تحويل أرصدة المدارس الرسمية الدولية لإحدى شركات التطوير التعليمي لإدارتها    نقيب المهندسين ومحافظ الأقصر يشهدان توقيع بروتوكول مشترك    القمزي العقارية تستحوذ على 95 فداناً في مستقبل سيتي التابعة لشركة "ميدار" بإستثمارات 50 مليار جنيه    أسعار اللحوم والدواجن الطازجة والمجمدة فى منافذ وزارة التموين    أسعار الذهب تعاود الارتفاع وعيار 21 يسجل 5800 جنيه بالتعاملات المسائية    «مصرية» على طريق ممدانى!!    ضياء رشوان: محاولات تسييس صفقة الغاز تأتي من الجانب الإسرائيلي    بيلاروسيا تعلن نشر صاروخ أوريشنيك الروسى الفرط صوتى على أراضيها    تفاصيل جلسة أحمد عبد الرؤوف مع لاعبي الزمالك على هامش مران اليوم    الخطيب: التتويج ببطولة إفريقيا لسيدات السلة دافع قوي للاستمرار على القمة    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب تروسيكل فى مدينة 6 أكتوبر    الداخلية تضبط شخص لتوزيعه أموالا بمحيط لجان القنطرة غرب    أين قانون حماية اللغة العربية؟    ندوة نقدية تناقش ثلاث تجارب سينمائية شابة ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    نقيب الممثلين يكشف حقيقة إصابة محيي إسماعيل بجلطة فى المخ    فن صناعة الشعر.. ورشة فى الكتابة الإبداعية بجازان    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    جدول امتحانات الفصل الدراسى الأول لطلاب النقل والشهادة الإعدادية بالجيزة .. اعرف التفاصيل    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    رسميا.. الدوحة تستضيف نهائي «فيناليسيما» بين إسبانيا والأرجنتين    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟ أمين الفتوى يجيب    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    صوتي أمانة.. "غازي" عنده 60 سنة ونازل ينتخب بكفر الشيخ: شاركت أنا وعيلتي كلها| صور    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    "هى" تتصدر المشهد الانتخابى فى اليوم الثانى لانتخابات النواب بحدائق القبة    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    ضبط شخصين يوزعان كروت دعائية وأموال على ناخبين بأجا في الدقهلية    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل    عمرو طلعت يفتتح مقر مركز مراقبة الطيف الترددي التابع لتنظيم الاتصالات    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار العشرين لسندات توريق ب1.1 مليار جنيه    تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفراد: الجماعات الإرهابية تسعي لامتلاك طائرات بدون طيار لضرب مؤسسات الجيش و الشرطة
نشر في الموجز يوم 21 - 02 - 2014

معسكرات هادئة تم تصميمها وفقا للمدرسة العسكرية الأمريكية تختلط بداخلها الملابس المدنية بالعسكرية.. عندما تتطلع للمشهد العام تتخيل أنك بداخل قاعدة للفيديو جيم أو صالة كبيرة للبلاي استيشن ولكنها في حقيقة الامر القاعدة العسكرية الاخطر والاكثر قتلا للبشر والتي جعلت الولايات المتحدة صاحبة اليد الطولي في الشرق الاوسط.
غرف سوداء.. الحركة في الداخل بحساب.. نسب الخطأ بسيطة ولكنها مكلفة للغاية انها القواعد العسكرية الأمريكية المتخصصة في ادارة الطائرات بدون طيار.
هنا في نيفادا يتحكم الأمريكيون في الكرة الأرضية يحلقون بطائراتهم الصغيرة فوق الشرق الأوسط ويتحكمون في هذه الطائرات أو الأشباح القاتلة عبر مئات الآلاف من الأميال.. يتجسسون ويقتلون.. ويمدون حليفتهم الاستراتيجية "إسرائيل" بالمعلومات والصور.
كل هذا ليس بجديد أو مزعج فقد اعتدنا عليه في منطقة الشرق الأوسط ولكن الجديد والخطير وما ننفرد به في السطور التالية هو ان ترسانة الأسلحة الأمريكية التي سربت السلاح للجماعات الإرهابية لتنشيط تجارة مصانعها ولإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط علي حسب هواه بدأت في فتح خزائن أسرارها التكنولوجية علي مصراعيها في خدمة الجماعات الإرهابية التي تحقق أهدافها عن بعد ومن أهم هذه الخدمات هو اقتناء الطائرات بدون طيار القادرة علي تنفيذ مهام قتالية بجوار مهامها التجسسية المعروفة.
خطورة اقتناء هذه الجماعات الإرهابية لهذا السلاح النوعي تكمن في انها ستحولها من مجرد جماعات إرهابية مشتتة تنفذ عمليات غادرة إلي جيوش جديدة في مواجهة استقرار دول المنطقة هذا إلي جانب احتضان الموساد لبعض هذه الجماعات وإدارتها عن بعد بل وصل الامر إلي توفير كورسات تدريبية لهذه الجماعات لإدارة وتحريك الطائرات بدون طيار.
"الموجز" تكشف من خلال هذا الملف خطورة العمليات التي تنفذها الطائرات بدون طيار أو الأشباح القاتلة كما سنكشف عن أدق التفاصيل للقواعد العسكرية الأمريكية التي تحتضن التدريب علي إدارة هذه الطائرات والحياة اليومية داخل هذه القواعد وأهم المشكلات والكوارث التي وقعت بأيادي الأمريكان في الشرق الأوسط وكيف تستخدم اسرائيل هذه الطائرات للتجسس علي دول المنطقة وإمداد الجماعات الإرهابية بالمعلومات الاستراتيجية الهامة وغيرها من المعلومات المهمة في السطور التالية.
في البداية لابد أن نؤكد علي ان معسكرات الطائرات بدون طيار هي منطقة حرب ليس بها روائح بارود، يخيم عليها صمتٌ لا يتسق معها، فأرض المعركة هناك عبارة عن غرفة مظلمة، باردة ، ليس بها أضواء سوي وميض شاشات الصمامات الثنائية الباعثة للضوء لوحدات التحكم، وضوء خافت صادر من شاشات تعرض لقطات جوية لأراضٍ صحراوية ممتدة. وعلي كل وحدةِ تحكُّم يجلس جنديان بالقوات الجوية الأمريكية يرتديان زي الطيارين، يتحدثان بصوت خافت في سماعات الرأس التي يرتديانها، ويوجِّهان طائرة يجري التحكم فيها عن بُعْدٍ باستخدام أجهزة تحكُّمٍ شبيهة بتلك المستَخدَمة في الطائرات المقاتلة. وخارج القاعدة، تحرس طائراتُ بريديتور أو ريبر غير المأهولة - المشهورة باسم الطائرات دون طيار - سماء نيو مكسيكو الصافية. وحتي تلك اللحظة، فإن الطائرة التي يقودها هؤلاء المتدربون علي تشغيل الطائرات بدون طيار والقري التي يراقبونها من قاعدة هولومان الجوية في جنوب نيو مكسيكو مجرد نماذج محاكاة. وسرعان ما سيوجِّهون طائرات بدون طيار حقيقية تحلِّق في سماء قاعدة هولومان والقواعد العسكرية المجاورة لها.
فترة تدريب تمتد لأربعة اشهر بعدها يتم تخريج دفعة جديدة وهي أكثر من 500 طيارٍ ومشغِّلٍ لأجهزة الاستشعار ويُوزَّعون علي قواعد كثير منها في مواقع غير معلَن عنها ومنذ هذه اللحظة تصبح الأصوات الصادرة من سماعاتهم حقيقيةً.. صيحات محمومة من جنود علي الأرض يتفادون انفجارات مسموعة وقادة عسكريون يُصدِرون أوامر بالقتال. ومن علي ارتفاع 6100 متر في الجو، سيجمعون معلومات عن القنابل المرتجلة التي يزرعها مقاتلو الأعداء، ويشاهدون إطلاق النار علي رفاقهم، ويطلقون قذائف هيلفاير علي أفرادٍ وصفهم قادة الطيارين وسياسيوهم بأنهم إرهابيون. وفي نهاية اليوم، يخرجون إلي باحة انتظار السيارات، ويقودون سياراتهم عائدين إلي منازلهم لمساعدة أبنائهم وممارسة حياتهم الطبيعية.
يوصف هؤلاء الطيارون أو محركو الطائرات بدون طيارعلي أنهم محاربون من المكاتب، يخشون الإصابة من الأمراض النفسية أكثر مما يخشون الأعيرة النارية. ولكن هل تشغيل الطائرات بدون طيار وظيفة عسكرية سهلة مثلما تبدو عليه؟
فإلي جانب الضغط المتولد عن إزهاق الأرواح والتعرض لويلات الحرب لابد لمشغلي الطائرات بدون طيار أن يتابعوا وابلاً منهمرًا من المعلومات الرقمية والمسموعة. وفيما بين المناوشات المفعمة بالنشاط والحركة، تمتد ساعات أو أيام طوال من الملل، وهو ما يمكن أن يسبب توترًا من نوع آخَر. فعلماء النفس الآن يتساءلون عما إذا كان فَصْلُ الطيارين عن طائراتهم - «العمليات المنفصلة» حسب لغة العسكريين - يرهق العقل البشري علي نحوٍ غير مسبوق.
لا شك في أن الطائرات بدون طيار والجنود المتحكمين فيها سيصيرون ذوي أهمية محورية بالنسبة إلي كثير من العمليات العسكرية وأن السياسيين والمؤسسة العسكرية علي حدٍّ سواء متحمسون لفكرة المراقبة والقصف الجوي الدقيق التي تخفض المخاطر التي تتعرض لها قوَّاتهم إلي حدٍّ كبير جدًّا.فمنذ عدة اعوام وللمرة الأولي درَّبت القوات الجوية الأمريكية طياري طائرات بدون طيار أكثر مما درَّبت طياري طائرات عادية من أجل العمليات التي كانت تتم وقتها أثناء غزو العراق وأفغانستان في المقام الأول. بعض هؤلاء الطيارين كان يلتحق بمدرسة الطائرات بدون طيار بعد مرحلة التدريب مباشرةً؛ وآخرون يكونون طيارين متمرسين.
وتشغِّل وكالة المخابرات المركزية طائرات بدون طيار في اليمن وباكستان أيضًا، ولكنها لم تفصح عن عدد مشغِّلي تلك الطائرات العاملين لديها أو مَن يدرِّبهم. وفي عام 2012رغم خفض الميزانية - خصَّص الرئيس الأمريكي باراك أوباما 5 مليارات دولار من ميزانية الدفاع لبرنامج "الطائرات بدون طيار" المثير للجدل الذي شهد تصعيدًا في ظل إدارته.
يكره الطيارون مسمَّي الطائرة بدون طيارلان هذا المسمي يعطي انطباعًا بأنها روبوتات تلقي الأسلحة عشوائيًّا فالقرارات المتعلقة باستخدام الأسلحة تمر بتسلسل قيادي طويل؛ فقد يشترك في المهمة الواحدة مئات الجنود عن بعد ورغم ذلك يطلق عليها مركبات غير مأهولة
ويتزايد عدد طياري الطائرات بدون طيار العاملين في القوات الجوية الأمريكية بمعدل سريع، وهم يمثلون حاليًّا 8% من الطيارين العاملين كافة..
ويكره الطيارون أيضًا الافتراض بان توجيه الطائرات بدون طيار يُشبِه ألعاب الفيديو. فوسائل الإعلام زاخرة بمثل تلك المقارنات، ولكنها مسألة غير ذات بالٍ فاعتقاد هؤلاء الطيارين واحد وهو «عندما تشتبك في القتال وتسمع الأصوات المذعورة، ستعرف أنه أمر واقع. فستسمع صوت إطلاق النار وتشعر به يخترقك حتي النخاع. وستشعر حتمًا بإفراز هرمون الأدرينالين في دمك» ويصف طيارون آخرون الشعور الأقرب للحلم منه إلي الحقيقة الذي يولِّده ظنهم أنهم في أفغانستان، ثم خروجهم من القاعدة إلي نيفادا، علي سبيل المثال.
وقد أدي ذلك إلي تساؤل علماء النفس عما إذا كان هؤلاء الجنود يمكن أن يكونوا عُرضةً للمشكلات ذاتها المتعلقة بالاضطرابات النفسية اللاحقة للإصابة التي ابتُلي بها مئات الآلاف من الجنود العائدين من العراق وأفغانستان باعتبار أنهم يرون من خلال الكاميرات بوضوح بالغ، وتستجيب أجسادهم وعقولهم كأنهم علي الأرض و أنه بإمكان صور المشاهد العنيفة أن تستثير وحدها «استجابة الكر والفر» ذاتها التي تستثيرها الحروب الحقيقية.
مشاهد كثيرة مؤثرة تتوافر لطياري الطائرات بدون طيار ومجال رؤية غير مسبوق لمجازر الحرب؛ إذ يطوفون بتلك المشاهد لساعات فالطيار المتمرس المسئول عن برنامج التدريب علي التحكم في الطائرات بدون طيار في قاعدة هولومان لأنك في مقاتلات إف 15 تري ما يحدث مباشرةً، ولكنك لا تمكث حتي تري تبعاته.» وعندما تلقي قذيفة موجهة من طائرة قد لا تري الهدف أبدًا.
في حالة الطائرات بدون طيار، يكون الهدف شخصًا في كثير من الأحيان. وكانت مسألة مدي قانونية قتل الأفراد بقذائف تحملها طائرات يجري تشغيلها عن بُعْدٍ ومدي اتساقه مع الأخلاقيات هي أكثر جوانب برنامج الطائرات بدون طيار الأمريكي إثارةً للجدل. فالجيش ووكالة المخابرات المركزية لا يفصحان عن عدد الأهداف - بل والمارَّة - الذين قتلتهم طائراتهم بدون طيار؛ ويُعتقد أن إجمالي عددهم يبلغ الآلاف. ولكن فيما يتعلق بمَن يكون هدفَ الطائرات، فإن القرار يرجع للسياسيين. أما بالنسبة إلي الجنود، فالأسبقية للأوامر، كما في أي مهمة أخري..
يكمن الفرق في أنه عوضًا عن قتل العدو دفاعًا عن النفس، قد يتتبع مشغِّلو الطائرات أهدافهم أيامًا في أمانٍ تام. حيث أن ذلك العزل للمقاتلين هو التطور الطبيعي لأساليب الحروب، سيرًا علي خُطَي التطور من القتال بالأيدي إلي القتال بالبنادق.
لكن من المفارقات أن رؤية مشغِّلي الطائرات بدون طيار المشاهِدَ علي شاشاتهم العريضة تقرِّبهم من أهدافهم. فيراهم مشغِّلو الطائرات أشخاصًا أحياء، وسط أعمالهم القتالية. فإذا كنت تراقب هدفًا رفيع المستوي، وكان بصدد زرع قنبلة مرتجلة، قد ينتابك إزاءه شعور مختلف عن شخص جالس إلي منضدة يتناول طعامه. لكن الوقت لا يتسِّع للمشاعركما يعتقد العسكريون.
الغريب والمثير أن ما يقرب من نصف طياري الطائرات بدون طيار أفادوا بمعاناتهم من ضغوط وإنهاك شديدين.ويرجع ذلك في المقام الأول إلي ساعات العمل الطويلة المثقلة بالأعباء، وفرط المثيرات والمعلومات التي تتطلب اهتمامهم.
غير أن نسبة المصابين منهم باضطرابات نفسية لاحقة للإصابة تراوحت بين 3 و5 في المائة فقط، مقارنةً بنسبة تصل إلي 20 في المائة بين الجنود الذين أُرسِلوا إلي أفغانستان والعراق في وقت سابق. ولكنَّ ذلك لا يعني عدم وجود آثار. ويمكن أن يسبب ذلك استرجاع ذكريات الماضي وحالات الأرق نفسها الشائعة لدي المصابين بالاضطرابات النفسية اللاحقة للإصابة.
تأخذ المؤسسة العسكرية الأمريكية " البنتاجون "تلك الأمور المقلقة علي محمل الجد،. فترتكز في قاعدة كريتش الجوية العسكرية بنيفادا - مركز عمليات الطائرات بدون طيار - ثمة سياسة جديدة تقتضي أن يتصل طيارو الطائرات بدون طيار بأخصائي علم النفس العسكري كلما استخدموا سلاحًا.
وتدرك تلك القاعدة الجوية الأمريكية ضرورة توظيف طيارين للعمليات المتحكَّم فيها عن بُعْدٍ يتحَلَّون بالاتزان وحسن التواصل وفي كثير من الأحيان يميل الناس تلقائيًّا إلي تخيُّل أن الطيارين هم الأطفال الذين نشأوا علي ألعاب الفيديو، وأنهم الأطفال الذين كانوا منعزلين اجتماعيًّا، أما ما نراه فهو أن الأمر يتطلَّب شخصًا يتحلي بالذكاء المعرفي، ومُعافي وقادرًا علي التواصل مع الناس.
ويعتقد المدربون بقاعدة هولومان أنه باستثناء بعض العوامل مثل القدرة علي تحمُّل قوي الجاذبية تتطابق المعايير المطلوبة للعمل في قيادة الطائرات بدون طيار مع معايير طياري الطائرات النفاثة.
الاشباح الجديدة أو الطائرات بدون طيار ليست مجرد أسلحة؛ ففي خضم تلك النقاشات السياسية كلها، من السهل أن ننسي أن المؤسسة العسكرية الأمريكية استخدمت طائرات بريديتور للمراقبة منذ تسعينيات القرن العشرين. أما فكرة تركيب قذائف هيلفاير أسفل جناحي تلك الطائرات الصغيرة فابتكار حديث جدًّا. ويتمثل أقوي عتادها في الكرة الزجاجية التي تم زرعها أسفل طرف الطائرة المدبَّب.
فالمثير للدهشة أن هذه الكرة تحتوي علي كاميرات قوية متعددة يمكنها قراءة لوحة أرقام سيارة من علي بعد أميال، أو تصوير المَشاهد عبر الدخان والعمل في الظلام باستخدام الأشعة تحت الحمراء. ويقدر العسكريون ان تسعة وتسعين في المائة من عملهم قائم علي التطلع إلي الأشياءوالحصول علي مزيد من المعلومات فالواقع أن الطائرات بدون طيار تتمتع بقدرة ممتازة علي جمع المعلومات المصورة، إلي درجة أن ما تلتقطه من صورٍ تراكَمَ في الشبكات العسكرية وخلَّف قدرًا هائلًا من البيانات المتراكمة التي لم تخضع للتحليل والمناقشة
وهذا التراكم الرهيب من المعلومات والصور ادي إلي ازمات متعددة فقد ثبت أن كمَّ المعلومات المتدفقة بسرعة الذي يستقبله مشغِّلو الطائرات بدون طيار يمثِّل مشكلة خطيرةوفي عام 2011، كان من الممكن تفادي مناوشة حدثت في أفغانستان وسقط ضحيتها 23 مدنيًّا لو أن مشغِّل الطائرة اطَّلع علي المعلومات ذات الصلة عن الحشد المتجمع. والنتيجة التي خلص إليها المحققون العسكريون هي أن المشكلة تكمن في أن المشغلين كانوا مثقلين بالأعباء وفقدوا السيطرة.
وأكد الخبراء العسكريون عقب هذه المطبات التقنية والثغرات في التشغيل أن المسألة ليست مسألة تدريب؛ فالجهاز المعرفي البشري له حدود ببساطة. فأثناء المهمة، يرزح الفريق الثنائي المكوَّن من الطيار ومشغِّل أجهزة الاستشعار تحت ضغط شديد بينما يقومان بمراقبة الأهداف، وتحليل الصور، وإرسال الرسائل النصية ومحادثة الأشخاص الموجودين بأرض المعركة عبر جهاز اللاسلكي، والتوفيق بين الأوامر، وتوجيه الطائرة، هذا كله في الوقت الذي يكونان مسئولَيْن فيه عن حياة الجنود والمدنيين الآخرين.
وقد حظت تلك الظاهرة بدراسة متعمقة لدي مراقبي الحركة الجوية، الذين قد يرصدون 10 طائرات أو أكثر علي شاشتهم في نفس اللحظة. فعندما يتجاوز عدد الطائرات الظاهرة علي الشاشة حدًّا معينًا، حتي المحترفون الذين تلقوا تدريبًا رفيع المستوي يصيرون مثقلين بالأعباء، وينهار النموذج الذي كوَّنه عقلهم عن المجال الجوي بأكمله.
ويعي المدربون في قاعدة هولومان تلك الظاهرة جيدًا فأحيانًا يُثقلون كاهل الطلاب بالمهام خلال فترة التدريب بهدف إثارة المشكلة ومحاولة التدريب علي حلها بشكل خاطف إلا أن ما لا يمكنهم تدريب الطلاب عليه هو مدي سرعة تطور الأحداث. حيث إن ذلك التحول من المراقبة المملة إلي الحرب الشاملة هو أكثر ما يصدم الطلاب عندما ينتقلون من مرحلة التدريب إلي توجيه الطائرات بدون طيار في أرض المعركة.
والحقيقة المؤكدة والثابتة حتي هذه اللحظة ان آثار تلك التقلبات المتكررة علي النفس البشرية في المدي البعيد ليست معروفة وبصفة يومية، لا يحدث غالبًا إلا أحداث قليلة في صحاري الشرق الأوسط التي تحلِّق فوقها الطائرات المتحكَّم فيها عن بُعْدٍ. ويقول طيارو قاعدة هولومان إنهم يحاولون شغل أنفسهم بتحليل الصور، ولكن مع غياب المثير يمكن أن يصير حفاظ الجنود علي يقظتهم أمرًا بالغ الصعوبة، وهو من شأنه أن يؤثر سلبًا علي أدائهم إذا طرأ أمرٌ مفاجئٌ.
ويسعي كل مدرب في القاعدة الجوية أن يساعد جنوده علي تخطي الرتابة. وهو يعمل علي تطوير لعبة الفيديو الأكثر مللًا في العالم؛ إذ تتضمن برنامجًا تدريبيًّا قائمًا علي الواقع الافتراضي، حيث يجلس اللاعبون في قرية ريفية لا يقومون بشيء سوي مراقبتها. ولا يستطيع الشخص العادي أن يظل منتبهًا أكثر من 10 إلي 15 دقيقة فقط .
ونتيجة لتلهُّف المشاركين إلي الحركة، يكونون في البداية متيقظين لأي تهديد محتمل فكل عبوة قد تكون قنبلة مرتجلة، وكل شاحنة يمكن أن يقودها مقاتلون. ولكن مع استمرار عدم حدوث أي شيء، تنخفض درجة يقظتهم ويتضاءل احتمال اعتبارهم أي أمر تهديدًا.
في نهاية المطاف تصير أكثر عُرضةً لإغفال الأحداث. ولا تتوافر لدينا معلومات مؤكَّدة عن مدي دوام ذلك الأثر. يأمل المدربون العسكريون أن يسهم ذلك البرنامج في توعية الجنود علي الأقل بمدي السرعة التي تفقد بها عقولهم انتباهها كما يخشون من التوسع في تدريب وامتلاك هذه الطائرات من قبل الجماعات الإرهابية في الشرق الاوسط..
ويبحث البنتاجون كثيراً من تلك الأساليب لمساعدة الجنود علي تخطي العمليات المنفصلة، سواء تضمَّن ذلك تحسين البيانات أم تحسين الإنسان ورفع كفاءة المتدربين. فعلي سبيل المثال: رغم اعتماد الطيارين في معظم عملهم علي المدخلات البصرية، يمكن إضافة مدخلات لمسية أو سمعية لتنويع طريقة تلقيهم للمعلومات. أخذاً بقاعدة «إذا استنفدتَ قدرة إحدي حواسك، يمكنك التحول إلي أخري".
وقد ابتكر الخبراء العسكريون الامريكان حزامًا للجنود يتكون من حلقة من محولات الطاقة الاهتزازية، ويمكن للنبضات التي تُصدِرها أن توجِّه مرتديها إلي التحول في اتجاه معين، أو زيادة سرعته، أو أن تنبهه إلي تهديد. ويذكر أن المؤسسة العسكرية الأمريكية تُجرِي اختبارات علي ذلك الحزام لاستخدامه في الظروف القاسية، ولكن يمكن كذلك لمشغِّلي الطائرات بدون طيار أن يستخدموه.
إلا أن بعض الباحثين يشككون في تلك الحلول باعتبار ان المنظومة الأمنية بأكملها تهدف إلي تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا لا الإنسان؛ فهي تخلق حلقة مفرغة وان الأفضل من تلك الحلول كثيرا هو تدريب الجنود علي الوعي بشتَّي أنواع الضغوط التي تنطوي عليها الحروب الحديثة، من خلال تمارين الانتباه المصمَّمة لتوعيتهم بأنواع الضغوط التي سيتعرَّضون لها قبل نشرهم في مواقعهم. وقد أثبتت الدراسات المبدئية المجراة علي تلك الأساليب تحقُّق بعض النجاح في زيادة قدرة الجنود علي التوفيق بين مهام متعددة في الوقت ذاته.
في الوقت الحالي، يموِّل البنتاجون مشروعا لدراسة عدد المركبات التي يمكن للشخص أن يتحكم فيها في الآن ذاته. وكانت الإجابة هي مركبة واحدة، ما لم يتوافر للطيارين نُظُمٌ آلية تساعدهم.
إن التشغيل الآلي يلوح في الأفق؛ فعما قريب، يُتوقع أن تصير الطائرات المتحكَّم فيها عن بُعْدٍ قادرةً علي توجيه ذاتها والتحكم في كاميراتها ذاتيًّا. أما البشر، فيُفتَرَض أن يحتفظوا بإصدار القرارات مثل إلقاء القنابل.
ومن خلال السطور السابقة نكتشف أننا أصبحنا بالفعل داخل دائرة مخاطر جديدة يصعب بل يستحيل السيطرة عليها ولا يمكن مواجهتها إلا بسلاح مواز أو بنفس السلاح أخذاً بقاعدة "لا يفل الحديد إلا الحديد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.