لاشك أن خريف جماعة الإخوان قد بدأ منذ سقوط نظامهم في مصر وعزل محمد مرسي، ويبدو أن جماعة حسن البنا التي أساءت استخدام السلطة في أول ظهور سياسي حقيقي لها ستدفع الثمن غاليا ليس في مصر وحدها بل في باقي الدول العربية التي تعاني من وجود تنظيمات الجماعة داخل حدود بلادها وبدأت تضيق بممارسات تلك الجماعة التي تؤكد كل يوم انتماءها لتنظيم دولي يسعي إلي تفتيت الدول العربية ولا يخجل من الاستقواء بأنظمة غربية حفاظاً علي وجوده!! وها هي المملكة العربية السعودية تنتفض لتعلن اعتبار جماعة الإخوان ومن علي شاكلتها "جماعة إرهابية"، ويجب ألا ننسي أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قرر إدراج جماعة الإخوان المسلمين علي قائمة الجماعات الإرهابية، مشددًا علي أهمية التعامل معها وفق هذا الأساس ويأتي هذا القرار متسقاً مع موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتضامن مع مصر في محاربتها لجماعة الإخوان كما يعد القرار صفعة جديدة للولايات المتحده والاتحاد الأوروبي، خاصة أن تنظيم الإخوان يختلف داخل المملكة عن غيره في باقي الدول العربية حيث لا يوجد بها مكاتب لهم إلا أنهم متواجدون بصورة متغلغلة وسط المجتمع السعودي وينتشرون في الجامعات انتشاراً كبيراً، وحرصت المملكة علي الحد من تواجد التنظيم علي أرضها خاصة في وجود تنظيمات سلفية متطرفة هي التي قادت بعض محاولات الاغتيال الفاشلة، وحرص تنظيم الجماعة علي أن تكون المملكة العربية السعودية بالنسبة له منفذ التمويل عبر المنتمين للتنظيم من أساتذة جامعات وأصحاب مؤسسات ومصانع مصريين وعرب، كما حرص قادة التنظيم علي أن تظل السعودية بعيدة عن صراعات الجماعة الإقليمية أو غيرها لضمان بقاء التمويل متدفقاً، فمن المعروف أن المملكة العربية احتضنت الآلاف من المنتمين لجماعة حسن البنا علي أراضيها منذ نشأة الجماعة وحتي مرحلة السبعينات والثمانينات التي شهدت أكبر مراحل استيعاب الإخوان علي أرض المملكة، زاد نشاط الإخوان في السعودية بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية في الفترة بين (1964-1975)، خاصة حينما حكم عبدالناصر علي الشهيد سيد قطب ورفاقه بالإعدام شنقا، حيث حاول الملك فيصل التدخل لدي عبدالناصر لتخفيف الحكم غير أن عبدالناصر تجاوز عن ذلك وأعدم سيد قطب ورفاقه، وفي ذلك أمر الملك فيصل بطباعة مؤلفات الشهيد سيد قطب علي نطاق واسع. وبعد خروج الإخوان من السجون سافر كثير منهم للعمل بالسعودية ولا يعرف علي وجه الدقة عدد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، كما أنه لايوجد لديهم مايسمي "المراقب العام للجماعة" كما في الأردن وسوريا وغيرهما. وخلال العقود الماضية اكتشف المجتمع السعودي أن المنتمين لجماعة الإخوان يتخذون أسلوباً واحداً تقريباً وكأنهم مجتمعون علي عدة أهداف أهمها السيطرة علي العملية التربوية والانتشار في تشكيل الجمعيات الخيرية، السيطرة علي المؤسسات الإسلامية الكبري ذات الأدوار السياسية، التغلغل في كل أعصاب المجتمع بشتي السبل. وبالعودة إلي جذور الجماعة في المملكة العربية السعودية نجد أن "حسن البنا" وضع أول خطوة للتنظيم علي أرض المملكة فلم يكن خافياً عليه أن الآلاف من مسلمي العالم يلتقون علي تلك البقعة الطاهرة ووجد أن دعوته في حاجة لكي يسمعها كل هؤلاء الحجيج، واستخدم حيلة غريبة لكي تكون جماعته هي الأشهر علي أرض المملكة حيث وجه "البنا" الدعوة لأعضاء الجماعة لكي يقوموا بزيارة بيت الله وأداء فريضة الحج سنة 1936 فلبي دعوته علي الفور مائة من الإخوان المسلمين كان منهم ثماني عشرة امرأة، وكان الملك عبدالعزيز يعقد مؤتمرا للوفود التي جاءت للحج كل عام في مؤتمر حافل، وقد علم الإخوان بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعد الإمام البنا نفسه والإخوان المائة في هيئة موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء.. وفي الموعد المحدد فوجئ الجميع بمائة رجل في هذه الهيئة يخطون خطوة واحدة يتوسط الصف الأول منهم رجل منهم هو المرشد العام.. فكان هذا حدثًا مثيرًا للالتفات.. ودخل هؤلاء فاتخذوا أماكنهم في نهاية الجالسين، وبدأ المؤتمر بكلمة ترحيب من مندوب الملك ثم ألقي "البنا" كلمة أثارت إعجاب الوفود وما كاد ينهي كلمته حتي أقبلت عليه جميع الوفود تعانقه، وتشد علي يديه، وتعاهده وتطلب التعرف عليه، وقد استغل البنا حاجة المملكة في هذا التوقيت إلي سواعد تبني المملكة وتسيطر علي المجتمع وتفتح للتنظيم باباً جديداً يمثل أهم الموارد المالية، وحرص البنا علي أن تظل المملكة أرضاً لاستقبال المنتمين للإخوان دون أن تمارس نشاطات تسيء إلي المملكة أو إلي الشعب السعودي عموما، وكما يقول الباحثون فإن دور تنظيمات الإخوان المسلمين في المملكة وبعض دول الخليج ظل يشبه دور البقرة الحلوب، يلعب دور الممول بالمال فحسب. ووفق الدراسات والموسوعات التي تتبعت نشاط الإخوان في السعودية فإن التواجد الأكبر لها بدأ بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية في الفترة بين (1964-1975) حيث كانت العلاقات وقتها بين السعودية ومصر والتي كان يرأسها وقتئذ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في أقصي توترها بين الدولتين ذات النظامين السياسيين المختلفين جذريا، وبعد رحيل الرئيس عبدالناصر، وحدوث تقارب بين الرئيس أنور السادات والملك فيصل بن عبدالعزيز، سعي فيصل لإحداث تقارب بين الإخوان والسادات، واستغل الإخوان كل هذا التعاطف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب حيث سيطر المنتمون للإخوان المسلمين علي المناحي التعليمية في الجامعات تحديداً واتسعت دائرة الإخوان التي استقبلت وفوداً جديدة قادمة من مصر في عقدي السبعينات والثمانينات، ووصلت السيطرة إلي المنابر الإعلامية أيضاً. وفي التأسيس الثاني لجماعة الإخوان عقب اغتيال الرئيس محمد أنور السادات بدأت الجماعة تتخذ من السعودية مكاناً للتجمع في مواسم الحج وأشار قادة التنظيم إلي أن اجتماعات التنظيم الدولي كانت تتم في موسم الحج هرباً من التضييق الأمني، وظلت العناصر الإخوانية في السعودية تقوم بدور البقرة الحلوب وتقدم أموالها للتنظيم باعتباره صاحب الفضل عليها وسبب وجودها في المملكة أيضاً، ولكن لم تسلم المملكة من سموم الجماعة التي حرضت ضد الحكم ومؤسسات الدولة وسعت للعمل تحت الأرض لنشر الفوضي في السعودية وشهدت المملكة محاولات اغتيال متعددة، وهو الأمر الذي توقف عنده الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي الراحل حيث قال قبل رحيله وتعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة :"جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار" ويضيف بمرارة "عندما اضطهد الإخوان وعلقت لهم المشانق لجأوا إلي السعودية فتحملتهم، وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين" ويضيف "أحد الإخوان البارزين أقام 40 سنة عندنا، وتجنس بالجنسية السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلي قال حسن البنا"!! ولذلك فإن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإدراج جماعة الإخوان المسلمين ومن علي شاكلتها من تنظيمات تسيء إلي الاسلام علي قائمة الجماعات الإرهابية، قوبل بترحاب كبير في السعودية خاصة أن هناك هواجس وتخوفات كانت تتصاعد من وجود أعضاء تلك الجماعة ومن تحركاتهم، فهم أهل مكر وغدر كما وصفهم الباحث "علي عشماوي" الذي قال إنهم يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترة من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرة، فقد ساعدتهم السعودية والكويت والكثير من الدول العربية، فما كان منهم إلا أن أساءوا إليهم وطعنوهم وانقلبوا عليهم.. فعلوا كذلك مع الدول التي آوتهم وأحسنت وفادتهم.. وكما قلنا كان مدرسو الإخوان في جميع هذه البلدان يجندون الشباب ويشحنونهم ضدحكامهم وبلدانهم حتي ينقلبوا عليهم وكلما وجدوا فرصةً للانقضاض انتهزوها". ولاشك أن القرار يأتي في توقيت غاية في الأهمية بالنسبة للمملكة، فالسعودية مهد الإسلام، الدين البالغ عدد أتباعه ملياراً ومائتي مليون كما أن المملكة تشكل 20% من الدخل القومي لدي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA وربع الدخل القومي للدول العربية بحسب آخر أرقام صندوق النقد الدولي. وهي عضو في مجموعة العشرين الدولية الأولي اقتصادياً في العالم، وهي الدولة الثالثة في العالم من حيث احتياطها النقدي البالغ 850 مليار دولار، بينما الثروات الشخصية تزيد علي خمسمائة مليار دولار. وأخيراً وليس آخراً السعودية الدولة الأولي في العالم في مجال تصدير النفط، والمتقدمة بأشواط بعيدة في مجال البنية التحتية لانتاج النفط، القادرة علي تصدير 12.5 مليون برميل يومياً، فضلاً عن احتياط في القدرة علي انتاج 2.500.000 برميل يومياً اضافياً. بفضل هذه الأرقام المذهلة، تنظر المملكة إلي تحديات الدول المجاورة ماسكة بيدها حقيقتين لا تتغيران التاريخ والجغرافيا. ما حدث بالأمس لا يتغير اليوم، جيرانها هم أنفسهم "علينا التعامل معهم كما يتعاملون معنا" والجملة من محاضرة ألقاها في واشنطن الأمير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في لندنوواشنطن ورئيس المخابرات السعودية الأسبق. ولا ننس أن قرار التخلص من تلك التنظيمات الإرهابية يأتي أيضاً وسط صراعات تخوضها المملكة علي جبهات سياسية وعسكرية أهمها استعادة مصر إلي الصف العربي، وقد تحقق الجزء الأول بتخليصها من الإخوان بمبادرة من الإمارات العربية وباندفاع قوي سعودي مالياً وسياسياً. فالقيادة السعودية تعلم تمام العلم أن التوازن العربي لا يتحقق دون الدور المصري الفاعل، وكذلك إدارة الوضع في اليمن مهما تدهور باعتباره جبهة مفتوحة للمواجهة مع الحوثيين التابعين للسياسة الإيرانية، وضمان استقرار النظام البحريني بتدخل عسكري مباشر يضع حداً للامتداد الإيراني الذي يتستر بمطالب الشيعة البحرينيين، والإمساك بخيوط العلاقات الاقتصادية والسياسية كاملة مع فرنسا دعماً لموقفها المغاير للموقف الأمريكي من الوضع السوري.