فى قصة تستحق القراءة , نقلت وكالة الأنباء الأمريكية (أسوشيتيد برس) قصة الفتى داميان كليرمونت، الذي أخبر أمه كريس بودرو، في إحدى ليالي نوفمبر 2012 إنه ذاهب إلى مصر لتعلم العربية، لغة الإسلام، ولم تره والدته منذ ذلك اليوم. قالت كريس: "طار إلى سياتل، ثم إلى أمستردام، ومنها إلى إسطنبول"، مضيفة أنه "كان هناك معسكر خارج المدينة، مباشرة حيث كان يتم تدريب المتشددين قبل عبورهم الحدود إلى سوريا". بعد 14 شهراً، كان هذا الشاب الكندي الذي أشهر إسلامه قد توفي، على ما يبدو، نتيجة قتال بين جماعات إسلامية متنافسة في مدينة حلب بشمال سوريا. رحل داميان عن هذه الدنيا تاركاً أمه وهي تفكّر هل كان في وسعها أن تفعل شيئاً لوقفه عن التحوّل إلى جندي "جهادي". ولإيجاد جواب على هذا التساؤل، حوّلت السيدة بودرو أنظارها إلى أوروبا، حيث تستخدم السلطات بشكل متزايد برامج للتواصل مع المسلمين، بهدف التصدي للتشدد، أو إعادة المتشددين إلى سلوك خط الاعتدال، وتتضمن هذه البرامج مبادرات لتقديم المشورة في المدارس، وتوفير خطوط ساخنة للاتصال، وحتى إطلاق برامج لمساعدة الجهاديين العائدين على إيجاد وظائف. وينشغل الغرب بقضية منع التطرف منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما ظهرت "خلية هامبورج" بوصفها قوة أساسية في الهجمات. وزاد النزاع السوري، الذي يستقطب آلاف الغربيين للمشاركة في القتال، من ضرورة مواجهة تحدي ظاهرة التشدد. وفي مايو الماضي، أوقفت فرنسا شاباً (29 عاماً) كان شارك في القتال في سوريا، للاشتباه في وقوفه وراء جريمة قتل 4 أشخاص في متحف يهودي في بروكسيل. وقال ابن مهاجرين أتراك في مدينة بوخوم الألمانية، ويدعى كمال بوزاي: "حتى الآن، لم نقم كمجتمع برد فعل سوى بعد فوات الأوان"، مضيفاً: "هذه هي المرة الأولى التي نقوم فيها بالتعاطي مع المشكلة في شكل استباقي". ويدير بوزاي برنامجاً يُطلق عليه "فاغزفايزر"، وهي كلمة تعني "علامة الطريق" باللغة الألمانية، ويسعى البرنامج إلى منع التشدد في صفوف المراهقين المسلمين في مدينة بوخوم، التي تقطنها جالية إسلامية كبيرة، وذلك من خلال الحصول على مساعدة من المدارس، والعائلات، وزعماء دينيين، ومراكز التوظيف. وإلى جانب بوخوم، هناك مركزان آخران ل "فاغزفايزر" في بون ودوسلدورف، وكلها تعمل على التواصل مع شبان يعانون مشاكل في حياتهم، قبل استقطابهم لمصلحة متشددين إسلاميين. وترسل هذه المراكز موظفين اجتماعيين يتدخلون عندما يرون أشخاصاً يعملون على التجنيد وهم يحاولون الاتصال بمراهقين في الحدائق، وملاعب كرة القدم، وباحات المدارس، أو حين يحاولون جذب الناس إلى إشهار إسلامهم في الأسواق التجارية. ويتحدث الموظفون الاجتماعيون إلى الشبان الذين كان يجري استقطابهم، ويحاولون أن يقدموا لهم حلولاً تبعدهم عن المتطرفين. وتحظى هذه المراكز، التي تم إطلاقها في أبريل الماضي، بدعم من جهاز الأمن في ولاية نورث - راين ويسفاليا، أكبر ولاية ألمانية لجهة الكثافة السكانية، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في عدد السلفيين، وهو أمر أقلق السلطات. وقد ارتفع عدد السلفيين في ألمانيا من 6 آلاف شخص، وفق الأرقام الرسمية، إلى 1800 في ولاية نورث - راين ويسفاليا لوحدها. ويقول رئيس جهاز الاستخبارات الداخلي في هذه الولاية، بوركهارد فراير: "السلفية حزمة حياة متكاملة للشبان، لأنها تقدم لهم دفئاً اجتماعياً، ونظرة إلى العالم (تقسمه ببساطة إلى أبيض أو أسود)، واهتماماً خاصاً بهم من المجموعة التي ينتمون إليها، حيث توفر لهم ببساطة كل شيء ليس متوافراً لهم في الحياة الحقيقية". ومعظم الذين ينجذبون إلى الأصولية في الغرب، هم أبناء أو أحفاد مهاجرين مسلمين، لكن نسبة لا يستهان بها تنتمي إلى أشخاص اعتنقوا الإسلام، مثل داميان كليرمونت، إبن كريس بودرو، الذي اكتشف الدين الإسلامي وهو في عمر 17 عاماً، عندما كان يعاني حال اكتئاب. وتحسن وضع داميان بعد اعتناقه الإسلام، بحيث تقول والدته: "أصبح مسالماً جداً، هادئاً، وسعيداً من جديد"، لكن مع مرور الوقت، صار داميان يعتنق أفكاراً أكثر تشدداً. وتوضح والدته: "لم تتم توعيتنا إلى أن هذا النوع من القضايا يمثّل مشكلة في كندا، كما أننا لم نفهم حقاً أي شيء بخصوص التشدد والمقاتلين الأجانب". قبل عامين، دشنت ألمانيا خط هاتف وطنياً ساخناً، يتصل به الناس الذي يشعرون بالقلق حيال أصدقاء أو أقرباء يمكن أن يتحولوا إلى الإسلام المتشدد. وتدير الحكومة هذا الخط وتمول تكاليفه، لكن المتصلين يتم تحويلهم بسرعة إلى 4 مجموعات مدنية، تتعامل مع القضايا التي يريد المتصلون التحدث في شأنها. وبحسب المسؤولة في المكتب الفيديرالي الألماني للاجئين والمهاجرين، فلورين أندرس، فإن الخط تلقى حتى الآن أكثر من 900 اتصال، وتم بموجبها فتح 250 ملفاً. وواحدة من هذه المجموعات المدنية هي "حياة"، التي تم إطلاقها عام 2011 في برلين، وخرجت من رحم مشروع آخر طويل الأمد، كان هدفه مساعدة المتطرفين اليمينيين على الابتعاد عن ساحة النازيين الجدد. ورأى مؤسس هذه المجموعة، والمحقق السابق في الشرطة بيرند فاجنر، أن السلطات تركز بشكل كبير على توقيف المتشددين وسجنهم، من دون أن تعالج بشكل سليم الأسباب التي تدعو الشبان إلى اعتناق أيديولوجيات عنيفة في المقام الأول. ويقول فاجنر: "رأينا خطاً متوازياً بين التشدد الإسلامي واليمين المتطرف"، مشيراً إلى أن مجموعته ساعدت 528 شخصاً على ترك ساحة اليمين المتشدد، كما ساعدت عشرات المسلمين على ترك التيارات المتشددة. ويضيف فاجنر أن برنامج "حياة" لا يعمل مباشرة مع المتشددين الإسلاميين لإقناعهم بالابتعاد عن التشدد، لأن القيام بهذه المهمة قد يكون صعباً على أشخاص من خارج بيئتهم. ويوضح "نحاول أن نستخدم قوة العائلة" لإبعاد الأبناء عن خط التطرف، وعادة ما تكون العائلة هي من اتصل بسبب خوفها على ابنها أو ابنتها من الانتقال للقتال في سوريا، وتقوم مجموعة "حياة" بمساعدة العائلة على إقناعه أو إقناعها بعدم صواب مثل هذه الخطوة.