني وصور أوباما ونتنياهو، ورفعوا صور الزعيم الخالد جمال عبد الناصر رمز التحرر الوطني. يا معالي وزير الخارجية، الإدارة الأمريكية لا تفهم إلا لغة القوة، ولم تعترف بثورة يونية أو ترضخ إلا بعد أن أدركت أن مصر تمتلك إرادة التحرر، التي تجسدت في استعادة العلاقات مع روسيا. يا معالي الدبلوماسي المرموق، أعرف أن زيارتك الأخيرة لواشنطن جاءت في وقت دقيق، وفي ظل ظروف شائكة وملتبسة، لكني أتابع أداءك وتصريحاتك منذ أن جاءت بك ثورة يونية إلي موقعك كوزير للخارجية، وأزعم أن ما قلته لم يكن 'زلة لسان'، وإنما تعبير عما تؤمن به!!. يا د.نبيل.. أنا لا أشكك في وطنيتك أو مقصدك أو حرصك علي تجاوز التوتر في العلاقات المصرية الأمريكية ولا أجرؤ بل أعترف أنك بذلت ما تستطيع علي مدي سنة كاملة، لكن أزعم أنك من هؤلاء الذين ما زالوا يعتقدون أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، ويرون أن الخروج من المأزق الحالي يكون بالتودد إلي سكان البيت الأبيض. أنت مثل كثيرين، لم يعرفوا الفرق بين الحفاظ علي العلاقات ودية ومتوازنة مع الإدارة الأمريكية وبين المهادنة، التي وصلت بنا لما نحن فيه الآن رغم صدق النوايا ولم تدرك حتي هذه اللحظة معني خروج الملايين إلي الشوارع والميادين في ثورة شعبية لم يعرفها العالم من قبل. فاعتذر تقديرًا لشعبك ولتاريخ والدك إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر الذي قدم استقالته احتجاجًا علي زيارة الرئيس السادات للقدس. الإخوان وصبيانهم!! رغم أن تصريحات وزير الخارجية كانت صادمة ومستفزة، لم يخفف من وطأتها إلا تعليقات الإخوان وأنصارهم المضحكة، فقد صبت الجماعة جام غضبها علي نبيل فهمي، بل طالب صبيانها بإقالته واتهموه بالخيانة والولاء لأمريكا، وراحوا يتغنون بأغنية 'الانقلاب' الشهيرة التي لا يملون من ترديدها منذ ثورة يونية!!. الإخوان الذين يُحاكم رئيسهم ومرشدهم وأعضاء مكتب إرشادهم بتهم الخيانة والتخابر والإرهاب.. الإخوان الذين جمعتهم بالاحتلال البريطاني ومن بعده الإدارة الأمريكية علاقات آثمة.. الإخوان الذين جابوا الدنيا يحرِّضون المجتمع الدولي علي الجيش المصري.. الإخوان هم من يرتدون الآن مسوح الوطنية ويملأون الدنيا ضجيجًا وكأن تصريحات وزير الخارجية نبيل فهمي استفزتهم وجرحت مشاعرهم الوطنية المرهفة!!!. هل نسي الإخوان تصريحات عصام الحداد ويوسف القرضاوي ومن هم علي شاكلتهما ممن راحوا يستقوون بالغرب؟!!.. إذا كانوا يتناسون فلن ننسي صراخهم وعويلهم عندما طالبوا من فوق منصة 'رابعة العدوية' بتدخل أمريكا و'حلف الناتو' لإعادة مرسي إلي كرسي الحكم، وهتفوا 'الله أكبر ولله الحمد' وهم يعلنون أن بارجتين أمريكيتين في طريقهما للمياه الإقليمية المصرية لضرب الجيش المصري. حقا.. 'إذا لم تستحي فافعل ما شئت'.