تواصلت ردود الفعل على الساحة الإسرائيلية، بعد العثور على جثث المستوطنين الثلاثة بالخليل أمس الإثنين، وتباينت الآراء الإسرائيلية بين مؤيد للقيام بعملية عسكرية واسعة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين الرغبة في التهدئة، والتي تتصاعد بقوة أيضاً مع مطالب ودعوات الانتقام، وفقاً لما أوردت الصحف الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء. نوهت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى إقامة مراسم تشييع جثامين المستوطنين الثلاثة، إيال يفراح، وجلعاد شاعر، ونفتالي فرينكل، في مقبرة موديعين، الساعة الخامسة والنصف عصراً بالتوقيت الإسرائيلي. وأشارت الصحيفة إلى أن مواكب الجنازات ستنطلق في الساعة الثالثة والنصف من مدينة العاد، ومستوطنة طلمون، وقرية نوف إيالون، حيث مسقط رأس القتلى. ونقلت الصحيفة تصريحات وزير الدفاع موشيه يعالون، والذي أشار إلى أن بلاده تعتبر حركة حماس مسؤولةً عن اختطاف الشبان الثلاثة وقتلهم، مؤكداً أننا سنحاسبها على ذلك، ونواصل ملاحقة القتلة، ولن يهدأ لنا بال إلى حين إلقاء القبض عليهم. وفي سياق منفصل، توقع محرر الشؤون العربية في الصحيفة، والمحاضر في الجامعة العبرية، داني روبنشتاين تأجيجاً في الصراع والمواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عدد من المدن أبرزها مدينة الخليل، التي يوجد بها الكثير من المستوطنات المتشددة، والتي يدعو سكانها أو القائمون عليها إلى طرد الفلسطينيين، والتخلص منهم. وألقى روبنشتاين الضوء على ما أسماه "الحالة الإنسانية الصعبة" في الخليل، قائلاً إن الخليل تعيش هذه الأيام في توتر شديد، حيث تم منع سكان المنطقة من الخروج للعمل في إسرائيل، فضلاً عن إغلاق بعض المصانع بسبب الحصار العسكري المفروض على الخليل. وأضاف روبنشتاين أن هناك بعضاً من المصانع الهامة التي تزود الضفة الغربية بالأطعمة، وتحديداً الألبان، والتي أغلقت بسبب التصعيد أو التوتر الأخير في الخليل، و يقدر وزير الاقتصاد الفلسطيني الأسبق، وأحد أكبر رجال الأعمال في الضفة الغربية، مازن سنقرط، الأضرار الناجمة بسبب حصار الخليل بنحو 10 مليون دولار يومياً. ورسم روبنشتاين السيناريوهات المتوقعة، والتي ستقوم بها الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع هذه الأزمة، قائلاً: "لا شك أن حكومة إسرائيل ستعمل من الآن بمزيد من القوة ضد حركة حماس في غزة"، مشيراً إلى أن إسرائيل قامت بخطوات انتقامية في ديسمبر(كانون الأول) 1992، عندما اختطفت حركة حماس الشرطي الإسرائيلي نيسيم توليدانو وقتلته، وحينها أمر رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين بترحيل ما يقرب من 400 ناشط في حماس إلى لبنان. وأوضح روبنشتاين أن السجون الإسرائيلية بها الآن نحو 450 من عناصر حماس في الضفة الغربية، والذين اعتقلوا في الأيام التي مرت منذ الاختطاف. ولم يعلق روبنشتاين عن سر اختياره لهذه الإشارة، ويبدو أنه يرغب في التلميح إلى إمكانية استبعاد هذه القيادات بسبب عملية اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة. كابينيت وعلى صعيد آخر، شهد اجتماع المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر، المعروف ب "كابينيت"، نقاشاً حاداً بسبب التباين الشديد في وجهات النظر، حول طبيعة الرد على مقتل المستوطنين الثلاثة، بحسب ما أوردت صحيفة "معاريف". ولفتت الصحيفة إلى انتهاء الاجتماع أخيراً، دون الاتفاق على قرار معين بشأن طبيعة الرد على مقتل المستوطنين الثلاثة، غير أن الصحيفة كشفت أن عدداً من أعضاء الحكومة اقترحوا توجيه ضربة عسكرية موجعة ضد حركة حماس، غير أن آخرين رفضوا تماماً القيام بهذه الخطوة، زاعمين أنها ستؤدي إلى الكثير من الانعكاسات السلبية، التي لا يوجد أي طائل منها. وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الاقتصاد وزعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينت، كان من أشد المتحمسين للرد وبقوة على مقتل هؤلاء المستوطنين، معتبراً أن الحل يتمثل في القيام بعملية عسكرية واسعة في قطاع غزة. ونوهت الصحيفة إلى أن كلاً من وزيرة العدل تسيفي ليفني ووزير المالية يائير لبيد، يؤيدون ضرورة التروي، والقيام بردود عسكرية محددة، بدلاً من القيام بعملية عسكرية شاملة. ونوهت الصحيفة إلى أن اجتماع المجلس الوزاري انتهى دون اتخاذ أي قرار، ومن المنتظر أن يجتمع المجلس اليوم لمواصلة النقاش. وتطرقت الصحيفة إلى تفاصيل العملية العسكرية الإسرائيلية فجر اليوم في غزة ، حيث شن الطيران الإسرائيلي سلسلةً من الغارات الجوية على عدة مواقع في وسط وجنوب قطاع غزة، وذلك رداً على إطلاق صواريخ من جانب قطاع غزة تجاه مواقع إسرائيلية في شمال النقب، كما أفاد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، وذلك ضمن عملية واسعة النطاق للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وأكد الناطق بلسان الجيش الإسرائيل استهداف 34 هدفاً اعتبرهم "إرهابيين" في أنحاء القطاع، منها ما يتبع لكتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة حماس. وفي بيان صادر عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قال إن الأهداف تتبع لحركة حماس وتستخدم لما أسماه ووصفه ب "الإرهاب"، مشيراً إلى أنها "جاءت رداً على إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل". أزمة أمنية وفي سياق منفصل، نقلت صحيفة "هآرتس" تحذير المحلل العسكري للصحيفة عاموس هارئيل، والذي أشار إلى أن ما أسماه ب "الأزمة الأمنية" الناجمة عن عملية اختطاف وقتل المستوطنين ما زالت في أوجها، قائلاً إن حكومة بنيامين نتانياهو "ملزمة الآن بالرد على هذه العملية، خاصةً مع تصاعد غضب الجمهور الإسرائيلي، بسبب مقتل المستوطنين الثلاثة، وتصاعد الضغوط السياسية اليمينية داخل الحكومة أو الكنيست، من أجل القيام برد فعل إسرائيلي قوي". وأعلن هارئيل صراحةً أن الهدف المعلن للعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة هو "ردع الفلسطينيين"، لكن "الهدف العملي الأكثر هو تهدئة الإسرائيليين، ومن شأن عملية حازمة أن تكبح جماح الغضب الداخلي في إسرائيل". واستبعد هارئيل مبدئياً شن عملية عسكرية برية ضد قطاع غزة، غير أن هناك الكثير من الآراء التي تؤيد القيام بمثل هذه العملية، خاصةً في ظل الأزمات التي يعيشها المستوطنون، منذ اختطاف المستوطنين الثلاثة، وشعورهم بضرورة الضغط على حماس، والقيام بعملية عسكرية ضدها من أجل ردعها. ورسم هارئيل سيناريو واضحاً للتصعيد، قائلاً: "سيحاول نتانياهو بتأكيد القيام بعملية عسكرية ضد أحد قادة حماس الكبار، غير أن هذه العملية ستؤدي إلى إشعال النيران في المنطقة، وستؤدي إلى تصعيد كبير خلال الأيام المقبلة". وتوقع هارئيل أن يحظى نتانياهو، وبسبب هذه الخطوة، بتأييد الكثير من القوى اليمينية، إلا أنها ستنعكس سلباً على إسرائيل في الكثير من المواقع في النهاية. كما زعم هارئيل بأن شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" تقول إن بحوزة حماس مئات الصواريخ ذات مدى يصل إلى وسط إسرائيل، فيما تدعي حماس أن بحوزتها صواريخ أبعد مدى وبإمكانها الوصول إلى شمال الدولة. وقال هارئيل: "من يدخل في عملية عسكرية واسعة ضد حماس في القطاع، عليه أن يأخذ بالحسبان اشتعال مواجهات متواصلة نسبياً، بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار وجود سيناريوهات لتعرض الجبهة الداخلية لضربات صاروخية أكبر".