لم يخف على أحد أن البيت الأبيض دعم الإخوان منذ اللحظات الأولى لوصولهم للحكم وبدا أنهم يرون فيهم الحليف البديل لمبارك الذين يضمن لهم تحقيق مصالحهم في مصر والشرق الأوسط , وكان البيت الأبيض قد أصدر بيانا عقب إعلان النتائج الانتخابية في شهر يونيو 2012 ،حيث وصف هذه الخطوة بالفارقة في التاريخ المصري ،مشيدا بدور المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أشرف على الانتخابات. وعقب ثورة 30 يونيو كانت مواقف البيت الأبيض متناقضة فيما يتعلق بمصر ،إلى جانب اختلافها مع المؤسسات الأمريكية الأخرى ولاسيما وزارتي الدفاع والخارجية وهو ما أوضحته مجلة فرونت بيدج الأمريكية والتى أكدت أن اللغة التي يستخدمها البيت الأبيض في التعامل مع ما يحدث في مصر، ضعيفة وغامضة، حيث يكتفي المتحدثون والمسئولون بالتأكيد على سير مصر بخطوات ثابتة نحو الديمقراطية, وأشارت المجلة إلى أن تأثير الولاياتالمتحدة على الحكومة المصرية كان محدودا، وغير فعال منذ فترة، فلم تستطع الولاياتالمتحدة فرض أي عقوبات على مصر عند انتشار القتل والانتهاكات والتعذيب، وإصدار أحكام بالإعدام الجماعي. ولفتت المجلة إلى أن السبيل الوحيد لاستعادة القليل من النفوذ على الحكومة المصرية يتمثل في إيجاد حل لإغلاق الفجوة الموجودة بين ما يقوله البيت الأبيض وبين ما يجب أن يفعله. ويبدو أن من الأسباب التي أدت إلى تناقض موقف البيت الأبيض حيال ما يحدث في مصر هو التأكد من أن اتخاذ أي رد فعل غير محسوب قد يضر بالولاياتالمتحدة لاسيما وأن القاهرة يقف بجانبها عدد كبير من الدول الحليفة لأمريكا والتي تحرص على استمرار التعاون مهم وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ،التي أصر أوباما على زيارتها خلال الشهر الماضي ،وتركزت محادثاته مع الملك عبد الله آل سعود حول ما يحدث في مصر. وبرر البيت الأبيض موقفه من مصر وعدم تأييده للإطاحة بمرسي بأنه لديه مخاوف بشأن احتجاز الصحفيين والناشطين ، ورغم أن البيت الأبيض يحاول أن يظهر وكأنه محايدا إلا أن سلوكه يثبت أنه ينحاز إلى الإخوان المسلمين والدليل على ذلك أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما استقبل العضو البارز في التنظيم الدولي أنس التكريتي المعروف بأنه رئيس مخابرات الإخوان في أوروبا ،الأمر الذي يثبت أن المؤسسة الأمريكية الأكبر على تواصل مع الإخوان وتنظيمهم الدولي وشكل تواجد التكريتي في البيت الأبيض مفاجأة لكثيرين ممن يقولون إن المنظمة البريطانية التي يترأسها، وهي مؤسسة قرطبة، سبق أن وصفها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالجبهة السياسية للإخوان, وحول هذه الزيارة قال بول سكوت الأكاديمي البريطاني والخبير المختص في شئون الجهاد البريطاني لدى جامعة إيست أنجليا، : "يشكل تواجد التكريتي في البيت الأبيض جزء من التواصل طويل المدى للولايات المتحدة وبريطانيا مع الإخوان المسلمين، الذي تعرض لضربة بعد رفض المصريين لطريقة إدارة الإخوان للبلاد". وبرر بعض المحللين موقف البيت الأبيض من الإخوان المسلمين بأنه يتخوف منهم على الرغم من الاقتناع بأنهم مؤسسة إرهابية ،لأنهم يخافون من الإخوان حيث أن تواجدهم في أمريكا كبير ويوجد الآلاف منهم في واشنطنونيويورك والعديد من المدن الكبرى ذات الثقل السياسي ،وفي حال إعلان البيت الأبيض للإخوان كجماعة إرهابية فسوف تكون هناك أزمة مع كل أعضائها المتواجدين هناك،ولكن في نفس الوقت ينصح الخبراء البيت الأبيض بعدم مساندة التنظيم الإسلامي طويلا حتى لا تتأثر العلاقات مع مصر. ورأت صحيفة وورلد تريبيون الأمريكية أن هناك تناقض في موقف البيت الأبيض حيال ما يحدث في مصر ،ففي الوقت الذي لم يسم فيها الإطاحة بمحمد حسني مبارك على يد الجيش عام 2011 بالانقلاب ،لقبت الإطاحة بمرسي بهذا المصطلح وهو الأمر الذي يعني أن أوباما لا يزال يدعم الإخوان المسلمين, والأكثر من دعم الإخوان ولقائهم هو الاستعانة بهم داخل أروقة البيت الأبيض ولعل أبرز هؤلاء هو محمد الإبياري الإخواني المصري الأصل ،الذي عمل مستشارا للرئيس الأمريكي, والذى حاول استغلال هذه المكانة للضغط علي الإدارة الأمريكية حتي لا تعترف بالسلطة الحالية في مصر، ورفض خطوة الجيش المصري للإطاحة بمرسي من منصب الرئيس, ونظرا لحساسية منصب "الإبياري" داخل الإدارة الأمريكية كان محل اهتمام كل من الصحفي الاستقصائي آرون كلاين والمؤرخة الأمريكية بريندا إليوت من خلال كتابهما الذي لقي رواجا كبيرا وحمل عنوان "الاتهامات.. قضية عزل أوباما من منصبه" حيث أشارا فيه إلي علاقة أوباما بالإخوان المسلمين وسماحه لهم باختراق البيت الأبيض ودعمهم لاستيلاء الجماعة علي السلطة في دول الشرق الأوسط، وكان الإبياري مثالا واضحا بالنسبة لهما علي وجود الإخوان في المؤسسات الحكومية الهامة الأمر الذي يجعلهم مؤثرين في سياسة أمريكا لاسيما الخاصة بمكافحة الإرهاب. وتطرق الكتاب إلي تسريب الكثير من المعلومات الهامة علي يد أعضاء جماعة الإخوان الذين يعملون بالإدارة الأمريكية وعلي رأسهم الإبياري , ويري الكتاب أن الإبياري ارتبط بعلاقة وثيقة ب "جون برينان" رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية وكبير مستشاري مكافحة الإرهاب في إدارة أوباما، الذي عمل أيضا مديرا لمكتب الاستخبارات الأمريكية بالرياض ودرس هناك سياسات الشرق الأوسط وتعلم اللغة العربية في الجامعة الأمريكية بالسعودية وأشيع أنه اعتنق الإسلام، والأهم من ذلك أنه يعمل بالقرب من أوباما ويتردد أنه كان يجلس معه خلال عملية اغتيال أسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، وهذه العلاقة الوثيقة استغلها الإبياري للتأثير علي سياسات أوباما الخاصة بمكافحة الإرهاب. وبعيدا عن الكتاب وفي دراسة أعدها الصحفي الأمريكي ستيفن إميرسون ضمن مشروع التحقيق حول الإرهاب والتي أفردها للحديث عن الإبياري حيث انتقد تعيينه من قبل وزارة الأمن الداخلي المعنية بالدفاع عن أوباما في هذا المنصب الهام رغم أنه ينتهج أفكار سيد قطب المتطرفة ودفاعه المستميت عن آية الله الخميني كما أن لديه علاقة قوية بإمام مدينة نيويورك الراديكالي "سراج وهاج" الذي تم اتهامه في تفجير أحد المباني الفيدرالية عام 1993، فضلا عن انتقاده الحكومة الأمريكية بشدة بعد إعلانها الحرب علي الإرهاب مؤكدا أنها حرب ضد الإسلام. وأشار إميرسون إلي أن الإبياري عمل في 5 اكتوبر 2010 بالبيت الأبيض ضمن الفريق المسئول عن تقديم الاستشارات لوزارة الأمن الوطني الأمريكي لمكافحة التطرف والعنف ووفقا لوظيفته فهو يتولي حماية أوباما وكبار الشخصيات الأمريكية وهو يتبع مباشرة الرئيس حيث إنه عضوا بالمجلس الاستشاري لهذه الوزارة والذي يتكون من رؤساء الولايات وقيادات الأقليات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية. وفي إطار هذه المسئولية كان للإبياري اجتماعان هامان داخل البيت الأبيض الأول كان في 21 أبريل 2011 مع بول مونتييرو مسئول الاتصال العربي الأمريكي بمكتب العلاقات العامة بالوزارة بمشاركة 40 شخصية، والثاني كان لقاء شخصيا مع كوينتان ويكتوروزيتش المسئول عن وضع سياسات البيت الأبيض لمواجهة التطرف في مجلس الأمن القومي في 8 مارس 2012. وأشار الكاتب إلي أن الإبياري كتب من خلال موقع مؤسسة الحرية والعدالة التي أسسها عام 2002 بأمريكا عدة مقالات يدافع خلالها عن بعض الأشخاص الذين اعتبرتهم واشنطن إرهابيين من بينهم عمر عبدالرحمن، مؤكدا أنه لم يفعل أي شيء غير قانوني حتي يقدم للمحاكمة، علما بأنه أحد الشهود في قضية الشيخ الكفيف المعتقل في أمريكا ورأي الإبياري في مقالاته أن تقديم عدد كبير من قيادات المجتمع الإسلامي بأمريكا للمحاكم علي خلفية أحداث 11 سبتمبر يدخل ضمن المؤامرة علي الإسلام ، كما دافع عن انور العوالقي المتحدث باللغة الإنجليزية باسم تنظيم القاعدة وانتقد فكرة اغتياله علي يد الولاياتالمتحدة علي الرغم من ثبوت اتصاله بالتنظيم الإرهابي وقال في مقال له: ينبغي علي الرئيس أوباما إلغاء نظام الاغتيال وتوضيح الموقف منه علنا وتقديمه للمحاكمة بموجب القانون اليمني حيث لا توجد معاهدة لتسليم المجرمين بين البلدين ،وكان العوالقي قد تم اغتياله في سبتمبر 2011 عن طريق طائرة بدون طيار باليمن. ولفتت الدراسة إلي أن الإبياري يشكل تهديدا للأمن القومي من خلال تعيينه في هذا المنصب حيث اتهم بنقل معلومات حساسة تتعلق بتعزيز الإسلاموفوبيا وسربها للإعلام ،وفي أكتوبر 2011 طالب النائب لي جومرت بالتوضيح من وزارة الأمن الداخلي حول هذا التقرير إلا أن نابوليتانو وزيرة الأمن الداخلي حينها أكدت أنه ليس هناك أدلة علي هذا الاتهام ،وهو الأمر الذي رآه جومرت دفاعا عن صديق الرئيس. وفي تقرير آخر للموقع الإخباري التابع لقناة "سي إن إن" يري أن وجود الإبياري كمستشار لأوباما يعد دليلا علي أن الرئيس الأمريكي يتصرف وكأنه نائم حيث يدعم جماعة فشلت بالفعل كما أنه متورط في تمويلها بمليارات الدولارات بينما ينبثق عن هذا الدعم عدد من الخلايا الإرهابية. وأضاف الموقع أن الإبياري واحد من ستة أعضاء في الفريق الاستشاري لأوباما ينتمون إلي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ،وهو مسئول عن كتابة جميع رسائل الرئيس الأمريكي الموجهة للعالم الإسلامي والعربي ،ومن أبرز هذه الرسائل تلك التي وجهها أوباما للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك وطالبه فيها بالتنحي خلال ثورة 25 يناير 2011 استجابة لمطالب الشعب علما بأنه لم يطلب نفس الأمر في حالة خروج الشعب في 30 يونية، كما أنه وكيل المجلس الإسلامي بولاية تكساس وهو أيضا مدير فرع هيوستن لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية وهو واحد من المؤسسات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. من الجدير بالذكر أن البيت الأبيض هو المقر الرئيسي والرسمي لعمل رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية , مقره رقم 1600 بشارع بنسلفانيا بمدينة واشنطن.