أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دراسة بعنوان:" نحو إعادة التفكير في العلاقة بين النمو الاقتصادي والفقر، في ضوء استراتيجية البنك الدولي للشراكة الوطنية" ،تزامنًا مع العملية التشاورية للبنك الدولي ومراجعة إستراتيجية الشراكة الوطنية بين الحكومة المصرية والبنك الدولي . وأكدت الدراسه في تقييمها للسياسات التنموية - وبخاصة المتعلقة بمكافحة الفقر - أن أي سياسة تنموية لا تضع في القلب منها مكافحة الفقر هي سياسة محكوم عليها بالفشل على المدى الطويل، وأن النمو العادل هو النمو الكفيل بتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية. وأشارت الدراسة إلى أن مؤسسات التمويل الدولية تنطلق من تشخيصٍ للفقر يرتكز جزئيًّا على اعتباره ناتجا عن نقص النمو الكافي دون الاعتبار الكافي لعنصر كيفية توزيع هذا النمو. ووفقا لهذا المنظور التقليدي لتشخيص أسباب الفقر، فإن "آثار التساقط" لمكاسب النمو ستنفذ في النهاية إلى الفقراء، حتى بنسب متفاوتة بالمقارنة بباقي السكان، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تراجع نسب الفقر المطلق، وإن أدى إلى نوعٍ من التفاوت الاجتماعي على المدى القصير والمتوسط. ووفقًا لهذه الرؤية، فإن أية آثار سلبية على الفقر على المدى القصير يمكن مواجهتها من خلال إيجاد شبكات أمان اجتماعي للفئات الاجتماعية الأكثر احتياجًا. وأوضحت الدراسة أن أزمة ذلك النموذج التنموي لكل من الحكومة ومؤسسات التمويل الدولية قد تجلّت في مصر. ففي خلال الفترة من 2001 -2013 التي كانت هي الفترات التي شهدت نموّا اقتصاديا بمعدلات مرتفعة، كانت هي أيضا التي شهدت نموا في اللامساواة الاجتماعية وتزايدا في معدلات الفقر. وأشارت إلى أن نسبة السكان الذين يقعون تحت خط الفقر القومي قد تزايدت من 16.7 ٪ في العام 1999-2000 عندما كان معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي 2.8% إلى نسبة فقر 20.6٪ حينما كان معدل النمو يقارب 8٪ وذلك في سنوات الانتعاش الاقتصادي 2007-2008. ويبين التحليل الكيفي الذي قدمته الدراسة كيف كان ممكنا أن يكون هناك زيادة في معدل النمو وفي نفس الوقت زيادة في نسبة الفقر في نفس فترة الزيادة العالية لمعدل نمو الدخل القومي. وتحلل أيضا الدراسة النتائج الدراماتيكية المتوقعة إذا استمر اعتماد هذا النموذج للنمو في الوقت الراهن، وفي ظل الظروف التي تشهدها البلاد حيث يتراجع معدل النمو بشكل كبير. وأوضحت الدراسة أن انتهاك الحقوق العمالية المتمثل في علاقات عمل غير عادلة تؤدي إلى تراكم الأرباح في ظل عدم عدالة توزيع عوائد الإنتاج، وقد مثّل هذا نظرة قاصرة أغفلت عنصر الأجر العادل كمحفز لتنشيط الاقتصاد، كما تجاهلت نماذج من الشراكة العمالية اتبعت في عدد من الدول وأدت إلى تحقيق نمو يكفل عدالة في التوزيع في الوقت ذاته. وأكدت الدراسة أن تركيز السياسة المالية للدولة في استهداف معدلات نمو عالية، مع إهمال التوزيع العادل لعوائد هذا النمو، وفي ظل إهمال قضية العدالة الاجتماعية وحق الفقراء في خدمات الصحة والتعليم وحقهم في نظام تأمين اجتماعي فعال، من الأسباب التي تؤدي إلى عدم ترجمة النمو إلى تحسن فعلي في مستوى معيشة الفقراء. وأوصت الدراسة بالاعتماد على إجراءاتٍ للتنمية العادلة والهادفة إلى قضاء حقيقي على الفقر، التي يجب أن ترتكز على الحفاظ على حقوق العاملين، وسياسات للحماية الاجتماعية، وحد أدنى للأجور، وحقوق التنظيم النقابي المستقل، والعمل على الحد من تشوه الأسواق، وترسيخ مبادئ الشفافية - وبخاصة فيما يتعلق بإعداد الميزانية ومراحل التخطيط لها، وإدارتها ومراقبة تنفيذها. وأكدت أنه يجب التركيز على التهرب الضريبي وإعادة النظر في الاستثناءات الضريبية كعناصر هامة من جانب الدخل في الموازنة. أمّا على جانب النفقات، فأوضحت الدراسة أنه على الدولة التعامل بحذر مع هيكلة نظام الدعم، الذي لابد وأن يأتي بصورة تسمح باستمرار - بل وزيادة - الدعم الذي يحافظ على مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود،على أن يقابل ذلك إعادة هيكلة الدعم على الصناعات كثيفة رأس المال وكثيفة الاستهلاك للطاقة. وقالت ريم عبد الحليم الباحثة الاقتصادية بوحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "إن الدراسة تهدف إلى إعادة اختبار العلاقة بين النمو والفقر من منظور مغاير لمنظور مؤسسات التمويل الدولية التي كانت مرجعية صناع السياسة في مصر خلال الفترة التي تغطيها الدراسة من سنة 2001 إلى سنة 2013، مع تحليل النتائج الفعلية المتحققة فيما يتعلق بكلٍّ من النمو الاقتصادي والفقر وتحليل مدى نفاذ آثار النمو الاقتصادي على الفقراء في مصر " وذكرت ريم عبد الحليم: "أن كلا من الحكومة ومؤسسات التمويل الدولية تعاملت مع الفقر باعتباره نتاجا طبيعيا لمحاولات تشجيع النمو الاقتصادي من خلال حوافز النمو ، حيث قدمت حلولا شديدة المحدودية لقضية الفقر، يقتصر فيها التركيز على تحسين الاستهداف في البرامج الاجتماعية دون اعتبارٍ لتحقيق عدالة جذرية في توزيع النمو." وأكدت أن: "كل إستراتيجيات وخطط الحكومة بما فيها برنامج تحفيز النمو قد ركزت في محاولة تحفيز معدل النمو بدون تعزيز القنوات التي تضمن أن يكون فيها هذا النمو عادلا." وصرح أشرف حسين، مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية،أن: " الوحدة مهتمة في المرحلة المقبلة بمواصلة وتعزيز الحوار والتشاور بين ممثلي المجتمع المدني في مصر وممثلي الشعب المنتظر انتخابهم في البرلمان القادم، وأيضا مؤسسات التمويل الدولية والحكومة المصرية والنقابات لضمان التزام السياسات الاقتصادية للحكومة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، التي نصت عليها المواثيق الدولية."