تواصل الولاياتالمتحدة إنفاقها مليارات الدولارات على تطوير الطائرات التي تقاد عن بعد كونها أثبتت نجاعتها في ميدان المعارك، لكن رغم ذلك تواجه بانتقادات شديدة.
الكهف الالكتروني معتم إلا من وهج شاشات الكومبيوترات، والمقدم مايك ويفر يتابع برضى عمل تلاميذه وهم يستعرضون القوة الأميركية في النصف الآخر من الكرة الأرضية. ويستعد طاقم لإطلاق صواريخ من طائرة يقودها أفراد طاقمها عن بعد على مجموعة من المتمردين في أفغانستان. ويرصد طاقم آخر من الكهف نفسه سيارة ما في اليمن.
وقال المقدم ويفر وهو طيار مخضرم إن "لا وقت للعواطف هنا فثمة حرب تستعر ولدينا مهمة يجب أن ننفذها". وأكد ويفر انه قاد طائرات كثيرة، ولكن ما يفعله على الأرض اقرب إلى الواقع.
جنديان يعملان صيانة لأحدى الطائرات التي تقاد عن بعد وكان ويفر يتحدث من قاعدة هولومان في ولاية نيو مكسيكوجنوب غربي الولاياتالمتحدة على بعد 14 الف كلم من المواقع التي يتمرّنون على ضربها، ولكن ويفر وتلاميذه لا يجسدون حرب أميركا على ما تسميه الإرهاب فحسب، بل هم يعبرون عن مستقبل القوة العسكرية الأميركية أيضا.
وكانت هذه المهمات في ملاحقة المتمردين في أفغانستان ورصد السيارة في اليمن تمرينات على أجهزة محاكاة. ولكن هذه القاعدة الضخمة التي تغطي 24 الف هتكار وسط الصحراء الحارقة تتحول إلى أكاديمية تصنع جيلا جديدا من الطيارين الذين لا يعملون في قمرات طائراتهم، بل داخل عربات مغروسة في رمال الصحراء.
ويجري نقل الطائرات الحربية التقليدية مثل اف 22 من القاعدة لتمكينها من التركيز على تدريب أطقم طائرات من دون طيار مثل أم كيو 1 بريديتور وأم كيو 9 ريبر.
وشهدت القاعدة اتساعا متسارعا وبرامج تدريبية متقدمة لتلبية طلب البنتاغون المتزايد على الطائرات دون طيار. وسيتخرج هذا العام 360 طاقما هم نتاج منهج دراسي جديد متخصص بالطائرات دون طيار اختصر إلى النصف فترة إعداد طيار لقيادة طائرات من النمط التقليدي. ويتألف الطاقم من طيار ومتخصص بتشغيل أجهزة الاستشعار عن بعد وأحيانا منسق عمليات. ويبقى نحو 95 في المئة من هذه الأطقم للعمل في الولاياتالمتحدة.
وقال الرائد جيسون الذي يعمل مدربا في القاعدة إن الأكاديمية لا تستقبل إلا الأفضل والأذكى ممتنعا عن أعطاء اسمه الكامل لصحيفة الغارديان لأسباب أمنية.
احد الضباط في قاعدة هولمان يشرح عن الطائرة
وكانت الطائرات من دون طيار، المعروفة أيضا باسم "مركبات جوية غير مأهولة"، حتى وقت قريب موضع استهجان الكثير من الضباط في الجيش الأميركي. وقال الكابتن تشاد، أيضا مدرب في القاعدة، أن الجلوس في محطة مراقبة أرضية لم يكن عملا مثيرا بنظر الكثير من العسكريين وخاصة الطيارين "ولكننا نغير الكثير من العقول التي أخذت ترى قدراتنا وما نفعله".
وما يفعله أسطول الطائرات التي تُقاد عن بعد هو تمكين إدارة اوباما من رصد واستهداف المتطرفين الإسلاميين في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن، في حملة أسفرت عن مقتل 2000 شخص على الأقل، بحسب صحيفة الغارديان.
ويرى منتقدون بينهم الرئيس السابق جيمي كارتر وخبراء قانونيون ومنظمات حقوقية أن الضربات والغارات التي تنفذها هذه الطائرات من دون طيار عمليات إعدام خارج إطار القانون تنتهك سيادة الدول وتنال من سمعة الولاياتالمتحدة الأخلاقية وتذكي التطرف.
وفي وقت لا توفر التخفيضات والاستقطاعات قطاعا أو خدمة اجتماعية فإن باراك اوباما خصص 5 مليارات دولار لطائرات بريديتور وريبر من دون طيار في مؤشر إلى أهميتها المتعاظمة ودورها كأداة سياسية. ولاقى السلاح الجوي صعوبة في تخريج أطقم كافية لتشغيل ما يُصنع من طائرات من دون طيار تتزايد عددا.
ولهذا السبب تقرر تحويل قاعدة هولومان الجوية التقليدية إلى أكاديمية متخصصة بتخريج أطقم مهمتها قيادة طائرات من دون طيار عن بعد مستكملة المدربين العسكريين بمدنيين مثل كيث فرا وهو مقدم متقاعد في السلاح الجوي يشرف على أجهزة محاكاة في سرب التدريب السادس عشر في القاعدة. وقال فرا انه يعمل في القاعدة ليسهم في سد النقص في المدربين العسكريين.
ويغني البرنامج عن ضرورة إتقان قيادة الطائرة من القمرة والتمرين على تحمل قوى الجاذبية. وبعد تدريب أساسي على الطيران ينتقل التلاميذ إلى إتقان أجهزة مثل منظومات التصويب متعددة الأطياف التي تجمع بين أجهزة الاستشعار المتكاملة بالأشعة تحت الحمراء والكاميرات التلفزيونية المتطورة وتكنولوجيا الليزر والبصريات في حزمة واحدة من المهارات.
ويتعلم التلاميذ أن سرعة طائرة بريديتور من دون طيار البطيئة نسبيا 84 ميلا في الساعة أفضلية في الواقع عندما "تحوم" فوق الهدف. وأن طائرة ريبر من دون طيار الأسرع بكثير والمسلحة بصواريخ بايفواي 2 وذخيرة للهجمات المباشرة، بالإضافة إلى صواريخ هيلفاير ، "توفر قدرة فريدة على التنفيذ الذاتي لسلسلة القتل التي تلاحق أهدافا مهمة ، خاطفة ، ويتعين ضربها في لحظات محدودة زمنيا".
ويتدرب التلاميذ بأجهزة محاكاة في أبنية بلا نوافذ ذات طابق واحد ومحطات مراقبة أرضية وعربات مطلية بالوان تمويهية يقودون منها عن بعد طائرات حقيقية غير مأهولة في سماء ولاية نيو مكسكيو.
ويتزايد بين التلاميذ عدد المراهقين الذين ينخرطون في برنامج الأكاديمية مباشرة بعد المرحلة الثانوية. ولكن آخرين طيارون متمرسون في قيادة مقاتلات وقاذفات وطائرات شحن ونقل أُعيد تنسيبهم إلى الأكاديمية أو سجلوا بإرادتهم. وقال المدرب كريس "إن طياري مقاتلات اف 16 كانوا يقولون أنهم ينتقلون من قيادة فراري إلى قيادة فورد فيستيفا ولكن من يقولون ذلك الآن أقل بكثير".
وأضاف كريس أن العديد من الضباط ذوي الرتب العالية يشتركون في دورات التدريب على قيادة طائرات من دون طيار في الأكاديمية "لأنهم يعرفون أنها المستقبل ومَنْ لا يريد أن يكون في الصدارة؟ مشيرا إلى طائرة بريديتور من دون طيار رابضة على المدرج.
ويحرص المدربون على تصحيح فكرتين خاطئتين. فهم لا يجيدون الألعاب الالكترونية ومن الخطأ تسمية الطائرات "طائرات بدون طيار" لأن بشرا يتحكمون بها طوال الوقت. ويفضل أفراد الأطقم تسمية "طائرت تُقاد عن بعد" على تسمية "مركبة جوية غير مأهولة" لأن عبارة "غير مأهولة" تقلل من مساهمتهم في قيادة الطائرة.
ويقول خبراء في القاعدة أن المهمة الرئيسة التي تؤديها هذه الطائرات هي حماية العسكريين الآخرين بمعلومات في الزمن الحقيقي عن وجود مفخخات أو مسلحين مختبئين أو منع وقوع هجمات بضرب شبكات إرهابية.
وقد يتطلب ذلك مهارة أكبر مما تتطلبه قيادة الطائرة من القمرة لأن على من يقودها عن بعد أن ينفذ مهمات متعددة في وقت واحد وان يجري اتصالات متعددة عبر وسائط مختلفة، أحيانا حين يكون ضباط كبار ومحللون استخباراتيون ومحامون عسكريون واقفين وراءهم ينظرون إلى عملهم من فوق اكتافهم. وعليهم أن يواصلوا التركيز فترات طويلة من المراقبة حين لا يكون هناك ما يستحق الانتباه تحسبا لحدوث طارئ أو نشوء مهمات مفاجئة.
وحين سُئل الضابط ويفر عن الاتهامات القائلة أن ضربات الطائرات بدون طيار إعدامات خارج إطار القانون قال أن هذا أمر متروك للسياسيين "ونحن نطيع أوامر قادتنا المدنيين".
ويرفض جميع العاملين في الأكاديمية، مدربين وتلاميذ وقادة، أي إشارة إلى أن خوض حرب بأجهزة التحكم عن بعد أقل شجاعة من القتال التقليدي.
وقال الضابط جون أن هناك أنواعا مختلفة من الشجاعة "ونوعنا يتطلب شجاعة أخلاقية. ونحن نُقدِم على مخاطر أخلاقية وقانونية. وإذا ضغطتُ على الزناد ثم يتضح أني كنتُ على خطأ، علي أن أتحمل النتائج".